الرئيسية

في هذا العدد

العدد (22) خريف 2025

ظروف كثيرة أودت بنا إلى هذا الوضع، وحشرتنا في دائرة استهلاك ما يُقدّم إلينا، بغثّه وسمينه. وإذا كان السمين كثيرًا، وهو عصارة جهود مفكّرين وتربويّين وفلاسفة، إلّا أنّ إيقاع حياتنا السريع القائم على تعزيز منحانا الاستهلاكيّ، يقضم من قدرتنا على التمييز والاختيار.  والأمر أن إدارة الصفّ تستدعي ممارسة ديمقراطيّة من المعلّم، وتفكيرًا بفاعليّة الذات عند المتعلّم. وإذا كان المعلّم الحديث ينحو إلى الدمقرطة ذاتيًّا أو بقرار خارجيّ (وهو فرض للديمقراطيّة!)، فإنّ ما يشهده المتعلّمون بأنفسهم، وبمراقبة حياة أهليهم ومسار القرارات في مجتمعاتهم، لا يشي بشيء من التدريب على الفاعليّة الذاتيّة. وبغياب فهم المتعلّم دوره في الصفّ، يسقط في أيدي المعلّمين وتتهاوى الإدارة التي لا تتّكل على التهديد. مشاكل إدارة الصفّ تنبع من تفكّك صور المجتمع الذاتيّة، فيصير هذا الاجتماع لذواتات مختلفة لا تتّفق على أسلوب، أو هدف، أو احترام تفرّد حقيقيّ. وبين مطالبة المعلّم بصفّ هادئ، وحشره باستراتيجيّات تفاعليّة تكسر الهدوء، هل ننتظر أن يرتاح المعلّمون إلى ما يُطلب إليهم؟

ملفّ العدد القادم

دعوة للكتابة في الأعداد القادمة

للمساهمة والكتابة في أعداد المجلّة القادمة، نستقبل مقالاتكم حول المواضيع التربويّة المختلفة عبر البريد الإلكترونيّ:  [email protected] تعالج مواضيع المقالات العامّة التربويّة في المجلّة قضايا التعليم والإدارة المدرسيّة وتطوير المعلّمين. وقد يكون موضوع المقال منطلقًا من تفكُّر ذاتيّ؛ تأمُّل في تجربة ما أو مراجعة لها أو مُشاركة لتجارب وأفكار مُختلفة، أو قد يكون نتاجًا لورشة أو ندوة أو مؤتمر، وربّما يكون مراجعة لكتاب أو مقالة استطاع الكاتب أن يختبر مقتضياتها في الصفّ، وأن يُدخل عليه ما يتناسب ووضع الصفّ والمدرسة بشكل عامّ، وأن يلمس بيده وروحه ما أدّت إليه في مسار المتعلّمين. المعارف، على أهمّيّتها، موجودة وباتت متاحة بلغات مختلفة، لكن تجربتكم الشخصيّة في تحويل المعرفة إلى ممارسة يوميّة أو استراتيجيّة ناجحة تلائم الواقع، هي الشعلة التي نرغب في نقلها إلى المُمارسين التربويّين في الحقل التعليميّ. للاطلاع على سياسات النشر في المجلّة سياسات منهجيات | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)، وفريق منهجيّات سيكون داعمًا وموجودًا للتواصلِ والمتابعة والمجاورة.  

أخبار تربويّة

مليون تلميذ جديد في مدارس الجزائر

انطلقت العمليّة التعليميّة في الجزائر، يوم أمس الإثنين، بعد المراسيم الرمزيّة التي أُقيمت أول أمس الأحد في شتّى المؤسّسات التعليميّة، احتفاءً بانطلاقة العام الدراسيّ الجديد. وعاد أكثر من 12 مليون تلميذ إلى مقاعد الدراسة في مختلف المراحل التعليميّة، وسط تغييرات في البرامج الدراسيّة، تقضي بتوسيع تدريس اللغتين العربيّة والإنجليزيّة على حساب الفرنسيّة، والسعي إلى رقمنة التدريس. وسجّلت المؤسّسات التعليميّة في البلاد التحاق أكثر من مليون تلميذ جديد بالمدارس، حيث تفرض الجزائر إجباريّة التعليم لجميع الأطفال بعمر ست سنوات، وتفرض عقوبات على أولياء الأمور الذين لا يسجّلون أبناءهم في نظام التعليم. ومع تطوّر استخدام التقنيّات والمنصّات الافتراضيّة، بات تسجيل التلاميذ الجُدد متاحًا عبر التقنيّة الرقمية لوزارة التربية الوطنيّة، من خلال تقديم طلب التسجيل في السنة الأولى ابتدائيّ على مستوى المدرسة على أن يتكفّل مديرها بعمليّة التسجيل الرقميّ. وبدأ العام الدراسيّ بعد أسبوع من التحاق أكثر من مليون معلّم وموظّف في المؤسّسات التعليميّة، وخُصّص الدرس الافتتاحيّ حول مواضيع ذات صلة بالصحّة والتغذيّة السليمة بالنسبة للمرحلة الابتدائيّة، ومخاطر مشروبات الطاقة والإدمان على الشاشات والمؤثّرات العقليّة في المرحلتين المتوسطة والثانويّة. وقرّرت الحكومة إلزام المدارس الابتدائيّة بتوفير الوجبات الساخنة للتلاميذ منذ اليوم الأول، وعلى الرغم من إشراف وزارة التربية على المدارس والمؤسّسات التعليميّة، فإنّ البلديّات هي المسؤولة عن تسيير المطاعم المدرسيّة وتمويلها في 1,541 بلديّة، وكذلك توفير العمّال والطبّاخين والمواد التموينيّة. ويشهد العام الدراسيّ الجديد افتتاح 730 مؤسّسة تعليميّة جديدة بين مدرسة ابتدائيّة ومتوسطة وثانويّة، فإنّه يتميّز كذلك بإدماج رسميّ لأكثر من 82 ألف أستاذ ومعلّم، وتثبيتهم في مناصب دائمة، بعد سنوات من العمل ضمن نظام التعاقد المؤقّت، ما من شأنه أن يغطّي الاحتياجات الأساسيّة للمؤسّسات التعليميّة من الكفاءات اللازمة. وفي غضون الشهر المقبل، سيجري توظيف 45 ألف أستاذ و24 ألف إداريّ، لتغطية احتياجات المنظومة التربويّة.   المصدر (العربي الجديد).

أكثر من ثلاثة أرباع أطفال السودان خارج المدارس بسبب الحرب

أورد تقرير لمنظّمة "أنقذوا الأطفال" في السودان، أنّ: "الحرب في السودان حرمت ثلاثة أرباع الأطفال في عمر التعليم من الذهاب إلى المدارس، منذ أكثر من عامين". وتابعت منظّمة "أنقذوا الأطفال" بأنّ: "13 مليون طفل من أصل 17 مليونًا في عمر التعليم، لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس، في واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم"، وأضافت: "لا تزال أكثر من نصف المدارس في السودان مغلقة بسبب الحرب، بينما تم تحويل واحدة من كلّ عشر مدارس إلى مأوى للنازحين". أيضًا، أشار التقرير، إلى أنّه: "قد عاد نحو أربعة ملايين طفل إلى التعليم في الآونة الأخيرة، في حين تظلّ الأغلبيّة العظمى من الأطفال بلا تعليم بسبب النزوح الجماعيّ ونقص المعلّمين ومواد التعليم والقيود على الحركة بسبب العنف". وبحسب مدير منظّمة "أنقذوا الأطفال" في السودان، محمد عبد اللطيف، فإنّه "من السهل تجاهل التعليم كأولويّة في وقت الأزمة، لكن مع إطالة أمد النزاع يخسر الأطفال أهمّ سنوات التعليم التي لن يتمكنوا أبدًا من استعادتها، ذلك يعني أنّ بعض هؤلاء الأطفال لن يتعلم أبدًا القراءة والكتابة". وفي السياق نفسه، حذّر عبد اللطيف من أنّه في حال استمرّت الحرب "لن يتمكّن ملايين الأطفال من العودة إلى المدارس ما يعرّضهم لمخاطر على المدى القريب والبعيد، بما في ذلك النزوح والانضمام للجماعات المسلّحة والعنف الجنسيّ".   المصدر (عربي 21).

منهجيّات تفتح باب التسجيل لدورتها التدريبيّة التاسعة في مجال كتابة المقال المهنيّ

تُعلن مجلّة منهجيّات عن فتح باب التسجيل للدورة التدريبيّة التاسعة في مجال كتابة المقال المهنيّ للمعلّمين والمعلّمات والتربويّين والتربويّات العرب. تمتدّ الدورة على ثلاث جلسات لكافّة المشتركين، في التواريخ الآتية: الجلسة الأولى (ومدّتها ساعتان ونصف): الخميس 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025، السّاعة الخامسة مساءً بتوقيت القدس. الجلسة الثانية (ومدّتها ساعتان ونصف): الأحد 26 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025، السّاعة الخامسة مساءً بتوقيت القدس. الجلسة الثالثة (ومدّتها ساعتان): الأحد 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، السّاعة الخامسة مساءً بتوقيت القدس. على أيّ معلّمة/ معلّم أو تربويّة/ تربويّ مشتغل بالتعليم يرغب بالمُشاركة، ملء النموذج في الرابط (للتسجيل اضغط هُنا). مع الانتباه إلى إرفاق السيرة الذاتيّة ضمن النموذج، وفي موعدٍ أقصاه 9 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025.   عن برنامج الدورات التدريبيّة يهدف برنامج الدورات التدريبيّة في كتابة المقال المهنيّ إلى مساعدة المشاركين في التأمّل في تجاربهم التعليميّة، وتطوير قدراتهم على كتابتها، ومشاركتها مع الآخرين، بما يدعم هذه التجارب ويطوّرها ويغنيها. ويتعلّم المشاركون في الدورة صوغ تجاربهم في مقال مهنيّ، على أن ينشر في الأعداد المستقبليّة من مجلّة منهجيّات.  - محاور الدورة التدريبيّة. - ما هو المقال المهنيّ؟   - نقاش لأفكار المشاركين المقدّمة للتطوير.   - التطوير النظريّ للأفكار والتجارب الأوليّة.   - مهارات كتابة المقال المتخصّص ونماذجه.   - تحرير المقالات وتدقيقها.    

في كلّ عدد تختار منهجيّات قضيّة أو مفهومًا تربويًّا تخصّص له ملفًّا يشارك فيه خبراء وأكاديميّون ومعلّمون في مقالات وتجارب وتحليلات، تتناول الموضوع من جوانبه المختلفة. يشكّل الملفّ رافدًا مهمًّا للمعلّمين والباحثين والمهتمّين.

ضبط إيقاع الصفّ في الرياضيّات: تجربة من قلب الممارسة الصفّيّة
لاحظت أنّ بعض الطلّاب يفقدون اهتمامهم بمجرّد أن نبدأ بالتمارين التقليديّة، لذلك قرّرت تحويل الدروس إلى ساحة ألعاب تفاعليّة. قسّمت الطلّاب... تابع القراءة
"مذكّرات مقعد فارغ": حكاية لم تُروَ من الصفّ الأخير
في إحدى الحصص، جلست فتاة كانت ترسم طوال الوقت. لم تكتب شيئًا، كانت ترسم وجوهًا وأبوابًا ونوافذ. صادرت المعلّمة رسوماتها، وبّختها، وأعادته... تابع القراءة

مقالات عن تجارب وتأمّلات وتقنيّات تعلّميّة – تعليميّة، غير مرتبطة بموضوع أو قضيّة محدّدة، ومفتوحة للمُشاركة دائمًا.

تدريس الرياضيّات عن طريق الفنون: متعة التعلّم
ناك حاجة ملحّة تقتضي إعادة النظر في الممارسات التعليميّة لتقديم المحتوى الرياضيّ، والانتقال إلى استراتيجيّات جديدة تركّز على المتعلّم، وت... تابع القراءة
 انهيار ذهنيّة القراءة الحرّة في عصر اقتصادات الانتباه
كان في بيتنا مكتبة. مكتبة جيّدة، فيها مئات الكتب الكبيرة؛ مجلّدات في التاريخ والسيرة والتفسير، وعدد من المعاجم الأساسيّة. في الرفّ السفلي... تابع القراءة

الندوة القادمة

ندوة منهجيّات الشهريًّة مساحة نقاش مفتوح يتناول موضوعًا يتجدّدُ، يشارك في الندوة مختصّون تربويّون ومعلّمون خبراء في موضوع الندوة.

