الرئيسية

في هذا العدد

العدد (21) صيف 2025

الكتاب المدرسيّ... ضرورة مشروطة، حين طرحنا ملفّ العدد الحادي والعشرين: "مصادر التعلّم المدرسيّ: أما زال الكتاب المدرسيّ أساسًا؟" كنّا نطمح فيه إلى أن تقدّم التربويّات والتربويّون العرب نماذج تخطّيهم الكتاب المدرسيّ، وذلك في معرض نقل متعلّميهم من مرحلة التعليم إلى التعلّم. انهالت علينا مشاركات زملائنا، تبحث في الكتاب المدرسيّ أداةً للتعلّم، وتطرح نماذج تطعيمه بمصادر أخرى، ولا سيّما المصادر الرقميّة الجديدة التي تشي بانقلاب في سيرورة التعليم.  من ناحية أخرى، ناقشت بعض المقالات الكتابَ المدرسيّ مفهومًا، ووظيفةً تتخطّى الدور التعليميّ المباشر. ويمكن التعبير عن هذا التوجّه بالآتي: تسقط الأنظمة السياسيّة للدول لأسباب مختلفة، فيكون هنالك نظام بائد ونظام حاليّ. وتُلصق بالأوّل الويلات، ويعِد الثاني بالخيرات. لكن ما يهمّنا، هو أنّ المشترك بين كلّ نظام "حاليّ" - ومع أولى خطوات استتباب وضعه وفرض سلطته - أنّ المجال الأوّل الذي يتحرّك فيه هو تغيير الكتب المدرسيّة! حتّى ليُخال للمراقب أنّ الكتب المدرسيّة كانت من عمدان النظام، ووجب نسفها لتأكيد سقوطه بلا رجعة.

ملفّ العدد القادم

دعوة للكتابة في الأعداد القادمة

للمساهمة والكتابة في أعداد المجلّة القادمة، نستقبل مقالاتكم حول المواضيع التربويّة المختلفة عبر البريد الإلكترونيّ:  [email protected] تعالج مواضيع المقالات العامّة التربويّة في المجلّة قضايا التعليم والإدارة المدرسيّة وتطوير المعلّمين. وقد يكون موضوع المقال منطلقًا من تفكُّر ذاتيّ؛ تأمُّل في تجربة ما أو مراجعة لها أو مُشاركة لتجارب وأفكار مُختلفة، أو قد يكون نتاجًا لورشة أو ندوة أو مؤتمر، وربّما يكون مراجعة لكتاب أو مقالة استطاع الكاتب أن يختبر مقتضياتها في الصفّ، وأن يُدخل عليه ما يتناسب ووضع الصفّ والمدرسة بشكل عامّ، وأن يلمس بيده وروحه ما أدّت إليه في مسار المتعلّمين. المعارف، على أهمّيّتها، موجودة وباتت متاحة بلغات مختلفة، لكن تجربتكم الشخصيّة في تحويل المعرفة إلى ممارسة يوميّة أو استراتيجيّة ناجحة تلائم الواقع، هي الشعلة التي نرغب في نقلها إلى المُمارسين التربويّين في الحقل التعليميّ. للاطلاع على سياسات النشر في المجلّة سياسات منهجيات | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)، وفريق منهجيّات سيكون داعمًا وموجودًا للتواصلِ والمتابعة والمجاورة.  

أخبار تربويّة

منظّمة أنقذوا الأطفال: جيش الاحتلال يقتل طفلًا كلّ ساعة في غزّة

أفادت منظّمة "أنقذوا الأطفال" الدوليّة، بأنّ عدد الأطفال الذين قُتلوا في قطاع غزّة منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر تجاوز 20 ألف طفل بمعدّل طفل فلسطينيّ واحد على الأقلّ في كلّ ساعة على يد قوات الاحتلال الإسرائيليّة. وأوضحت أحدث البيانات، استشهاد ما لا يقلّ عن 20 ألف طفل حواليّ 2% من إجماليّ عدد الأطفال في غزّة منذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023. وأشارت إلى أنّ ما لا يقل عن 1009 أطفال من بين الشهداء دون سن عام واحد، كما ولد ما يقرب من نصفهم (450) وقتلوا خلال الحرب. وكثّفت القوات الإسرائيليّة قصفها على قطاع غزّة، مما أدى إلى تدمير 97% من المدارس، و 94% من المستشفيات. وقال المدير الإقليميّ للمنظّمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا الشرقيّة أحمد الهنداوي: "هذه إحصائيّة مُخزيّة، انحدار جديد مروّع في حرب تتسم بسيل متواصل من هذه الجرائم، والأسوأ من ذلك كلّه، أننا توقّعنا هذا، هجمات ممنهجة على دور الأطفال، وملاعبهم، ومدارسهم، ومستشفياتهم، وتجويع متعمّد، والعالم لا يفعل شيئًا لإيقافها". ودعت منظّمة "أنقذوا الأطفال" إلى وقف فوريّ ونهائيّ لإطلاق النار، وإتاحة وصول فوريّ وغير مقيّد للمساعدات الإنسانيّة المنقذة لحياة الأطفال والعائلات في جميع أنحاء غزّة. ومنذ تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، تُشير تقارير يونيسف إلى أنّ ما يعادل صفًّا دراسيًّا كاملًا يُزهق يوميًّا، كما وثّقت جمعيّة علماء الإبادة الشاملة أنّ أكثر من 50,000 طفل قتلوا، مما يشكّل وفقًا لها علامة واضحة على وجود نمط ممنهج من الاستهداف.  وأفادت لجنة الأمم المتّحدة أنّ أكثر من 40,500 طفل تعرّضوا لإصابات متعلقة بالحرب، أصيب أكثر من نصفهم بإعاقات دائمة، ما يعكس تأثيرات كارثيّة طويلة الأمد على الحاضر والمستقبل، يُضاف إلى ذلك أن "أنقذوا الأطفال" وثّقت أنّ آلاف الأطفال يوميًّا فقدوا أطرافهم أو يعانون من إصابات تستلزم علاجات مستدامة. وفقًا لتقرير سابق للمنظّمة؛ فإنّ المدارس والمستشفيات الأماكن المفترض أن تظل ملاذًا للأطفال تعرّضت لهجمات متكرّرة، حيث دُمّرت المدارس وتضرّرت المستشفيات في بداية الحرب، كما وثّق تقرير الأمم المتّحدة أنّ عدد الأطفال الشهداء في غزّة خلال أشهر قليلة فاق عدد الأطفال الذين قُتلوا في النزاعات العالميّة خلال أربع سنوات كاملة، مما يُبرز ضخامة المأساة واتّساعها.   المصدر ( شبكة قدس الإخباريّة).

وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينيّة تؤكّد تعرّض المنظومة التعليميّة لإبادة ممنهجة

أكّدت وزارة التربية والتعليم العالي في فلسطين أنّ منظومة التعليم الفلسطينيّ تتعرّض لإبادة ممنهجة متواصلة وغير مسبوقة، خاصّة في قطاع غزّة، حيث استُشهد الآلاف من طلبة المدارس والجامعات، وتم تدمير المئات من المنشآت والمرافق التعليميّة، ما يُمثّل جريمة كبرى بحق الإنسانيّة واستهدافًا واضحًا للحقّ في التعليم. وبيّنت الوزارة في بيان صادر عنها لمناسبة، اليوم العالميّ لحماية التعليم من الهجمات، الذي يصادف أمس، أنّ الضفّة الغربيّة بما فيها القدس تشهدًا استهدافًا شاملًا للمنظومة التعليميّة وسط تصاعد وتيرة الانتهاكات بحقّ الكوادر والطلبة والمؤسّسات التربويّة والأكاديميّة، لا سيّما في القدس ومديريّات شمال الضفّة والأغوار ويطّا وبلدة الخليل القديمة، من خلال عمليّات التدمير والاقتحامات والتضييق على المدارس وطلبتها وكوادرها. ودعت الوزارة المجتمع الدوليّ ومؤسّسات الأمم المتّحدة والمنظّمات الحقوقيّة والمدافعة عن التعليم إلى تحمّل مسؤولياتها، والتحرّك العاجل لوقف هذه الإبادة بحق التعليم الفلسطينيّ، وضمان حماية المدارس والطلبة والمعلّمين والعاملين في السلك التربويّ والأكاديميّ وفق القوانين والمواثيق الدوليّة؛ فالتعليم حقّ واستهدافه جريمة. كما أكّدت الوزارة أنّ هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على الانتهاكات التي طالت التعليم في قطاع غزّة إلى مرحلة ترتقي إلى مستوى "إبادة تعليميّة".   المصدر (وكالة الأنباء الفلسطينيّة).

اليونيسف: خفض التمويل يهدّد بتوقف تعليم 6 ملايين طفل إضافيّين

حذّرت منظّمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف)، من أنّه في الوقت الذي يشهد التمويل العالميّ للتعليم اقتطاعات شديدة، قد يُضطر 6 ملايين طفل إضافيّين إلى التوقف عن الدراسة بحلول نهاية عام 2026، يعيش ثلثهم في أوضاع طوارئ إنسانيّة. وقالت المنظّمة في دراسة جديدة إنّه من المتوقع أن تتراجع المساعدات الإنمائيّة الرسميّة للتعليم بمقدار 3.2 مليار دولار، أو ما يعادل انخفاضًا بمقدار 24% عن عام 2023، وأنّ هناك 3 حكومات مانحة مسؤولة عن زهاء 80% من هذه الاقتطاعات. وأظهرت الدراسة أنّه من شأن مثل هذا التراجع أن يزيد عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في العالم من 272 مليونًا إلى 278 مليونًا، أيّ ما يعادل عدد طلّاب المدارس الابتدائيّة في ألمانيا وإيطاليا مجتمعتين. وقالت المديرة التنفيذيّة للمنظّمة كاثرين راسل إنّ "كلّ دولار يُقتطع من تمويل التعليم لا يمثل قرارًا ماليًّا فحسب، بل يضع مستقبل طفل ما على المحك، فالتعليم يعمل كشريان حياة، خصوصًا في أوضاع الطوارئ، إذ يربط الأطفال بخدمات حاسمة الأهمّيّة من قبيل خدمات الصحّة والحماية والتغذية، كما يوفّر أفضل فرصة للطفل للنجاة من الفقر وبناء حياة أفضل". وفقًا للدراسة الجديدة، تواجه منطقة غرب ووسط أفريقيا التأثير الأشدّ، إذ قد يضطر 1.9 مليون طفل إلى التوقف عن الدراسة، مضيفة أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تشهد زيادة في عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بمقدار 1.4 مليون، إضافة إلى تراجع كبير في جميع المناطق الأخرى. ووجدت الدراسة أنّه من المتوقع أن يخسر 28 بلدًا ما لا يقل عن ربع المساعدات المخصّصة للتعليم والتي تعتمد عليها في توفير التعليم قبل الابتدائيّ، والابتدائيّ، والثانويّ. وحثّت اليونيسف البلدان المانحة والشريكة على أن تتصرف الآن لحماية التعليم من خلال إعادة التوازن للمساعدات المخصّصة للتعليم لتصبح أكثر إنصافًا وفاعليّة بحيث يخصص 50 بالمائة كحدّ أدنى لأقلّ البلدان نموًا.   المصدر (وكالة الأنباء الأردنيّة).

في كلّ عدد تختار منهجيّات قضيّة أو مفهومًا تربويًّا تخصّص له ملفًّا يشارك فيه خبراء وأكاديميّون ومعلّمون في مقالات وتجارب وتحليلات، تتناول الموضوع من جوانبه المختلفة. يشكّل الملفّ رافدًا مهمًّا للمعلّمين والباحثين والمهتمّين.

المزاوجة بين الكتاب المدرسيّ والذكاء الاصطناعيّ: نموذج تعليميّ للمستقبل
إنّ تكامل الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ يُعدّ خطوة مهمّة نحو تطوير الأنظمة التعليميّة، لتلبية احتياجات القرن الواحد والعشرين. ... تابع القراءة
إلى متى سيبقى الكتاب المدرسيّ صامدًا؟
لا أظنّ أنّه يمكننا الاستغناء عن الكتاب المدرسيّ، وإن كان المعلّم هو قائد العمليّة التعليميّة والعنصر الأوّل فيها؛ فالكتاب مُساعد القائد،... تابع القراءة

مقالات عن تجارب وتأمّلات وتقنيّات تعلّميّة – تعليميّة، غير مرتبطة بموضوع أو قضيّة محدّدة، ومفتوحة للمُشاركة دائمًا.

التعليم النشيط: فكر أم مجرّد تطبيق تقنيّ؟
يتصوّر العديد من الفاعلين التربويّين أنّ التعلّم النشيط أمر بسيط، مرهون ببعض السلوكيّات الانفتاحيّة نمارسها على الطفل وعلى مشاركاته في ال... تابع القراءة
التعلّم بالأجهزة المحمولة: ثورة تربويّة أم فخّ رقميّ للشباب؟
أصبح التعلّم عبر الأجهزة المحمولة (m-learning) وسيلة مبتكرة تسهم في جعل العمليّة التعليميّة أكثر مرونة وتفاعليّة، باستخدام مختلف التطبيقا... تابع القراءة

الندوة القادمة

ندوة منهجيّات الشهريًّة مساحة نقاش مفتوح يتناول موضوعًا يتجدّدُ، يشارك في الندوة مختصّون تربويّون ومعلّمون خبراء في موضوع الندوة.

ندوة: التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ.. خبرات تطبيقيّة من الصفّوف والمجتمع

