متى تبدأ تربية الطفل؟
متى تبدأ تربية الطفل؟

رحلة الأبوّة والأمومة واحدة من أعمق رحلات الحياة وأصعبها. ومع هذا، فإنّ العديد من الناس يفاجؤون عندما يعلمون أنّ تربية الطفل تبدأ قبل وقت طويل من صرخاته الأولى. في حين أنّ معظم الناس يربطون تربية الطفل بتغيير الحفّاضات، وقصص ما قبل النوم، وتعليم آداب السلوك، إلّا أنّ الأساس لتربية فرد سليم ومتكامل يبدأ قبل ذلك بكثير.  

 

مراحل تربية الطفل 

التربية ما قبل الحمل 

بالنسبة إلى العديد من الناس، تبدأ فكرة الأبوّة والأمومة بالقرار الواعي بإنجاب طفل. غالبًا ما يؤدّي هذا القرار وحده إلى سلسلة من التغييرات في حياة كلا الزوجين. غالبًا ما يفكّر الأزواج الذين يخطّطون لإنجاب طفل في صحّتهم البدنيّة، ورفاهتهم العاطفيّة، واستقرارهم الماليّ، وغيرها من العوامل التي يمكن أن تشكّل قدرتهم على رعاية الطفل. 

تظهر الدراسات أنّ صحّة الوالدين ونمط حياتهما قبل الحمل يمكن أن يؤثّرا في نموّ الطفل. على سبيل المثال، تؤدّي التغذية الأموميّة، ومستويات التوتّر، وتجنّب الموادّ الضارّة مثل التبغ والكحول، دورًا في تحديد جودة صحّة الطفل في المستقبل. وعلى نحوٍ مماثل، يُشجَّع الآباء المحتملون على الحفاظ على نمط حياة صحّيّ، إذ تؤثّر صحّة الأب في جودة الحيوانات المنويّة، وبالتالي في المخطّط الجينيّ للطفل. 

وبعيدًا عن الجاهزيّة البدنيّة، فالاستعداد العقليّ والعاطفيّ أمر بالغ الأهمّيّة، إذ إنّ الطريقة التي يفكّر فيها الأفراد في تربية الأبناء - سواء نظروا إليها باعتبارها تحدّيًا أو واجبًا، أو حتّى أمرًا مخيفًا - يمكن أن تؤثّر بشكل كبير في كيفيّة إدارتهم دورهم المستقبليّ وتعاملهم معه، باعتبارهم مقدّمي رعاية.  

 

تربية الجنين 

منذ اللحظة التي يعرف فيها الزوجان أنّهما ينتظران مولودًا، ستّتخذ التربية شكلًا ملموسًا أكثر أثناء هذه المرحلة، إذ سيعتبر رحم الأمّ "البيئة الأولى" للطفل، وهي البيئة التي تؤثّر بشكل عميق في النموّ المبكّر. فأثناء مرحلة الحمل، لا يقتصر دور الأمّ على توفير الغذاء للطفل فحسب، بل سيوفّر له أيضًا جوًّا عاطفيًّا يمكن أن يشكّل تجاربه الأولى، ويعكس إلى حدٍّ ما حالته في أيّامه الأولى بعد الولادة. وقد أثبتت الأبحاث في مجال برمجة الجنين أنّ الإجهاد أثناء الحمل يمكن أن يؤثّر في نموّ دماغ الطفل، ومرونته العاطفيّة في المستقبل. 

كما أنّ أهمّيّة الروابط التي يبدأ الوالدان في تكوينها مع أطفالهما الذين لم يولدوا بعد، توازي بالفعل أهمّيّة جودة بيئته الأولى. فتحدُّث الوالدين مع أطفالهما المنتظرين، أو غناء التراتيل، أو قراءة القصص أثناء الحمل، من شأنه أن يشكّل الرابط العاطفيّ بين الأب والأمّ وطفلهما. صحيح أنّ الطفل قد لا يفهم الكلمات، لكنّه يستجيب للأصوات والإيقاعات والاهتزازات، لذلك تعتبر هذه المرحلة حسّاسة في حياة الطفل، إذ تضع هذه التفاعلات الأساس للرابطة العاطفيّة التي ستستمرّ في النموّ بعد الولادة. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مرحلة الحمل فرصة رائعة للوالدين للتعلّم، وإعداد نفسيهما للمسؤوليّات المقبلة، إذ تسهم الكتب المتعلّقة بنموّ الطفل، ودروس تربية الأبناء، والمحادثات مع الأهل ذوي الخبرة في خلق رؤية واضحة لتربية الطفل. 

 

التربية في الأشهر الأولى من عمر الطفل 

تكتسب تربية الطفل أبعادًا جديدة خلال المرحلة العمريّة التي يطلق عليها العديد من الخبراء "الفصل الرابع"؛ وهي الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة، إذ يكون الطفل ما يزال يتكيّف مع الحياة خارج الرحم. كما يعتبر الخبراء هذه المرحلة بمثابة امتداد للحمل، إذ يعتمد الأطفال على الاتّصال الجسديّ الوثيق، والتغذية، والراحة والشعور بالأمان. 