ندوة: التكوين المهنيّ للمعلّمين.. مفهوم نظريّ ونماذج عمليّة ومجتمعيّة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر أيلول / سبتمبر 2025، بعنوان "التكوين المهنيّ للمعلّمين: مفهوم نظريّ ونماذج عمليّة ومجتمعيّة". وركّزت على محاور مختلفة، هي: 1. التكوين المهنيّ مفهومًا وإطارًا نظريًّا. 2. نماذج عمليّة من برامج التكوين المهنيّ. 3. التكوين المهنيّ للمعلّم: جزء من منظومة التعليم. 4. التكوين المهنيّ للمعلّم وتعزيز دور المعلّم المجتمعيّ. استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. يسرى خطّاب، منسّقة البرامج التدريبيّة وباحثة مساعدة في تمام، لبنان؛ أ. مروة بكيرات، مديرة مساعدة للتطوير الأكاديميّ في معهد تطوير التعليم، قطر/ الأردن ؛ أ. محمود جسّار، مدير برنامج الدبلوم المهنيّ في التعليم في أكاديميّة الملكة رانيا للتدريب المعلّمين، الأردن؛ د. نادر وهبة، مدير وحدة التكّون التربويّ في مؤسّسة عبد المحسن القطّان، فلسطين.رينيه مزاهرة- منسّقة أكاديميّة للصفوف الابتدائيّة- الأردن أدارت الندوة  د. ريام كفري أبو لبن، مستشارة تربويّة في مؤسّسة النيزك. استهلّت د. أبو لبن الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.   المحور الأوّل: التكوين المهنيّ مفهومًا وإطارًا نظريًّا ما مفهوم التكوين المهنيّ للمعلّم؟ وما الفرق بينه وبين التطوير والتدريب المهنيّ؟ يرى د. نادر وهبة أنّ كلمة التكوين، تعني أن يكوّن المعلّم نفسه بنفسه عبر البحث الذاتيّ والاستعانة بالزملاء والمجتمع، وهو فعل داخليّ ذاتيّ عبر الممارسة والتجريب. والتكوين ترجمة للكلمة الإنكليزيّة: reformat. بينما التطوير ( development) مصطلح من الفكر الرأسماليّ، الذي يعتبر أنّ المدرسة إنتاج، والطالب سيخرج إلى سوق العمل. وهو يتعامل مع المعلّم على أنّه موضوع التطوير وليس الفاعل في مساره. بالتالي يصبح التطوير تلقينًا، أكثر من كونه نموًّا مهنيًّا ذاتيًّا. بينما التكوين فعل تحرريّ يكون المعلّم هو المحرّك فيه، من دون سيطرة من السلطة. وبخصوص استخدام كلمة "مهنيّ"، أشار د. وهبة إلى أنّ المعلّم في فلسطين يعمل ضمن إطار خدمة عامّة وليس مهنة. فالمعلّم دائمًا يطالب في حقوقه وبالمهننة في التعليم. وبهذا يكون مصطلح " التكوين المهنيّ" مصطلحًا تحرّريًّا وحقوقيًّا في آنٍ واحد. وقالت أ. يسرى خطّاب إنّ المصطلحات نفسها تغيّرت تعريفاتها مع الزمن؛ فقديمًا كان التطوير يقتصر على وجود شخص خبير، ينقل المعرفة إلى شخص آخر أقلّ خبرة منه، من دون ضمان أيّ تغيير في الممارسات أو نقل للتعلّم إلى الممارسة. لكن، في المنظور الحديث نعتبره رحلة مستمرّة ومنهجيّة تتضمّن توجيهًا ومرافقة ورعاية، وتبادل خبرات مع الآخرين. وتابعت أ. خطّاب، أنّ التكوين المهنيّ يُعطي عمقًا إضافيًّا للتطوير المهنيّ، لأنّ التطوير يركّز على النمو بالمعرفة والمهارات، بينما التكوين يشمل الهويّة المهنيّة للمعلّم والقيم والمبادئ، لا المهارات والمعارف فقط. كما ذكرت استخدام مصطلح "بناء الخبرات"، وهو مُصطلح يشمل الاستدامة، ويركّز على بناء الخبرات بشكل فرديّ وجماعيّ ومؤسّسي.   كيف يُبنى برنامج تكوين مهنيّ شامل للمعلّم؟ قال أ. محمود جسّار إنّ الخطوة الأولى لأيّ برنامج تكوين مهنيّ، تبدأ من معرفة احتياجات المعلّم، والتحدّيات التي تواجهه. على سبيل المثال نجاح برامج التكوين المهنيّ في فنلندا سببه قيامها على أبحاث تربويّة، وممارسات تأمليّة داخل الغرفة الصفّيّة. واعتبر الركائز والخطوات الرئيسة لإعداد برنامج تكوين مهنيّ ناجح هي: 1. أن يكون واضحًا ومُرتبطًا بالمعلّم والمنهاج ( التشخيص). 2. يحتوي على تطبيق وتدريب عمليّ داخل الصفّ ( التطبيق). 3. قبول التغذية الراجعة (المُتابعة). 4. أن يكون برنامجًا طويل المدى، فيه وقت كافٍ للتأمّل والتجربة والنقد والتطوير (التحسين).   كيف نحافظ على استدامة برامج التكوين والتطوير المهنيّ لتستمرّ وتصنع أثرًا ملموسًا لدى المعلّم والمدرسة، والمنظومة بشكل عامّ؟ قالت أ. مروة بكيرات  إنّ هناك عددًا من النقاط التي يمكن تنفيذها للحفاظ على استدامة برامج التطوير والتكوين المهنيّ: 1. أن تتحول هذه البرامج من مبادرات فرديّة إلى سياسات وطنيّة، تضع الخطوط العريضة للوزارة والمؤسّسات التعليميّة. 2.  بناء مجتمعات مهنيّة للتعلّم؛ فتبادل الخبرات بين المعلّمين يخلق مجتمعًا تعلّميًّا دائمًا، حتّى بعد انتهاء برامج تطوير المهنيّ. 3. دمج التكوين المهنيّ في الممارسة اليوميّة في المدارس، بالمُتابعة والتوجيه والإشراف. 4. توفير الموارد للمؤسّسات التعليميّة، مثل الموارد البشريّة والرقميّة والموادّ المفتوحة للمعلّمين. 5. ربط التكوين المهنيّ بتطوير المسار الوظيفيّ. ولفت د. وهبة إلى ضرورة شمول التكوين المهنيّ النظريّات الفكريّة، وأنّ تُنظَّم ندوات ولقاءات لنقاش الكتب، ومحاضرات لخبراء في القضايا الفكريّة. لنمكّن المعلّم من الكتابة في النظريّات التربويّة؛ فعبر الكتابة أيضًا يتمّ التكوين المهنيّ طويل المدى.   المحور الثاني: نماذج عمليّة من برامج التكوين المهنيّ في مشروع تمام، اخترتم نموذجًا مختلفًا، هو قيادة التطوير المستند إلى المدرسة، حدّثينا عن هذا النموذج، وعن رحلتكم في تطويره، وما التغيير الذي تسعون لتحقيقه؟ قدّمت أ. خطّاب تعريفًا سريعًا لمشروع تمام، وهو مركز بحثيّ وتطويريّ في الجامعة الأمريكيّة في بيروت. يقود حركة تطويريّة في العالم العربيّ هدفها تحويل المدرسة إلى مؤسّسة متجدّدة ذاتيًّا. ونظريّته للتطوير تقوم على تطوير القاعدة، وهي المدرسة، مع دعم من الجهات العليا لتسهيل واستدامة العمل للتربويّين. ولتحقيق هذه الرؤيا صمّم مشروع تمام مجموعة من البرامج المبنيّة على البحث والتجريب والتي تستهدف جوانب متعدّدة منها: - قيادة التطوير المستند إلى المدرسة. - بناء الشراكات مع العائلة والمجتمع المحليّ . - تنمية القدرات الطلّابيّة. - التشبيك بين المدارس. - التأثير في السياسات التربويّة. وللتدريب على هذه البرامج، لدينا مقاربة لبناء القدرات نتّبعها، وهذه المقاربة لا تقتصر على اكتساب المعلّم المهارات والمعارف المُرتبطة في هذه البرامج، بل تشمل: - إعادة تشكيل الهويّة المهنيّة للمعلّم. - تحوّل في المنحى الفكريّ والعادات المهنيّة. - تطوير في اتّجاهات المعلّم. - تعزيز استقلاليّة المعلّم وتوسيع قدرته على قيادة الطريق. بُنيت هذه المقاربة بالاستناد على عدّة نظريّات منها: - نظريّات تعلّم الكبار. - التعلّم التجريبيّ. - التعلّم التحويليّ. - الرعاية المهنيّة ونظريّات الإشراف التربويّ. تمّت أقلمة هذه النظريّات لتكون مناسبة للسياق العربيّ، وتعديلها بناءً على تجارب ميدانيّة واقعيّة. ممتدّة على مدار 18 سنة، وعلى سياقات متعدّدة في دول عربيّة مختلفة. وما يميّز رحلة بناء القدرات في تمام أنّها: 1. هادفة ومنظّمة. 2. تجريبيّة ومدمجة بالعمل اليوميّ للمعلّم. 3. مبنيّة على الاحتياجات ومتسّقة مع السياق الذي يعمل فيه الفريق. 4. مرنة وتستجيب للتغيّرات التي تطرأ على الواقع اليوميّ للمعلّم. 5. منهجيّة وشاملة وتنظر إلى المدرسة بأبعادها المختلفة. 6. تعتمد على تدريب مجموعات من المعلّمين لا الأفراد.   وقالت أ. خطّاب إنّ رحلة بناء القُدرات تنقسم إلى 3 مراحل: 1. مرحلة ما قبل البدء بالتدريب: وتشمل هذه المرحلة التعرّف إلى السياق، وتاريخ المدرسة، والأشخاص الذين نعمل معهم من ناحية مهنيّة وشخصيّة، والاحتياجات التدريبيّة لهم. 2.مرحلة التدريب وتشمل جانبين: - التدريب على المعارف الأساسيّة المتعلّقة بكلّ برنامج من البرامج: ترافقه فرصة للتطبيق المباشر، والتجريب داخل السياق العمليّ مع التغذية الراجعة المستمرّة، مع التوجيه وتعزيز روح التعاون بين الفريق والمعلّمين داخل المدرسة، بناءً على نقاط القوّة الموجودة لدى المعلّمين. - التركيز على الجانب الإنسانيّ العاطفيّ لدى فريق المتدرّبين: من خلال الاستماع إلى المخاوف الشخصيّة والمهنيّة لدى المتدرّبين، وبناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام بينهم وبين المدرّب، وتعزيز الإحساس بالملكيّة للمشاريع التي يقومون بها، وبناء ثقتهم بأنفسهم وبما يقدّمون من تغيير. 3. الاستعداد إلى ما بعد التدريب: وفيها يتمّ التقييم واتّخاذ قرارات بشأن الخطوات التالية التي ستنفّذ مع المتدرّبين، وانسحاب تدريجيّ للمدرّب حتّى تصبح لدى الفريق استقلاليّة في تطبيقه لعمله، وبالتالي استدامة أثر التدريب.     اختارت أكاديميّة الملكة رانيا التركيز على التكوين المهنيّ للمعلّم خلال الخدمة، لماذا؟ وكيف وصلتم إلى هذا النموذج؟ وما الاحتياجات والتحدّيات التي يستجيب لها برنامجكم، وما الأثر الذي تسعون لتحقيقه؟ عرض أ. جسّار نموذج التميّز المدرسيّ الذي تقدّمه أكاديميّة الملكة رانيا. ويقوم هذا النموذج على اختيار محافظة من محافظات الأردن، نطوّر فيها مهارات القادة التربويّين، والمعلّمين والمرشدين والمشرفين. وتُقدّم إليهم برامج بناء خبرات حديثة ونوعيّة ومكثّفة تلبّي احتياجاتهم الحقيقيّة المستقاة من الميدان التربويّ. يعمل نموذج التميّز المدرسيّ على توفير أكثر من برنامج تنمية مهنيّة في الوقت نفسه، في المدرسة الواحدة. على سبيل المثال: يُقدّم إلى مدير المدرسة دبلوم قيادة متقدّمة؛ وإلى المعلّم الدبلوم المهنيّ في التعليم؛ وإلى المرشد دورات خاصّة بالإرشاد؛ وإلى المشرف دورات خاصّة به. هذا البرنامج يدعم جهود المجتمع المدرسيّ بشكل متكامل، ويخضع لتقييم مستمرّ، ودراسة لأثره من أجل تحسينه، وهو ينشر ثقافة التميّز، لإعداد بيئة تعلّميّة خصبة تهدف إلى تحسين أوضاع أبنائنا في المدارس. ولهذا البرنامج أهداف كبيرة وواسعة، لتعزيز الوعي بالقضايا التعليميّة، إضافة إلى تحسين مهارات القيادة عند المعلّمين. ففي محافظة واحدة تقدّم أكاديميّة الملكة رانيا: - برنامج الدبلوم المهنيّ في التعليم. - برنامج الدبلوم المهنيّ في القيادة. - تكنولوجيا المباحث المتخصّصة. - برنامج الدعم النفسيّ الاجتماعيّ. - برنامج الابتكار والريادة في التعليم. - برنامج التربية من أجل البيئة المستدامة. - برامج متعلّقة بالتنمية المهنيّة للمشرفين.   في معهد التطوير التربويّ، ما برنامجكم، والإطار النظريّ الذي تستندون إليه، والأثر الذي تسعون إلى إحداثه في القطاع التعليميّ في قطر؟ قالت أ. بكيرات إنّ المعهد مؤسّسة شاملة للتكوين المهنيّ والتحوّل التربويّ. وتعتمد رؤيته على أنّ المعلّم هو الحجر الأساس لأيّ تغيير في التعليم؛ فكلّ برنامج نقوم به يستهدف في جوهره تمكين المعلّم فكريًّا ومهنيًّا، لا مجرّد تحسين أدائه لفترة زمنيّة قصيرة. وأشارت إلى أنّ الهدف الأساس لمعهد التطوير التربويّ، سدّ الفجوة بين التدريب والتطبيق داخل الغرفة الصفّيّة، وذلك من خلال برامج مبنيّة على الاحتياجات الواقعيّة، ومدعومة بنظريّات تربويّة معاصرة، ومصمّمة لإحداث تغيير مستدام في المنظومة التعليميّة والمدارس. ويستند الإطار النظريّ في المعهد إلى ثلاث ركائز أساسيّة: - تكييف النظريّات الغربيّة مع السياقات المحليّة والقيم العربيّة، والاستفادة منها بما يلائم الثقافة والسياق. - النهج التشاركيّ، من منحى النظر إلى المعلّم شريكًا لا مجرّد متلقٍّ. ومن خلال التعاون مع المدارس، نحدّد احتياجات المعلّمين ونفهمها، وعلى هذا الأساس نطوّر برنامجًا تدريبيًّا يخدم المدرسة. - البرامج الممتدّة في مسارات طويلة، بحيث تهدف إلى إحداث تغيير في طريقة تفكير المعلّم وممارساته داخل الصفّ وخارجه. وبخصوص الأثر الذي يسعى  له معهد التطوير التربويّ، قالت أ. بكيرات إنّ المعهد يطمح لأن يكون له أثر في ثلاثة مستويات: - على مستوى المعلّم: بناء هويّة مهنيّة قويّة له، ومهارات وأدوات يتمكّن من خلالها من التعامل مع التحدّيات اليوميّة. - على مستوى المدرسة: خلق ثقافة مؤسّسيّة قائمة على التعلّم المستمرّ، والابتكار في المدارس. - على مستوى المنظومة التعليميّة: تشكيل سياسات وممارسات، تضمن أن يكون التكوين المهنيّ جزءًا من التعليم في المدارس، وألّا يكون مجرّد مبادرة مؤقّتة أو مشروع قصير يبدأ وينتهي. كما أشارت أ. بكيرات إلى البرامج المتعدّدة التي يقدّمها المعهد، ومنها: - برامج تركّز على اللغة العربيّة، والتعليم ثنائيّ اللغة. - برامج متعلّقة بالابتكار والإشراف. - برامج متعلّقة بالذكاء الاصطناعيّ. - برامج التفكير التصميميّ والاستدامة. - برامج القيادة والإدارة والعدالة والمساواة في التعليم.   كيف انتقلت مؤسّسة القطّان من تركيزها على تكوين المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة، إلى تركيزها اليوم على دور المعلّم المجتمعيّ، والمدرسة بوصفها مؤسّسة مجتمعيّة؟ قال د. وهبة إنّ مؤسّسة القطّان تأسّست سنة 1990 تحت مسمّى البحث والتطوير التربويّ، وكان جزءًا من برامجها مخصّصًا للثقافة، فهي بالتالي مؤسّسة تربويّة ثقافيّة. وأشار إلى أنّ المؤسّسة تنظر إلى التربية بوصفها موضوعًا ثقافيًّا أيضًا. وقد تغيّر تركيز المؤسّسة بحسب السياقات التاريخيّة المختلفة، لكنّ الاهتمام ظلّ مُنصبًّا على المعلّم أثناء الخدمة، والتعامل معه بصفته قائدًا مجتمعيًّا. فمثلًا، في سنة  1998، ومع تأسيس مناهج جديدة في فلسطين، صار للمعلّم منهاج فلسطينيّ خاصّ به لأوّل مرّة. فتركّز العمل على المعلّم داخل الصفّ، وعلى المعرفة السياقيّة في الغرفة الصفّيّة، إضافة إلى المعرفة التخصّصيّة. لذلك أُطلقت برامج خاصّة بالرياضيّات واللغة الإنجليزيّة واللغات والتاريخ، إلى جانب برامج داعمة للمعلّم داخل الصفّ، مثل البحث الإجرائيّ. وبعد الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية، سنة 2000، ومع دخول التمويل المشروط، والأنظمة الصارمة للمتابعة والتقييم، تأثّر المعلّم، فلم يعد منفّذًا لكتاب المدرسة فقط، بل منفّذًا أيضًا لمتطلّبات تقنيّة متعدّدة تُستخدم لقياس إنجازه. مع ذلك، ظلّ المعلّم قائدًا مجتمعيًّا له دور في المقاومة والتغيير. هذه التجربة دفعت المؤسّسة إلى الانتقال من إطار التخصّص إلى إطار التكامليّة، عبر التركيز على المهارات التكامليّة للمعلّم، أكثر من التخصّص نفسه، باعتباره خريج جامعة قادر على قيادة تخصّصه. ومن هنا، جاءت برامج مثل الفنون والتعليم، والتعلّم بالمشروع، والطفولة المبكّرة، والدراما التي تتيح للمعلّم التفكير في سؤال جوهريّ: ماذا يفعل الإنسان في ظلّ غياب العدالة؟ وختم د. وهبة بالتأكيد على أنّ المعلّم في غزّة أكبر نموذج للمعلّم القائد في مجتمعه، إذ استطاع أن يكون قائدًا ومبادرًا ومشاركًا فاعلًا.  فالتكوين المهنيّ عمليّة ديناميكيّة، يجب أن تتكيّف مع الأوضاع السائدة. وعلى المؤسّسات أن تكون مرنة، قادرة على التغيير، وعلى مواجهة التحدّيات والأزمات.   المحور الثالث: التكوين المهنيّ للمعلّم: جزء من منظومة التعليم  كيف تمكن مراعاة الاحتياجات الفرديّة للمعلّم داخل التدريب وداخل غرفة الصفّ؟ تحدّثت أ. بكيرات عن ضرورة اعتماد مسارات متنوّعة في التدريبات تراعي الاحتياجات المختلفة للمعلّم، فنحدّد مثلًا: هل يحتاج إلى ورش وجاهيّة؟ أو تدريب افتراضيّ؟ أو متابعة فرديّة؟ إذ يتيح هذا التنوّع للمعلّم أن يتعلّم وفقًا لوقته وظروفه الخاصّة. وأشارت إلى أهمّيّة ربط التدريب بالممارسات الصفّيّة، بتقديم أمثلة واقعيّة للمعلّم تحاكي مواقف متنوّعة قد يواجهها داخل الصفّ، مع إتاحة استراتيجيّات مختلفة يمكنه توظيفها خلال هذه المواقف، مع مراعاة السياقات التي يعمل في إطارها المعلّم.   كيف نحفّز المعلّم؟ وما الظروف التي يجب أن تتوفّر للمعلم حتّى ينخرط بالتكوين المستمرّ/التعلّم الدائم، على مستوى المدرسة، وعلى مستوى البلد؟ قال أ. جسّار إنّ تحفيز المعلّم ليكون جزءًا من التدريب، يتحقّق عبر: - المدرسة: من خلال إتاحة الوقت للمعلّم لتنمية نفسه مهنيًّا. - الدولة: عبر وضع سياسات واضحة للترقية والترفيع. - التقدير: من خلال الإضاءة على قصص نجاح المعلّمين. - تصميم الدورات: بحيث تكون مرنة وتتناسب مع ظروف المعلّم ووقته.   كيف يمكن أن يصبح التكوين المهني للمعلم جزءًا من منظومة التعليم الوطنيّة في البلد؟ ماذا يترتّب على مستوى السياسات والمحفزات، لتصبح هذه البرامج جزءًا أساسيًّا من تطوير المعلم بعد، وأثناء، الخدمة؟ لخصت أ. خطّاب إجابتها في أربع نقاط: وجود رؤية وطنيّة واضحة للمعلّم الذي نريده، لوضع خطّة وطنيّة على هذا الأساس. وجود بنية مؤسّسيّة داعمة، عبر توفير وحدات ومراكز تدريب متخصّصة، تُقدّم الدعم اللازم. وجود سياسات داعمة، عبر تخصيص ميزانيّات سنويّة للتطوير، وتوفير التسهيلات اللازمة لتجريب المبادرات واعتمادها.   أن تكون متابعة التطوير وأثره جزءًا من التكوين المدرسيّ. خلق ثقافة مهنيّة تجعل التعلّم المستمرّ قيمة أساسيّة بالتعليم، وعدم النظر إليه بوصفه عبئًا إضافيًّا. تقديم الحوافز المادّيّة والمعنويّة للمعلّمين لضمان استمراريّتهم بالتطوير.   المحور الرابع: التكوين المهنيّ وتعزيز دور المعلّم المجتمعيّ المعلّم أحد أهمّ عناصر خطّ المواجهة الأوّل في الحروب والكوارث، وذلك تجسّد كما شهدنا إبّان جائحة كورونا، وما نراه حاليًّا في غزّة والسودان؛ إذ يطرح السؤال المهمّ: ماذا يعني التكوين المهنيّ في ظلّ الإبادة؟ قال د. وهبة إنّ التركيز في فلسطين حاليًّا ينصبّ على تمكين المعلّم من العمل خارج جدران الصفّ، ومنحه دورًا مجتمعيًّا بارزًا. فالمعلّم في الضفّة الغربيّة وغزّة يمتلك مكانة مختلفة، لم تحدّدها السياسات بل حدّدها لنفسه. وعلى الرغم من محاولات السياسات اللحاق بالوضع الراهن، إلّا أنّ المعلّم ظلّ حاضرًا وفاعلًا ومواكبًا للتحدّيات. في غزّة، كان المعلّم واعيًا بحاجة الطلّاب إلى التعليم، وجرؤ على ابتكار مبادرات وتنفيذها. اعتبر التعليم جزءًا أساسيًّا من حياة الإنسان، إلى جانب المأكل والمشرب؛ فجعل من بيته، وخيمته، والمدرسة التي لجأ إليها صفوفًا تعليميّة حقيقيّة، متعاونًا مع المجتمع لتوفير المستلزمات اللوجستيّة، مثل الطاولات والكراسي. كما منح مهنته طابعًا تحرّريًّا لمواجهة الاحتلال والإبادة. وأشار د. وهبة إلى أهمّيّة النظر في الدور التاريخي للمعلّم الفلسطينيّ، وتسليط الضوء على إسهاماته في المقاومة منذ الانتداب البريطانيّ حتّى اليوم. بدوره، أكّد أ. جسّار على ضرورة أن يكون لدى كلّ دولة سياسة للتعلّم في الأزمات، مستعرضًا تجربة الأردن خلال جائحة كورونا؛ إذ أصبح من الضروري التركيز على دعم أولياء الأمور وتنمية قدراتهم، كونهم أحد العناصر الأساسيّة للتعليم في أوقات الأزمات. وأكّد أيضًا، على الاعتراف بالمعلّم بوصفه الركيزة الأساسيّة للإصلاح التعليميّ، مع ضمان حقوقه المادّيّة والمعنويّة ومكانته الرفيعة. واختتمت أ. بكيرات الندوة باقتباسٍ، هو: "الطائر لا يغرّد لأنّه يملك جوابًا، بل لأنّه يحمل أغنية في داخله"، موضحة أنّ برنامج التكوين المهنيّ يعمل على إيقاظ الأغنية الداخليّة للمعلّم، وبناء هويّته المهنيّة، وجعله يرى التعليم رسالة أكثر من كونه وظيفة. وشدّدت أ. يسرى على أهمّيّة تذكّر رسالة المعلّم في المجتمع، ودور التمكين المهنيّ في تعزيز قدراته ومهاراته ليتمكّن من أداء رسالته خلال التغيّرات المختلفة بطريقة مستدامة. من جهته، كشف د. وهبة عن خطّة استراتيجية جديدة بعنوان "المعلّم في خطّ المواجهة"، تركّز على كيفيّة تمكين المعلّم في مواجهة الإبادة التعليميّة، وأداء دوره التحرّري. وهي جزء لا يتجزّأ من تكوينه المهنيّ.   وفي ختام الندوة، أكّدت د. أبو لبن أنّ من يختار مهنة التعليم شخص كريم، يجود بوقته وجهده ومعرفته وحبّه للطلّاب، لذلك يجب على أيّ برنامج للتكوين المهنيّ أن يكون كريمًا مع المعلّم، ويعمل على بناء المنظومة التعليميّة والمجتمع في المستقبل.