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر آب / أغسطس 2025، بعنوان "التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ: خبرات تطبيقيّة من الصفّوف والمجتمع". وركّزت على محاور مختلفة، هي: 1. الافتتاح والتأطير المفاهيميّ. 2. عرض التجارب والخبرات. 3. الاستراتيجيّات والدروس المستفادة. استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. زينة الريحاني نائبة المدير لشؤون الرفاه في مدرسة الأكاديميّة العربيّة - قطر / الأردن؛ أ. آلاء الكيلاني معلّمة رياضيّات وباحثة تربويّة، الأردن؛ أ. سونيا عبدي كرباج، مدرّسة لغة عربيّة حائزة على إجازة في اللغة العربيّة من الجامعة اللبنانيّة، لبنان؛ أ. حمود سلمان مجيدل، باحث واختصاصّي اجتماعيّ، عمل في مجالات حماية الطفل والإرشاد المدرسيّ، سوريا. أدارت الندوة : د. جنان كرامه شيّا، الباحثة التربويّة والاستشاريّة المتخصّصة في القيادة التربويّة وتطوير السياسات التعليميّة، والأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركيّة - لبنان. استهلّت د. شيّا الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.   مدخل الندوة: افتتاح وتأطير مفاهيميّ قالت د. شيّا إنّ التعليم اليوم لم يعد مجرد امتحانات ومناهج، إذ لم يعد كافيًّا أن يتمكّن الطالب من القراءة والحساب. بل أصبح مطلوبًا منه أن يكون مواطنًا عالميًّا لديه بوصلة أخلاقيّة، ولديه القدرة على التعايش واتّخاذ قرارات مسؤولة وعادلة. وأضافت أنّ الأزمات التي حولنا بيّنت أنّه إذا لم تركّز المدرسة على القيم والمهارات العاطفيّة والاجتماعيّة، فستخرّج طلّابًا قد ينجحون في الامتحانات، ولكن ليست لديهم أدوات النجاح في الحياة. ومن هُنا يأتي دور التعلّم الاجتماعيّ العاطفي؛ فهو ليس مجرّد رفاهية أو إضافة، بل أساس بناء شخصيّات متوازنة قادرة على مواجهة عالم صعب ومعقّد مثل العالم الذي نعيش فيه في وقتنا الحاليّ. وذكرت أنّنا حين نتحدّث عن التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، نحن نتحدّث عن ضرورة أن تكون المدرسة مساحة للسلام الداخليّ ومختبرًا لمواطنة عالميّة. فالتحدي أمامنا اليوم ليس فقط تدريب أولادنا على النجاح في الموادّ الأكاديميّة، بل تدريبهم أيضًا على أن يكونوا بشرًا بكامل إنسانيّتهم، ومواطنين عالميّين واعين ومسؤولين. وهذا جوهر التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ وهدفه، والذي سنتحدث عنه اليوم في ندوتنا من خلال تجارب وخبرات حقيقيّة، من مدارسنا ومجتمعاتنا. كما عرّفت د. شيّا مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، بأنّه عمليّة تربويّة منظّمة، تساعد الطالب على تطوير مهاراته لفهم نفسه أكثر. ويتعامل مع غيره بطريقة إيجابيّة، ويجيد اتّخاذ قرارات مسؤولة. وهو إطار شامل لا يُطبّق في الصفّوف والمناهج فقط، بل أيضًا بالإدارة المدرسيّة والعلاقات داخل المدرسة وخارجها. تظهر أهمّيّة تطبيق هذا المفهوم بخلقه لبيئة صفّيّة آمنة، الطالب يشعر فيها بالانتماء والاحترام. كما تظهر أهمّيّته في تعزيز رفاه الطالب النفسيّ والاجتماعيّ بما ينعكس على تحصيله الأكاديميّ. ويزوّد التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ الطالب بالمهارات الحياتيّة الأساسيّة لمواجهة التحديّات اليوميّة، إضافة إلى أنّه يساعد المعلّمين في إدارة الصفّوف ويقوّي شراكتهم مع الأهل. وأشارت د. شيّا إلى أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يعزّز خمس كفايات أساسيّة وهي: 1. الوعي الذاتيّ: حيث يتمكّن الطالب من تعريف مشاعره ومعرفتها، كما يعرف مراكز قوّته وقيمه، ويفهم كيف تؤثّر هذه الأشياء في سلوكه. على سبيل المثال، عندما يعبّر الطالب عن توتّره قبل الامتحان. 2. إدارة الذات: يجيد ضبط انفعالاته، ويتحكّم بسلوكيّاته وتنظيم أهدافه. مثل استخدام التنفّس العميق أو تقسيم المهام للتغلّب على التوتّر. 3. الوعي الاجتماعّي: التعاطف مع الآخرين وفهم وجهات النظر المختلفة، مهما كانت خلفّيات الآخرين، وهذا يظهر في احترام التلميذ رأيًا مخالفًا له في نقاش صفّيّ. 4. مهارة بناء العلاقات: من خلال بناء علاقات صحّيّة قائمة على التعاون وتقديم الدعم المتبادل. وهُنا نجد الطالب يعمل بفعّاليّة في المجموعات، سواء لعمل مشروع أو حلّ مشكلّة. 5. اتّخاذ القرارات المسؤولة: يعرف كيف يأخذ قرارات أخلاقيّة وآمنة تحترم الجميع، عندما يرفض سلوكًا مؤذيًا، حتّى لو كان شائعًا بين رفاقه.   وحتّى ينجح التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، لا يكفي أنّ يُطبّق في نشاطات متفرّقة في الغرفة الصفّيّة، بل يجب أن يكون نهجًا كاملًا يُنفَّذ في المدرسة كلّها، وذلك في: 1. أن يكون لقيادة المدرسة رؤية واضحة تجعل هذا التعلّم جزءًا من رسالتها وقيمها. 2. العمل على تدريب مستمرّ للمعلّمين والإداريّين على هذا النهج. 3. وجود مناهج وموارد وأنشطة يوميّة تعزّز المهارات العاطفيّة الاجتماعيّة وتربطها بالحياة اليوميّة. 4. وجود مناخ مدرسيّ آمن وداعم قائم على الثقة. 5. شراكة حقيقيّة للمدرسة مع الأهل والمجتمع. 6. تقييم ومتابعة لقياس الأثر، وتطوير برامج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ باستمرار.   المحور الأوّل: عرض التجارب والخبرات استهلت د. شيّا المحور بتوجيه سؤال للأستاذة سونيا عبد كرباج: ما الذي دفعك إلى دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في حصص اللغة العربيّة، وكيف ساعدك ذلك في خلق جوّ صفّيّ آمن وشامل لكلّ الطلّاب؟ بدأت أ. كرباج إجابتها بحديث الطلّاب عن بُعد مادّة اللغة العربيّة عن حياتهم اليوميّة، إذ كانوا يستمرّون في طرح أسئلة مثل "لماذا نتعلّم اللغة العربيّة؟ ماذا نستفيد منها؟" على الرغم من أنّ اللغة العربيّة هي اللغة الأساسيّة، لكنّ الطلّاب يشعرون أنّ المادّة منفصلة تمامًا عن المجتمع. إضافة إلى أنّ مادّة اللغة العربيّة جامدة وصعبة ولا سيّما في مهارات تقنيّة كالإعراب، لذلك اضطررت إلى البحث عن طريقة لإشعار الطالب أنّ هذه المادّة موجودة في المجتمع ونحتاج إليها. من الأسباب التي دفعتني إلى دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في حصص اللغة العربيّة، حجم المادّة الكبير والفروقات الفرديّة. إذ نؤمن في مدرستنا بأنّ لكلّ طالب موهبةً وقدرة يجب العمل عليها. في السابق كنت أشعر أنّ المعلومة لم تصل إلى جميع التلاميذ. لذلك بدأتُ بمحاولة فهم مشاعري والوعي بها، وأصبحت ألاحظها منذ لحظة دخولي الحصة، ثمّ صرت أحاول فهم مشاعر طلّابي من النظرة الأولى عند الدخول للحصة، وأحاول اكتشاف مشاعر تلاميذي: الحزن والخوف وغيرها من مشاعر التي تظهر على وجوههم. قالت أ. كرباج إنّ بعض التلاميذ، ولا سيّما الذين يعانون صعوبات في التعلّم، كانوا يشعرون بأنّهم ليسوا جزءًا من الصفّ. كانت تسأل كلّ تلميذ عن شعوره. وانتقلَت من هذا السؤال إلى تشجيعهم على التعاطف، وجعلتهم يعملون في المجموعات. وصارت تعرف كلّ طالب ماذا يحبّ وماذا يكره، وما الذي يُشعره بالارتباك ويوتّره، وأين يشعر بالراحة. هناك الكثير من الفروقات بين الطلبة، فمنهم من يحبّ المعلومة الشفهيّة، ومنهم من يحبّ الرسوم، ومنهم أيضًا من يحبّ التحليل. فأصبح العمل بالمجموعة يُشعر كلّ فرد من المجموعة بأنّه قادر على المساعدة. أشارت أ. كرباج أيضًا إلى ضرورة تقييم المعلّم لنفسه بشكلّ مستمرّ، كما أكّدت على أنّه بمجرد البدء بتطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الحصّة، تنطلق الأفكار المتعلّقة بهذا النهج بطريقة سهلة وسلسلة. وذكرت أنّ هذا النهج ساعدها في تشكيل بيئة آمنة في الصفّ؛ الطالب أصبحت لديه ثقة أكبر بنفسه، ولم يعد يخاف من التعبير عن مشاعر، أو يهاب طلب توضيح للمعلومات التي لم يفهمها. أصبح الطلّاب يطرحون أفكارهم من دون الخوف من السخريّة أو الضحك. الأمر الذي عزّز التواصل بينهم. كما أصبح الطالب يشعر أنّ اللغة العربيّة ليست شيئًا منعزلًا عن المجتمع، بل هي التي ستمثّله وتجعله يعبّر عن رأيه. وأضافت أنّ شعورها اختلف كثيرًا قبل وبعد استخدام هذا النهج، فأصبحت تشعر بالراحة داخل الغرفة الصفّيّة، وأنّها تنتمي مع طلّابها إلى الفريق نفسه.   من هُنا انتقلت د. شيّا إلى تجربة الأستاذة آلاء الكيلاني، في دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في تدريس الرياضيّات ووجهّت إليها السؤال الآتي: كيف أثّر التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في نظرتك إلى التعليم، وتعاطيكِ مع التلاميذ؟ وما أبرز التغيّرات التي لاحظتها في صفّوفك بعد تطبيق هذا النهج؟ لفتت أ. الكيلاني إلى أنّ مادّة الرياضيّات، بخاصّة في المرحلة الثانويّة، من الموادّ المعروفة بحجم منهاجها الكبير، وكان تركيزها في السنوات السابقة على عقل الطالب، وعلى إيصال أكبر قدر من المعلومات إليه. وكانت تجد نجاحها بوصفها معلّمة، يمثّله نجاح طلّابها في الاختبارات الأكاديميّة. ولم تفكّر بمكوّنات الطالب من مشاعر وأحاسيس وآراء وعلاقات اجتماعيّة. وأضافت: عندما بدأت بحضور تدريب حول موضوع التعلّم العاطفيّ الاجتماعي، لم أكن متشجّعة للموضوع، واعتقدت أنّ تطبيقه سيأخذ من وقت الحصّة. لكنّي وجدت بعد التطبيق، أنّ الكثير من مشاكلّ الحصّة تمّ حلّها، وأهمّها مشكلّة الإدارة الصفّيّة. ففي السابق، عندما كنت أدخل الصفّ وأجد الطلّاب مشتّتين فأحاول جذب انتباههم، تطلّب ذلك وقتًا من الحصّة واستهلك طاقتي. بعد إدخال مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، صرت أبدأ الحصّة بتطبيق تمارين، مثل سؤالهم عن شعورهم اليوم، الأمر الذي يجذب الطلّاب ويحفّزهم على التفاعل، ويجعلهم يشاركون مشاعرهم وأسبابها. تعرّفت أكثر إلى طلّابي وأصبحت أكثر قربًا منهم. وصرت أفسّر بعض سلوكيّاتهم التي لم أكن أفهمها في السابق ولا أبرّرها، حتّى تلك التي لم تكن تعجبني. وأصبحت أتعامل معهم بما يلائم نفسيّاتهم وخلفيّاتهم الاجتماعيّة. فضّلت الطالبات هذا النوع من التعلّم، حتّى في حصّص الفراغ. والخجولات منهنّ بدأن يتجرّأن على المشاركة والحديث. ومن المواقف الغريبة التي حدثت معنا في نشاط اسمه " التقدير والامتنان"، تُقدّم فيه الطالبة وردة إلى أيّ شخص تشعر بالامتنان له، تفاجأت أنّ بعضهن قدّمن الوردة لأنفسهنّ، فشعرت حينها أنّ الطالبات يحتجن إلى التعزيز والتقدير، حتّى لو كان من أنفسهن. التدريب على استخدام التعلّم العاطفيّ الاجتماعي كان من أجمل التدريبات التي مرّت عليّ، حتّى إنّي تعلّمت فهم نفسي ومشاعري.   هنا أكّدت د. شيّا على أهمّية تدريب المعلّمين على تعزيز تطبيق مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الصفّوف، ثمّ انتقلت إلى تجربة الأستاذة زينة الريحاني، وطرحت عليها السؤال الآتي: ما أبرز المواقف التي تطلّبت منكِ توظيف التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ مع المراهقين والأطفال الصغار، وكيف نجحتِ في بناء شراكة حقيقيّة مع الأهل؟ بدأت أ. الريحاني بأنّ معظم المشاكلّ التي يتعامل معها الإداريّون إمّا سلوكيّة أو أكاديميّة. عندما يكون التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جزءًا من هويّة المدرسة وليس مجرّد منهج، ينعكس ذلك على المجتمع المدرسيّ ككلّ، وعلى المجتمع الخارجيّ المتمثّل بأولياء الأمور. وقالت: عندما عملنا مع الأهالي، اكتشفنا أهمّيّة تعليم الأطفال التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ. وضرورة تحويله إلى ثقافة يمارسونها في حياتهم الحاليّة والمستقبليّة. فمعظم المشاكلّ التي نتعرّض إليها بوصفنا بالغين، تكون إمّا سوء تفاهم أو عدم تواصل جيّد. هذه المشاكلّ مرتبطة بمهارات لو تدرّبنا عليها منذ الصغر، لتمكنّا من حلّها بأساليب مختلفة. فعندما نُمكّن الأطفال من حلّ مشكلّة صغيرة في الفسحة حول اللعب بالكرة، وتعليمهم الطريقة الصحيحة للتعبير عن مشاعرهم، وتوصيل مشاعرهم إلى الكبار بطريقة صحيحة، نقدّم إليهم مهارات للتعامل مع مشاكلهم في المستقبل. وأشارت أ. الريحاني إلى أنّ طريقة تعاملنا مع التحديّات التي يواجهها الطلّاب تنعكس على البيئة المدرسيّة، ويلمس أثرها أولياء الأمور. لذلك من المهم أن تتعامل جميع المدارس مع أولياء الأمور بشفافيّة كبيرة، وأنّ نكون، نحن المربّين، كتابًا مفتوحًا للأهل، لأنّنا المرجعيّة لهم. فالأهل يحتاجون أحيانًا إلى أن نمسك بأيديهم للتعامل مع ما يمرّ فيه أبناؤهم، واللقاءات الدوريّة التي نقوم بها مع أولياء الأمور يكون لها أثر كبير في ذلك. على سبيل المثال، تطبيق الأهل استراتيجيّات مقترحة من المدرسة في إدارة نوبات الغضب لأبنائهم، وملاحظة نتائج إيجابيّة على الطالب، أمر يشعرنا بالفرح، وينعكس على البيئة الصفّيّة، لأن البيئة الصفّيّة لا يتحكّم فيها الموجودون داخل الصفّ فقط، بل يؤثّر فيها أيضًا دور الأهل. فالنتائج التي نسعى لها، ندركها أسرع بتعاوننا مع الأهل.   من جهتها، أكدّت د. شيّا على أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يقوى بالشراكة مع الأهل، وهذا يؤكّد أنّ المدرسة لا يمكنها العمل بمعزل عن المجتمع والأسرة، ومن هُنا انتقلت إلى طرح سؤال على الأستاذ حمود أمجيدل: ما الخصوصيّات التي تجب مراعاتها عند تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ مع الأطفال المتأثّرين بالصدمات والنزوح؟ وكيف استطعت أن تمنح الأطفال اللاجئين إحساسًا بالأمان والانتماء بأنشطة هذا النهج؟ تحدّث أ. امجيدل عن تجربته التي تعامل فيها مع أطفال لاجئين، وأطفال من مجتمعات محلّيّة. وأكّد أنّ معاملة الأطفال في ظروف النزوح تتطلّب مراعاة خاصّة؛ فهم نوع مختلف عن بقيّة الأطفال من ناحية الظروف التي نشؤوا فيها، من نزوح وفقدان وتنقّلات متعدّدة. هذه الخصوصيّة يجب أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق التدخّلات القائمة على التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ. أطفال المخيمّات أو الذين يعيشون في ضواحي المدن، قد يفتقدون المساحات الآمنة للعب والانتماء. لذلك من الضروريّ أن يجدوا بيئة مدرسيّة داعمة. وأضاف أ. أمجيدل: استنتجت من خلال تجربتي في تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، أنّ هذا النهج مهمّ لتعليم الأطفال كيف يتعاملون مع زملائهم القادمين من بيئات مختلفة. كان للقيام بأنشطة تركّز على موضوع الوعي الاجتماعيّ، وفهم الاختلافات بين الأطفال، واحترام الآخرين وبناء العلاقات مع الأقران. دور كبير في تعزيز الروابط بينهم. كان علينا نحن العاملين في هذا المجال، مراعاة أنّ الأطفال في أماكن النزوح يعانون الصدمات، فمنهم من فقد أهله، أو تعرّض إلى مشاهد قاسيّة. وعندما كنّا نصمم لهم الأنشطة، كنّا نراعي ألّا تذكّرهم أنشطتنا بتلك الأحداث المؤلمة التي مرّوا فيها. فمثلًا، إذا كان النشاط يتحدّث عن الانتماء إلى العائلة، لا نذكر كلمة عائلة إذا كان أحد الطلبة فقد والديه مثلًا، والاكتفاء بقول الانتماء إلى الأشخاص الذين نحبّهم. كما كنّا نركّز على خلق مساحات آمنة، لأنّ هؤلاء الأطفال يفتقدون مساحات اللعب والتعبير؛ فمعظمهم من عائلات فقيرة، قد يعمل فيها الأمّ والأب لأوقات طويلة، وليس لديهم الأدوات للتعامل مع أطفالهم. هؤلاء الأطفال بحاجة إلى تدخّلات مدروسة ومنهجيّة ضمن البيئة المدرسيّة. ومن المهمّ جدًّا محاولة إشراك الأهل، حتّى نعمل بطريقة سليمة في التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ. أمّا في ما يخصّ الإحساس بالأمان، فقال أ. امجيدل إنّ إحساس الأمان يأتي من شعور الطفل بأنّ البيئة المدرسيّة مريحة ومُحبّبة إليه. فمن المواضيع التي عملنا عليها، موضوع التنمّر وخوف الأطفال من الاختلاط مع أطفال آخرين، إذ كان هذا الخوف عائقًا كبيرًا أمام الأطفال، ويسبّب التسرّب المدرسيّ. عملنا على موضوع العلاقة بين الأقران وحلّ النزاعات، والتعبير عن المشاعر،  فأصبح الطلّاب أكثر حضورًا إلى المدرسة، وأكثر تعاونًا مع المعلّمين. ونوّه أ. امجيدل إلى أنّه بوصفه اختصاصيًّا اجتماعيًّا في المدرسة، لا يطبّق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بشكلّ جماعيّ فقط، بل يقدمّه بشكلّ فرديّ يراعي خصوصيّة كلّ طالب - فلبعضهم احتياجات إضافيّة - وهو ما يُعرف بالتعلّم العاطفيّ الخاصّ. لذلك قام بتطوير ما يُعرف بخطّة التنمية الفرديّة القائمة على التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، لفهم مشاعر الطفل واحتياجاته النفسيّة والاجتماعيّة، وعلى أساسها تُصمّم جلسات فرديّة، تتمّ متابعتها من قبل الاختصاصيّ. من خلال هذه الجلسات يُفهم ما يحتاج إليه الطفل، على سبيل المثال، قال أ. امجيدل: أفهم إذا كان الطفل يواجه تحدّيات مع المعلّم أو تحدّيات في التعبير عن نفسه. فأتواصل مع المعلّم وأنقل إليه الصورة التي عبّر عنها الطفل في الجلسات. فأكون حلقة الوصل بين الطفل والمعلّم. فالأطفال قد لا يعبّرون في الجلسات الجماعيّة، ويكون تعبيرهم في الجلسات الفرديّة أفضل.   