محمّد بنيحيا- مفتّش تربويّ- المغرب
محمّد بنيحيا- مفتّش تربويّ- المغرب
2025/10/09

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟

جعلتني هذه التجربة أزداد قناعة بأنّ التعليم لا يُعدّ ترفًا فكريًّا أو خيارًا ثانويًّا، بل هو ضرورة وجوديّة لا تقلّ أهمّيّة عن الماء والهواء. ففي زمن الخراب، حين تتهاوى القيم وتضيع البوصلة، يظلّ المعلّم هو الحصن الأخير للوعي، والصوت المقاوم للعبث، والحارس الأمين لكرامة الإنسان. رسالته اليوم ليست فقط نقل المعرفة، بل زرع الأمل، وحماية العقل من التهميش، وبناء إنسان قادر على مواجهة الاضطراب بالإدراك والنبل.

 

ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟

لم يعد المعلّم ذلك الموظّف البسيط الذي يؤدّي واجبه داخل جدران القسم وحسب، بل أصبح اليوم حاملًا لمشروع مجتمعيّ متكامل. إنّه فاعل استراتيجيّ في بناء الوعي الجماعيّ، وصانع لأجيال قادرة على الإسهام في تنمية الوطن وصيانة قيمه. ولذلك، فإنّ دعم المعلّم والارتقاء بأوضاعه المادّيّة والمعنويّة ليس ترفًا ولا مجاملة، بل هو استثمار حقيقيّ في مستقبل الأمّة. فحيث يُكرَّم المعلّم، تُبنى الأوطان، وتُصان الكرامة، ويُزهر الأمل.

 

هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟

هو مرجع لا غنى عنه، نعم، لكنّه ليس المصدر الأوحد في الممارسة التربويّة. أتعامل معه بعين ناقدة، لا بتسليم مطلق، أستحضر خلفيّاته وأتفحّص اختياراته، ثمّ أكمله بما يفرضه السياق الواقعيّ للفصل الدراسيّ، وما تفرزه التجربة اليوميّة، وما تتيحه التقنيّات الحديثة من موارد وفرص تعلّم. أستأنس بأسئلة التلاميذ مفاتيحَ لفهم حاجاتهم وبناء تعلّمهم، لأجعل من الدرس لحظة حيّة تتجاوز حدود النصّ والمقرّر، نحو بناء معرفة تشاركيّة ومعنى شخصيّ لكلّ متعلّم.

 

هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟

نعم، خصوصًا عندما قطعت شوط الميل الأوّل، أي العشر سنوات الأولى. لحظات الإحباط كثيرة، لكنّ عيون التلاميذ وأسئلتهم غير المتوقّعة كانت دائمًا سبب بقائي. وتغيير الإطار إلى مفتّش تربويّ أنقذ الموقف، لنقل التجربة إلى أجيال جديدة من المعلّمين، ملؤها التحفيز والتشجيع والتأطير من أجل التطوير.

 

ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟

التفكير النقديّ؛ طرح الأسئلة الجيّدة؛ التعامل الأخلاقيّ مع المعلومة؛ القدرة على التعلّم المستمرّ؛ مهارة البحث والإبحار الآمن.

 

ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟

أُربك التوقّعات، أطرح ما يلامس حياتهم، أُشركهم في صنع الدرس، وأجعل من الصمت لحظة تفكير لا فراغ. التمكّن من المادّة، الإعداد الجيّد، الشغف والحبّ، قتل الرتابة، الإبداع والتجديد والتغيير كلّ لحظة من لحظات الدرس، بثّ روح الحياة في الفصل، لا للرتابة.

 

هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟

أراه تعبيرًا تقليديًّا تجاوزه النقاش التربويّ المعاصر، فبدلًا من الحديث عن "ضبط القسم"، من الأجدى أن نتحدّث عن بناء بيئة آمنة ومحفّزة للتعلّم. فحين يشعر المتعلّمون بالأمان والاحترام والانتماء، ينضبط السلوك تلقائيًّا من دون الحاجة إلى القمع أو التسلّط. العلاقات التربويّة الإيجابيّة، القائمة على الثقة والتواصل والتقدير، تُنتج تعلُّمًا ذا معنى، وتؤسّس لمناخ مدرسيّ داعم يشجّع على المشاركة والنموّ.

 

ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟

عفويّة التلاميذ، وسذاجتهم اللطيفة. لحظات تُعيد إليّ المعنى وسط رتابة القوانين والإجراءات. نكتة عفويّة من تلميذ، إجابة غريبة، أو محاولة نطق كلمة صعبة. تلك اللحظات الصغيرة تُعيد إليّ إنسانيّتي وسط صرامة المناهج.

 

أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟

لم أعرف مجلّة منهجيّات إلّا مؤخّرًا، والوقت مبكر للاطلاع على كلّ ما كتب، تصفّح سريع خفيف، لكنّ العين تسقط على ما يجذبها: مقال "إشرافنا التربوي وثقافة الاستيراد" لكاتبه: فهد أولاد الهاني، أستاذ التعليم الثانويّ التّأهيليّ، وزارة التربية الوطنيّة- المغرب. قدّم الكاتب نقدًا لاعتماد النظم التربويّة العربيّة، ولا سيّما الإشراف التربويّ، على النظريّات والمقاربات الغربيّة في التعليم من دون مراعاة خصوصيّات الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ العربيّ، والدعوة إلى تأصيل هذه النظم بناءً على بيئة المتعلّم العربيّ وتراثه التربويّ.

 

إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟

"بين السبّورة والدهشة". لأنّ كلّ ما كنت أفعله، مهما خطّطت له، يبقى عرضة لدهشة لم أبرمجها، تأتي من تلميذ، من صمت، أو حتّى من خطأ. لنقُل مثلًا: يوميّات معلّم، سرد تجارب كثيرة، أهمّ ما يميزها الدهشة والاستغراب، التأمّل للتعلّم، لحظات ألم لبناء أمل، ممارسة متبصرة على طريق التحسين والتطوير.