ندوة: التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ.. خبرات تطبيقيّة من الصفّوف والمجتمع

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر آب / أغسطس 2025، بعنوان "التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ: خبرات تطبيقيّة من الصفّوف والمجتمع". وركّزت على محاور مختلفة، هي: 1. الافتتاح والتأطير المفاهيميّ. 2. عرض التجارب والخبرات. 3. الاستراتيجيّات والدروس المستفادة. استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. زينة الريحاني نائبة المدير لشؤون الرفاه في مدرسة الأكاديميّة العربيّة - قطر / الأردن؛ أ. آلاء الكيلاني معلّمة رياضيّات وباحثة تربويّة، الأردن؛ أ. سونيا عبدي كرباج، مدرّسة لغة عربيّة حائزة على إجازة في اللغة العربيّة من الجامعة اللبنانيّة، لبنان؛ أ. حمود سلمان مجيدل، باحث واختصاصّي اجتماعيّ، عمل في مجالات حماية الطفل والإرشاد المدرسيّ، سوريا. أدارت الندوة : د. جنان كرامه شيّا، الباحثة التربويّة والاستشاريّة المتخصّصة في القيادة التربويّة وتطوير السياسات التعليميّة، والأستاذة المحاضرة في الجامعة الأميركيّة - لبنان. استهلّت د. شيّا الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.   مدخل الندوة: افتتاح وتأطير مفاهيميّ قالت د. شيّا إنّ التعليم اليوم لم يعد مجرد امتحانات ومناهج، إذ لم يعد كافيًّا أن يتمكّن الطالب من القراءة والحساب. بل أصبح مطلوبًا منه أن يكون مواطنًا عالميًّا لديه بوصلة أخلاقيّة، ولديه القدرة على التعايش واتّخاذ قرارات مسؤولة وعادلة. وأضافت أنّ الأزمات التي حولنا بيّنت أنّه إذا لم تركّز المدرسة على القيم والمهارات العاطفيّة والاجتماعيّة، فستخرّج طلّابًا قد ينجحون في الامتحانات، ولكن ليست لديهم أدوات النجاح في الحياة. ومن هُنا يأتي دور التعلّم الاجتماعيّ العاطفي؛ فهو ليس مجرّد رفاهية أو إضافة، بل أساس بناء شخصيّات متوازنة قادرة على مواجهة عالم صعب ومعقّد مثل العالم الذي نعيش فيه في وقتنا الحاليّ. وذكرت أنّنا حين نتحدّث عن التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، نحن نتحدّث عن ضرورة أن تكون المدرسة مساحة للسلام الداخليّ ومختبرًا لمواطنة عالميّة. فالتحدي أمامنا اليوم ليس فقط تدريب أولادنا على النجاح في الموادّ الأكاديميّة، بل تدريبهم أيضًا على أن يكونوا بشرًا بكامل إنسانيّتهم، ومواطنين عالميّين واعين ومسؤولين. وهذا جوهر التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ وهدفه، والذي سنتحدث عنه اليوم في ندوتنا من خلال تجارب وخبرات حقيقيّة، من مدارسنا ومجتمعاتنا. كما عرّفت د. شيّا مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، بأنّه عمليّة تربويّة منظّمة، تساعد الطالب على تطوير مهاراته لفهم نفسه أكثر. ويتعامل مع غيره بطريقة إيجابيّة، ويجيد اتّخاذ قرارات مسؤولة. وهو إطار شامل لا يُطبّق في الصفّوف والمناهج فقط، بل أيضًا بالإدارة المدرسيّة والعلاقات داخل المدرسة وخارجها. تظهر أهمّيّة تطبيق هذا المفهوم بخلقه لبيئة صفّيّة آمنة، الطالب يشعر فيها بالانتماء والاحترام. كما تظهر أهمّيّته في تعزيز رفاه الطالب النفسيّ والاجتماعيّ بما ينعكس على تحصيله الأكاديميّ. ويزوّد التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ الطالب بالمهارات الحياتيّة الأساسيّة لمواجهة التحديّات اليوميّة، إضافة إلى أنّه يساعد المعلّمين في إدارة الصفّوف ويقوّي شراكتهم مع الأهل. وأشارت د. شيّا إلى أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يعزّز خمس كفايات أساسيّة وهي: 1. الوعي الذاتيّ: حيث يتمكّن الطالب من تعريف مشاعره ومعرفتها، كما يعرف مراكز قوّته وقيمه، ويفهم كيف تؤثّر هذه الأشياء في سلوكه. على سبيل المثال، عندما يعبّر الطالب عن توتّره قبل الامتحان. 2. إدارة الذات: يجيد ضبط انفعالاته، ويتحكّم بسلوكيّاته وتنظيم أهدافه. مثل استخدام التنفّس العميق أو تقسيم المهام للتغلّب على التوتّر. 3. الوعي الاجتماعّي: التعاطف مع الآخرين وفهم وجهات النظر المختلفة، مهما كانت خلفّيات الآخرين، وهذا يظهر في احترام التلميذ رأيًا مخالفًا له في نقاش صفّيّ. 4. مهارة بناء العلاقات: من خلال بناء علاقات صحّيّة قائمة على التعاون وتقديم الدعم المتبادل. وهُنا نجد الطالب يعمل بفعّاليّة في المجموعات، سواء لعمل مشروع أو حلّ مشكلّة. 5. اتّخاذ القرارات المسؤولة: يعرف كيف يأخذ قرارات أخلاقيّة وآمنة تحترم الجميع، عندما يرفض سلوكًا مؤذيًا، حتّى لو كان شائعًا بين رفاقه.   وحتّى ينجح التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، لا يكفي أنّ يُطبّق في نشاطات متفرّقة في الغرفة الصفّيّة، بل يجب أن يكون نهجًا كاملًا يُنفَّذ في المدرسة كلّها، وذلك في: 1. أن يكون لقيادة المدرسة رؤية واضحة تجعل هذا التعلّم جزءًا من رسالتها وقيمها. 2. العمل على تدريب مستمرّ للمعلّمين والإداريّين على هذا النهج. 3. وجود مناهج وموارد وأنشطة يوميّة تعزّز المهارات العاطفيّة الاجتماعيّة وتربطها بالحياة اليوميّة. 4. وجود مناخ مدرسيّ آمن وداعم قائم على الثقة. 5. شراكة حقيقيّة للمدرسة مع الأهل والمجتمع. 6. تقييم ومتابعة لقياس الأثر، وتطوير برامج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ باستمرار.   المحور الأوّل: عرض التجارب والخبرات استهلت د. شيّا المحور بتوجيه سؤال للأستاذة سونيا عبد كرباج: ما الذي دفعك إلى دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في حصص اللغة العربيّة، وكيف ساعدك ذلك في خلق جوّ صفّيّ آمن وشامل لكلّ الطلّاب؟ بدأت أ. كرباج إجابتها بحديث الطلّاب عن بُعد مادّة اللغة العربيّة عن حياتهم اليوميّة، إذ كانوا يستمرّون في طرح أسئلة مثل "لماذا نتعلّم اللغة العربيّة؟ ماذا نستفيد منها؟" على الرغم من أنّ اللغة العربيّة هي اللغة الأساسيّة، لكنّ الطلّاب يشعرون أنّ المادّة منفصلة تمامًا عن المجتمع. إضافة إلى أنّ مادّة اللغة العربيّة جامدة وصعبة ولا سيّما في مهارات تقنيّة كالإعراب، لذلك اضطررت إلى البحث عن طريقة لإشعار الطالب أنّ هذه المادّة موجودة في المجتمع ونحتاج إليها. من الأسباب التي دفعتني إلى دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في حصص اللغة العربيّة، حجم المادّة الكبير والفروقات الفرديّة. إذ نؤمن في مدرستنا بأنّ لكلّ طالب موهبةً وقدرة يجب العمل عليها. في السابق كنت أشعر أنّ المعلومة لم تصل إلى جميع التلاميذ. لذلك بدأتُ بمحاولة فهم مشاعري والوعي بها، وأصبحت ألاحظها منذ لحظة دخولي الحصة، ثمّ صرت أحاول فهم مشاعر طلّابي من النظرة الأولى عند الدخول للحصة، وأحاول اكتشاف مشاعر تلاميذي: الحزن والخوف وغيرها من مشاعر التي تظهر على وجوههم. قالت أ. كرباج إنّ بعض التلاميذ، ولا سيّما الذين يعانون صعوبات في التعلّم، كانوا يشعرون بأنّهم ليسوا جزءًا من الصفّ. كانت تسأل كلّ تلميذ عن شعوره. وانتقلَت من هذا السؤال إلى تشجيعهم على التعاطف، وجعلتهم يعملون في المجموعات. وصارت تعرف كلّ طالب ماذا يحبّ وماذا يكره، وما الذي يُشعره بالارتباك ويوتّره، وأين يشعر بالراحة. هناك الكثير من الفروقات بين الطلبة، فمنهم من يحبّ المعلومة الشفهيّة، ومنهم من يحبّ الرسوم، ومنهم أيضًا من يحبّ التحليل. فأصبح العمل بالمجموعة يُشعر كلّ فرد من المجموعة بأنّه قادر على المساعدة. أشارت أ. كرباج أيضًا إلى ضرورة تقييم المعلّم لنفسه بشكلّ مستمرّ، كما أكّدت على أنّه بمجرد البدء بتطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الحصّة، تنطلق الأفكار المتعلّقة بهذا النهج بطريقة سهلة وسلسلة. وذكرت أنّ هذا النهج ساعدها في تشكيل بيئة آمنة في الصفّ؛ الطالب أصبحت لديه ثقة أكبر بنفسه، ولم يعد يخاف من التعبير عن مشاعر، أو يهاب طلب توضيح للمعلومات التي لم يفهمها. أصبح الطلّاب يطرحون أفكارهم من دون الخوف من السخريّة أو الضحك. الأمر الذي عزّز التواصل بينهم. كما أصبح الطالب يشعر أنّ اللغة العربيّة ليست شيئًا منعزلًا عن المجتمع، بل هي التي ستمثّله وتجعله يعبّر عن رأيه. وأضافت أنّ شعورها اختلف كثيرًا قبل وبعد استخدام هذا النهج، فأصبحت تشعر بالراحة داخل الغرفة الصفّيّة، وأنّها تنتمي مع طلّابها إلى الفريق نفسه.   من هُنا انتقلت د. شيّا إلى تجربة الأستاذة آلاء الكيلاني، في دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في تدريس الرياضيّات ووجهّت إليها السؤال الآتي: كيف أثّر التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في نظرتك إلى التعليم، وتعاطيكِ مع التلاميذ؟ وما أبرز التغيّرات التي لاحظتها في صفّوفك بعد تطبيق هذا النهج؟ لفتت أ. الكيلاني إلى أنّ مادّة الرياضيّات، بخاصّة في المرحلة الثانويّة، من الموادّ المعروفة بحجم منهاجها الكبير، وكان تركيزها في السنوات السابقة على عقل الطالب، وعلى إيصال أكبر قدر من المعلومات إليه. وكانت تجد نجاحها بوصفها معلّمة، يمثّله نجاح طلّابها في الاختبارات الأكاديميّة. ولم تفكّر بمكوّنات الطالب من مشاعر وأحاسيس وآراء وعلاقات اجتماعيّة. وأضافت: عندما بدأت بحضور تدريب حول موضوع التعلّم العاطفيّ الاجتماعي، لم أكن متشجّعة للموضوع، واعتقدت أنّ تطبيقه سيأخذ من وقت الحصّة. لكنّي وجدت بعد التطبيق، أنّ الكثير من مشاكلّ الحصّة تمّ حلّها، وأهمّها مشكلّة الإدارة الصفّيّة. ففي السابق، عندما كنت أدخل الصفّ وأجد الطلّاب مشتّتين فأحاول جذب انتباههم، تطلّب ذلك وقتًا من الحصّة واستهلك طاقتي. بعد إدخال مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، صرت أبدأ الحصّة بتطبيق تمارين، مثل سؤالهم عن شعورهم اليوم، الأمر الذي يجذب الطلّاب ويحفّزهم على التفاعل، ويجعلهم يشاركون مشاعرهم وأسبابها. تعرّفت أكثر إلى طلّابي وأصبحت أكثر قربًا منهم. وصرت أفسّر بعض سلوكيّاتهم التي لم أكن أفهمها في السابق ولا أبرّرها، حتّى تلك التي لم تكن تعجبني. وأصبحت أتعامل معهم بما يلائم نفسيّاتهم وخلفيّاتهم الاجتماعيّة. فضّلت الطالبات هذا النوع من التعلّم، حتّى في حصّص الفراغ. والخجولات منهنّ بدأن يتجرّأن على المشاركة والحديث. ومن المواقف الغريبة التي حدثت معنا في نشاط اسمه " التقدير والامتنان"، تُقدّم فيه الطالبة وردة إلى أيّ شخص تشعر بالامتنان له، تفاجأت أنّ بعضهن قدّمن الوردة لأنفسهنّ، فشعرت حينها أنّ الطالبات يحتجن إلى التعزيز والتقدير، حتّى لو كان من أنفسهن. التدريب على استخدام التعلّم العاطفيّ الاجتماعي كان من أجمل التدريبات التي مرّت عليّ، حتّى إنّي تعلّمت فهم نفسي ومشاعري.   هنا أكّدت د. شيّا على أهمّية تدريب المعلّمين على تعزيز تطبيق مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الصفّوف، ثمّ انتقلت إلى تجربة الأستاذة زينة الريحاني، وطرحت عليها السؤال الآتي: ما أبرز المواقف التي تطلّبت منكِ توظيف التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ مع المراهقين والأطفال الصغار، وكيف نجحتِ في بناء شراكة حقيقيّة مع الأهل؟ بدأت أ. الريحاني بأنّ معظم المشاكلّ التي يتعامل معها الإداريّون إمّا سلوكيّة أو أكاديميّة. عندما يكون التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جزءًا من هويّة المدرسة وليس مجرّد منهج، ينعكس ذلك على المجتمع المدرسيّ ككلّ، وعلى المجتمع الخارجيّ المتمثّل بأولياء الأمور. وقالت: عندما عملنا مع الأهالي، اكتشفنا أهمّيّة تعليم الأطفال التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ. وضرورة تحويله إلى ثقافة يمارسونها في حياتهم الحاليّة والمستقبليّة. فمعظم المشاكلّ التي نتعرّض إليها بوصفنا بالغين، تكون إمّا سوء تفاهم أو عدم تواصل جيّد. هذه المشاكلّ مرتبطة بمهارات لو تدرّبنا عليها منذ الصغر، لتمكنّا من حلّها بأساليب مختلفة. فعندما نُمكّن الأطفال من حلّ مشكلّة صغيرة في الفسحة حول اللعب بالكرة، وتعليمهم الطريقة الصحيحة للتعبير عن مشاعرهم، وتوصيل مشاعرهم إلى الكبار بطريقة صحيحة، نقدّم إليهم مهارات للتعامل مع مشاكلهم في المستقبل. وأشارت أ. الريحاني إلى أنّ طريقة تعاملنا مع التحديّات التي يواجهها الطلّاب تنعكس على البيئة المدرسيّة، ويلمس أثرها أولياء الأمور. لذلك من المهم أن تتعامل جميع المدارس مع أولياء الأمور بشفافيّة كبيرة، وأنّ نكون، نحن المربّين، كتابًا مفتوحًا للأهل، لأنّنا المرجعيّة لهم. فالأهل يحتاجون أحيانًا إلى أن نمسك بأيديهم للتعامل مع ما يمرّ فيه أبناؤهم، واللقاءات الدوريّة التي نقوم بها مع أولياء الأمور يكون لها أثر كبير في ذلك. على سبيل المثال، تطبيق الأهل استراتيجيّات مقترحة من المدرسة في إدارة نوبات الغضب لأبنائهم، وملاحظة نتائج إيجابيّة على الطالب، أمر يشعرنا بالفرح، وينعكس على البيئة الصفّيّة، لأن البيئة الصفّيّة لا يتحكّم فيها الموجودون داخل الصفّ فقط، بل يؤثّر فيها أيضًا دور الأهل. فالنتائج التي نسعى لها، ندركها أسرع بتعاوننا مع الأهل.   من جهتها، أكدّت د. شيّا على أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يقوى بالشراكة مع الأهل، وهذا يؤكّد أنّ المدرسة لا يمكنها العمل بمعزل عن المجتمع والأسرة، ومن هُنا انتقلت إلى طرح سؤال على الأستاذ حمود أمجيدل: ما الخصوصيّات التي تجب مراعاتها عند تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ مع الأطفال المتأثّرين بالصدمات والنزوح؟ وكيف استطعت أن تمنح الأطفال اللاجئين إحساسًا بالأمان والانتماء بأنشطة هذا النهج؟ تحدّث أ. امجيدل عن تجربته التي تعامل فيها مع أطفال لاجئين، وأطفال من مجتمعات محلّيّة. وأكّد أنّ معاملة الأطفال في ظروف النزوح تتطلّب مراعاة خاصّة؛ فهم نوع مختلف عن بقيّة الأطفال من ناحية الظروف التي نشؤوا فيها، من نزوح وفقدان وتنقّلات متعدّدة. هذه الخصوصيّة يجب أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق التدخّلات القائمة على التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ. أطفال المخيمّات أو الذين يعيشون في ضواحي المدن، قد يفتقدون المساحات الآمنة للعب والانتماء. لذلك من الضروريّ أن يجدوا بيئة مدرسيّة داعمة. وأضاف أ. أمجيدل: استنتجت من خلال تجربتي في تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، أنّ هذا النهج مهمّ لتعليم الأطفال كيف يتعاملون مع زملائهم القادمين من بيئات مختلفة. كان للقيام بأنشطة تركّز على موضوع الوعي الاجتماعيّ، وفهم الاختلافات بين الأطفال، واحترام الآخرين وبناء العلاقات مع الأقران. دور كبير في تعزيز الروابط بينهم. كان علينا نحن العاملين في هذا المجال، مراعاة أنّ الأطفال في أماكن النزوح يعانون الصدمات، فمنهم من فقد أهله، أو تعرّض إلى مشاهد قاسيّة. وعندما كنّا نصمم لهم الأنشطة، كنّا نراعي ألّا تذكّرهم أنشطتنا بتلك الأحداث المؤلمة التي مرّوا فيها. فمثلًا، إذا كان النشاط يتحدّث عن الانتماء إلى العائلة، لا نذكر كلمة عائلة إذا كان أحد الطلبة فقد والديه مثلًا، والاكتفاء بقول الانتماء إلى الأشخاص الذين نحبّهم. كما كنّا نركّز على خلق مساحات آمنة، لأنّ هؤلاء الأطفال يفتقدون مساحات اللعب والتعبير؛ فمعظمهم من عائلات فقيرة، قد يعمل فيها الأمّ والأب لأوقات طويلة، وليس لديهم الأدوات للتعامل مع أطفالهم. هؤلاء الأطفال بحاجة إلى تدخّلات مدروسة ومنهجيّة ضمن البيئة المدرسيّة. ومن المهمّ جدًّا محاولة إشراك الأهل، حتّى نعمل بطريقة سليمة في التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ. أمّا في ما يخصّ الإحساس بالأمان، فقال أ. امجيدل إنّ إحساس الأمان يأتي من شعور الطفل بأنّ البيئة المدرسيّة مريحة ومُحبّبة إليه. فمن المواضيع التي عملنا عليها، موضوع التنمّر وخوف الأطفال من الاختلاط مع أطفال آخرين، إذ كان هذا الخوف عائقًا كبيرًا أمام الأطفال، ويسبّب التسرّب المدرسيّ. عملنا على موضوع العلاقة بين الأقران وحلّ النزاعات، والتعبير عن المشاعر،  فأصبح الطلّاب أكثر حضورًا إلى المدرسة، وأكثر تعاونًا مع المعلّمين. ونوّه أ. امجيدل إلى أنّه بوصفه اختصاصيًّا اجتماعيًّا في المدرسة، لا يطبّق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بشكلّ جماعيّ فقط، بل يقدمّه بشكلّ فرديّ يراعي خصوصيّة كلّ طالب - فلبعضهم احتياجات إضافيّة - وهو ما يُعرف بالتعلّم العاطفيّ الخاصّ. لذلك قام بتطوير ما يُعرف بخطّة التنمية الفرديّة القائمة على التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، لفهم مشاعر الطفل واحتياجاته النفسيّة والاجتماعيّة، وعلى أساسها تُصمّم جلسات فرديّة، تتمّ متابعتها من قبل الاختصاصيّ. من خلال هذه الجلسات يُفهم ما يحتاج إليه الطفل، على سبيل المثال، قال أ. امجيدل: أفهم إذا كان الطفل يواجه تحدّيات مع المعلّم أو تحدّيات في التعبير عن نفسه. فأتواصل مع المعلّم وأنقل إليه الصورة التي عبّر عنها الطفل في الجلسات. فأكون حلقة الوصل بين الطفل والمعلّم. فالأطفال قد لا يعبّرون في الجلسات الجماعيّة، ويكون تعبيرهم في الجلسات الفرديّة أفضل.   