المحور الثاني: الاستراتيجيّات والدروس المستفادة ما الاستراتيجيّة الصفّيّة التي لاحظتِ أنّها الأكثر تأثيرًا في تحسين تفاعل الطالب وسلوكهم؟ وما نصيحتك لمن يريد البدء غدًا في دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في صفّه، ولكن لا يعرف من أين يبدأ؟ قالت أ. كرباج إنّه في السابق كان التركيز في مادّة اللغة العربيّة على التلقين، أمّا حاليًّا فأصبح المنهاج أكثر تركيزًا على البعد الإنسانيّ في كلّ شيء. فأصبح يركّز على العاطفة والمشاعر والتعبير عن الرأي. وحتّى يدرك الطالب المشاعر في نصوص اللغة العربيّة، كان يجب تعليم الطالب كيفيّة إدراك مشاعره، ليتمكّن من التعاطف مع الكاتب الذي نقرأ نصوصه. كان الأمر صعبًا في البداية، ولم أكن قادرة على إيجاد فكرة للانطلاق منها، إذ كانت مراجع دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ للغة العربيّة قليلة على الإنترنت. ومن الاستراتيجيّات التي عملت عليها في الصفّ: 1. التعبير الكتابيّ العاطفيّ: يكتب الطالب يوميّات أو فقرة تعبّر عن شعور معيّن. 2. المناقشة الدائريّة: حوار مفتوح حول قيمة أو موضوع مأخوذ من نصّ. 3. التعلّم التعاونيّ: تقسيم الطلّاب إلى مجموعات لحلّ نشاط أو تحليل نصّ. 4. التعلّم بالقصّة: قراءة قصّة قصيرة ثمّ مناقشة مشاعر الشخصيّات. 5. لعب الأدوار: تمثيل موقف لغويّ او اجتماعيّ مرتبط بالنصّ. واقترحت أ. كرباج أنشطة إضافيّة: 1. عواطفي بالكلّمات: يكتب كلّ طالب كلّمة تعبّر عن مشاعره ثمّ يناقشها. 2. كرسيّ الاعتراف الأدبيّ: يتقمّص الطالب شخصيّة من النصّ ويجيب عن أسئلة زملائه. 3. خريطة القيم: استخراج قيمة من النصّ ورسم مخطّط ذهنيّ لها. 4. رسالة إلى الكاتب: يكتب الكاتب رسالة يعبّر فيها عن الأثر الشخصيّ للنصّ. 5. دائرة الثقة: كلّ طالب يشارك جملة إيجابيّة عن زميله. وفي دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ باللغة العربيّة، عرضت أ. كرباج الآتي: - التعبير الكتابيّ يعزّز الوعي بالذّات. - الحوار والنقاش ينمّي مهارات الاستماع والتعاطف. - الإلقاء والقراءة الجهريّة، يقويّان الثقة بالنفس. - تحليل النصوص ينمّي التفكير النقديّ واتّخاذ القرار المسؤولة. وأكّدت أ. كرباج على أنّ دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في اللغة العربيّة يعني دمج اللغة بمهارات الحياة، فهو أداة لبناء شخصيّة متوازنة ومجتمع متسامح ومتعاون؛ فاللغة ليست وسيلة للتعبير فحسب، بل جسر للتّواصل الوجدانيّ. وفي سياق الاستراتيجيّات والدروس المستفادة طرحت د. شيّا على أ. الكيلاني السؤال الآتي: ما التغيير الذي لاحظته على تحصيل الطالب بعد دمج مهارات التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في دروس الرياضيّات، وما النشاط أو التمرين الذي يمكن أن ينقله أيّ معلّم إلى صفّه بسهولة؟ بيّنت أ. الكيلاني بعض استراتيجيّات التدريس والأنشطة التي تعزّز التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في المرحلة الاستفتاحيّة من الحصّة، وهي: 1. نشاط حديث الساعة: يقوم المعلّم بتقديم موضوع شائع، ويطلب إلى الطلبة التعبير عن آرائهم حوله. 2. نشاط تعزيز الوعي الذاتيّ: ما شعورك اليوم؟ ارسم في الهواء وجهًا يمثّل شعورك، واجعل التلاميذ يتوقّعون ما هو هذا الشعور. 3. نشاط تعزيز الوعي الاجتماعيّ: التقدير والامتنان، يختار المعلم عددًا من الطلبة، ويطلب إلى كلّ واحد منهم تقديم وردة إلى زميل يختاره تعبيرًا عن تقديره وامتنانه له. ويوضح الطالب سبب تقديره وامتنانه لذلك الزميل. 4. أنشطة تقلّل من التوتّر: يبدأ المعلم الحصّة بتمارين التنفّس العميق لمدّة دقيقة أو اثنتين، لمساعدة الطلبة على تهدئة أذهانهم وتركيز انتباههم. وعرضت أ. الكيلاني استراتيجيّات تدريس، وأنشطة تعزّز التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في الحصّة: 1. نشاط فكّر حاور ناقش. التفكير بالسؤال بشكلّ فرديّ، ثمّ التحاور فيه مع زميل، ثمّ مناقشته بشكلّ جماعيّ. 2. نشاط السرد القصّصيّ: بتضمين الحصّة بأمثلة من الحياة، بخاصّة في ما يتعلّق بالإحصاء والاحتمالات. 3. الألعاب التعليميّة: على سبيل المثال استخدام البطاقات التي تحتوي على أسئلة وأجوبة. 4. استراتيجيّة القبعات الستّ. 5. توزيع الأدوار بين المجموعات، أدوار مثل: السائل، المفسّر، الملخّص، المقيّم. 6. التعزيز: مكافأة السلوكيّات الإيجابيّة بدلًا من التركيز على العقاب. مدح الأفعال بدلًا من الصفّات العامة، مثلًا: "أحببت طريقة تعاونك مع زملائك". وأشارت أ. الكيلاني إلى ضرورة إشراك الطلبة في عمل الجداريّات الصفّيّة بشكلّ تعاونيّ داخل الغرفة الصفّيّة، أو بالمناسبات والاحتفالات الوطنيّة، الأمر الذي يجعل الطالبات يكتشفن أنفسهنّ، ويكتشفن مواهب يمتلكنها زميلاتهنّ، ما يعزّز من مهارات العمل الجماعيّ لديهنّ.   في هذا، أضافت د. شيّا أنّ أنظمتنا التربويّة التقليديّة تعزّز التنافس والفرديّة للأسف، ولكن تعزيز العمل فريقيًّا يجعل الطلّاب يفهمون غنى التنوّع، ويعزّز لديهم إدراك أهمّيّة العمل بروح الفريق، من دون تنافس على النجاح جميعًا، ويقدّم أفضل صورة للفريق. ثمّ وجهّت د. شيّا سؤالًا إلى أ. الريحاني:  ما السياسة المدرسيّة أو البرنامج الذي أثبت فعّاليّته في ترسيخ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ على مستوى المدرسة؟ وكيف تضمنين استدامة الشراكة مع الأهل على المدى الطويل؟ قالت أ. الريحاني إنّه عندما يصبح التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة المدرسة اليوميّة، يمكن القول إنّنا تمكّنا من ترسيخ المفهوم في المجتمع المدرسيّ. على سبيل المثال، لو حوّلنا سياسة الانضباط إلى سياسة مراعية لمفاهيم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بطريقة إيجابيّة، تخيّلوا التأثير الكبير في الطلّاب. فعندما تتحوّل العقوبات إلى عواقب، وعندما نقدّم إلى الطالب الدعم العاطفيّ الذي يمكّنه من التعبير عن مشاعره، ويفهم سبب كلّ تصرّف يقوم به، ويكون له دور في تصميم السياسات التي تحكم المدرسة، سيشعر أنّه يمتلك جزءًا من القرار الذي سينعكس عليه في المستقبل. وبخصوص استدامة الشراكة مع الأهل على المدى الطويل، تقول أ. الكيلاني إنّ أكثر ما تعلّمته من تجربتها هو أنّ الأهل يشعرون أنّ لهم صوتًا ودورًا حقيقيًّا في المدرسة، وذلك بتطبيق نهج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ. وأشارت أ. الريحاني إلى تجربتهم في تنظيم دورة للأهل غير متعلّقة بالطالب بل بهم، وتحديدًا بموضوع الاحتراق الأبويّ، وتدريبهم على التعامل مشاعرهم، وكان لهذه الدورة أثر كبير في المجتمع. وفي الحقيقة، السبب أنّ بعضنا لا يتمكّن من تربيّة أطفاله بالطريقة المناسبة، يعود إلى عدم القدرة على التعامل مع المشاعر المكبوتة. فعندما يشعر الأهل بأنّ المدرسة تفكّر فيهم وتقدّر الصعوبات التي يمرون فيها، كلّ المجتمع المدرسيّ يتحوّل إلى مجتمع إيجابيّ، ويستعمل التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بين كلّ أطراف العمليّة التعليميّة لتحقيق أهداف المدرسة، ويصبح أولياء الأمور شركاء فاعلين يتحمّسون لمشاركتنا أصغر نجاحاتهم مع أطفالهم، كما تكون بيننا قنوات تواصل قويّة يشعرون فيها أنّ المدرسة هي المرجع. لنصل بذلك إلى أقصى حالات النجاح للمجتمع المدرسيّ، وضمان استمراريّة هذا النجاح على المستوى البعيد.   وسألت د. شيّا: ما الأنشطة التي دمجت بين الدعم النفسيّ الاجتماعيّ والتعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، وحقّقت نتائج ملحوظة؟ وما أهمّ ما يجب أن يتذكّره أيّ معلّم يعمل مع أطفال في بيئات هشّة أو متأثّرة بالأزمات؟ أجاب أ. امجيدل بأنّ الدعم النفسيّ الاجتماعيّ عادةً ما يكون مع أطفال خارجين من أزمات وحروب. يتعامل المعلّم معهم لفترات محدودة، ولكنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يعني العمل مع الأطفال لفترات أطول، وبناء إنسان قادر على التعامل مع مشاكله مدى الحياة. فالطفل الذي تدرّبه على مهارات التعلّم الاجتماعيّ، سينعكس تدريبه هذا على مستقبله في بيئات العمل وعلاقاته المستقبليّة في المجتمع بشكلّ عام. من الأمثلة على أنشطة التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ: 1. الرسم:  يمكن أن يكون أداة تعبير وتفريغ للمشاعر. 2. لعبة شدّ الحبل: لعبة للتسليّة والتفريغ وتنميّة الحسّ الجماعيّ والتعاون بين الأطفال. 3. مسرح الدمى: أداة قديمة ومعاصرة في آنٍ، حيث كانت لي تجربة بحثيّة مع جامعة ديكن بخصوص هذا الموضوع: عملنا مع مجموعة أطفال ليكونوا المؤلفّين والمخرجين والعارضين لمسرحيّة من الدمى، لتكون بذلك أداة تفريغ وأداة تعلّم، لفئة اليافعين. طريقة تطبيق التجربة: - أولًا: إعطاء الأطفال مساحة في تخيّل الشخصيّات، شكلّها الخارجي ومشاعرها الداخليّة. - ثانيًا: عمل جلسة لبناء علاقة بين هذه الشخصيّات، - ثالثًا: مرحلة العرض التي خطّط لها ونفذّها الطلّاب. في هذا العرض عملنا على: 1. أن يكون لهذا المسرح هدف تفريغيّ. 2. بناء العلاقات بين الأطفال ليصبح لديهم وعي اجتماعيّ. 3. تقييم التجربة قبل تنفيذها وخلالها وبعدها. وفي ما يخصّ ما يجب أن يتذكّره المعلّم عندما يتعامل مع أطفال في بيئات هشّة أو متأثّرة بالأزمات، قال أ. امجيدل: على المعلّم أن يتذكّر أنّه يتعامل مع أطفال يواجهون ظروفًا مختلفة، ولديهم صدمات واحتياجات إنسانيّة إضافيّة خاصّة. ويجب أن يتواصل معهم بطريقة تحترم كرامتهم من دون أيّ تمييز أو أحكام مسبقة. كما شدّد على ضرورة خلق بيئة آمنة، ليس فقط للتعليم، بل يجب أن تشبه بيئة الصفّ بيئة الأسرة، لأنّ هؤلاء الأطفال قد لا يتلقّون الدعم العاطفيّ من أسرهم، فللمعلّم دور إضافيّ في هذا، حيث يقدّم جانبًا عاطفيًّا للتواصل مع هؤلاء الأطفال.   أسئلة الجمهور في العصر الذي زاد فيه الحديث عن التنمّر  والرفاه النفسيّ والتعلّم العاطفيّ، يزيد معه سلوك التنمّر، فهل العلاقة طرديّة بينهما، أم الآن أصبحنا أكثر وعيًا بمثل هذه الأمور؟ أجابت أ. الريحانيّ: لم تكن في السابق عناوين ومسميّات للأشياء. والتحدّيات التي يواجهها الجيل الحالي، تختلف عن تحدّيات جيلنا. الجيل الحالي لديه وعي ذاتيّ أكبر. ولهذا السبب، هذه المصطلحات ظهرت، حتّى نتمكّن من التعامل مع وعيه وتحدّيات عصره. طريقة حلّ المشاكلّ في السابق مختلفة عن طريقة حلّ المشاكلّ في الوقت الحاليّ. فمثلًا، عند مشاجرة طالبتين، في السابق كان حلّ المشكلة يتمّ في غرفة المديرة. أمّا الآن، فيمكن أن يصبح الموضوع "ترند"، ويخرج من نطاق المجتمع المدرسيّ. إنّ كلّ هذا حتّم علينا أن يكون عندنا وعي ومصطلحات لنتعامل مع هذه المشاكل.   هل يؤثّر تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في هيبة المعلّم؟ أكّدت أ. كرباج على أنّ العلاقة بين المعلّم والطالب تصبح أقوى عند تطبيق هذا المفهوم، ويصبح الأستاذ أكثر قدرة على إدراك التلميذ. والتلميذ يصبح أكثر قدرة على إدراك الأستاذ واحترام مشاعره. كلّ هذه الأمور تساعد على بناء بيئة صفّيّة أفضل، وأبدًا لا تتأثّر هيبة المعلّم، بل يتمّ فهمها واحترامها.   هل يساعد الذكاء الاصطناعيّ في تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ؟ بيّنت أ. الكيلاني أنّ الذكاء الاصطناعيّ مهما وصل إلى قدرات، لن يمتلك أيّ نوع من المشاعر، فهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنه منافسة الإنسان فيه. فالإنسان لا يفهمه إلّا إنسان آخر مثله. كما أضاف أ. امجيدل أنّ علاقة الأطفال مع الذكاء الاصطناعيّ ما زالت محدودة، ونتمنّى أن تبقى كذلك، إلّا في مجال الاستفادة والحصول مع المعلومات. لذلك يجب أن نركّز على جانب الأطفال الانسانيّ ومشاعرهم بعيدًا عن كلّ أدوات الذكاء الاصطناعيّ. من ناحيتها قالتها أ. كرباج إنّه من الممكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعيّ لأخذ أفكار منها. ومناقشة الطلّاب بالأفكار التي ينقلونها من الذكاء الاصطناعيّ والإحساس بها. إذ لا يمكن عزل الطالب عن الذكاء الاصطناعيّ الموجود في كلّ مكان حولهم. وترى أ. الريحاني أنّ دور الذكاء الاصطناعيّ جديد في المدارس ولم ينظّم بعد، وكذلك مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جديد أيضًا، لذلك علينا أنّ نبقي موضوع الذكاء الاصطناعيّ بعيدًا نسبيًّا عن مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، إلى أن يتمّ ترسيخه بشكلّ أقوى في المدارس. وفي سياق متصّل ربطت د. شيّا بين ضرورة تدريب الطلّاب على التفكير النقديّ، واستخدامه في التعامل مع المعلومات الواردة من الذكاء الاصطناعيّ، وعدم قبول كلّ المعطيّات الذي يقدمّها هذا النوع من الذكاء.   إلى أي مدى يمكن استثمار كفايات التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ ومجالاته داخل الصفّوف؟ قالت أ. الكيلاني إنّ دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الصفّوف، عبارة عن تغيير لروتين الحصّة فقط، نحن نغيّر طريقة تعاملنا مع الطلّاب، بأساليب تفتح أبوابًا للتواصل والحوار لفهم مشاعر الآخرين أكثر.   في خِتام الندوة، شاركت د. شيّا رابط قسم مصادر في موقع منهجيّات. وشكرَت المُشاركات والمُشاركين على مداخلاتهم المهمّة، والجمهور على تفاعله واستفساره. وأكّدت على أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ ليس مجرّد فكرة نظريّة، وإنّما ممارسة يوميّة في الصفّ عبر شراكة المدرسة مع الأهل. مؤكّدة على أنّ هذا التعلّم جسر بين التعليم الأكاديميّ وبناء المواطن العالميّ المسؤول.  