وبالتوازي مع تلبية الاحتياجات الجسديّة، يبدأ الوالدان أيضًا في تشكيل العالم العاطفيّ لأطفالهما؛ إذ تساعد الاستجابة للبكاء، وتعزيز التواصل بالعين، والمشاركة في اللمس الحنون والمهدّئ، في بناء أساس من الثقة. وعلى الرغم من أنّ الأطفال يولدون بمهارات تواصل محدودة، لكنّ استجابات والديهم تعلّمهم أنّ احتياجاتهم مهمّة، وأنّ العالم مكان آمن. 

 

تربية الطفل أثناء مرحلة الصراع على الاستقلاليّة 

 في اللحظة التي ينظر إليك فيها طفلك الصغير، وتظهر على وجهه البريء علامات الصرامة، ويردّ بـ "لا" على طلب منك، فاعلم أنّك أصبحت الآن في مرحلة الصراع على الاستقلاليّة. ستلاحظ أنّ طفلك قد تغيّر فجأة، وها هو يحقّق الآن ما كان يتدرّب عليه في المراحل السابقة، وهو أن يتعلّم التعبير عن أفكاره وآرائه الخاصّة. في هذه المرحلة من التربية، هناك الكثير من الأمور المطلوبة من الوالدين، وأهمّها أن يتعلّما فهم تطوّر المهارات المعرفيّة لدى طفلهما، وحاجته إلى تأكيد ذاته. كما سيتعلّمان كيفيّة تجنّب معارك العناد، والعمل مع طفلهما لإدارة الرغبات المتضاربة بينهم. 

بعد هذه المرحلة، ستدخل التربية في حالة من الانتقالات المستمرّة، بين الإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأبناء أثناء استكشافهم للحياة من حولهم، والرغبة في الاستقلاليّة، وما بعدها من التوجيه والإرشاد إلى أن يكبروا. 

ولكن، إن كنت تتساءل كيف تبدو مراحل تربية الأطفال، وكيف تتعامل مع طفلك في كلّ منها، فهذا المقال بعنوان "أصعب مرحلة في تربية الأطفال" سيساعدك في فهم طفلك، والتغلّب على المصاعب التي قد تواجهك أثناء التربية. 

 

التفاعل بين الطبيعة الجينيّة والتنشئة 

عند التفكير في سؤال متى فعليًّا تبدأ تربية الطفل، فمن الضروريّ أن ندرك التفاعل بين طبيعة الطفل جينيًّا وتنشئته. تتشكّل بعض جوانب شخصيّة الطفل ومواهبه، وحتّى نقاط ضعفه وقوّته، عن طريق الجينات المكتسبة من والديه. ومع ذلك، فإنّ هذه السمات، والطريقة التي يُعبّر بها عنها - وكيف تؤثّر في التطوّر العامّ للطفل - تتأثّر بشكل عميق بالبيئة المحيطة به. 

على سبيل المثال، قد يرث الطفل استعدادًا للقلق، لكنّ البيئة الداعمة يمكن أن تعلّمه استراتيجيّات التأقلم وتهدئة النفس. وعلى العكس من ذلك، قد يكافح الطفل الموهوب بطبيعته، ويجد صعوبة في الوصول إلى إمكاناته وتوظيف موهبته، إذا كان يفتقر إلى التشجيع أو الدعم. وبالتالي، فإنّ تربية الأطفال لا تتعلّق بالتحكّم في من يصبح عليه الطفل، بل تتعلّق أكثر بتهيئة الظروف التي تسمح له بالتطوّر والنموّ بشكل صحّيّ. 

 

*** 

لنعد إلى السؤال مرّةً أخرى: متى تبدأ تربية الأطفال؟ الإجابة بسيطة وعميقة في الوقت ذاته: تبدأ التربية في اللحظة التي يبدأ فيها الوالدان بالاهتمام بإنجاب طفل. وقد يتجلّى هذا الاهتمام في التخطيط قبل الحمل، أو الأفكار والتحضيرات أثناء الحمل، أو اللحظات الرقيقة من التواصل مع الطفل في أيّامه الأولى. إنّ بذور الأبوّة والأمومة تُزرع قبل وقت طويل من نطق الطفل كلماته الأولى، أو مشيه خطواته الأولى.  

كما أنّ تربية الأطفال رحلة طويلة تمتدّ بامتداد الحياة، وتبدأ باختيارات تبدو صغيرة وعاديّة، مثل تناول فيتامين ما قبل الولادة، وحضور دورة تدريبيّة في تربية الأطفال، وتتطوّر مدى الحياة بالتوجيه والدعم والحبّ.

 

المراجع 

 

https://trbeyah.com/r/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84 

https://nurturednoggins.com/stages-of-parenting/ 

https://www.tuw.edu/school-news/what-is-child-rearing/