المحور الثاني: الاستراتيجيّات والدروس المستفادة ما الاستراتيجيّة الصفّيّة التي لاحظتِ أنّها الأكثر تأثيرًا في تحسين تفاعل الطالب وسلوكهم؟ وما نصيحتك لمن يريد البدء غدًا في دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في صفّه، ولكن لا يعرف من أين يبدأ؟ قالت أ. كرباج إنّه في السابق كان التركيز في مادّة اللغة العربيّة على التلقين، أمّا حاليًّا فأصبح المنهاج أكثر تركيزًا على البعد الإنسانيّ في كلّ شيء. فأصبح يركّز على العاطفة والمشاعر والتعبير عن الرأي. وحتّى يدرك الطالب المشاعر في نصوص اللغة العربيّة، كان يجب تعليم الطالب كيفيّة إدراك مشاعره، ليتمكّن من التعاطف مع الكاتب الذي نقرأ نصوصه. كان الأمر صعبًا في البداية، ولم أكن قادرة على إيجاد فكرة للانطلاق منها، إذ كانت مراجع دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ للغة العربيّة قليلة على الإنترنت. ومن الاستراتيجيّات التي عملت عليها في الصفّ: 1. التعبير الكتابيّ العاطفيّ: يكتب الطالب يوميّات أو فقرة تعبّر عن شعور معيّن. 2. المناقشة الدائريّة: حوار مفتوح حول قيمة أو موضوع مأخوذ من نصّ. 3. التعلّم التعاونيّ: تقسيم الطلّاب إلى مجموعات لحلّ نشاط أو تحليل نصّ. 4. التعلّم بالقصّة: قراءة قصّة قصيرة ثمّ مناقشة مشاعر الشخصيّات. 5. لعب الأدوار: تمثيل موقف لغويّ او اجتماعيّ مرتبط بالنصّ. واقترحت أ. كرباج أنشطة إضافيّة: 1. عواطفي بالكلّمات: يكتب كلّ طالب كلّمة تعبّر عن مشاعره ثمّ يناقشها. 2. كرسيّ الاعتراف الأدبيّ: يتقمّص الطالب شخصيّة من النصّ ويجيب عن أسئلة زملائه. 3. خريطة القيم: استخراج قيمة من النصّ ورسم مخطّط ذهنيّ لها. 4. رسالة إلى الكاتب: يكتب الكاتب رسالة يعبّر فيها عن الأثر الشخصيّ للنصّ. 5. دائرة الثقة: كلّ طالب يشارك جملة إيجابيّة عن زميله. وفي دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ باللغة العربيّة، عرضت أ. كرباج الآتي: - التعبير الكتابيّ يعزّز الوعي بالذّات. - الحوار والنقاش ينمّي مهارات الاستماع والتعاطف. - الإلقاء والقراءة الجهريّة، يقويّان الثقة بالنفس. - تحليل النصوص ينمّي التفكير النقديّ واتّخاذ القرار المسؤولة. وأكّدت أ. كرباج على أنّ دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في اللغة العربيّة يعني دمج اللغة بمهارات الحياة، فهو أداة لبناء شخصيّة متوازنة ومجتمع متسامح ومتعاون؛ فاللغة ليست وسيلة للتعبير فحسب، بل جسر للتّواصل الوجدانيّ. وفي سياق الاستراتيجيّات والدروس المستفادة طرحت د. شيّا على أ. الكيلاني السؤال الآتي: ما التغيير الذي لاحظته على تحصيل الطالب بعد دمج مهارات التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في دروس الرياضيّات، وما النشاط أو التمرين الذي يمكن أن ينقله أيّ معلّم إلى صفّه بسهولة؟ بيّنت أ. الكيلاني بعض استراتيجيّات التدريس والأنشطة التي تعزّز التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في المرحلة الاستفتاحيّة من الحصّة، وهي: 1. نشاط حديث الساعة: يقوم المعلّم بتقديم موضوع شائع، ويطلب إلى الطلبة التعبير عن آرائهم حوله. 2. نشاط تعزيز الوعي الذاتيّ: ما شعورك اليوم؟ ارسم في الهواء وجهًا يمثّل شعورك، واجعل التلاميذ يتوقّعون ما هو هذا الشعور. 3. نشاط تعزيز الوعي الاجتماعيّ: التقدير والامتنان، يختار المعلم عددًا من الطلبة، ويطلب إلى كلّ واحد منهم تقديم وردة إلى زميل يختاره تعبيرًا عن تقديره وامتنانه له. ويوضح الطالب سبب تقديره وامتنانه لذلك الزميل. 4. أنشطة تقلّل من التوتّر: يبدأ المعلم الحصّة بتمارين التنفّس العميق لمدّة دقيقة أو اثنتين، لمساعدة الطلبة على تهدئة أذهانهم وتركيز انتباههم. وعرضت أ. الكيلاني استراتيجيّات تدريس، وأنشطة تعزّز التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في الحصّة: 1. نشاط فكّر حاور ناقش. التفكير بالسؤال بشكلّ فرديّ، ثمّ التحاور فيه مع زميل، ثمّ مناقشته بشكلّ جماعيّ. 2. نشاط السرد القصّصيّ: بتضمين الحصّة بأمثلة من الحياة، بخاصّة في ما يتعلّق بالإحصاء والاحتمالات. 3. الألعاب التعليميّة: على سبيل المثال استخدام البطاقات التي تحتوي على أسئلة وأجوبة. 4. استراتيجيّة القبعات الستّ. 5. توزيع الأدوار بين المجموعات، أدوار مثل: السائل، المفسّر، الملخّص، المقيّم. 6. التعزيز: مكافأة السلوكيّات الإيجابيّة بدلًا من التركيز على العقاب. مدح الأفعال بدلًا من الصفّات العامة، مثلًا: "أحببت طريقة تعاونك مع زملائك". وأشارت أ. الكيلاني إلى ضرورة إشراك الطلبة في عمل الجداريّات الصفّيّة بشكلّ تعاونيّ داخل الغرفة الصفّيّة، أو بالمناسبات والاحتفالات الوطنيّة، الأمر الذي يجعل الطالبات يكتشفن أنفسهنّ، ويكتشفن مواهب يمتلكنها زميلاتهنّ، ما يعزّز من مهارات العمل الجماعيّ لديهنّ.   في هذا، أضافت د. شيّا أنّ أنظمتنا التربويّة التقليديّة تعزّز التنافس والفرديّة للأسف، ولكن تعزيز العمل فريقيًّا يجعل الطلّاب يفهمون غنى التنوّع، ويعزّز لديهم إدراك أهمّيّة العمل بروح الفريق، من دون تنافس على النجاح جميعًا، ويقدّم أفضل صورة للفريق. ثمّ وجهّت د. شيّا سؤالًا إلى أ. الريحاني:  ما السياسة المدرسيّة أو البرنامج الذي أثبت فعّاليّته في ترسيخ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ على مستوى المدرسة؟ وكيف تضمنين استدامة الشراكة مع الأهل على المدى الطويل؟ قالت أ. الريحاني إنّه عندما يصبح التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة المدرسة اليوميّة، يمكن القول إنّنا تمكّنا من ترسيخ المفهوم في المجتمع المدرسيّ. على سبيل المثال، لو حوّلنا سياسة الانضباط إلى سياسة مراعية لمفاهيم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بطريقة إيجابيّة، تخيّلوا التأثير الكبير في الطلّاب. فعندما تتحوّل العقوبات إلى عواقب، وعندما نقدّم إلى الطالب الدعم العاطفيّ الذي يمكّنه من التعبير عن مشاعره، ويفهم سبب كلّ تصرّف يقوم به، ويكون له دور في تصميم السياسات التي تحكم المدرسة، سيشعر أنّه يمتلك جزءًا من القرار الذي سينعكس عليه في المستقبل. وبخصوص استدامة الشراكة مع الأهل على المدى الطويل، تقول أ. الكيلاني إنّ أكثر ما تعلّمته من تجربتها هو أنّ الأهل يشعرون أنّ لهم صوتًا ودورًا حقيقيًّا في المدرسة، وذلك بتطبيق نهج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ. وأشارت أ. الريحاني إلى تجربتهم في تنظيم دورة للأهل غير متعلّقة بالطالب بل بهم، وتحديدًا بموضوع الاحتراق الأبويّ، وتدريبهم على التعامل مشاعرهم، وكان لهذه الدورة أثر كبير في المجتمع. وفي الحقيقة، السبب أنّ بعضنا لا يتمكّن من تربيّة أطفاله بالطريقة المناسبة، يعود إلى عدم القدرة على التعامل مع المشاعر المكبوتة. فعندما يشعر الأهل بأنّ المدرسة تفكّر فيهم وتقدّر الصعوبات التي يمرون فيها، كلّ المجتمع المدرسيّ يتحوّل إلى مجتمع إيجابيّ، ويستعمل التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ بين كلّ أطراف العمليّة التعليميّة لتحقيق أهداف المدرسة، ويصبح أولياء الأمور شركاء فاعلين يتحمّسون لمشاركتنا أصغر نجاحاتهم مع أطفالهم، كما تكون بيننا قنوات تواصل قويّة يشعرون فيها أنّ المدرسة هي المرجع. لنصل بذلك إلى أقصى حالات النجاح للمجتمع المدرسيّ، وضمان استمراريّة هذا النجاح على المستوى البعيد.   وسألت د. شيّا: ما الأنشطة التي دمجت بين الدعم النفسيّ الاجتماعيّ والتعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، وحقّقت نتائج ملحوظة؟ وما أهمّ ما يجب أن يتذكّره أيّ معلّم يعمل مع أطفال في بيئات هشّة أو متأثّرة بالأزمات؟ أجاب أ. امجيدل بأنّ الدعم النفسيّ الاجتماعيّ عادةً ما يكون مع أطفال خارجين من أزمات وحروب. يتعامل المعلّم معهم لفترات محدودة، ولكنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ يعني العمل مع الأطفال لفترات أطول، وبناء إنسان قادر على التعامل مع مشاكله مدى الحياة. فالطفل الذي تدرّبه على مهارات التعلّم الاجتماعيّ، سينعكس تدريبه هذا على مستقبله في بيئات العمل وعلاقاته المستقبليّة في المجتمع بشكلّ عام. من الأمثلة على أنشطة التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ: 1. الرسم:  يمكن أن يكون أداة تعبير وتفريغ للمشاعر. 2. لعبة شدّ الحبل: لعبة للتسليّة والتفريغ وتنميّة الحسّ الجماعيّ والتعاون بين الأطفال. 3. مسرح الدمى: أداة قديمة ومعاصرة في آنٍ، حيث كانت لي تجربة بحثيّة مع جامعة ديكن بخصوص هذا الموضوع: عملنا مع مجموعة أطفال ليكونوا المؤلفّين والمخرجين والعارضين لمسرحيّة من الدمى، لتكون بذلك أداة تفريغ وأداة تعلّم، لفئة اليافعين. طريقة تطبيق التجربة: - أولًا: إعطاء الأطفال مساحة في تخيّل الشخصيّات، شكلّها الخارجي ومشاعرها الداخليّة. - ثانيًا: عمل جلسة لبناء علاقة بين هذه الشخصيّات، - ثالثًا: مرحلة العرض التي خطّط لها ونفذّها الطلّاب. في هذا العرض عملنا على: 1. أن يكون لهذا المسرح هدف تفريغيّ. 2. بناء العلاقات بين الأطفال ليصبح لديهم وعي اجتماعيّ. 3. تقييم التجربة قبل تنفيذها وخلالها وبعدها. وفي ما يخصّ ما يجب أن يتذكّره المعلّم عندما يتعامل مع أطفال في بيئات هشّة أو متأثّرة بالأزمات، قال أ. امجيدل: على المعلّم أن يتذكّر أنّه يتعامل مع أطفال يواجهون ظروفًا مختلفة، ولديهم صدمات واحتياجات إنسانيّة إضافيّة خاصّة. ويجب أن يتواصل معهم بطريقة تحترم كرامتهم من دون أيّ تمييز أو أحكام مسبقة. كما شدّد على ضرورة خلق بيئة آمنة، ليس فقط للتعليم، بل يجب أن تشبه بيئة الصفّ بيئة الأسرة، لأنّ هؤلاء الأطفال قد لا يتلقّون الدعم العاطفيّ من أسرهم، فللمعلّم دور إضافيّ في هذا، حيث يقدّم جانبًا عاطفيًّا للتواصل مع هؤلاء الأطفال.   أسئلة الجمهور في العصر الذي زاد فيه الحديث عن التنمّر  والرفاه النفسيّ والتعلّم العاطفيّ، يزيد معه سلوك التنمّر، فهل العلاقة طرديّة بينهما، أم الآن أصبحنا أكثر وعيًا بمثل هذه الأمور؟ أجابت أ. الريحانيّ: لم تكن في السابق عناوين ومسميّات للأشياء. والتحدّيات التي يواجهها الجيل الحالي، تختلف عن تحدّيات جيلنا. الجيل الحالي لديه وعي ذاتيّ أكبر. ولهذا السبب، هذه المصطلحات ظهرت، حتّى نتمكّن من التعامل مع وعيه وتحدّيات عصره. طريقة حلّ المشاكلّ في السابق مختلفة عن طريقة حلّ المشاكلّ في الوقت الحاليّ. فمثلًا، عند مشاجرة طالبتين، في السابق كان حلّ المشكلة يتمّ في غرفة المديرة. أمّا الآن، فيمكن أن يصبح الموضوع "ترند"، ويخرج من نطاق المجتمع المدرسيّ. إنّ كلّ هذا حتّم علينا أن يكون عندنا وعي ومصطلحات لنتعامل مع هذه المشاكل.   هل يؤثّر تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ في هيبة المعلّم؟ أكّدت أ. كرباج على أنّ العلاقة بين المعلّم والطالب تصبح أقوى عند تطبيق هذا المفهوم، ويصبح الأستاذ أكثر قدرة على إدراك التلميذ. والتلميذ يصبح أكثر قدرة على إدراك الأستاذ واحترام مشاعره. كلّ هذه الأمور تساعد على بناء بيئة صفّيّة أفضل، وأبدًا لا تتأثّر هيبة المعلّم، بل يتمّ فهمها واحترامها.   هل يساعد الذكاء الاصطناعيّ في تطبيق التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ؟ بيّنت أ. الكيلاني أنّ الذكاء الاصطناعيّ مهما وصل إلى قدرات، لن يمتلك أيّ نوع من المشاعر، فهذا هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنه منافسة الإنسان فيه. فالإنسان لا يفهمه إلّا إنسان آخر مثله. كما أضاف أ. امجيدل أنّ علاقة الأطفال مع الذكاء الاصطناعيّ ما زالت محدودة، ونتمنّى أن تبقى كذلك، إلّا في مجال الاستفادة والحصول مع المعلومات. لذلك يجب أن نركّز على جانب الأطفال الانسانيّ ومشاعرهم بعيدًا عن كلّ أدوات الذكاء الاصطناعيّ. من ناحيتها قالتها أ. كرباج إنّه من الممكن الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعيّ لأخذ أفكار منها. ومناقشة الطلّاب بالأفكار التي ينقلونها من الذكاء الاصطناعيّ والإحساس بها. إذ لا يمكن عزل الطالب عن الذكاء الاصطناعيّ الموجود في كلّ مكان حولهم. وترى أ. الريحاني أنّ دور الذكاء الاصطناعيّ جديد في المدارس ولم ينظّم بعد، وكذلك مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ جديد أيضًا، لذلك علينا أنّ نبقي موضوع الذكاء الاصطناعيّ بعيدًا نسبيًّا عن مفهوم التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ، إلى أن يتمّ ترسيخه بشكلّ أقوى في المدارس. وفي سياق متصّل ربطت د. شيّا بين ضرورة تدريب الطلّاب على التفكير النقديّ، واستخدامه في التعامل مع المعلومات الواردة من الذكاء الاصطناعيّ، وعدم قبول كلّ المعطيّات الذي يقدمّها هذا النوع من الذكاء.   إلى أي مدى يمكن استثمار كفايات التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ ومجالاته داخل الصفّوف؟ قالت أ. الكيلاني إنّ دمج التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ داخل الصفّوف، عبارة عن تغيير لروتين الحصّة فقط، نحن نغيّر طريقة تعاملنا مع الطلّاب، بأساليب تفتح أبوابًا للتواصل والحوار لفهم مشاعر الآخرين أكثر.   في خِتام الندوة، شاركت د. شيّا رابط قسم مصادر في موقع منهجيّات. وشكرَت المُشاركات والمُشاركين على مداخلاتهم المهمّة، والجمهور على تفاعله واستفساره. وأكّدت على أنّ التعلّم الاجتماعيّ العاطفيّ ليس مجرّد فكرة نظريّة، وإنّما ممارسة يوميّة في الصفّ عبر شراكة المدرسة مع الأهل. مؤكّدة على أنّ هذا التعلّم جسر بين التعليم الأكاديميّ وبناء المواطن العالميّ المسؤول.  