ندوة: تعزيز صوت الطالب من منظور الإدارة.. من المشاركة الرمزيّة إلى التفعيل الحقيقيّ للقيادة الطلّابيّة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر حزيران/ يونيو 2025 بعنوان: "تعزيز صوت الطالب من منظور الإدارة: من المشاركة الرمزيّة إلى التفعيل الحقيقيّ للقيادة الطلّابيّة".  وركّزت على محاور مختلفة، هي: المحور الأوّل: إعادة التفكير في مفهوم صوت الطالب من منظور الإدارة: الأسس النظريّة وسوء الفهم الشائع. المحور الثاني: ممارسات من الميدان: تجارب مدرسيّة في تفعيل صوت الطالب. المحور الثالث: نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة.   استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: الأستاذ بول سعيد، نائب المدير في مدرسة البيان ثنائيّة اللغة في الكويت؛ الأستاذة رولا عبدالحميد، المديرة الأكاديميّة  ‏في مدرسة البيان، الأردن؛ الأستاذ ربيع المرّ، المدير الأكاديمي في المدرسة الأهليّة، لبنان؛ الأستاذة دلال مشرقي، المدرّبة الأكاديميّة في قسم رياض الأطفال في مدارس الظهران الأهليّة، السعوديّة. وأدار الندوة الأستاذ فهمي رشيد كرامي، محام وشريك مؤسّس في مكتب رشيد فهمي كرامي للمحاماة والاستشارات القانونيّة في طرابلس، لبنان. استهلّ الأستاذ كرامي بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.   المحور الأوّل: إعادة التفكير في مفهوم صوت الطالب من منظور الإدارة: الأسس النظريّة وسوء الفهم الشائع افتتح الأستاذ كرامي الجلسة مؤكّدًا أنّ الحديث عن "صوت الطالب" حديث عن حقّ إنسانيّ أصيل، لا منّة تُمنح فيه ولا تفضيل يُعطى، مشدّدًا على ضرورة إعادة النظر في دور الطالب، ليس متلقًّا للمعرفة وحسب، بل فاعلًا مشاركًا في صياغة المحتوى التربويّ وأساليب تقديمه. وأشار إلى أنّ هذه الندوة تأتي ضمن جهود أوسع لفهم كيفيّة ترجمة هذا المفهوم إلى سياسات وممارسات داخل المؤسّسات التعليميّة. وفي هذا السياق، طرح الأستاذ كرامي سؤالًا جوهريًّا: كيف تنظر الإدارة التربويّة إلى صوت الطالب؟ وهل هو مجرّد تعبير أم أداة فاعلة في التغيير؟   في ردّه، أوضح الأستاذ بول سعيد أنّ التحوّلات الاجتماعيّة والتكنولوجيّة ألقت بظلالها على طبيعة الأدوار في العمليّة التعليميّة، مؤكّدًا أنّ التعلّم لم يعُد يقتصر على التلقين، بل أصبح تجربة حياتيّة تتطلّب شراكة حقيقيّة مع الطالب. وأضاف أنّ الاعتراف برأي الطالب وإسهامه في قرارات تتعلّق بالمنهج والتقييم والأنشطة، يعزّز من انخراطه ويطوّر قدراته القياديّة، مستشهدًا بمقولة الباحثة ليندا لامبرد: "الطالب القائد هو من وجد صوته.، منوّهًا إلى أنّ بناء ثقافة مدرسيّة تستند إلى صوت الطالب يتطلّب تخطيطًا وتدريبًا، وممارسات واعية تبدأ بالإصغاء الحقيقيّ، وبإشراك الطلّاب في صنع القرارات، بما لا يُضعف دور المعلّم، بل يُعزّز الشراكة التربويّة، معقّبًا بأنّ الطالب القائد هو ذاك الذي وفّرت له المدرسة المساحة ليُسمع صوته، ويشارك من دون خضوع أو تقييد، بل بوصفه شريكًا في التغيير. وفي سياق الحديث عن العدالة التربويّة ودور الطالب شريكًا فعليًّا في قيادة التغيير، وجّه الأستاذ كرامي سؤالًا إلى الأستاذ ربيع المرّ حول رؤيته إلى علاقة صوت الطالب بكلّ من العدالة التربويّة والقيادة التشاركيّة. قدّم الأستاذ ربيع المرّ مداخلة حول ارتباط صوت الطالب بمفاهيم العدالة التربويّة والقيادة التشاركيّة، مشيرًا إلى أهمّيّة دمج الطلّاب بوصفهم أطرافًا فاعلة في قرارات الإدارة المدرسيّة، بل وفي الأبحاث التربويّة نفسها؛ لا بوصفهم مبحوثين فقط، بل مشاركين في جمع البيانات وتحليلها ونشر نتائجها. وأضاف أنّ إشراك الطلبة في عمليّات التقييم، وحتّى التوظيف، يمثّل تحوّلًا جذريًّا في رؤية المدرسة إلى الطالب. وأوضح أنّ تحقيق صوت الطالب لا يمكن أن يكون هامشيًّا أو رمزيًّا، بل يجب أن يتحوّل إلى جزء جوهريّ من بنية العمل داخل المدرسة. وأكّد أنّ إشراك الطالب في قرارات إدارة المدرسة هو أحد أهمّ المؤشّرات على تحقق هذا الصوت. فصوت الطالب لا يُفعّل بإضافة أنشطة فقط، بل من خلال دمجه في هيكليّة اتّخاذ القرار على مستويات متعدّدة. ومن منظور البحث التربويّ، دعا الأستاذ ربيع إلى إعادة تعريف الطالب باحثًا شريكًا، لا عنصرًا يُدرس أو يُقاس فقط. أي أن يُشرك الطلبة في جمع البيانات وتحليلها ونشرها، ليكونوا جزءًا من عمليّات التقييم والتحسين المؤسّسيّ، ما يعزّز من قدراتهم النقديّة ويُنمّي لديهم الشعور بالمسؤوليّة. وأضاف أنّ صوت الطالب يجب أن يُفعّل على المستويين العموديّ والأفقيّ؛ فعلى المستوى العموديّ، يمكن للطلاب المشاركة حتّى في قرارات محوريّة، مثل تقييم المعلّمين المرشّحين للتوظيف، وإبداء رأيهم بشأنهم. وعلى المستوى الأفقيّ، تتمثّل المشاركة في التوسّع المدرسيّ، وتطوير السياسات، وتنويع أساليب التعليم. واختتم بالقول إنّ صوت الطالب لا يمكن فصله عن مفاهيم التعلّم التشاركيّ، والتعليم الحواريّ، والتعليم التحرّريّ، مؤكّدًا أنّ هذه النظريّات التربويّة، على اختلاف تطبيقاتها بحسب السياق، تفقد جوهرها إن لم تتأسّس على إشراك الطالب في صلب التجربة التعليميّة. وأوضح أنّ صوت الطالب ليس شعارًا، بل ممارسة قائمة على مفاهيم التعلّم الحواريّ، والتعليم التشاركيّ، وتنمية الوعي النقديّ، بما يتلاءم مع خصوصيّة كلّ مدرسة ورؤيتها.   وفي استكمال النقاش، وجّه الأستاذ كرامي سؤالًا إلى الأستاذة دلال مشرقي حول المفاهيم النظريّة التي يستندون إليها في دعم صوت الطالب، مستعرضًا أيضًا تجربتها في برنامج البكالوريا الدوليّة. استهلّت الأستاذة مشرقي مداخلتها باقتباس ملهم للدكتور غازي القصيبيّ: "إذا أردت أن تبني مجتمعًا واعيًا، فابدأ بالطالب، علّمه كيف يقول رأيه بثقة وكيف يحترم رأي غيره." وأكّدت أنّ هذا هو جوهر ندوة اليوم: فتح المجال أمام صوت الطالب ليُسمع ويُحترم ويُفعّل. وتحدّثت عن التجربة التربويّة في مدارس الظهران - السعودية، والتي تتبنّى برنامج البكالوريا الدوليّة (PYP)، حيث تُبنى الممارسات التربويّة على رؤية تُعزّز من تمكين الطالب ليكون مفكّرًا ومتعلمًا مدى الحياة، ثنائيّ اللغة، ومؤثّرًا محليًّا وعالميًّا. وأوضحت أنّ أحد المفاهيم المركزيّة التي يقوم عليها البرنامج هو مفهوم "القوى المحرّكة"، والتي تتكوّن من ثلاث ركائز مترابطة: الصوت، والاختيار، والملكيّة، حيث يُدرّب الطالب على التعبير عن رأيه، واتّخاذ قراراته، وتحمّل مسؤوليّة تعلّمه، ما يُكسبه إحساسًا بالملكيّة تجاه إنجازاته، ويُطوّر هويّته الشخصيّة. وأضافت أنّ هذه المقاربة تسهم في تطوير مهارات التفكير النقديّ والإبداع والاستقلاليّة. كما تمنح الطلّاب فرصًا واقعيّة لتجربة أثر قراراتهم، والتعلّم من خلال التفاعل والملاحظة والمشاركة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ الهدف هو بناء طالب مبادر، مفكّر، متواصل بفاعليّة.   في سياق مكمّل، طرح الأستاذ فهمي سؤالًا على الأستاذة رولا عبد الحميد، حول مدى قرب مدارسنا وتجاربنا اليوميّة من هذا المفهوم. أشارت الأستاذة رولا إلى أنّ فكرة الطالب القياديّ تتأثر بثقافة المدرسة، والبيئة المحيطة، والأسرة. وأكّدت أنّ تطبيق هذا المفهوم يختلف من مدرسة إلى أخرى. ففي حين يُمارَس في بعض المدارس بشكل فعليّ، يظهر في مدارس أخرى بصورة شكليّة، بحسب عمق قناعة المدرسة وثقافتها بأهمّيّة دور الطالب في القيادة والمشاركة. وأشارت إلى أنّ بناء هذا الدور ليس لحظة عابرة، بل هو سلوك تربويّ يتطلّب سنوات من التأسيس، ما يستوجب وضع برامج واضحة وممنهجة للمهارات القياديّة، تبدأ منذ السنوات الأولى. وأضافت أنّ التباين في تطبيق المفهوم يرتبط بنوع المدرسة (حكوميّة أو خاصّة أو دوليّة)، إذ تختلف الرؤية والأهداف من مؤسّسة إلى أخرى. وقدّمت مدرسة البيان في الأردن مثالًا، حيث تتقاطع سمات الطالب مع البرنامج المنهجيّ في إطار متكامل، يُعزّز شخصيّة الطالب ضمن ثقافة مدرسيّة واضحة ومبنيّة على معايير القيادة. كما أشارت إلى أنّ بعض مدارس البكالوريا الدوليّة، تدمج سمات الطالب داخل ملفّه الأكاديميّ، ما يخلق تجربة تربويّة شاملة ترتكز على الطالب، وتُراعي ثقافته وسياقه. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ تحقيق نموذج الطالب القياديّ يتطلب تكامل الرؤية بين الإدارة والمعلّمين والأهل، لضمان تطبيق حقيقيّ وفاعل لهذا النموذج في عالمنا العربيّ، على رغم التحدّيات.   المحور الثاني: ممارسات من الميدان: تجارب مدرسيّة في تفعيل صوت الطالب. وفي انتقال نوعيّ من الطرح النظريّ إلى التطبيق العمليّ، ناقشت الندوة سؤالًا محوريًا مع الأستاذة دلال مشرقي حول تجربة مدارس الظهران الأهليّة في تعزيز صوت الطالب من مختلف الزوايا. قدّمت الأستاذة مشرقي عرضًا لتجارب ملموسة من المدرسة، موضحة أنّ تعزيز صوت الطالب منذ السنوات المبكّرة يبدأ بأنشطة مثل المكتبات الصفّيّة، حيث يُشارك الطلّاب في ترتيب الكتب وتصنيفها وفقًا للفئات العمريّة والمستويات القرائيّة، بإشراف المعلّمين. كما يُؤخذ رأي الطلبة في نوعيّة القصص التي يُرغب في إضافتها إلى المكتبة، بما يمنحهم إحساسًا بالملكيّة تجاه العمليّة التعليميّ. ومن المبادرات البارزة التي أشارت إليها، استضافة الكاتبة كارولين حمادة في لقاء افتراضيّ مع الطلّاب، قرأت فيه قصصًا بأسلوب تفاعليّ، ثمّ أُضيفت كتبها إلى المكتبات الصفّيّة، ما عمّق العلاقة بين الطالب والكتّاب، وأشعرهم بأنّهم شركاء في إثراء المحتوى. كما تحدّثت عن معرض البكالوريا الدوليّة الذي يُمثّل مشروع تخرّج طلبة الصفّ الخامس، ويقوم فيه الطلبة باختيار مواضيعهم، وتصميم مشاريعهم، وتحمّل المسؤوليّة الكاملة عنها حتّى الإنجاز النهائيّ. كذلك يُتيح لهم البرنامج اختيار مواضيع الكتابة الفرديّة، والتي تُنشر في مكتبة المدرسة، ما يمنحهم منبرًا حقيقيًّا لإبراز صوتهم وتفرّدهم. وأشارت أيضًا إلى احتفاليّة "وحدة القصص"، حيث يقوم الطلبة بتحليل الشخصيّات القصصيّة وتأمّل تأثيرها في حياتهم، ثمّ يعيدون تمثيل القصص أو سردها بأساليب مبتكرة تعبّر عن رؤيتهم، ما يعزّز الخيال النقديّ والتعبير الذاتيّ. كما يُعمَل على تنمية التفكير النقديّ واتّخاذ القرار من خلال مشاريع صفّيّة تطرح مشكلات واقعيّة يُطلب من الطلبة البحث فيها، واقتراح حلول لها. ومن أدوات التقييم اللافتة التي تستخدمها المدرسة، السماح للطلبة بالمشاركة في وضع معايير التقييم، مثل: "ما صفات المتحدّث الجيّد؟" حيث يُنتج الطلّاب مجموعة من المعايير التي تُستخدم لاحقًا لتقييم أنفسهم بأنفسهم. وختمت الأستاذة مشرقي مداخلتها بالإشارة إلى أنّ المدرسة تُشجّع الطلبة على اختيار عمل يشعرون بالفخر به، ليقوموا بعرضه أمام زملائهم، ما يُعزّز الثقة بالنفس واتّخاذ القرار.   وفي مداخلة مكمّلة، أجاب الأستاذ ربيع المرّ عن سؤال حول أدوات تفعيل صوت الطالب داخل الصف، مشدّدًا على أهمّيّة خلق فرص دائمة ومنظّمة تمكّن الطلاب من طرح الأسئلة حول جذور المشكلات داخل بيئتهم المدرسيّة، والمشاركة في تطوير السياسات والممارسات التربويّة. وأشار إلى أنّ جائحة كورونا شكّلت نقطة تحوّل، إذ بدأت المدارس في التساؤل عمّا إذا كانت مناهجها لا تزال تحاكي الواقع. وأوضح أن المعلّمين تعلّموا الكثير من خلال سماع صوت الطلاب. وعرض تجربة بحثيّة أجراها خلال رسالة الدكتوراه، بمشاركة 21 طالبًا، حيث استخدمت أساليب البحث التشاركيّ بين المعلّمين والطلبة. توصّل البحث إلى نتائج مهمّة حول المجالات التي يجب أن تبدأ فيها المدارس التغيير، وأصبح الطلاب جزءًا من وضع خطة تنفيذ حقيقيّة وتقييمها. وأكّد أنّ الطلبة لم يُعامَلوا بوصفهم مشاركين رمزيّين، بل أطرافًا متساوية في اتّخاذ القرار، وهو ما تطلّب التحرّر من الفرضيّة السائدة بأن "المعلّم دائمًا الأعلم بمصلحة الطالب"، وفسح المجال لتعدّد الرؤى.   تقدّم الأستاذ كرامي بالشكر للمشاركين، مؤكدًا أنّ ما طُرح من مبادرات يُجسّد كيف يُمكن لصوت الطالب أن يكون حجر الزاوية في العمليّة التعليميّة، وسأل عن أثر هذه التجارب في بناء شخصيّة الطالب. أجاب الأستاذ بول سعيد بسرد ثلاث تجارب محوريّة في مدرسة البيان ثنائيّة اللغة في الكويت: أولًا: مراجعة سياسات الحضور والانضباط، حيث أُشرك الطلاب في مجموعات تركيز لمراجعة الممارسات القائمة واقتراح بدائل. لم تكن المشاركة رمزيّة، بل حقيقيّة، حيث ظهر حرص الطلاب على مصلحة المدرسة، ما عزّز الثقة المتبادلة. ثانيًا: مبادرة "المدرّبون الصغار" في المرحلة الابتدائيّة، التي جاءت استجابةً لشكوى الطلّاب من الملل والتنمّر في الاستراحة، تولّى فيها طلّاب مهمّة تنظيم الأنشطة والألعاب، واختاروا بأنفسهم ما يناسبهم، ما أسهم في تحويل وقت الفرصة إلى مساحة إيجابيّة للتفاعل وبناء الروابط. ثالثًا: رحلة مجتمعيّة إلى تنزانيا نظّمها عدد من الطلّاب، حيث قاموا بالتنسيق مع جمعيّات، وكتبوا المقترح، وجمعوا التبرّعات، ونفّذوا الرحلة بنجاح لخدمة أطفال إحدى القبائل في تنزانيا. لم تكن مجرّد تجربة خارجيّة، بل نموذجًا حقيقيًّا للقيادة الذاتيّة والمسؤوليّة المجتمعيّة. وأوضح الأستاذ بول أنّ المساحة المتاحة للطالب، مهما كانت مختلفة في حجمها وشكلها، تظلّ العامل المشترك لنجاح هذه المبادرات. والثقة بالطالب هي العنصر الجوهريّ الذي يُحدث الفرق. في تعقيبٍ لاحق، شاركت الأستاذة رولا عبد الحميد تجارب مؤثّرة من مدرسة البيان في الأردن، أبرزها: - دور قسم الإرشاد التربويّ في بناء ثقة الطالب، في جلسات حوارية تشاركيّة مع الطلبة وأهاليهم. - مجلس الطلبة الذي يُنظَّم عبر الترشيح والانتخاب وفرز الأصوات، ما يزرع بذور الديمقراطيّة، ويُشعر الطالب بالمسؤوليّة. - تجربة رائدة في إعادة صياغة دليل الانضباط الطلابيّ بعد مشاورات مع الطلبة من مختلف المراحل التعليميّة، إضافة إلى مشاركة أولياء الأمور والمعلّمين، ليصبح هذا الدليل وثيقة حيّة تُناقَش سنويًّا، وتعكس مشاركة الطلّاب بفعّاليّة. - برنامج المهارات الحياتيّة والمناظرة، الذي يُدرّب الطلبة على الإلقاء، والتفكير النقديّ، والمناقشة العلميّة. وأشارت إلى أنّ هذه المهارات تظهر جليًّا في مشاركات الطلّاب في مؤتمرات علميّة وإنسانيّة وفق اهتماماتهم. كما استعرضت تجربة "نموذج الأمم المتحدّة (MUN)" الذي نظّمه بالكامل أربعة طلّاب، بحضور أكثر من 160 طالبًا و13 مدرسة، برعاية مؤسّسات رسميّة، ما شكّل نموذجًا يُحتذى به في القيادة الطلّابيّة. وذكرت مبادرة "أحتفي بتعلّم ابني" التي فتحت فيها المدرسة أبوابها أمام الأهالي ليشاهدوا أداء أبنائهم في تقديم دروس علميّة، ما عزّز فخر الطلبة بأنفسهم، وأظهر قدراتهم التعبيريّة، وهو نشاط سيُعمّم سنويًّا في ضوء نتائجه المبهرة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ تعزيز دور الطالب القياديّ غيّر بشكل جوهريّ، سلوك بعض الطلاب الذين كانوا يُصنّفون سابقًا بالمشاغبين أو المهمّشين، إذ أصبحوا فاعلين داخل لجان الانضباط، يحثّون زملاءهم على احترام القوانين، نتيجة شعورهم بالانتماء الحقيقيّ للمدرسة.   المحور الثالث: نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة. في ختام الندوة، انتقل النقاش إلى عنوان "نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة". وتركّز الحديث على التحدّيات التي تواجه المدارس في تطبيق هذا المفهوم وتفعيله على المدى البعيد. استهل الأستاذ ربيع المرّ هذا المحور بالإشارة إلى أنّ الاعتراف بوجود فجوات في المنظومة التعليميّة، هو أوّل خطوة نحو التطوير الحقيقيّ. وأكّد أنّ إشراك الطالب لا يعني التنازل عن دور الإدارة، بل هو توسيع لدائرة التأثير، وخلق بيئة تعليميّة مشتركة. وطرح تجربة قيّمة تمثّلت في دعوة طلّاب من مختلف المراحل إلى المشاركة في مشروع بحثيّ استمرّ خمسة أشهر، تناول تقييم المدرسة واقتراح سبل تطويرها. اجتمع فيه الطلاب أسبوعيًّا مع مديري المدرسة والإدارييّن، وناقشوا السياسات التعليميّة بشكل مباشر، ما عزّز الشعور بالمسؤوليّة، والقدرة على التأثير في القرار التربويّ. وفي ما يتعلّق بتحدّيات إشراك الأهل، أوضحت الأستاذة دلال مشرقي أنّ أحد المحاور الأساسيّة لتفعيل صوت الطالب، يكمن في تأهيل المعلّمين أوّلًا عبر تدريب مستمرّ، وتطوير خطط التدريس لتكون أكثر مرونة وتكاملًا مع واقع الطالب. وأضافت أنّ المدرسة تعتمد على أدوات مثل الاستبيانات، اللقاءات الفرديّة، والأنشطة المجتمعيّة لتعزيز التواصل مع الأهالي، وربطهم بخطط المدرسة وأهدافها.   من جانبها، أكّدت الأستاذة رولا عبد الحميد أنّ جزءًا كبيرًا من التحدّيات، يكمن في إعادة تعريف النجاح التربويّ، ليشمل المهارات والسلوكيّات القياديّة، وليس فقط النتائج الأكاديميّة. وشدّدت على أهمّيّة شفافيّة المدرسة مع الأهالي في توضيح لماذا يُركَّز على مهارات الحوار والنقاش والمناظرة؟ ولماذا أصبح تقييم الطالب يتجاوز العلامة النهائيّة ليشمل أداءه في الحياة المدرسيّة؟ بدوره، أضاف الأستاذ بول سعيد أنّ النجاح في ترسيخ صوت الطالب يعتمد على بناء شراكات خارج المدرسة أيضًا، مؤكّدًا ضرورة التعاون بين المدارس والجهات الحكوميّة، والقطاع الخاص، والمؤسّسات الأهليّة. وأشار إلى مبادرات تعاونت فيها المدرسة مع مؤسّسة الكويت للتقدّم العلميّ، والهيئة العامّة للبيئة، وشركات خاصّة، حيث قُدّمت تدريبات ميدانيّة للطلبة، ومنافسات تعليميّة مرتبطة بالمنهاج الأكاديميّ، بما يعزّز التعلّم العمليّ، ويمنح الطالب صوتًا حقيقيًّا في بيئته الأوسع. وشدّد في ختام مداخلته على أنّ الأولويّة يجب أن تكون دائمًا للتعليم المرتبط بالحياة الواقعيّة، وأنّ كلّ ذلك يبدأ من تمكين المعلّم ودعمه بالوقت والوسائل لتفعيل هذه الرؤية داخل الصفّ.   واختتم الأستاذ كرامي الندوة بالتأكيد على أنّ صوت الطالب ليس تهديدًا للنظام التعليميّ، بل هو أحد دعائمه. وأنّ تحقيقه لا يعني سحب السلطة من الإدارة، بل إعادة تنظيمها بشكل أكثر إنصافًا وتشاركيّة. واعتبر أنّ الاندماج الحقيقيّ بين الطالب والمعلّم هو ما يُنتج بيئة تعليميّة آمنة ومنتجة ومستدامة، تعود بالنفع على الطالب والأسرة والمجتمع ككلّ.

مساحة تعبيريّة مفتوحة للمعلّمين والمختصّين، تتمحور حول عرض أفكار ووجهات نظر نقديّة وأحلام شخصيّة انطلاقًا من تجربة تعليميّة، ولا تتوقّف عند ذلك.

أمنية معلّمة من غزّة
مع بداية كلّ عام دراسيّ جديد، يبدأ ملايين المعلّمين والطلّاب في أنّحاء العالم رحلة جديدة مع المعرفة. ويتجدّد الأمل في الفصول الدراسيّة، ح... تابع القراءة
تعليم اللغة العربيّة: الحدّ الفاصل بين الناطقين بغيرها ووارثيها
دخل زميلنا قاعة المحاضرين متضجّرًا، رمى حقيبته على الطاولة، وقال في أسفٍ: "مشكلتنا أنّنا نعلّم اللغة العربيّة لأبنائها وكأنّهم ناطقون بغي... تابع القراءة

حوار مباشر مع معلّمات ومعلّمين، يتمّ بالإجابة عن مجموعة أسئلة عن الحياة في المدارس، وتجارب مختلفة وتحدّيات يوميّة. كلّ المعلّمين مدعوّون إلى المشاركة في الدردشة لنقل آرائهم ومقارباتهم الخاصّة.

علي عزّ الدين- مدرّب- لبنان/ الإمارات العربيّة المتّحدة

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟ قد تكون إجابتي متشائمة بعض الشيء، ولكنّي أشعر بأنّها لم تغيّر شيئًا؛ فالحرب استمرّت، والقتل استمرّ، والحصار استمرّ، والمدارس ما زالت تدرّس وتحتفل كالعادة بمناسبات سطحيّة بعيدة عن الواقع، ولم تتحد لتصرخ وتقول كفى للموت والقتل، وإنّه يحقّ لجميع أطفال العرب وهذا الكوكب العيش بسلام وحريّة.   ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟ أتمنّى أن يرافقوا معلّمًا ليوم واحد داخل الفصل الدراسيّ، ويشعروا بالتعب وبصعوبات المهنة، وبأهمّيّة دور المعلّم، ليقوموا بتقديره. العديد من معلّمي الوطن العربيّ يعملون بمصادر محدودة، مع عدد كبير من التلاميذ داخل الفصل، منهم من لديه صعوبات في التعلّم. والعديد من المدرّسين يقدّمون أيضًا الدروس الخصوصيّة بعد الدوام لتأمين لقمة العيش.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ الكتاب مهمّ، ولكنّه ليس المصدر الأساس للتعليم، فالجيل تغيّر والحياة تغيّرت والمصادر تعدّدت وأصبحت في متناول الجميع، من التطبيقات الإلكترونيّة، إلى الرحلات المدرسيّة، وصولًا الى الذكاء الاصطناعيّ.   هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟ لا، ابتسامة طفل بعد جلسة قراءة وكتابة، أو كلّمة شكر من معلّم بعد ورشة تدريب تجعلاني أستمرّ بالعطاء والتعلّم لأقدّم كلّ جديد، ولأمدّ يد المساعدة لمن يرغب.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ أن يصبح متعلّمًا لمدى الحياة، وأن يخصّص وقتًا للاطّلاع على المتغيّرات من حوله ويربطها بعمليّة التعلّم والتعليم، وأن يستمع إلى طلّابه، وأن يعرف كيف يوازن بين حياته الخاصّة وحياته العمليّة.   ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟ احترامهم والوثوق بهم. الاحترام المتبادل يساعد على تشكيل بيئة صفّيّة يزدهر فيها التعلّم، ويصبح العمليّة والمنتج والهدف: التعلّم لأجل التعلّم.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟ بالطبع لا، فالمعلّم ليس ضابطًا أو شرطيًّا. المعلّم في يومنا هذا شريك المتعلّم في رحلة البحث والاستكشاف والتساؤل.   ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟ الضغوط تجعلنا نضحك، حين نتوقّف للحظة نكتشف أنّنا نخلق هذه الضغوط ونجعلها ترافقنا كلّ يوم. أضحك حين يردّد المدرّسون "ليس لدينا الوقت الكافي"، وأجيبهم "لدينا كلّ الحياة لنتعلّم".   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ أقرأ الكتب أكثر من المقالات، وحاليًّا ينصبّ تركيزي على الكتب المتعلّقة بعلم الدماغ وكيف نتعلّم. لقد استمتعت بكتاب Erci Jensen and Lisel McConvhie بعنوان "Brain-Based Learning"، لأنّه يقدّم نصائح سهلة وعمليّة إلى المدرّسين.   إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟ 10 خطوات لتكون معلّمًا ناجحًا. ستختصر هذه الخطوات تجربتي، وتقدّم نصائح سهلة وبسيطة إلى كلّ معلّم يعمل بحبّ وشغف.