مساحة تعبيريّة مفتوحة للمعلّمين والمختصّين، تتمحور حول عرض أفكار ووجهات نظر نقديّة وأحلام شخصيّة انطلاقًا من تجربة تعليميّة، ولا تتوقّف عند ذلك.

بمناسبة اليوم العالميّ للمعلّم: لنا من غزّة كلمة
في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بالمعلّم، تتدفّق إلى الذاكرة صور القاعات المزدانة بالورود، والكلمات المنمّقة التي تُقال عن أثر المعلّم... تابع القراءة
"منهجيّات" في عيدها الخامس: صوتنا في الزمن الصعب
خمسة أعوام من الحضور المُلهم، صنعت خلالها منهجيّات فضاءً فريدًا للمعلّمين والمعلّمات؛ فضاء نلتقي فيه كلّ يوم عبر صفحاتها، لا لنقرأ فحسب، ... تابع القراءة

حوار مباشر مع معلّمات ومعلّمين، يتمّ بالإجابة عن مجموعة أسئلة عن الحياة في المدارس، وتجارب مختلفة وتحدّيات يوميّة. كلّ المعلّمين مدعوّون إلى المشاركة في الدردشة لنقل آرائهم ومقارباتهم الخاصّة.

صفاء المشاقبة- معلّمة رياضيّات- الأردن

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟ لم أكن أعلم، عندما بدأت العمل في مدارس اللجوء السوريّ في مخيّم الأزرق للاجئين السوريّين، أنّني سأواجه كلّ هذه التحدّيات والصعاب. كنت أتعامل مع طلبة وضعهم النفسيّ صعب جدًّا، أطفال يعانون ويلات الحروب والأزمات، وما شاهدوه حتّى وصولهم الى الأردن. لكن، وبدعم من المنظّمات المحلّيّة والدوليّة، وحضور العديد من الورشات والتدريبات على كيفيّة التعامل معهم، أصبح الموضوع أكثر سهولة. فوجدت جيلًا مفعمًا بالحياة ومحبًّا للعلم. واستخدمت العديد من الاستراتيجيّات التي تسهّل عليهم المادّة، بخاصّة مع الفرق بين المنهاج الأردنيّ والسوريّ. هذه التجربة الرائعة أثرت خبرتي في التعليم، ونقلتها إلى المدارس الحكوميّة الأردنيّة.   ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟ أتمنّى على صنّاع القرار أن يأخذوا بعين الاعتبار الواقع الفعليّ للمدارس والبيئة المادّيّة لها، قبل أن يُنفَّذ أيّ نشاط أو اتّخاذ أيّ قرار، لأنّ ذلك يؤثّر في المعلّمين والطلّاب على حدّ سواء.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ نعم. هو مصدر أساسيّ للتعليم ولا يمكن الاستغناء عنه. لكنّي أرجع الى مصادر أخرى تعينني في تنفيذه وشرحه بالشكلّ المطلوب، كاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ، مثل: Kahoot, Quizizz, Majic School. والاستعانة بكافّة الموارد المتاحة في المدرسة للتعلّم، واستغلالها بالشكل الذي يفيد في تعلّم طلبتي مادّة الرياضيّات.   هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟ لا، فأنا لديّ شغف وحبّ لمهنة التعليم بشكل عامّ، ولتعليم مادّة الرياضيّات بشكل خاص. فكلّ طالب بالنسبة إليّ مشروع يمكن العمل عليه، ويمكن إظهار نقاط قوّته وتحسين نقاط ضعفه. ولطالما سجّلت خلال خبرتي في التعليم قصص نجاح مؤثّرة لطلّاب لم تكن لديهم الرغبة في التعلّم، ولديهم كره لمادّة الرياضيّات، ويعتبرونها صعبة الفهم. ومع الوقت والتدريب واستخدام الاستراتيجيّات التي تعزّز التمايز وتراعي الفروق الفرديّة وأنماط التعلّم بين الطلبة، تغيّر كلّ هذا المفهوم لديهم؛ صاروا ينتظرون الحصّة بفارغ الصبر، ما أدّى الى تحسّن تحصيلهم الأكاديميّ. لذلك، عندما أكون مؤثّرة بشكلّ إيجابي في حياة طلبتي، يعطيني هذا دفعة إلى الاستمرار والعطاء على الرغم من جميع التحدّيات.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ يجب أن يكون المعلّم معلّمَ مهارات القرن الواحد والعشرين، بمعنى أن تكون الاستراتيجيّات التي يستخدمها المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة تعتمد على الاستقصاء والتعاون وحلّ المشكلّات، حتّى ينتج لدينا طالب يتمتّع بمهارات التحليل والتفكير والاستنتاج.   ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟ من أكثر الاستراتيجيّات التي تجذب طلبتي استراتيجيّات التعلّم باللعب. فالخبرة جعلتني اكتشف أنّ تعلّم طلبتي يتحسّن عندما أستخدم اللعب في التعليم، مثل استخدام لعبة الدومينو في عمل مسابقات بين الطلبة لحلّ مسائل رياضيّة، ولعبة جزيرة الكنز التي يتعاون فيها الطلبة في المجموعات لحلّ المسائل وايجاد الكنز.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟ ضبط الصفّ ما زال مفهومًا ومتداولًا، لكنّه قد يُعتبر تقليديًّا أو سلطويًّا في سياقات حديثة؛ فالجملة تعبّر عن التحكّم وفرض الهيبة للمعلّم، لكن يمكن استبدالها بجملة إدارة الصفّ، وهو المصطلح الأكثر حداثة وملاءمة، لأنّه يشمل التنظيم والتفاعل والتحفيز، لا مجرّد السيطرة.   ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟ الجلسة اللطيفة مع زميلاتي أثناء الاستراحة، لأنّ الجوّ العام في المدرسة مريح على رغم الضغوط. ونحن كادر متعاون، نساعد بعضنا في كلّ شيء.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ أكثر مقال تربويّ أعجبني مقال الأستاذة ريم القريويّ بعنوان : التعلّم بالأجهزة المحمولة : ثورة تربويّة أم فخ رقميّ للشباب؟  مقال جذّاب ومفيد يعكس الواقع التربويّ والنفسيّ والاجتماعيّ للشباب، وبخاصّة الطلبة.   إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟ إذا كتبت يوما كتابًا عن تجربتي في التعليم سيكون عنوانه: "حين يتعلّم المعلّم: ما علّمني طلّابي". اخترت هذا العنوان لأنّ مهنتي لا تقتصر على تعليم الطلبة، بل أنا من يتعلّم أيضًا: أتعلّم الصبر والقوّة والثبات وضبط النفس والنظام.

نجوى نصري عتمة- معلّمة لغة عربيّة- الأردن

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟ لا بدّ أن تُغيّرنا الأزمات نحو الأفضل، وأن نستفيد من تجارب الآخرين، وتصبح مسؤوليّتنا مضاعفة في التركيز على التعليم؛ لأنّ المستقبل فيه، وهو مصدر النجاة والأمل. ومن يقرأ التاريخ وسير العظماء، يتيقّن من أنّهم تعرّضوا إلى أزمات لكنّهم انكبّوا على التعليم، فكان مصدر نجاحهم ونجاتهم.   ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟ أتمنّى أن يعرفوا أنّ واقع المعلّم مليء بالتحدّيات، وأنّ التعامل مع الطلبة في زمن الانفتاح أصبح صعبًا. وأنّ المعلّم يحتاج إلى مواكبة التطوّر التكنولوجيّ والمعرفيّ على حدّ سواء. وأنّ عمله لم يعد مُقتصرًا على التعليم فأصبح مطلوبًا منه أعباء إداريّة أخرى.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ يُعتبر الكتاب مصدرًا من مصادر التعلّم في كثير من البيئات التعليميّة، وهو منظَّم ويعتمد على المعلومات الأساسيّة. ولكنّه ليس الوحيد، فأنا أعتمد على التكنولوجيا والمشاريع والتعلّم التفاعليّ، وأكلّف الطلّاب بمهمّات يتقمّصون فيها أدوارًا مختلفة تهيّئهم لأدوار المستقبل. ولا أنسى دور المعلّم الإيجابيّ في التعلّم، فهو ميسّر وموجّه أكثر من كونه ناقلًا للمعلومة فقط.   هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟ لم أفكّر بالاستقالة لأنّي مؤمنة بأنّ التعليم مهنة ورسالة. مهنة لا يقدر عليها إلّا الأقوياء. ولأنّي أسهم في بناء الإنسان الذي سيقود المستقبل، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ أوّلًا، أتأكّد من تمكّن المتعلّم من المهارات الأساسيّة للغة العربيّة. وفي عصر الذكاء الاصطناعيّ يحتاج المتعلّم إلى مهارات تتجاوز الحفظ والتلقين، لذلك أقوم بتوظيف التكنولوجيا للتعلّم والتقييم وإثارة دافعيّتهم؛ ما يساعده على تنمية مهاراته وتوظيفها فينطلق بعدها إلى الإبداع والابتكار. كما أدرّب طلبتي على التحقّق من المعلومات والوعي الرقميّ، ليستخدموا الأدوات التقنيّة بأمان وفعّاليّة، كما أدرّبهم على فنّ التواصل مع الآخرين، وعلى المرونة والتكيّف ليستطيعوا مجاراة التغيّرات السريعة في التكنولوجيا والمجتمع.   ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟ من الاستراتيجيّات التي أستخدمها كسر الجليد في بداية الحصّة. إذ أُحضّر نشاطًا يثير فضول الطلّاب وحماسهم. كما أُنوّع في استراتيجيّاتي، من عمل تعاونيّ واستخدام التكنولوجيا التفاعليّة وكذلك التحفيزيّة، وأراعي أنواع الذكاءات المتعدّدة. كما أركّز على الربط بالواقع بحيث يكون التعليم قادرًا على مواجهة التحدّيات اليوميّة للطالب.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟ أرى أنّ تعبير "إدارة الصفّ" أكثر شمولًا من "ضبط الصفّ"، لأنّ الضبط جزء من إدارة الصفّ التي تتطلّب إلمام المعلّم بمهارات وخبرات كالتواصل وضبط الانفعالات، والتمتّع بقدر من الذكاء العاطفيّ الذي يجعل المعلّم قادرًا على التعامل مع الضغط والتوتّر وخلق بيئة تعلّم إيجابيّة.   ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟ ما يجعلني أضحك المواقف العفويّة التي تصدر من الطلّاب، وتعكس براءتهم وتعيدنا إلى حبّ الحياة والعمل من جديد.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ أعجبني مقال كيف نساند المربّي لتأدية دوره مع الطلبة؟  للكاتبة جمانة حزبون، ألقى المقال الضوء على أبرز الأبعاد التي تشكِّل محاور مركزيّة لمساندة المربّي/ المعلّم وتمكينه من الخطوة الأولى: من إعداده المهنيّ مربّيًّا خلال دراسته الجامعيّة، إلى مساندته أثناء   ممارسة مهنته في الميدان التربويّ بمختلف مؤسّساته ومحاوره. آخذين بعين الاعتبار المتطلّبات التربويّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والمادّيّة اللازمة؛ فكلّها عواملَ جوهريّة مؤثّرة فيه.    إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟ "حين علّمت تعلّمت". سأكتب عن تجربتي معلّمةً عربيّة، وأنّي كنت دائمًا أسعى لبذل قصارى جهدي لتعليم طلبتي. وكذلك كنت دائمًا معلّمة ومُتعلّمة في آن واحد، أسعى لتعلّم كلّ ما هو جديد ومتجدّد في مهنة التعليم، لألحق بركب التطوّر، وأنفع طلبتي وأساعدهم على تحقيق أهداف التعلّم، وأسهم في بناء قادة المستقبل.  

نسرين آدم- معلّمة- السودان

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟ الأزمات والحروب التي مرّت فيها عدّة دول عربيّة جعلت من التعليم أكثر من نشاط أكاديميّ تقليديّ، بل مشروعًا وطنيًّا وإنسانيًّا يُشكّل ملامح المستقبل. في ظلّ هذه الأوضاع المضطربة، أصبح التعليم أداة لبناء الإنسان لا لتلقين الطالب فقط، وأصبح مسؤوليّة أخلاقيّة واجتماعيّة. التعليم في هذه السياقات بات ملاذًا آمنًا يوفّر للمتعلّمين قدرًا من الاستقرار النفسيّ والاجتماعيّ في خضمّ التوتّرات. أدركت أهمّيّة أن يكون التعليم وسيلة لغرس قيم الحوار، واحترام الآخر، والتسامح والانتماء. إنّه الحصن الذي يحمي المجتمعات من السقوط في دوّامة العنف والجهل والتطرّف. لذلك تغيّرت النظرة نحو التعليم ليصبح فعلًا مُقاوِمًا للتمزّق الاجتماعيّ، وبانيًا للتماسك المجتمعيّ. في أوقات الحروب، لا يعلّم المعلّم مادّته فقط، بل يعلّم الأمل، والصبر والقدرة على التعايش وإعادة الإعمار، سواء في العقول أو في الأوطان.   ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟ من الضروريّ أن يُدرك صنّاع القرار أنّ المعلّم ليس مجرّد مُنفّذ لمحتوى منهجيّ، بل هو محور مركزيّ لكلّ عمليّة تربويّة ناجحة. المعلّم يتحمّل مسؤوليّات هائلة لا تظهر على السطح؛ مثل إدارة فروقات المستويات بين المتعلّمين، والتعامل مع مشكلاتهم النفسيّة والاجتماعيّة، وبناء بيئة صفّية متّزنة على رغم ضغوط الحياة، والاستجابة لاحتياجات كلّ متعلّم وفق إمكاناته وظروفه. أتمنّى أن يُفهم أنّ المعلّم ليس بحاجة فقط إلى راتب أو تدريبات نمطيّة، بل يحتاج إلى منظومة دعم مُتكاملة تشمل: تقديرًا معنويًّا حقيقيًّا، واستقلاليّة تربويّة، وأدوات تعليم حديثة، وتخفيفًا للأعباء الإداريّة التي تُثقل كاهله وتُشتّته عن رسالته الأساسيّة. دعم المعلّم يبدأ من ثقافة تعترف بمكانته قائدًا تنمويًّا حقيقيًّا، وصانعًا للأجيال، وليس موظّفًا ينفّذ تعليمات فقط.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ الكتاب المدرسيّ يظلّ أداة تنظيميّة مهمّة. فهو يُقدّم تسلسلًا منطقيًّا للمحتوى، ويُحدّد الأهداف التعليميّة بشكل واضح. مع ذلك، الاقتصار عليه وحده لم يعد كافيًا لمخاطبة احتياجات المتعلّمين المتنوّعة في هذا العصر. المحتوى وحده لا يصنع تعلّمًا عميقًا، بل يحتاج المتعلّم إلى أن يرى المعرفة متجسّدة في سياقات حقيقيّة وقابلة للتطبيق. من هنا، تصبح المصادر الإثرائيّة مثل المقالات والفيديوهات والندوات الرقميّة، والزيارات الميدانيّة، والمشاريع البحثيّة أدوات ضروريّة لتعميق الفهم. تنويع المصادر لا يعني إهمال الكتاب، بل جعله نقطة انطلاق نحو فضاءات أوسع تثير الفضول وتنمّي التفكير المستقلّ. والتعليم الحقيقيّ يقوم على التكامل بين مصادر متنوّعة تُحفّز المتعلّم وتُشركه في البحث والاكتشاف.   هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟ مهما بلغت مشقّة الظروف وضغط العمل، يظلّ الشعور بالمسؤوليّة تجاه المتعلّمين أكبر من أيّ إغراء للابتعاد. التعليم ليس وظيفة بل رسالة. ما يدفع الإنسان إلى البقاء هو الإيمان بأنّ هناك أثرًا طويل الأمد يُزرع في النفوس والعقول. حتّى أصغر النجاحات اليوميّة، مثل نظرة الفهم في عيون طالب، أو عبارة تقدير صادقة كفيلة بأن تُعيد شحن الحماس وتُذكّر بقيمة الدور الذي يتمّ القيام به. التعليم يمنح معنى عميقًا  للوجود المهنيّ، لأنّه عمل يبقى أثره حتّى بعد سنوات طويلة من مغادرة المتعلّمين لمقاعد الدراسة. المعلّم يبني الإنسان، وهذا الدافع الأخلاقيّ والإنسانيّ أسمى من أيّ عائق مؤقّت.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ عصر الذكاء الاصطناعيّ يتطلّب إعداد متعلّمين يمتلكون مهارات تتجاوز الحفظ والتلقين. الأهمّ من امتلاك المعلومة هو القدرة على نقدها وتحليلها، واستخدامها بشكل فعّال. إنّ التفكير النقديّ، والتحقّق من مصادر المعلومات، والقدرة على اتّخاذ قرارات مبنيّة على بيانات دقيقة أصبحت ضروريّات لا كماليّات. بالإضافة إلى ذلك، تجب تنمية مهارات الإبداع والابتكار والتعاون والمرونة في التعامل مع الأدوات الرقميّة المتجدّدة. وأيضًا مهارات التعلّم الذاتيّ، وإدارة الوقت، والذكاء العاطفيّ، لأنّها تمكّن المتعلّم من التعامل مع بيئة عمل متغيّرة باستمرار. كما يجب تعميق الوعي الأخلاقيّ بكيفيّة استخدام الذكاء الاصطناعيّ، بما يخدم الإنسانيّة ويحترم القيم. الهدف النهائيّ أن نُخرج جيلاً قادرًا على أن يكون صانعًا للمعرفة والتقنيّة لا مُستهلكًا سلبيًا فقط.   ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟ من أكثر الاستراتيجيّات فعاليّة تحويل المتعلّم من متلقٍّ إلى شريك نشط في العمليّة التعليميّة. إنّ طرح أسئلة مفتوحة للنقاش، واستخدام حالات واقعيّة قريبة من حياة المتعلّمين، وإدخال الألعاب التعليميّة، وتوظيف العروض التفاعليّة، كلّها أدوات تجعل المتعلّم حاضرًا ذهنيًّا وجسديًّا. كذلك من المفيد بناء علاقة شخصيّة قائمة على الثقة والاحترام مع المتعلّمين، لأنّ الشعور بالأمان والدعم يعزّز الانتباه والمشاركة. وإعطاء المتعلّمين فرصًا لعرض أفكارهم ومشاريعهم يُنمّي لديهم حسّ المسؤوليّة والانتماء. إلى جانب التنويع بين العمل الفرديّ والجماعيّ، وبين الأنشطة النظريّة والتطبيقيّة، والذي يُحافظ على ديناميكيّة الصفّ ويمنع الملل أو التشتّت.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟ تعبير "ضبط الصفّ" يُوحي بعلاقة عموديّة قائمة على السيطرة الصارمة، وهو مفهوم لم يعد يعكس فلسفة التعليم الحديثة. الأنسب هو "إدارة الصفّ"، لأنّها تقوم على خلق بيئة يسودها النظام عبر التعاون والتفاهم، وليس عبر القمع أو فرض الانضباط قسرًا. من خلال بناء قواعد واضحة بالتشارك مع المتعلّمين، وتعزيز السلوكيّات الإيجابيّة بالتشجيع والتحفيز، يمكن تحقيق جوّ من الانضباط الذاتيّ الذي يستمرّ طويلًا. الإدارة الناجحة تقوم على التواصل والحزم المرن، والاستجابة الذكيّة للمواقف، ما يجعل المتعلّمين ملتزمين، لا خوفًا بل قناعة واحترامًا.   ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟ المواقف الإنسانيّة الطريفة والعفويّة التي تصدر من المتعلّمين تظلّ مصدر سعادة صادقة. أحيانًا يكفي تعليق بريء من طالب صغير، أو تفاعل غير متوقّع في نشاط جماعيّ، ليرسم الابتسامة ويُخفّف من وطأة الضغوط. هذه اللحظات تذكّر دائمًا بأنّ التعليم ليس مجرّد عمل تقنيّ، بل هو تفاعل إنسانيّ مليء بالحياة والمواقف الودودة. الضحك في بيئة التعليم ليس ترفًا، بل صمام أمان يُخفّف التوتّر، ويُجدد الطاقة، ويُعيد التوازن العاطفيّ، ما يُسهّل مواصلة العمل بحماس وصبر.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ مقال "التعلّم القائم على المشاريع" من أكثر المقالات التي أثارت اهتمامي، لأنّه يعكس رؤية تعليميّة تقوم على إشراك المتعلّم في بناء معرفته بطريقة عمليّة وواقعيّة. هذا النهج ينمّي مهارات التفكير النقديّ والإبداع، والعمل الجماعيّ، ويُحوّل المتعلّم من مستهلك سلبيّ إلى باحث نشط ومُنتِج للمعرفة. المقال بيّن أيضًا مُساهمة المشاريع في تعزيز الثقة بالنفس والمسؤوليّة، والتواصل مع المجتمع، ما يجعل المتعلّم أكثر استعدادًا للحياة العمليّة.   إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟ العنوان الأنسب سيكون "قصص من الصفّ: كيف تصنع المعرفة قلوبًا وعقولًا؟" لأنّ التعليم لا يُنتج فقط نتائج أكاديميّة، بل يصنع إنسانًا متكاملًا. هذا العنوان يعكس فكرة أنّ كلّ لحظة صفّيّة تحمل قصّة تستحقّ أن تُروى، قصّة عن فهم وتواصل وبناء لعلاقة، عن لحظة اكتشاف أو لحظة دعم. هذه القصص تُشكّل النسيج الحقيقيّ للعمليّة التعليميّة، وتُعبّر عن رسالتها العميقة التي تتجاوز حدود المنهج أو الكتاب.

تتوجّه مقالات الوالديّة الى أهالي المتعلّمين المهتمّين بتعليم أبنائهم وتأمين نموّ سليم لهم على كلّ الصعد، حيث تتناول المقالات معظم القضايا المرتبطة بالتربيّة والسلوك والمواقف المختلفة.