د. مروان حسن- معلّم مادَّتَي الدراسات الاجتماعيّة والتاريخ- مصر

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟ تغيّرت نظرتي إلى التعليم من كونه أداة تقليديّة لنقل المعرفة إلى كونه ضرورة وجوديّة لبناء الإنسان وتعزيز الصمود والهويّة. في رأيي كشفت هذه الأزمات هشاشة الأنظمة التعليميّة في مواجهة الكوارث، لكنّها في الوقت ذاته كشفت عن أهمّيّة التعليم كوسيلة لحماية الأجيال من التطرّف واليأس والضياع؛ إذ أصبح التعليم ملاذًا يعيد تشكيل الوعي الجمعيّ، ويرسّخ قيم السلام والتضامن الإنسانيّ. في مصر، دفع هذا الوعي المتزايد إلى الحديث أكثر عن العدالة التعليميّة، وحقّ الأطفال اللاجئين والمهمّشين في التعليم، والاهتمام بالمضامين التي تزرع الانتماء والنقد البنّاء.   ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟ أتمنّى لو يدركوا أنّ واقع المعلّمين في مصر اليوم يتجاوز نقص الموارد أو ضعف الرواتب؛ فالمعلّم يعيش تحت ضغوط نفسيّة ومهنيّة متزايدة، تتراوح بين ازدحام الفصول، وتضارب التوجيهات الإداريّة، وضعف التقدير المجتمعيّ، وغياب فرص التطوير الحقيقيّ. كثيرًا ما يعمل المعلّمون في بيئات غير مهيّأة تربويًّا أو تقنيًّا، ويُطالَبون بتحقيق نتائج عالية من دون تمكين حقيقيّ! في الواقع لا يمكن إحداث أيّ تطوير حقيقيّ في التعليم بغير تمكين المعلّم نفسيًّا ومهنيًّا وماديًّا. فالمعلّم كما نقول دائمًا حجر الأساس في بناء الوعي والمهارات والقيم لدى الأجيال الجديدة؛ لذا الاستثمار في المعلّم هو الاستثمار الأكثر تأثيرًا واستدامة في مستقبل المجتمعات.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ في ظلّ تخلّي وزارة التربية والتعليم عن طباعة الكتاب المدرسيّ، أصبح الكتاب مرجعًا رقميًّا اختياريًّا غالبًا ما يُهمل لصالح الكتب الخارجيّة. وهو ما خلق فجوة واضحة بين ما ينبغي أن يكون عليه التعليم، وما يجري فعليًّا داخل الفصول؛ إذ يعتمد العديد من المعلّمين والطلّاب على الكتب الخارجيّة أو المذكّرات التي يعدّها المعلّمون بأنفسهم، لما توفّره من تبسيط، وأسئلة تدريبيّة، وتماسك في المحتوى، بينما تبقى النسخ الرقميّة من الكتب الرسميّة بعيدة عن الاستخدام اليوميّ، إمّا بسبب ضعف البنية التحتيّة التكنولوجيّة، أو لغياب التوجيه التربويّ الذي يوضّح كيفيّة استخدامها بفاعليّة.   هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟ نعم، وأكثر من مرّة؛ لأنّ المهمّة فقدت الكثير من معانيها وأهدافها. فما يبنيه المعلّم في الصفّ، تهدمه وسائل الإعلام في ساعة، وما تبثّه المسلسلات والأفلام، وما يروّجه المؤثّرون ونجوم "التيك توك" ومواقع التواصل الاجتماعيّ من أنماط سلوكيّة وقيم مشوّهة. يُضاف إلى ذلك تأثير الشارع وأحيانًا الأسرة، بما يعرّضه إلى نماذج متناقضة تُربك وعي الطالب وتشوّش على ما يتعلّمه داخل المدرسة. في ظلّ هذا التناقض الصارخ، كثيرًا ما أسأل نفسي: ما الجدوى؟ وهل ما نفعله يُثمر حقًّا، أم أنّنا نحارب طواحين الهواء؟ حقيقةً ما يجعلني أبقى، هو التزامي تجاه دنياي التي فيها معاشي؛ فهذه المهنة، بكلّ ما فيها، هي مصدر رزقي وعماد استقراري. وربما أيضًا شيء من الأمل المتبقّي بأنّ كلّمة واحدة قد تترك أثرًا، أو أنّ طالبًا واحدًا قد ينجو بما تعلّمه، فيكون ذلك عزاءً في زمن صار فيه التغيير أصعب من أيّ وقت مضى.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ في رأيي، أهمّ هذه المهارات هي المهارات الأخلاقيّة المرتبطة بالاستخدام المسؤول للتقنيّة. لم يعد كافيًا أنّ يعرف الطالب كيف يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعيّ؛ وإنّما الأهمّ أنّ يدرك أثر استخدامه، ويفهم مسؤوليّاته تجاه نفسه ومجتمعه، بما يشمل الخصوصيّة، وتجنّب التزييف والتضليل، وعدم الاعتماد الكلّي على الذكاء الاصطناعيّ في التفكير أو الإنجاز من دون وعي أو رقابة.   ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟ من أهم استراتيجيّاتي عند تدريس التاريخ، الربط بين المحتوى الدراسيّ وواقعهم اليوميّ، بما يساعد الطلّاب على إدراك أنّ التاريخ أساس لفهم الحاضر وتفسيره، ويشعرهم بأهمّيّة ما يتعلّمونه، ويدفعهم للانخراط الفعّال في الدرس. كما أعتمد على استراتيجيّات التعلّم النشط والتفاعل داخل الصفّ، كالعصف الذهنيّ، بما يتناسب مع ضيق وقت الحصّة وكثرة عدد الطلّاب، وأحرص على كسر الرتابة من خلال التنويع في نبرة صوت معبّرة، أو طرح أسئلة محفّزة، أو مفاجآت بسيطة تُعيد التركيز من دون أنّ تستهلك وقتًا كبيرًا.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟ لم يعد تعبير "ضبط الصفّ" الأنسب في ظلّ التحوّلات التربويّة الحديثّة، التي تركّز على التفاعل الإيجابيّ وبناء العلاقات بدلًا من السيطرة والانضباط التقليديّ. فالمصطلح يحمل دلالة سلطويّة قد تُفهم على أنّها قمع أو فرض للنظام بالقوّة. الأدقّ أنّ نتحدث عن "إدارة الصفّ" أو "تهيئة مناخ تعلّميّ آمن ومحفّز"؛ حيث يكون الهدف خلق بيئة تساعد الجميع على التعلّم، لا مجرّد فرض النظام.   ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟ الضحك وسيلة مقاومة وسط كلّ ما يثقل الكاهل. أضحك عندما يقول أحد الطلّاب تعليقًا عفويًّا يُفاجئني، أو حين يتحوّل الموقف الصعب إلى لحظة إنسانيّة غير متوقّعة. أحيانًا، أضحك لأنّني لو لم أفعل، لانفجرت من الضغط!   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ ليس غرورًا، ولكنّ أكثر المقالات التي أثّرت فيّ تلك التي كتبتها بنفسي؛ لأنّها كانت انعكاسًا صادقًا لما أعيشه داخل المدرسة، ولِما يعانيه كثير من المعلّمين من تحديّات يوميّة لا تُنقل دائمًا بصدق في الأدبيّات التربويّة. كانت بمنزلة متنفّس ومنبر أعبّر فيه عن الواقع، وأسجّل فيه أسئلتي، وهمومي، ومحاولاتي في الفهم والتغيير.   إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟ في الواقع، قد أكتب كتابًا بعنوان: "على الحافة... معلّم يحاول ألّا يسقط"، اخترت هذا العنوان لأنّه يُعبّر بدقّة عن الشعور الذي يرافق الكثير من المعلّمين يوميًّا، شعور الوقوف على الحافة بين الاستمرار والانهيار، بين الشغف والإنهاك، بين الأمل والواقع. وسيتحدّث الكتاب عن التوتّر الدائم بين الرغبة في إحداث فرق، والضغوط التي تجعل هذا الفرق يبدو بعيد المنال. لكنّه أيضًا سيلمّح إلى شيء من المقاومة، والمحاولة المستمرّة للبقاء واقفًا على رغم كلّ شيء.

أحمد البليخ- استشاريّ ومدرّب تربويّ في بناء قدرات المعلّمين- سوريا

ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟ أكثر ما وجدته فعّالًا هو الحوار المباشر مع الطلبة؛ حين يُتاح لهم أن يعبّروا بحرّيّة، يشعرون بالثقة ويصبحون أكثر جرأة على طرح الأسئلة والنقاش مع زملائهم، وحتّى مع الكبار. كما كان للتعلّم بالمجموعات أثر إيجابيّ في إشراك الجميع، مع ما قد يرافقه من بعض الفوضى التي تحتاج إلى ضبط.   كيف توازن بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟  الذكاء الاصطناعيّ أصبح أداة مهمّة في البحث وتبسيط الوصول إلى المعلومة، سواء للطالب أو للمعلّم. لكن برأيي، المعلّم يظلّ القلب الحقيقيّ للعمليّة التعليميّة، لأنّه ينقل المعرفة بروح وصدق، ويمنحها بُعدًا إنسانيًّا لا يمكن لأي أداة أن تقدّمه.   في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟  في بداياتي، كنت أرفع صوتي ظنًّا أنّ الصوت العالي يسهّل الفهم. لكن، مع الوقت والدورات التدريبيّة (مثل دورة TOT) أدركت أنّ تنويع طبقات الصوت وضبط نبرته أكثر تأثيرًا من رفعه.   افترض أنّك تقوم بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعر بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟  - تخطيط الدروس وصياغة الأهداف الذكيّة، وتصميم الوسائل التعليميّة بموادّ بسيطة. - الإدارة الصفّيّة وبدائل العقاب، والتمييز بين العقاب والتأديب. - حماية الطفل ورفاه المعلّم، بما في ذلك مهارات مواجهة الضغوط وتنظيم الوقت.   هل ترى أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترح مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟ بالتأكيد. التعليم يمرّ بأزمات متواصلة، والتشبيك يمنحنا فرصة لتبادل الخبرات والدعم. يمكن أن يتمّ ذلك عبر منصّات رقميّة للحوار أو لقاءات مباشرة من خلال ورش عمل مشتركة.   كيف تتعامل مع أولياء الأمور وتشجّعهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟ أحرص على اجتماعات دوريّة معهم لمناقشة مستوى أبنائهم، وأحيانًا عبر تطبيقات تتيح لهم متابعة واجبات أطفالهم ونقاط قوّتهم وضعفهم.   كيف تُحافظ على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟ من خلال التوازن بين الروح والجسد: قراءة القرآن والكتب، الصلاة على وقتها، الخروج مع العائلة والأصدقاء، ومكافأة نفسي على أيّ إنجاز.   ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟ أعتمد على وضع جدول زمنيّ وترتيب الأولويّات، وأفوّض بعض المهامّ الثانويّة.   اذكر أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا. الإيجابيّ: رؤية طلّابي ينجحون في حياتهم العملّية تمنحني طاقة ودافعًا إلى الاستمرار. السلبيّ: الظروف المعيشيّة الصعبة من انخفاض الرواتب وارتفاع الأسعار تشكّل تحدّيًا دائمًا.   ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟ في إحدى الحصص، سألت طالبًا عن مكان المعي الدقيق، فأجاب مشيرًا إلى فمه! كانت لحظة طريفة لا تُنسى.  

تتوجّه مقالات الوالديّة الى أهالي المتعلّمين المهتمّين بتعليم أبنائهم وتأمين نموّ سليم لهم على كلّ الصعد، حيث تتناول المقالات معظم القضايا المرتبطة بالتربيّة والسلوك والمواقف المختلفة.