ما العمر المناسب لترك الطفل بمفرده في الغرفة؟

يمثّل تحديد السنّ المناسب ليبدأ الطفل النوم بمفرده في غرفة مستقلّة تحدّيًا كبيرًا للآباء، إذ تعتمد قدرة الأطفال على قضاء الوقت بمفردهم على مجموعة من العوامل، منها مستوى نضجهم، ومدى أمان البيئة في الغرفة التي يبقون فيها. وفي حين أنّ بعض الاستقلال يشكّل جزءًا صحّيًّا من نموّ الطفولة، إلّا أنّ ترك الطفل من دون إشراف في وقت مبكّر جدًّا، قد تكون له عواقب وخيمة على سلامته.  سيناقش هذا المقال الاعتبارات اللازمة لاتّخاذ القرار بشأن متى يكون من الآمن ترك الطفل بمفرده في غرفته، والعواقب المحتملة للوقت المبكّر من دون إشراف.    ماذا يعني أن يكون الطفل" وحيدًا في غرفة"؟  أوّلًا، من المهمّ تحديد ما نعنيه بـ "وحيد في غرفة". هذا لا يعني بالضرورة ترك الطفل في المنزل بمفرده، بل ترك الطفل بمفرده في غرفة داخل المنزل من دون مراقبة، بينما يكون أحد الوالدين قريبًا. قد يعني هذا ترك طفل صغير يلعب بمفرده في غرفة نومه، بينما أنت في المطبخ، أو تركه ينام على سريره بمفرده في غرفة نومه.  يعتمد العمر الذي يصبح فيه هذا مناسبًا، على عوامل متعدّدة، مثل عمر الطفل، والنضج العاطفيّ، وتدابير السلامة المعمول بها.    إرشادات العمر المناسب لترك الطفل بمفرده في الغرفة  في حين لا يوجد عمر متّفق عليه عالميًّا لترك الطفل من دون إشراف، إلّا أنّ علماء النفس التنمويّ وخبراء طبّ الأطفال يقدّمون بعض الإرشادات العامّة، بناءً على الفئة العمريّة وقدرات الطفل.  الرضّع والأطفال الصغار (0-3 سنوات)  النصيحة: لا ينبغي ترك الرضّع والأطفال الصغار بمفردهم في الغرفة أبدًا، حتّى لفترات قصيرة، إلّا إذا توافرت بيئة آمنة خالية قدر المستطاع من الأشياء التي تشكّل خطرًا عليهم، مثل الأواني الزجاجيّة، أو أيّ أداة حادّة الزوايا، فالأطفال في هذه المرحلة يفتقرون إلى القدرة على الحفاظ على أنفسهم سالمين. كما يجب توفير أسرّة مؤمّنة بحيث لا يسقط منها الطفل، إلى جانب مراعاة أن تكون الغرفة قريبة من مسمع الوالدين، أو استخدام جهاز مراقبة الطفل الصوتيّ، ليتمكّن الوالدان من سماع طفلهم عند بكائه أو ندائه لهم.   السبب: في هذه المرحلة، يعتمد الأطفال كلّيًّا على الوالدين، أو على من يرعاهم، لتلبية احتياجاتهم الأساسيّة. لذلك قد يؤذون أنفسهم عن طريق الخطأ، أو يختنقون بأشياء صغيرة، أو قد يعانون حالة ضيق عند تركهم بمفردهم.   الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة (3-5 سنوات) النصيحة: يجوز ترك الطفل في سنّ ما قبل المدرسة بمفرده في غرفة خلال النهار لفترات وجيزة، ولكن فقط في بيئة آمنة ومحميّة، مع تفقّده بشكل متكرّر خلال هذه الفترة. كما من المناسب أيضًا البدء بتشجيع الأطفال في هذا السنّ على النوم بمفردهم في غرفتهم الخاصّة، في حال كان ما يزال الطفل ينام مع أبويه في الغرفة نفسها.   السبب: يبدأ الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة في تطوير شعور الاستقلال، ولكنّهم ما زالوا يفتقرون إلى الحكمة في التعرّف إلى المخاطر المحتملة أو تجنّبها. قد يحاولون تسلّق الأثاث، أو الوصول إلى أشياء غير آمنة، أو الخروج من الغرفة. من جهة أخرى، سيساعدهم النوم في مساحتهم الخاصّة في تعزيز الثقة والاستقلال.     الأطفال في سنّ المدرسة (6-10 سنوات)  النصيحة: في هذه المرحلة، يمكن ترك الأطفال بمفردهم في غرفة لفترات أطول، بشرط أن تكون البيئة آمنة، وأن تكون قد علّمتهم قواعد السلامة.  السبب: الأطفال في سنّ المدرسة أكثر قدرة على فهم الحدود واتّباع التعليمات. ومع ذلك، لا يزالون بحاجة إلى الإشراف على الأنشطة التي تنطوي على مخاطر محتملة، مثل الطهو أو استخدام الأجهزة الكهربائيّة.    الأطفال في سنّ ما قبل المراهقة والمراهقون (11 سنة فأكثر)  النصيحة: يمكن للأطفال الأكبر سنًّا عادةً التعامل بشكل جيّد مع تركهم بمفردهم في غرفة لفترات طويلة، ولا سيّما إذا أظهروا المسؤوليّة. ومع ذلك، فإنّه لا يزال من الضروريّ مراعاة المدّة والظروف.  الأسباب: عادةً ما يتمتّع الأطفال في سنّ ما قبل المراهقة والمراهقون بالقدرة المعرفيّة على إدارة أنفسهم بأمان. ومع ذلك، فإنّ العزلة المفرطة في غرفهم يمكن أن تؤدّي إلى مخاوف اجتماعيّة أو عاطفيّة تجب مراقبتها.    عوامل تجب مراعاتها لترك الطفل بمفرده  بعيدًا عن العمر، هناك عدّة عوامل تحدّد متى يكون من المناسب ترك الطفل بمفرده في الغرفة، وتشمل:  - مستوى النضج: قد يكون بعض الأطفال أكثر مسؤوليّة وحذرًا من غيرهم من العمر نفسه. على الأهل تقييم قدرة أطفالهم على اتّباع التعليمات، والتعامل مع المواقف غير المتوقّعة.  - سلامة البيئة: يجب التأكّد من خلوّ الغرفة من مخاطر الاختناق، أو الأشياء الحادّة، أو الموادّ الخطرة (مثل موادّ التنظيف أو الأدوية)، قبل ترك الأطفال الصغار فيها بمفردهم.   - طول المدّة: قد يكون ترك الأطفال الصغار فترات قصيرة من الوقت بمفردهم مناسبًا، بينما يمكن للأطفال الأكبر سنًّا التعامل مع فترات أطول.  - الوصول إلى المساعدة: على الأهل التأكّد من أنّ الأطفال يعرفون كيفيّة الوصول إليهم، أو إلى شخص بالغ موثوق به آخر في حالات الطوارئ.  - الحالة العاطفيّة للطفل: قد يعاني بعض الأطفال قلق الانفصال أو الخوف عند تركهم بمفردهم، ما قد يؤثّر في سلامتهم العاطفيّة.    عواقب ترك الطفل بمفرده في وقت مبكّر جدًّا  ترك الطفل بمفرده في غرفة يتطلّب مراعاة عوامل التطوّر الفرديّ، إذ يمكن أن ترافقه فوائد تربويّة إذا تمّ ذلك بشكل تدريجيّ ومناسب، ولكنّه قد يسبّب عواقب سلبيّة أيضًا، إذا جاء في وقت غير مناسب، أو لم يرافقه إعداد كافٍ. في ما يأتي بعض العواقب السلبيّة التي قد تنتج عن ترك الطفل بمفرده في وقت لم يكن الطفل جاهزًا فيه:  المخاطر الجسديّة  - الأطفال الصغار فضوليّون بطبيعتهم، وقد يستكشفون بيئتهم بطرق غير آمنة، مثل تسلّق الأثاث، أو ابتلاع الأشياء الصغيرة، أو اللعب بالمنافذ الكهربائيّة.  - وفقًا لمجلّة جراحة الأطفال، فإنّ الإصابات العرضيّة أحدُ الأسباب الرئيسة لزيارات الطوارئ بين الأطفال دون سنّ الخامسة. غالبًا ما تحدث هذه الإصابات عندما يكون الأطفال غير خاضعين للإشراف، وهذا يؤكّد على أهمّيّة التخطيط المسبق لتأمين سلامة الطفل في بيئة آمنة، خالية من مخاطر الإصابات المباشرة المحتملة.    التأثيرات العاطفيّة والنفسيّة  - ترك الطفل بمفرده لفترات قصيرة ومناسبة لعمره قد يساعده على تطوير الشعور بالاستقلاليّة والثقة بالنفس. ومع ذلك، فإنّ الفترات الطويلة، أو الغياب الكامل للتفاعل مع الوالدين، قد يؤدّي إلى شعور الطفل بالخوف أو القلق.  - وجدت دراسة أجريت سنة 2019، ونشرت في مجلّة Developmental Science، أنّ توفير دعم عاطفيّ أثناء مراحل ترك الطفل بمفرده بشكل تدريجيّ، يساعده على بناء روابط آمنة مع والديه، ويقلّل من فرص ظهور مشكلات سلوكيّة في المستقبل. كما أنّه يعلّم الطفل الاعتماد على نفسه لتهدئة مشاعره، ويساعده في بناء مرونة عاطفيّة.    التأثير في المهارات الاجتماعيّة  بالنسبة إلى الأطفال الأكبر سنًّا، خصوصًا الأطفال ما قبل سنّ المراهقة والمراهقون، فإنّ منحهم وقتًا بمفردهم ضمن الحدود المناسبة يساعدهم على تنمية استقلاليّتهم وتنظيم وقتهم. ومع ذلك، تنبغي مراقبة الوقت الذي يقضونه في العزلة، لمنع الاعتماد الزائد على التكنولوجيا أو الشعور بالوحدة.    العمر المناسب لنوم الطفل في غرفة منفصلة  يختلف العمر المناسب للطفل للنوم في غرفة منفصلة حسب المعايير الثقافيّة، وتفضيلات الأسرة، واستعداد الطفل التنمويّ. ومع ذلك، يشير العديد من الخبراء إلى أنّ معظم الأطفال يكونون مستعدّين للانتقال إلى غرفهم الخاصّة بين سنّ 2 و4 سنوات، إذ يبدؤون في هذا الوقت بتطوير شعور الاستقلاليّة. فبعد سنّ العام الواحد، تقلّ الحاجة إلى مشاركة الغرفة، ويبدأ نوم الطفل وطعامه بالانتظام شيئًا فشيئًا، لذلك يمكن للوالدين مساعدة الأطفال تدريجيًّا على الانتقال إلى مساحتهم الخاصّة في هذا العمر. حتّى يكون انتقال الطفل إلى غرفته ناجحًا، من المهمّ إنشاء روتين ثابت لوقت النوم، يتضمّن أنشطة تهدف إلى تهدئة الطفل؛ مثل قراءة قصّة، أو احتضانه ومعانقته، لمساعدته على الشعور بالأمان قبل النوم. ولزيادة طمأنينة الطفل، تمكن زيادة بعض العناصر، مثل وضع لعبته المفضّلة بجانبه، أو توفير إضاءة ليليّة.  أمّا إذا كان الطفل يعبّر عن الخوف أو القلق بشأن النوم بمفرده، فقد يكون من المفيد تأخير الانتقال، أو استخدام خطوات تدريجيّة، مثل بقاء أحد الوالدين في الغرفة حتّى يطمئنّ الطفل وينام.    ***  لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع بشأن العمر المناسب لترك الطفل بمفرده في الغرفة. يعدّ العمر والنضج وسلامة البيئة عوامل حاسمة في تحديد الوقت المناسب. ففي حين يشكّل الاستقلال جزءًا مهمًّا من نموّ الطفل، فإنّ تركه من دون إشراف في وقت مبكّر جدًّا، قد يؤدّي إلى مخاطر تتعلّق بالسلامة والتحدّيات العاطفيّة والمخاوف السلوكيّة.    المراجع https://www.mumsnet.com/talk/_chat/4138765-What-age-could-you-leave-your-child-unsupervised-in-a-different-room-for-15-minutes  https://www.parents.com/baby/development/intellectual/the-value-of-solo-play/#:~:text=At%206%20months%2C%20a%20child,should%20last%20around%2030%20minutes.  https://huckleberrycare.com/blog/when-and-how-to-transition-your-baby-to-their-own-room 

ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟

تربية الأطفال رحلة مليئة بالحبّ والضحك، ولكنّها بالطبع لا تخلو من الصعوبات، بدءًا من ليالي السهر مع المولود الجديد، إلى مواجهة تقلّبات المراهقة العاطفيّة. كلّ مرحلة من مراحل الأبوّة والأمومة تأتي بتجاربها الخاصّة ونجاحاتها المتفرّدة. ولكن، يبقى السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الأهل منذ اللحظة التي يعرفون فيها أنّهم سيرزقون بمولود، ألا وهو: ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟  الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة كما تبدو، فغالبًا ما يظنّ الأهل أنّ المراهقة أصعب مرحلة. لكنّ هذا الأمر متفاوت أيضًا، إذ يجد بعض الأهل أنّ مراحل معيّنة أصعب من غيرها، حسب عوامل مثل طبع الطفل، وديناميكيّة الأسرة، والظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ومع ذلك، يتّفق الكثير من الأهل وخبراء تنمية الطفل على أنّ هناك مراحل معيّنة تفرض تحدّيات خاصّة. في هذه المقالة، سنستعرض بعضًا من هذه المراحل، موضّحين لماذا تُعتبر صعبة، مع تقديم بعض النصائح لمساعدة الآباء والأمّهات في تجاوز كلّ منها.    مرحلة الطفولة المبكّرة: مرحلة الإرهاق الجسديّ  تعتبر الأشهر الأولى من حياة الطفل من الأكثر إرهاقًا للوالدين جسديًّا؛ ففي هذه المرحلة يحتاج الأطفال إلى اهتمام ورعاية مستمرّين، فهم يستيقظون عدّة مرّات في الليل، ويحتاجون إلى التغذية كلّ بضع ساعات، ولا يستطيعون التعبير بوضوح عن احتياجاتهم، ما يجعل الأمور تعتمد على التخمين أحيانًا، وكثيرًا ما ستنتهي محاولات فهم الطفل إلى الشعور بالإحباط.  بالإضافة إلى الإرهاق الجسديّ، تصطحب هذه المرحلة معها العديد من الصعوبات العاطفيّة. فالانتقال إلى دور الوالديّة قد يثير مشاعر معقّدة، مثل الفرح الممزوج بالقلق، والرضا المقرون بالشكّ الذاتيّ؛ إذ يشعر الكثير من الأهل بمسؤوليّة كبيرة، ويخشون عدم قدرتهم على تلبية احتياجات أطفالهم. وتزداد صعوبة هذه المرحلة بالنسبة للأهل الذين لا يتمتّعون بدعم كافٍ، سواء من شريك، أو من عائلتهم الكبيرة، أو من مجتمع داعم.  ومع ذلك، وعلى رغم صعوبة هذه المرحلة جسديًّا، فإنّه يُنظر إليها عادةً على أنّها مرحلة بسيطة من حيث فهم احتياجات الطفل، إذ تكون التحدّيات في هذه المرحلة لوجستيّة وجسديّة في الغالب؛ فالأطفال الرضّع يحتاجون إلى النوم والغذاء والحبّ، وليس لديهم بعدُ التعقيد العاطفيّ الذي يؤدّي إلى مشكلات سلوكيّة أو نفسيّة.    مرحلة الطفولة: مرحلة الصراع على الاستقلال  بمجرّد أن يصل الأطفال إلى مرحلة الطفولة – تقريبًا بين عمر سنة وثلاث سنوات – تبدأ شخصيّاتهم في الظهور، مع اكتشافهم الشعور بالاستقلاليّة. فمن جهة، تتميّز هذه المرحلة بلحظات اكتشاف وتطوّر رائعة، لكن من جهة أخرى، تغلب عليها نوبات الغضب والتصرّفات التي قد تبدو غير منطقيّة. ففي هذا العمر، يبدأ الأطفال بفهم مشاعرهم واستكشاف حدودهم، ما يؤدّي إلى صراعات على السلطة تتعلّق بكلّ شيء، من مواعيد النوم إلى أوقات الطعام.  يواجه الأطفال الصغار تحدّيًا في التعبير عن رغباتهم واحتياجاتهم بالكلمات، ما يؤدّي إلى الشعور بالإحباط من كلا الجانبين. بالنسبة إلى الأهل، تصبح الأمور أشبه بعمليّة توازن دقيقة، إذ يحاولون الموازنة بين فرض الحدود وتشجيع استقلاليّة الطفل. ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المرحلة تتطلّب صبرًا واستمراريّة، إذ يميل الأطفال إلى التمرّد على القواعد، واختبار الحدود باستمرار.  تبرز صعوبة هذه المرحلة بشكل خاصّ لدى الأهل الذين اعتادوا على المزيد من السيطرة على حياتهم اليوميّة، لكنّ أساس تجاوزها بطريقة سليمة هو إدراك أنّ سلوكيّات الأطفال أثناءها مؤشّرات طبيعيّة على تطوّرهم، إذ يحتاجون إلى مساحة للاستكشاف، والوقوع في الأخطاء، وتحدّي القواعد من حين إلى آخر، فكلّ هذه الأمور مهمّة لنموّهم.    الطفولة المبكّرة: مرحلة "لماذا؟"  في سنّ 4 إلى 6 سنوات، يدخل الأطفال في مرحلة فضول كبير، ويبدؤون بطرح أسئلة لا حصر لها، تبدأ غالبًا بكلمة "لماذا؟". تُعتبر الطفولة المبكّرة مرحلة تطوّر سريع على الصعيدين المعرفيّ والاجتماعيّ، إذ يبدأ الأطفال في التساؤل عن العالم من حولهم. وعلى الرغم من أنّ فضولهم محبّب، إلّا أنّه قد يكون مرهقًا للأهل الذين يجدون أنفسهم مضطرّين إلى الإجابة عن كلّ سؤال تارةً، وتجنّب الأسئلة المحرجة تارةً أخرى.  في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال بتكوين صداقات، وتطوير حسّ التعاطف، وتعلّم أساسيّات التعاون وحلّ النزاعات. يصبح الأطفال في هذه المرحلة أكثر اهتمامًا بالديناميكيّات الاجتماعيّة، وقد يواجهون أولى تجارب الرفض أو التنمّر، ما قد تكون مشاهدته مؤلمة للأهل. كما يبدأ الأطفال في هذه المرحلة فهم القواعد والأخلاق، ما يعني أنّها مرحلة حسّاسة للأهل، وتفرض عليهم الاستمراريّة في توجيه أطفالهم وتعليمهم.  يواجه الأهل في هذه المرحلة تحدّيًا في تحقيق التوازن بين التأديب والحريّة، إذ يرغبون في أن يستكشف أطفالهم ويتعلّموا الأشياء من حولهم، ويختبروا قدرتهم على التعامل مع مختلف المواقف الحياتيّة، ولكن عليهم أيضًا فرض الحدود وتعليمهم المسؤوليّة. يكمن التحدّي في دعم فضول الطفل واستقلاليّته، من دون أن يفقدهم ذلك شعورهم الطبيعيّ بالدهشة والحبّ للاكتشاف.    الطفولة المتوسّطة: مرحلة قلق الأقران  بين سنّ 6 و12 سنة، يدخل الأطفال ما يُعتبر غالبًا مرحلة "الهدوء قبل العاصفة"، أي مرحلة المراهقة. لكنّ الهدوء أثناءها لا يعني أنّها ستكون سهلة تمامًا. مع دخول الأطفال إلى المدرسة، يصبحون أكثر تأثّرًا بأقرانهم، وتصبح الحاجة إلى القبول الاجتماعيّ جزءًا مهمًّا من حياتهم؛ فتتعمّق الصداقات، ويبدأ الأطفال في تطوير هويّتهم الخاصّة خارج نطاق الأسرة.  في هذه المرحلة، قد يواجه الأهل قلقًا بشأن تأثير الأقران، والثقة بالنفس، والأداء الأكاديميّ لأطفالهم. قد يصارع الأطفال للاندماج في مجتمعهم الصغير في المدرسة، أو يواجهون التنمّر، أو يمرّون بضغط للتفوّق في المدرسة أو الأنشطة اللاصفّيّة. كما تبدأ المقارنات بين الذات والآخرين، ما قد يؤثّر في ثقتهم بأنفسهم.  يواجه الأهل مهمّة صعبة في تقديم التوجيه من دون فرض سيطرة مفرطة. يحتاج الأطفال إلى مساحة لاتّخاذ قراراتهم الخاصّة، حتّى لو كانت تلك القرارات تؤدّي أحيانًا إلى خيبات أمل صغيرة. التحدّي في هذه المرحلة يكمن في دعمهم وتشجيعهم بينما يتعلّمون كيفيّة التنقّل بين تعقيدات الصداقات والمنافسة واكتشاف الذات.    المراهقة: مرحلة الاستقلال  اسأل معظم الأهل، وستجد أنّ الكثير منهم يعتبرون المراهقة، من سنّ 13 إلى 18 سنة، المرحلة الأكثر تحدّيًا في تربية الأطفال. تتميّز هذه المرحلة بتغيّرات سريعة على المستوى الجسديّ والعاطفيّ والمعرفيّ. يسعى المراهقون للاستقلال، وغالبًا ما يتمرّدون على السلطة الأبويّة أثناء محاولتهم تأسيس هويّتهم الخاصّة. قد تكون النزاعات التي تنشأ في هذه المرحلة قويّة ومشحونة عاطفيًّا.  تأتي المراهقة مع مجموعة من التحدّيات الجديدة، بما في ذلك الضغط الأكاديميّ، وصراعات الصحّة النفسيّة، وتأثير الأقران، وفي بعض الحالات التجارب التي قد تكون خطرة. يشعر الأهل في هذه المرحلة أنّ القرارات التي يتّخذها أبناؤهم قد تؤثّر بشكل كبير في مستقبلهم، ما يجعل الصراع على الحريّة وحدود السلطة أكثر تعقيدًا من المراحل السابقة.    مرحلة البلوغ الناشئ: مرحلة التخلّي والاعتماد على الذات  لا تنتهي تحدّيات الأبوّة والأمومة عند بلوغ الطفل سنّ الثامنة عشرة. في الواقع ستندهش من هذا، ولكن قد تكون مرحلة الانتقال إلى البلوغ – من عمر 18 إلى 25 سنة – من أصعب المراحل. في هذه المرحلة، يستمرّ الأبناء في اكتشاف أنفسهم، ويبحثون عن مكانهم في الحياة، وبالنسبة إلى الكثير من الأهل، يُعدّ التخلّي عن دورهم باعتبارهم أصحاب السلطة إلى دور داعم أكثر التحدّيات صعوبة.    إذًا، ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟  في النهاية، تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على الوالدين والطفل وظروفهم الفريدة. قد يجد بعض الأهل أنّ المتطلّبات الجسديّة للطفولة هي الأكثر إرهاقًا، بينما يعاني آخرون التعقيدات العاطفيّة لمرحلة المراهقة. كلّ مرحلة ترتبط بها مجموعة خاصّة من التجارب، وما قد يكون سهلًا بالنسبة إلى عائلة، قد يكون صعبًا للغاية بالنسبة إلى أخرى.   وإن كنت تتساءل عن أيّهما أصعب: تربية الولد أم البنت، فإنّه من الصعب تحديد ذلك، لأنّ التحدّيات التي يواجهها الأهل تختلف باختلاف شخصيّة الطفل، والمرحلة العمريّة، وظروف الأسرة. لكن تقليديًّا، يعتقد البعض أنّ تربية الأولاد قد تكون أصعب في مرحلة الطفولة، بسبب نشاطهم الزائد وتحدّيهم للقواعد، بينما تعتبر تربية البنات أكثر تعقيدًا في مرحلة المراهقة، إذ تنشأ قضايا الثقة بالنفس والضغوط الاجتماعيّة. ومع ذلك، فإنّ كلًّا من الأولاد والبنات يواجه صعوبات فريدة تتطلّب اهتمامًا وتفهّمًا من الأهل، وبالتالي فإنّ الصعوبة تعتمد على كيفيّة تفاعل الأهل مع احتياجات طفلهم الفرديّة، بغضّ النظر عن جنسه.    ***  تُعدّ الأمومة والأبوّة رحلة متطوّرة، وكلّ مرحلة من مراحلها تجلب نوعًا مختلفًا من المصاعب والمكافآت، لكن تذكّر أنّ الأساس هو تقبّل التحدّيات واعتبارها فرصًا للنموّ - لكلّ من الوالدين والطفل. وفي حين أنّه لا توجد مرحلة "سهلة"، فإنّ الحبّ والتعلّم والمرونة المكتسبة على طول الطريق تجعل الرحلة تستحقّ العناء.    المراجع   https://blog.takalm.com/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84/#:~:text=%D8%A3%D8%B5%D8%B9%D8%A8%20%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84%20%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84,-%E2%80%8F%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D8%AF&text=%D9%88%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%AF%20%D8%B9%D8%AF%D8%AF%20%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%A1,%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%B4%D9%87%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%AA%D9%84%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9.  https://mcaresforkids.com/parenting-hardest-stages/#:~:text=The%20parenting%20hardest%20stages%20are,stage%20of%20their%20child's%20development.  https://madamenoire.com/1137107/the-hardest-stages-of-parenting-ranked/

ما تأثير غياب الأمّ عن الطفل؟

يُعتبر وجود الأمّ في حياة الطفل أمرًا لا غنى عنه لتطوّره العاطفيّ والنفسيّ الصحّيّ والسليم. فعندما تغيب الأمّ لفترة طويلة أو بشكل دائم، سواء كان ذلك بسبب ظروف العمل أو المرض أو الطلاق أو الوفاة أو غيرها، يمكن أن يترك هذا الغياب تأثيرات عميقة على الطفل. وتختلف طرق تأثّر الطفل بغياب الأمّ بناءً على عوامل، مثل عمر الطفل، وطبيعة الغياب وسببه، ووجود مقدّمي رعاية آخرين يوفّرون له الدعم. وعلى رغم أنّ الأطفال يمتلكون القدرة على التكيّف، إلّا أنّ غياب الأمّ قد يلقي بظلاله على جوانب مختلفة من حياتهم، بدءًا من أنماط التعلّق العاطفيّ، وصولًا إلى تقديرهم لذواتهم وعلاقاتهم الاجتماعيّة.   ويجدر الذكر أنّ غياب الأمّ أو الأب له تأثيرات عميقة في الأطفال، إذ يتسبّب اختفاء دور أيّ منهما في ترك فراغ خاصّ، يؤثّر في النموّ العاطفيّ والاجتماعيّ للطفل بطرق مختلفة. ومع أنّ غياب الأب يحمل تحدّيات وتأثيرات فريدة، سنركّز في هذا المقال على أثر غياب الأمّ تحديدًا، وسنعود إلى مناقشة تأثير غياب الأب بالتفصيل في مقال منفصل.  نستعرض هنا بعض الآثار الشائعة لغياب الأمّ على الأطفال، بالإضافة إلى بعض الحلول الممكنة لتخفيف هذه التحدّيات، وتعزيز المرونة لديهم.    آثار غياب الأمّ عن الطفل  التعلّق والأمان العاطفيّ  يُعدّ ارتباط الطفل بأمّه أولى العلاقات الأساسيّة التي يشكّلها الطفل في حياته؛ هذا الارتباط أو "التعلّق" يُعتبر جوهريًّا، ومصدرًا لشعوره بالأمان العاطفيّ. وفقًا لنظريّة التعلق، فإنّ التعلّق الآمن يتطوّر عندما يكون مُقدّم الرعاية متاحًا ومتجاوبًا باستمرار مع احتياجات الطفل، ما يوفّر للطفل الشعور بالأمان والثقة. ولكن عندما تغيب الأمّ، لا سيّما في السنوات الأولى من نموّ الطفل، فقد يضطرب هذا المسار التعلّقيّ، ويتطوّر بطريقة غير صحّيّة.  حينها قد يعاني الطفل القلق، وانعدام الأمان، والخوف من الهجر بسبب عدم وجود الأمّ بشكل دائم، وربّما يصبح أكثر "تشبّثًا" بمقدّمي الرعاية الآخرين، أو يُظهر اعتمادًا زائدًا على الآخرين لتلبية احتياجاته العاطفيّة. ومن ناحية أخرى، قد يطوّر بعض الأطفال أسلوبًا "تجنّبيًّا" في التعلّق، فيبتعدون عن بناء العلاقات العميقة وذات المعنى لتجنّب ألم الفقدان المحتمل. ومع ذلك، فالحلّ لمعالجة هذا التأثير يكمن في تواجد مقدّمي رعاية آخرين يتميّزون بالموثوقيّة والتواجد المستمرّ، ما يعمل على تعزيز الشعور بالأمان، ويوفّر للأطفال الدعم العاطفيّ، ويسمح لهم بتطوير تعلّق آمن، مع ملاحظة أنّ هذا قد يتطلّب مزيدًا من الجهد. ومن أمثلة مقدّمي الرعاية المناسبين في هذه الحالة: الآباء والأجداد والجدّات والأعمام والعمّات وأصدقاء العائلة.    التأثير في تقدير الذات والهويّة  تؤدّي الأمّ دورًا رئيسيًّا في تعزيز شعور الطفل بقيمته الذاتيّة وهويّته؛ إذ يساعد تشجيعها وتوجيهها الطفل في بناء ثقته بنفسه، وفهم مشاعره، ومواءمة سلوكه. ولكن عندما تغيب الأمّ، يعاني الأطفال مشاعر النقص أو الرفض، خصوصًا إذا شعروا أنّ غيابها شكل من أشكال الهجر. قد يكون هذا الشعور أكثر عمقًا إذا لم يفهم الطفل أسباب غياب الأمّ، أو إذا كان الغياب مفاجئًا وغير مبرّر.  أمّا في مرحلة المراهقة، فيمكن أن يؤدّي غياب الأمّ إلى حدوث اضطرابات في الهويّة، فالواقع أنّ المراهقين في الأصل يواجهون أسئلة تتعلّق بهويّتهم، ومن دون توجيه الأمّ، سيشعرون بالفراغ والضياع عندما يتعلّق الأمر بتحديد قيمهم ومعتقداتهم وإحساسهم بذواتهم. وقد يسعى بعض المراهقين للحصول على التقدير من مصادر خارجيّة، بينما قد يصبح البعض الآخر أكثر اعتمادًا على أنفسهم في محاولة للتكيّف.  بشكل عامّ يجب توفير التواصل المفتوح، فالأطفال يحتاجون إلى تفسيرات صادقة ومناسبة لأعمارهم حول أسباب غياب الأمّ، والتي يمكن أن تساعد في منع مشاعر الرفض أو الهجران، ومعالجة مشاعرهم بطريقة إيجابيّة وصحّيّة.  كما يمكن تحسين الشعور بالذات لدى الأطفال بالمشاركة في الأنشطة التي تركّز على نقاط القوّة، أي تشجيع الأطفال على ممارسة هواياتهم واهتماماتهم التي تعينهم على تعزيز شعورهم بالإنجاز ورفع قيمتهم الذاتيّة، ما يوازن أيّ مشكلات تتعلّق بتقدير الذات قد تنشأ عن غياب الأمّ.    المشكلات الأكاديميّة والسلوكيّة  تقول القاعدة إنّ الأطفال الذين يعانون غياب الأمّ أكثر عرضة لمواجهة تحدّيات في البيئة الأكاديميّة. وقد أظهرت الدراسات أنّ الأطفال الذين يفتقدون إلى حضور الأمّ الدائم يُظهرون صعوبات في التركيز، وانخفاضًا في الأداء الأكاديميّ، وقلّة الدافعيّة إلى التعلّم. وقد يعانون أيضًا مشكلات سلوكيّة، مثل العدوانيّة أو التمرّد أو الانطواء، لا سيّما إذا كان الطفل يكافح لمعالجة مشاعر معقّدة، مثل الغضب أو الحزن أو الاضطراب.  قد تنجم هذه التغيّرات السلوكيّة عن صراع داخليّ يعيشه الطفل أثناء محاولته فهم غياب أمّه. وإذا شعر الطفل أنّ الغياب شكل من أشكال الهجر أو الإهمال، فقد يتجلّى ذلك من خلال تصرّفات عدوانيّة، إمّا نداءً للمساعدة، أو وسيلة للتعبير عن غضب مكبوت. وهنا يأتي دور الدعم العاطفيّ وتأكيد المشاعر، بتشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، حتّى لو كانت هذه المشاعر تتضمّن الحزن أو الغضب أو الحيرة. كما أنّ الاستماع من دون إطلاق أحكام يمكن أن يساعد الأطفال في الشعور بأنّ هناك من يفهمهم، وأنّهم ليسوا بمفردهم.    العلاقات الاجتماعيّة والتفاعل مع الأقران  يمكن أن يؤثّر غياب الأمّ أيضًا في علاقات الطفل الاجتماعيّة، إذ يتعلّم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكّرة كيفيّة تكوين العلاقات بالملاحظة والتفاعل مع مقدّمي الرعاية الأساسيّين، وفي مقدّمتهم الأمّ. وعندما تغيب هذه القدوة، يجد الطفل صعوبة في تكوين صداقات صحّيّة، ويعاني مشاكل في الثقة بالآخرين. لذلك، إمّا إنّه سيعتمد بشكل زائد على صداقاته للحصول على الدعم العاطفيّ، أو يبتعد عن التفاعلات الاجتماعيّة تمامًا.  في بعض الحالات، قد يشعر الطفل "بالاختلاف" عن أقرانه، لا سيّما إذا كان الأطفال الآخرون يمتلكون حضورًا قويًّا للأمّ في حياتهم. هذا الشعور بالعزلة يمكن أن يحدّ من تطوير المهارات الاجتماعيّة، ويزيد من مشاعر الوحدة، وبالتالي يمكن أن تصبح العلاقات مع الأقران مصدرًا للتوازن العاطفيّ، فالأصدقاء الداعمون يمكن أن يساعدوا الطفل في الشعور بالانتماء والتقدير، حتّى إذا كان يفتقد وجود الأمّ في حياته.  ولكن هذا لا يحلّ مشكلة غياب القدوة، والتي يمكن تعويضها بتوفير قدوة إيجابيّة نسائيّة، من بين النساء اللواتي يمكن أن يقدّمن التوجيه والدعم، والمساعدة في سدّ الفراغ الذي يتركه غياب الأمّ. فيمكن للقريبات والمعلّمات والمدرّبات وصديقات العائلة أن يؤدّين دورًا في توفير الإرشاد العاطفيّ، ومساعدة الطفل في تشكيل هويّته.    التأثيرات العاطفيّة طويلة الأمد  تختلف التأثيرات طويلة الأمد لغياب الأمّ بشكل كبير من طفل إلى آخر، وفقًا لظروفهم الشخصيّة. بالنسبة إلى البعض، قد يترجم ردّ الفعل على هذا الغياب في صورة بناء قدرة للتعامل مع العواطف والتمتّع بالاستقلاليّة مدى الحياة، لا سيّما إذا كان لديهم أشخاص داعمون في حياتهم. ومع ذلك، أظهرت الدراسات أنّ بعض الأطفال الذين يعانون غياب الأمّ، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق والصعوبة في بناء العلاقات في مراحل لاحقة من حياتهم.  إذًا، قد يعاني الأبناء في مرحلة البلوغ مشاكل في الثقة بالشريك العاطفيّ، أو يخافون من الهجر، أو حتّى قد يشعرون بانعدام الأمان بشأن قيمتهم الذاتيّة. يمكن أن يساعد الدعم العلاجيّ، بما يشمل العلاج النفسيّ والتأمّل الذاتيّ، في معالجة هذه القضايا، إذ يوفّر المعالجون والأطبّاء استراتيجيّات للتكيّف والتعامل مع صدمات الطفولة العاطفيّة، وتعزيز الذكاء العاطفيّ، ومساعدة الأطفال في فهم تجاربهم بشكل بنّاء، ما يسمح لهم في بناء علاقات صحّيّة، ويمنحهم شعورًا أقوى بالذات. لذا، يمكن أن يعتبر بعض البالغين غياب الأمّ في طفولتهم مصدرًا للقوّة، بعد أن تعلّموا كيف يتعاملون مع الحياة بقدر أكبر من الاستقلاليّة.     ***  يمكن أن يكون غياب الأمّ، سواء كان مؤقّتًا أو دائمًا، تجربة صعبة للطفل تؤثّر في تطوّره العاطفيّ، ومهاراته الاجتماعيّة، وأدائه الأكاديميّ، وحتّى شعوره بالهويّة. ومع ذلك، يتمتّع الأطفال بقدرة مذهلة على تكييف مشاعرهم، ومع توفّر الدعم الصحيح يمكنهم النموّ ليصبحوا بالغين قادرين على التحكّم بعواطفهم بشكل جيّد.    المراجع   https://trbeyah.com/r/%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84-%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D8%AF%D8%A7-%D8%B9%D9%86-%D8%A3%D9%85%D9%87#:~:text=%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%83%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%88%D9%83%D9%8A%D8%A9%3A%20%D8%A5%D9%86%D9%91%20%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF,%D8%AA%D8%B2%D8%AC%20%D8%A8%D9%87%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A9.  https://english.elpais.com/lifestyle/2023-11-28/the-absent-parent-syndrome-and-its-impact-on-child-development.html