ما تأثير غياب الأمّ عن الطفل؟

يُعتبر وجود الأمّ في حياة الطفل أمرًا لا غنى عنه لتطوّره العاطفيّ والنفسيّ الصحّيّ والسليم. فعندما تغيب الأمّ لفترة طويلة أو بشكل دائم، سواء كان ذلك بسبب ظروف العمل أو المرض أو الطلاق أو الوفاة أو غيرها، يمكن أن يترك هذا الغياب تأثيرات عميقة على الطفل. وتختلف طرق تأثّر الطفل بغياب الأمّ بناءً على عوامل، مثل عمر الطفل، وطبيعة الغياب وسببه، ووجود مقدّمي رعاية آخرين يوفّرون له الدعم. وعلى رغم أنّ الأطفال يمتلكون القدرة على التكيّف، إلّا أنّ غياب الأمّ قد يلقي بظلاله على جوانب مختلفة من حياتهم، بدءًا من أنماط التعلّق العاطفيّ، وصولًا إلى تقديرهم لذواتهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة.   ويجدر الذكر أنّ غياب الأمّ أو الأب له تأثيرات عميقة في الأطفال، إذ يتسبّب اختفاء دور أيّ منهما في ترك فراغ خاصّ، يؤثّر في النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ للطفل بطرق مختلفة. ومع أنّ غياب الأب يحمل تحدّيات وتأثيرات فريدة، سنركّز في هذا المقال على أثر غياب الأمّ تحديدًا، وسنعود إلى مناقشة تأثير غياب الأب بالتفصيل في مقال منفصل.  نستعرض هنا بعض الآثار الشائعة لغياب الأمّ على الأطفال، بالإضافة إلى بعض الحلول الممكنة لتخفيف هذه التحدّيات، وتعزيز المرونة لديهم.    آثار غياب الأمّ عن الطفل  التعلّق والأمان العاطفيّ  يُعدّ ارتباط الطفل بأمّه أولى العلاقات الأساسيّة التي يشكّلها الطفل في حياته؛ هذا الارتباط أو "التعلّق" يُعتبر جوهريًّا، ومصدرًا لشعوره بالأمان العاطفيّ. وفقًا لنظريّة التعلق، فإنّ التعلّق الآمن يتطوّر عندما يكون مُقدّم الرعاية متاحًا ومتجاوبًا باستمرار مع احتياجات الطفل، ما يوفّر للطفل الشعور بالأمان والثقة. ولكن عندما تغيب الأمّ، لا سيّما في السنوات الأولى من نموّ الطفل، فقد يضطرب هذا المسار التعلّقيّ، ويتطوّر بطريقة غير صحّيّة.  حينها قد يعاني الطفل القلق، وانعدام الأمان، والخوف من الهجر بسبب عدم وجود الأمّ بشكل دائم، وربّما يصبح أكثر "تشبّثًا" بمقدّمي الرعاية الآخرين، أو يُظهر اعتمادًا زائدًا على الآخرين لتلبية احتياجاته العاطفيّة. ومن ناحية أخرى، قد يطوّر بعض الأطفال أسلوبًا "تجنّبيًّا" في التعلّق، فيبتعدون عن بناء العلاقات العميقة وذات المعنى لتجنّب ألم الفقدان المحتمل. ومع ذلك، فالحلّ لمعالجة هذا التأثير يكمن في تواجد مقدّمي رعاية آخرين يتميّزون بالموثوقيّة والتواجد المستمرّ، ما يعمل على تعزيز الشعور بالأمان، ويوفّر للأطفال الدعم العاطفيّ، ويسمح لهم بتطوير تعلّق آمن، مع ملاحظة أنّ هذا قد يتطلّب مزيدًا من الجهد. ومن أمثلة مقدّمي الرعاية المناسبين في هذه الحالة: الآباء والأجداد والجدّات والأعمام والعمّات وأصدقاء العائلة.    التأثير في تقدير الذات والهويّة  تؤدّي الأمّ دورًا رئيسيًّا في تعزيز شعور الطفل بقيمته الذاتيّة وهويّته؛ إذ يساعد تشجيعها وتوجيهها الطفل في بناء ثقته بنفسه، وفهم مشاعره، ومواءمة سلوكه. ولكن عندما تغيب الأمّ، يعاني الأطفال مشاعر النقص أو الرفض، خصوصًا إذا شعروا أنّ غيابها شكل من أشكال الهجر. قد يكون هذا الشعور أكثر عمقًا إذا لم يفهم الطفل أسباب غياب الأمّ، أو إذا كان الغياب مفاجئًا وغير مبرّر.  أمّا في مرحلة المراهقة، فيمكن أن يؤدّي غياب الأمّ إلى حدوث اضطرابات في الهويّة، فالواقع أنّ المراهقين في الأصل يواجهون أسئلة تتعلّق بهويّتهم، ومن دون توجيه الأمّ، سيشعرون بالفراغ والضياع عندما يتعلّق الأمر بتحديد قيمهم ومعتقداتهم وإحساسهم بذواتهم. وقد يسعى بعض المراهقين للحصول على التقدير من مصادر خارجيّة، بينما قد يصبح البعض الآخر أكثر اعتمادًا على أنفسهم في محاولة للتكيّف.  بشكل عامّ يجب توفير التواصل المفتوح، فالأطفال يحتاجون إلى تفسيرات صادقة ومناسبة لأعمارهم حول أسباب غياب الأمّ، والتي يمكن أن تساعد في منع مشاعر الرفض أو الهجران، ومعالجة مشاعرهم بطريقة إيجابيّة وصحّيّة.  كما يمكن تحسين الشعور بالذات لدى الأطفال بالمشاركة في الأنشطة التي تركّز على نقاط القوّة، أي تشجيع الأطفال على ممارسة هواياتهم واهتماماتهم التي تعينهم على تعزيز شعورهم بالإنجاز ورفع قيمتهم الذاتيّة، ما يوازن أيّ مشكلات تتعلّق بتقدير الذات قد تنشأ عن غياب الأمّ.    المشكلات الأكاديميّة والسلوكيّة  تقول القاعدة إنّ الأطفال الذين يعانون غياب الأمّ أكثر عرضة لمواجهة تحدّيات في البيئة الأكاديميّة. وقد أظهرت الدراسات أنّ الأطفال الذين يفتقدون إلى حضور الأمّ الدائم يُظهرون صعوبات في التركيز، وانخفاضًا في الأداء الأكاديميّ، وقلّة الدافعيّة إلى التعلّم. وقد يعانون أيضًا مشكلات سلوكيّة، مثل العدوانيّة أو التمرّد أو الانطواء، لا سيّما إذا كان الطفل يكافح لمعالجة مشاعر معقّدة، مثل الغضب أو الحزن أو الاضطراب.  قد تنجم هذه التغيّرات السلوكيّة عن صراع داخليّ يعيشه الطفل أثناء محاولته فهم غياب أمّه. وإذا شعر الطفل أنّ الغياب شكل من أشكال الهجر أو الإهمال، فقد يتجلّى ذلك من خلال تصرّفات عدوانيّة، إمّا نداءً للمساعدة، أو وسيلة للتعبير عن غضب مكبوت. وهنا يأتي دور الدعم العاطفيّ وتأكيد المشاعر، بتشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، حتّى لو كانت هذه المشاعر تتضمّن الحزن أو الغضب أو الحيرة. كما أنّ الاستماع من دون إطلاق أحكام يمكن أن يساعد الأطفال في الشعور بأنّ هناك من يفهمهم، وأنّهم ليسوا بمفردهم.    العلاقات الاجتماعيّة والتفاعل مع الأقران  يمكن أن يؤثّر غياب الأمّ أيضًا في علاقات الطفل الاجتماعيّة، إذ يتعلّم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة كيفيّة تكوين العلاقات بالملاحظة والتفاعل مع مقدّمي الرعاية الأساسيّين، وفي مقدّمتهم الأمّ. وعندما تغيب هذه القدوة، يجد الطفل صعوبة في تكوين صداقات صحّيّة، ويعاني مشاكل في الثقة بالآخرين. لذلك، إمّا إنّه سيعتمد بشكل زائد على صداقاته للحصول على الدعم العاطفيّ، أو يبتعد عن التفاعلات الاجتماعيّة تمامًا.  في بعض الحالات، قد يشعر الطفل "بالاختلاف" عن أقرانه، لا سيّما إذا كان الأطفال الآخرون يمتلكون حضورًا قويًّا للأمّ في حياتهم. هذا الشعور بالعزلة يمكن أن يحدّ من تطوير المهارات الاجتماعيّة، ويزيد من مشاعر الوحدة، وبالتالي يمكن أن تصبح العلاقات مع الأقران مصدرًا للتوازن العاطفيّ، فالأصدقاء الداعمون يمكن أن يساعدوا الطفل في الشعور بالانتماء والتقدير، حتّى إذا كان يفتقد وجود الأمّ في حياته.  ولكن هذا لا يحلّ مشكلة غياب القدوة، والتي يمكن تعويضها بتوفير قدوة إيجابيّة نسائيّة، من بين النساء اللواتي يمكن أن يقدّمن التوجيه والدعم، والمساعدة في سدّ الفراغ الذي يتركه غياب الأمّ. فيمكن للقريبات والمعلّمات والمدرّبات وصديقات العائلة أن يؤدّين دورًا في توفير الإرشاد العاطفيّ، ومساعدة الطفل في تشكيل هويّته.    التأثيرات العاطفيّة طويلة الأمد  تختلف التأثيرات طويلة الأمد لغياب الأمّ بشكل كبير من طفل إلى آخر، وفقًا لظروفهم الشخصيّة. بالنسبة إلى البعض، قد يترجم ردّ الفعل على هذا الغياب في صورة بناء قدرة للتعامل مع العواطف والتمتّع بالاستقلاليّة مدى الحياة، لا سيّما إذا كان لديهم أشخاص داعمون في حياتهم. ومع ذلك، أظهرت الدراسات أنّ بعض الأطفال الذين يعانون غياب الأمّ، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والصعوبة في بناء العلاقات في مراحل لاحقة من حياتهم.  إذًا، قد يعاني الأبناء في مرحلة البلوغ مشاكل في الثقة بالشريك العاطفيّ، أو يخافون من الهجر، أو حتّى قد يشعرون بانعدام الأمان بشأن قيمتهم الذاتيّة. يمكن أن يساعد الدعم العلاجيّ، بما يشمل العلاج النفسيّ والتأمّل الذاتيّ، في معالجة هذه القضايا، إذ يوفّر المعالجون والأطبّاء استراتيجيّات للتكيّف والتعامل مع صدمات الطفولة العاطفيّة، وتعزيز الذكاء العاطفيّ، ومساعدة الأطفال في فهم تجاربهم بشكل بنّاء، ما يسمح لهم في بناء علاقات صحّيّة، ويمنحهم شعورًا أقوى بالذات. لذا، يمكن أن يعتبر بعض البالغين غياب الأمّ في طفولتهم مصدرًا للقوّة، بعد أن تعلّموا كيف يتعاملون مع الحياة بقدر أكبر من الاستقلاليّة.     ***  يمكن أن يكون غياب الأمّ، سواء كان مؤقّتًا أو دائمًا، تجربة صعبة للطفل تؤثّر في تطوّره العاطفيّ، ومهاراته الاجتماعيّة، وأدائه الأكاديميّ، وحتّى شعوره بالهويّة. ومع ذلك، يتمتّع الأطفال بقدرة مذهلة على تكييف مشاعرهم، ومع توفّر الدعم الصحيح يمكنهم النموّ ليصبحوا بالغين قادرين على التحكّم بعواطفهم بشكل جيّد.    المراجع   https://trbeyah.com/r/%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D8%AF%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D9%85%D9%87#:~:text=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%83%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%88%D9%83%D9%8A%D8%A9%3A%20%D8%A5%D9%86%D9%91%20%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF,%D8%AA%D8%B2%D8%AC%20%D8%A8%D9%87%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9.  https://english.elpais.com/lifestyle/2023-11-28/the-absent-parent-syndrome-and-its-impact-on-child-development.html 

كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك

واحدة من أكثر الجمل التي نسمعها في ما يخصّ الأطفال أنّهم مثل الإسفنجة، يمتصّون كلّ ما يرونه ويسمعونه ويختبرونه، خصوصًا في السنين الأولى من عمرهم. وبصفتنا آباء وأمّهات وموجّهين، فإنّنا نعتبر قدوة أولى وأكثر تأثيرًا في أطفالنا. إنّ الطريقة التي نتحدّث ونتصرّف ونتعامل بها مع التحدّيات، تشكّل قيمهم وسلوكيّاتهم ونظرتهم للعالم.  لكن، أن تكون قدوة جيّدة لطفلك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يعني السعي لتقديم مثال إيجابيّ بأفعالك وكلماتك وخياراتك. يتعلّم الأطفال أكثر بكثير ممّا تفعله أمامهم، مقارنة بما تقوله لهم. وإذا أردنا أن يكبر أطفالنا ليصبحوا أفرادًا طيّبين ومسؤولين ومرنين، فيجب أن نظهر هذه الصفات بأنفسنا، فالطفل مرآة أبويه.  يستكشف هذا المقال أهمّيّة أن تكون قدوة جيّدة، ويقدّم طرقًا عمليّة للقيادة بالقدوة، بطريقة تؤثّر بشكل إيجابيّ في نموّ طفلك وتطوّره.  لماذا من المهمّ أن تكون قدوة جيّدة؟  تُظهر الدراسات أنّ الأطفال يقلّدون سلوكيّات من حولهم، وخصوصًا آباءهم. ووفقًا لبحث نُشر في علم النفس التنمويّ، يبدأ الأطفال في سنّ ١٤ شهرًا في تقليد سلوك البالغين، سواء كان ذلك في كيفيّة تفاعلهم مع الآخرين، أو حلّ المشكلات، أو حتّى ردّ فعلهم تجاه التوتّر.  هذا يعني أنّه إذا رأى الطفل اللطف والصدق والمثابرة والاحترام الذي يُظهره والداه باستمرار، فمن المرجّح أن يتبنّى هذه السلوكيّات. وعلى العكس من ذلك، إذا شهد الغضب أو الخداع أو العادات غير الصحّيّة، فسيصبح انعكاسًا لوالديه في ممارستها.  من هنا تظهر أهمّيّة الانتباه إلى أفعالنا في مساعدة تشكيل شخصيّة سليمة لأطفالنا، وبناء ثقتهم ورفاهيّتهم بشكل عامّ.    كيف تصبح قدوة حسنة لطفلك؟  مارس ما تنصح به  يلاحظ الأطفال بسرعة وجود فجوة بين ما نقوله وما نفعله. إذا أخبرت طفلك بأهمّيّة الصدق، ولكنّه رأى أنّك تكذب للتهرّب من التزام ما، فسوف يتعلّم أنّ عدم الصدق أمر مقبول في مواقف معيّنة.  لكي تكون قدوة فعّالة:  - التزم بالوعود. إذا قلت لطفلك: "سألعب معك بعد العمل"، فتأكّد أنّك فعلًا ستقوم بذلك وتلعب معه.   - اعترف بالأخطاء. إذا فقدت أعصابك أو ارتكبت خطأ، فاعترف بذلك. قل: "ما كان ينبغي لي أن أرفع صوتي. أنا آسف".   - عش وفقًا للقيم التي تُعلّمها. إذا شجّعت اللطف والكرم، فأظهر هذه السمات في حياتك اليوميّة.   عندما يرى الأطفال الاتّساق بين أقوالنا وأفعالنا، يتعلّمون أنّ النزاهة والمسؤوليّة أمران مهمّان، وستصبحان من خصالهم مع مرور الوقت.   أظهر الاحترام واللطف  يتعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع الآخرين بملاحظة كيفيّة تفاعلنا مع الأشخاص من حولنا؛ سواء كانوا أفراد  الأسرة أو المعلّمين أو الغرباء أو عمّال الخدمة.   لتعليم الاحترام واللطف:  - تحدّث بأدب مع الآخرين، بما في ذلك طفلك. بدلًا من الصراخ، استخدم لغة هادئة ومحترمة.    - أظهر التعاطف والرحمة. إذا رأى طفلك أنّك تساعد جارًا، أو تُظهر الصبر تجاه شخص يعاني، فسوف يستوعب هذه السلوكيّات ويخزّنها في دماغه.  - تجنّب التحدّث بشكل سلبيّ عن الآخرين، وخصوصًا أمام طفلك. إذا سمع ثرثرة أو علامات على غيبة ونميمة، فقد يتبنّى السلوك نفسه.     إدارة التوتّر والعواطف بطريقة صحّيّة  الحياة مليئة بالتوتّر، وكيفيّة تعاملنا معها تعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع تحدّياتهم الخاصّة. إذا رأونا نتفاعل بالغضب أو الإحباط أو التجنّب في المواقف الصعبة، فقد يطوّرون استجابات مماثلة.  بدلاً من ذلك، قدّم نموذجًا للتنظيم العاطفيّ الصحّيّ:  - خذ أنفاسًا عميقة، وتمهّل قليلًا قبل الردّ في المواقف الصعبة. أظهر لطفلك أنّ المشاعر طبيعيّة، ولكن يمكننا التحكّم في كيفيّة التعبير عنها.  - تحدّث عن مشاعرك بطريقة بنّاءة. إنّ قول "لقد مررت بيوم صعب في العمل، ولكنّني سأذهب في تمشية لتهدئتي قليلًا"، يعلّمهم أنّه من الجيّد الاعتراف بالعواطف، وإيجاد طرق إيجابيّة للتعامل معها.  - اعتذر عند الضرورة. إذا كنت قد تصرّفت بشكل سيّئ في موقف ما أمامهم، فاعترف بذلك. هذا يعلّم الأطفال أنّ ارتكاب الأخطاء أمر طبيعيّ، ولكنّ تحمّل المسؤوليّة أمر مهمّ أيضًا.  هذه الطريقة في التعامل مع المواقف العاطفيّة بنضج، تزوّد الأطفال بالأدوات التي يحتاجون إليها للتعامل مع عواطفهم بطريقة صحّيّة.    تعزيز أخلاقيّات العمل القويّة والمثابرة  يحتاج الأطفال إلى رؤية أنّ الجهد والصبر والمثابرة تؤدّي إلى النجاح. إذا لاحظوا أنّك تعمل بجدّ، وتلتزم بأهدافك، وتتعامل مع النكسات بمرونة، فمن المرجّح أن يطوّروا أخلاقيّات عمل قويّة.  طرق تطبيق المثابرة:  - شارك تحدّياتك وجهودك: إذا كنت تعمل على مشروع أو تتعلّم مهارة جديدة، فتحدّث إلى طفلك عن الجهد المبذول.  - شجّع حلّ المشكلات: بدلًا من الاستسلام عندما تصبح الأمور صعبة، كن قدوة في التعامل مع الموقف الذي يتلخّص في "دعنا نكتشف ذلك".  - ركّز على مدح الجهد لا النتائج: وبدلًا من الاحتفال بالإنجازات فقط، اعترف بالعمل الجادّ الذي أدّى إلى النجاح.  إنّ الأطفال الذين يرون المثابرة في العمل، أكثر عرضة لتطوير عقليّة تحتضن التحدّيات بدلًا من تجنّبها.    إعطاء الأولويّة للصحّة والرفاهيّة  تتشكّل مواقف الأطفال تجاه الطعام والتمارين الرياضيّة والعناية الذاتيّة إلى حدّ كبير بما يرونه في المنزل. إذا أردنا منهم تطوير عادات صحّيّة، فيجب أن نظهرها بأنفسنا.  - تناولوا الأطعمة المغذّية معًا؛ وأظهر لهم أنّ الاستمتاع بالوجبات الصحّيّة جزء طبيعيّ من الحياة.  - حافظ على نشاطك، سواء كان ذلك بالذهاب في نزهة أو ممارسة الرياضة أو الرقص. يكفي أن تدعهم يرون أنّ النشاط البدنيّ ممتع ومفيد.  - حدّ من وقت الشاشة، وأعطِ الأولويّة للأنشطة ذات المغزى. بدلًا من إمضاء الوقت في تصفّح مواقع التواصل الاجتماعيّ بلا تفكير على هاتفك، شارك مع أطفالك القراءة أو الهوايات أو المحادثات.  عندما يرى الأطفال أنّ الصحّة تشكّل أولويّة في منزلهم، فمن المرجّح أن يطوّروا عادات صحّيّة مدى الحياة تدعم رفاهيّتهم البدنيّة.    إظهار المسؤوليّة والمساءلة  يتعلّم الأطفال المسؤوليّة بمراقبة كيفيّة تعاملنا مع الالتزامات والتعهّدات والأخطاء.  لتعليم المسؤوليّة:  - أكمل المهامّ في الوقت المحدّد، سواء كانت أعمالًا منزليّة أو مسؤوليّات عمل. أظهر أنّه يجب احترام الالتزامات.  - تحمّل مسؤوليّة الأخطاء. إذا نسيت شيئًا أو اتّخذت قرارًا خاطئًا، قُل: "كان يجب أن أتعامل مع ذلك بشكل مختلف. سأفعل أفضل في المرّة القادمة".  - شجّع المساءلة في الحياة اليوميّة. عندما يحدث خطأ ما، بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين، أظهر حلّ المشكلات والمسؤوليّة الشخصيّة.  يساعد هذا النهج الأطفال في تطوير الشعور بالواجب، والمساءلة تجاه أفعالهم.    تشجيع التعلّم والفضول  الأطفال الذين يرون والديهم يقدّرون التعليم والفضول، أكثر عرضة لتطوير حبّ التعلّم.  طرق لتشجيع عقليّة التعلّم:  - اقرأ بانتظام: دع طفلك يراك تستمتع بالكتب، وتستكشف معلومات جديدة.  - اطرح الأسئلة مع طفلك، واستكشفا الإجابات معًا: إذا طرح طفلك سؤالًا لا تعرف إجابته، فابحث معه عنها.  - جرّب أشياء جديدة: أظهر لهم أنّ التعلّم لا يتوقّف بعد المدرسة؛ إنّه رحلة تستمرّ مدى الحياة.    ***  كونك قدوة جيّدة لأطفالك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يتعلّق بأن تكون متعمّدًا في أفعالك وكلماتك ومواقفك. إنّ الطريقة التي تتعامل بها مع التحدّيات، وتعامل بها الآخرين، وتسير بها في الحياة، تعلّم أطفالك أكثر ممّا يمكن أن تعلّمه أيّ محاضرة على الإطلاق.  وتذكّر أنّه في النهاية قد لا يستمع الأطفال دائمًا إلى ما تقوله، لكنّهم يراقبون دائمًا ما تفعله. كن الشخص الذي تريد أن يصبحوا عليه، وستترك أثرًا إيجابيًّا دائمًا في حياتهم.    المراجع https://mawdoo3.com/%D9%83%D9%8A%D9%81_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86_%D9%82%D8%AF%D9%88%D8%A9_%D8%AD%D8%B3%D9%86%D8%A9_%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%83  https://sharjah24.ae/ar/Articles/2024/10/16/NJ623  https://www.gov.wales/parenting-give-it-time/guidance-and-advice/parenting-tips/tips-for-guiding-childrens-behaviour/take-time-to-model-the-behaviour-you-want-to-see 

تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الأطفال

يُعدّ التفكير النقديّ من أهمّ المهارات التي يمكن أن يمتلكها الإنسان؛ فهو يُمكِّن الأشخاص من تحليل المعلومات، واتّخاذ قرارات سليمة، وحلّ المشكلات المعقّدة. أمّا بالنسبة إلى الأطفال، فإنّ تطوير مهارات التفكير النقديّ في سنّ مبكّرة يمكن أن يُؤسّس لنجاحهم وتعلّمهم طوال حياتهم. لكن كيف يمكننا، بصفتنا آباء ومعلّمين، أن نساعد الأطفال في أن ينظروا إلى الأحداث من حولهم بطريقة نقديّة؟ كيف نساعدهم في أن يصبحوا مفكّرين ناقدين منطقيّين ومتفتّحين على مختلف الاحتمالات؟  دعونا نستعرض بعض الاستراتيجيّات العمليّة لتعزيز التفكير النقديّ لدى الأطفال، من الصغار وحتّى المراهقين.  ما التفكير الناقد؟  التفكير الناقد يعني القدرة على التفكير بعمق وموضوعيّة حول موضوع ما، وتحليل وجهات النظر المختلفة، واستخلاص استنتاجات منطقيّة. وهو أكثر من مجرّد حفظ الحقائق وعرضها؛ فهو يتعلّق بفهم السبب وراء صحّة شيء ما، وكيفيّة تطبيق هذا الفهم في سياقات مختلفة. الطفل الذي يتمتّع بمهارات تفكير نقديّ قويّة لا يقبل المعلومات كما هي؛ بل يسأل عنها، ويبحث عن الأدلّة، ويأخذ في الاعتبار وجهات النظر الأخرى.  في عصر يتعرّض فيه الأطفال إلى كمّ هائل من المعلومات (والمعلومات المضلّلة)، يُعدّ التفكير النقديّ أكثر أهمّيّة من أيّ وقت مضى. إنّ تعليم أطفالنا التفكير النقديّ بمثابة منحهم الأدوات اللازمة لمواجهة تحدّيات الحياة بثقة واستقلاليّة.  ما مهارات التفكير الناقد؟  - التصوّر: تكوين أفكار ونماذج ذهنيّة تمثّل المفاهيم المعقّدة بدقّة.  - التحليل: تقسيم المعلومات إلى مكوّنات وعلاقات لكشف الأنماط والمبادئ والمعاني العميقة.  - التقييم: تقييم مصداقيّة المعلومات أو الأدلّة ودقّتها وجودتها ومدى ملاءمتها، باستخدام المعايير المنطقيّة للحكم على صحّة أو أهمّيّة المعلومات.  - السبب: تطبيق التفكير المنطقيّ لاستنتاج الحقائق أو الأدلّة.  - التركيب: الجمع بين أفكار أو نتائج أو معلومات مختلفة لتشكيل فكر متماسك أو منظور جديد.  - حلّ المشكلات: تحديد حلول للقضايا باستخدام التحليل المنطقيّ والتفكير الإبداعيّ.  - الانفتاح على إمكانيّات أخرى: الاستعداد للنظر في حلول أو أفكار أو وجهات نظر بديلة تتجاوز النطاق الأوّليّ.    استراتيجيّة التفكير الناقد للأطفال  شجّع الفضول وطرح الأسئلة  الخطوة الأولى في تطوير التفكير النقديّ لدى الأطفال تشجيع الفضول. الأطفال بطبيعتهم فضوليّون، وغالبًا ما يسألون "لماذا؟" و"كيف؟" حول كلّ شيء يقابلهم. رغم أنّه قد يكون مريحًا أكثر الإجابة بعبارات مثل "هكذا هو الأمر" أو "لأنّني قلت ذلك"، إلّا أنّ تخصيص الوقت للتفاعل مع أسئلتهم يمكن أن يفتح الباب أمام التفكير النقديّ.  الإجابة بتفكير: بدلًا من إعطاء إجابات سريعة، حاول الردّ بأسئلة أخرى. على سبيل المثال، إذا سأل الطفل لماذا السماء زرقاء، يمكنك الردّ بسؤال: "ما رأيك؟ لماذا قد تكون السماء زرقاء؟" هذا الأسلوب يشجّعه على التفكير بعمق واستكشاف التفسيرات الممكنة.  "لا أعرف": لا بأس إن كان جوابك "لا أعرف"، الاعتراف بعدم معرفتك بشيء ما يُعدّ درسًا قويًّا للأطفال، فهو يُعلّمهم أنّ عدم المعرفة شيء طبيعيّ، وأنّ البحث عن الإجابات عمليّة مستمرّة. يمكنك القول: "لست متأكّدًا، دعنا نكتشف معًا!" وبهذا تعلّمهم كيفيّة البحث عن المعرفة بنشاط. علّم الأطفال كيفيّة تحليل المعلومات  في عصرنا الرقميّ، يتعرّض الأطفال إلى كمّية كبيرة من المعلومات من سنّ صغيرة. تعليمهم كيفيّة التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة جزء أساسيّ من التفكير النقديّ.  قدّم لهم مفهوم محو الأمّيّة الإعلاميّة: تحدّث مع الأطفال حول كيفيّة تقييم مصادر المعلومات. علّمهم طرح أسئلة مثل "من كتب هذا؟" و"ما هدفه؟" و"هل هناك دليل يدعم هذا الادّعاء؟" ومع تقدّمهم في العمر، قدّم لهم مفاهيم مثل التحيّز والدعاية والتحقّق من الحقائق.  التمييز بين الحقائق والآراء: طريقة جيّدة لممارسة هذا التمييز تتمثّل في المناقشات اليوميّة. على سبيل المثال، إذا قال الطفل "البروكلي مقزّز"، يمكنك توجيهه بالقول "هذه وجهة نظر وليست حقيقة. قد يكون هناك أشخاص يحبّون البروكلي. لماذا تظنّ أن بعض الأشخاص يحبّونه والبعض الآخر لا يحبّونه؟"  شجّع حلّ المشكلات واتّخاذ القرارات  يُعدّ حلّ المشكلات جزءًا أساسيًّا من التفكير النقديّ. لذلك، منح الأطفال فرصة حلّ المشكلات بأنفسهم أو اتّخاذ القرارات يشجّعهم على التفكير النقديّ حول النتائج والحلول الممكنة.  استخدام التحدّيات اليوميّة باعتبارها فرصًا تعليميّة: إذا واجه طفلك مشكلة، قاوم الرغبة في حلّها له مباشرة؛ وبدلًا من ذلك، وجّهه إلى حلّها. على سبيل المثال، إذا كان يواجه صعوبة في بناء برج من المكعّبات، اسأله: "ما الذي تعتقد أنّه يجعل البرج يسقط؟ ماذا يمكنك أن تجرّب بعد ذلك؟"  السماح للأطفال باتّخاذ خيارات: منح الأطفال خيارات، حتّى لو كانت صغيرة، يساعدهم في ممارسة التفكير في الخيارات وتقدير العواقب. على سبيل المثال، دعهم يقرّرون ماذا يرتدون (بما يتناسب مع الطقس بالطبع)، أو أيّ كتاب يقرؤون قبل النوم. وعندما يتّخذون خيارًا، اسألهم لماذا اختاروا هذا الخيار لتشجيعهم على التأمّل.  كُن نموذجًا لمهارات التفكير النقديّ  يتعلّم الأطفال بمراقبة البالغين، لذلك يُعدّ أحد أفضل الطرق لتعليم التفكير النقديّ أن تكون نموذجًا لهذا التفكير بنفسك.  فكّر بصوت عالٍ: اعرض تفكيرك بصوت عالٍ أثناء اتّخاذك قرارًا ما، فهذا سيجعلهم يفهمون كيف توصّلت إلى هذا القرار بالتحديد. على سبيل المثال، إذا كنت تفكّر ماذا ستطبخ للعشاء، يمكنك القول: "أفكّر ماذا لدينا في الثلّاجة، وأيّ المكوّنات ستكون أكثر صحّيّة. أفكّر أيضًا في ما قد نحبّ تناوله". هذا يسمح للأطفال رؤية كيف يفكّر البالغون في الخيارات، ويأخذون في الاعتبار القيود والظروف، ويتّخذون القرارات تبعًا لذلك.  مناقشة السيناريوهات الحياتيّة: تحدّث مع طفلك عن المواقف التي يكون فيها التفكير النقديّ مهمًّا. على سبيل المثال، إذا كنتم تشاهدون فيلمًا معًا، توقّف أحيانًا لمناقشة اختيارات الشخصيّات: "لماذا تعتقد أنّها اتّخذت هذا القرار؟ ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانها؟"  قدّم ألعابًا وأنشطة تحفّز التفكير النقديّ  هناك العديد من الألعاب والأنشطة التي تجمع بين المتعة وتنمية مهارات التفكير النقديّ:  - الألعاب اللوحيّة: الألعاب التقليديّة مثل الشطرنج وكلاودو والبازل وسكربل، تشجّع على التفكير الاستراتيجيّ والتخطيط والتكيّف. هذه الألعاب تعلّم الأطفال كيفيّة التفكير في الخطوات القادمة، والنظر في الخيارات، وتوقّع تصرّفات الآخرين.  - الألغاز والألعاب الذهنيّة: الألغاز، سواء كانت جداريّة أو لغويّة، تُعزّز الصبر ومهارات حلّ المشكلات والتعرّف إلى الأنماط. الألغاز مثل الحزازير تُشجّع الأطفال على التفكير بطرق غير تقليديّة.  - ألعاب البناء والتركيب: ألعاب مثل الليغو و"ماجنا تايلز" و"كينيكس" تشجّع على الإبداع والتفكير المكانيّ. عند بناء الهياكل، يتعلّم الأطفال عن الاستقرار والتوازن وأهمّيّة التخطيط.  شجّع القراءة ومناقشة القصص  القراءة لا تساعد فقط في تحسين مهارات اللغة؛ بل هي وسيلة قويّة لتطوير التفكير النقديّ. تقدّم القصص إلى الأطفال شخصيّات وظروفًا وحالات مختلفة يمكنهم تحليلها ومناقشتها.  طرح أسئلة مفتوحة: عند قراءة قصّة معًا، اسأل أسئلة ليس لها إجابة بسيطة بنعم أو لا. على سبيل المثال: "لماذا تعتقد أنّ الشخصيّة فعلت ذلك؟" أو "ماذا كنت ستفعل لو كنت في مكانها؟" الأسئلة المفتوحة تشجّع الأطفال على التفكير بعمق في القصّة.  استكشاف وجهات نظر متعدّدة: شجّع الأطفال على النظر في وجهات نظر الشخصيّات المختلفة. اسألهم عن شعور كلّ شخصيّة في موقف معيّن ولماذا. هذا لا يطوّر التعاطف فحسب، بل يساعدهم أيضًا في فهم أنّ المواقف قد تكون معقّدة وتحتوي على عدّة جوانب.  تعزيز عقليّة النموّ  يزدهر التفكير النقديّ في بيئة يشعر فيها الأطفال بالراحة في الاستكشاف وارتكاب الأخطاء والمحاولة مرّة أخرى. عندما يؤمن الأطفال بأنّ قدراتهم يمكن أن تتحسّن بالجهد، يكونون أكثر استعدادًا لمواجهة التحدّيات والإصرار في مواجهة الصعوبات.  مدح الجهد وليس النتائج فقط: بدلًا من مجرّد مدح الأطفال عند النجاح، اثنِ على جهدهم ومثابرتهم. على سبيل المثال، قل: "أنا فخور بمحاولتك مرارًا لحلّ هذا اللغز"، بدلًا من مجرّد "قمت بعمل جيّد".  تشجيع التأمّل في الأخطاء: ساعد الأطفال على رؤية الأخطاء باعتبارها فرصًا للتعلّم. إذا واجهوا فشلًا، اسأل: "ماذا تعتقد أنّك قد تحاول في المرّة القادمة؟" هذا يساعد الأطفال في تحليل أفعالهم والنظر في أساليب بديلة.  ***  إنّ تنمية التفكير الناقد لدى الأطفال عمليّة تدريجيّة مستمرّة تتطلّب الصبر والتشجيع. وإن قمت باتّباع الاستراتيجيّات المذكورة في المقال، من تعزيز الفضول، وتقليد سلوكيّات التفكير النقديّ وتوظيفها، والمشاركة في المناقشات المدروسة، وتوفير الفرص لحلّ المشكلات، يمكنك المساعدة في نموّ أطفالك ليصبحوا مفكّرين ومستقلّين ومجهّزين جيّدًا للتعامل مع تعقيدات العالم من حولهم.  في النهاية، إنّ تعليم الأطفال التفكير النقديّ أحد أكثر الهدايا قيمة التي يمكننا تقديمها لهم. فهو لا يمكّنهم من النجاح أكاديميًّا فحسب، بل ويمكّنهم أيضًا من التعامل مع تحدّيات الحياة بثقة وفضول ومرونة.    المراجع https://skillshouse.net/2023/10/06/%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81/  https://www.brighthorizons.com/resources/article/developing-critical-thinking-skills-in-children  https://www.parentingforbrain.com/critical-thinking-for-kids/  https://obstan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84/ 

حريّة الأشخاص المعوّقين في مهبّ الأزمة: إنقاذ مؤسّسات الرعاية أم التحوّل إلى الدمج الكليّ؟

يمثّل هذا المقال حملة توعية تلقي الضوء على الظروف المعيشيّة للأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسّسات التعليميّة، وأهميّة توفير الخدمات العامة الدامجة التي من شأنها أن تؤدّي إلى السير قدما نحو اللامؤسساتيّة. للوصول إلى المقال الرجاء الضغط على الرابط هُنا.