عقدت منهجيّات ندوتها لشهر تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025، بعنوان "تمدّد مهنة التعليم خارج الصفّ: الأعباء الوظيفيّة للمعلّم، مشكلات واقتراحات". وركّزت على محاور مختلفة، هي:
1. الأعباء الوظيفيّة العصريّة للمعلّم.
2. تجارب في التعامل مع الأعباء الوظيفيّة وتطويعها.
3. توصيات للتعامل مع الأعباء الوظيفيّة المتكاثرة.
استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. ياسمين حسن، مستشارة تعليميّة ومدرّبة في التخطيط الاستراتيجيّ وإدارة الأزمات، مصر؛ أ. نور كرزون، مديرة مدرسة حكوميّة وباحثة ومُدرّبة، فلسطين؛ أ. عبير أدبيس، معلّمة لغة عربيّة، الأردنّ؛ أ. نزار عميري، معلّم مادّة الأحياء، لبنان.
أدار الندوة أ. يسري الأمير، رئيس تحرير مجلّة منهجيّات ومستشار تربويّ في تعليم اللغة العربيّة، وبدأ بالتعريف بمجلّة منهجيّات وموقعها، بصفتها منصّة تفتح مساحةً للمعلّمات والمعلّمين من أجل نشر تأمّلاتهم، وفتح حوار مُشترك بينهم لتشارك تجاربهم وخبراتهم ومشكلاتهم وهمومهم وآمالهم. ومن ثمّ عرّج على أنّ ندوة هذا الشهر تُقارب موضوعًا بالغ الحساسيّة في حياة المعلّمات والمعلّمين، وهو تمدّد نطاق عملهم الوقتيّ والوظيفيّ خارج الدوام المدرسيّ.
وداخل أ. الأمير أنّ التعليم المعاصر لم يعد متّكلًا على معلّمٍ عرّاف بمادّتهِ يدخل الغرفة الصفّيّة ليحاضر، ويخرج إلى بيتهِ خالي البال، بل صار التعليم مهنة شديدة التطلّب وحاضرة التكيّف والتطوّر. وأضاف أنّ هذا التطوّر في المهنة شكّل في كثير من الحالات إضافات إلى مهمّات المعلّم لا تعديلات لوظائفهِ، زادت على مهام المعلّم متطلّبات كثيرة، من دون أن تتغيّر واجباته المعهودة سابقًا، وتقع الندوة في قلب هذا النقاش.
المحور الأوّل: الأعباء الوظيفيّة العصريّة للمعلّم
ما المطلوب من معلّم اليوم؟
بدأ أ. عميري بالتأكيد على مقدّمة الندوة، ذلك أنّ الصيغة التعليميّة لم تتغيّر، ولكنّ الأعباء والمهام تتغيّر؛ فمعلّم اليوم متعدّد المهام. ولخّص المهام التي ترمي بثقلها على كاهل المعلّم: أوّلًا، العبء الإداريّ المتزايد والتوثيق المتزايد. ثانيًا، وهو تحدٍّ للمعلّمين، التكامل مع التكنولوجيا وتحديثاتها، والتي تتطوّر بشكل سريع وكثرة المنصّات الموجودة. ثالثًا، التطوير المهنيّ المُستمرّ، للمواكبة والتحديث الشخصيّ، بالإضافة إلى كلّ بديهيّات التعليم الفعّال.
من وجهة نظر الإدارة، ما المطلوب من معلّم اليوم؟
هُنا تحدّثت أ. كرزون، عن تعقيد السؤال، إذ تُحتّم الإجابة النظر إلى أربعة مجالات مُختلفة. الأوّل، المحتوى والمنهج: هُنا مطلوب من المعلّم التمكّن من المحتوى التعليميّ المُقدّم إلى الطلبة، وتوظيف الاستراتيجيّات من أجل تسهيل وصول المحتوى بطرق مُعاصرة تستجيب لقدرات الطلّاب. الثاني، البيداغوجيا: وهُنا مطلوب من المعلّم التخطيط للعمليّة التعليميّة وفق أسس علميّة، بالإضافة إلى استخدام طرق تدريس تجعل للتعلّم معنى في حياة الطالب، بربطه في سياقات اجتماعيّة حياتيّة. كما يُطلب إليه أن يحفّز الطلبة، وأن يبتكر في العمليّة التعليميّة، ويوظّف التكنولوجيا بأنواعها لتعزيز التعليم. الثالث: أخلاقيّات المهنة. المطلوب هُنا الالتزام بأنظمة وقوانين، والمشاركة في لجان المدرسة، والحرص على بناء علاقات إنسانيّة. الرابع، الكفايات الذاتيّة: هُنا من الضروريّ أن يكون المعلّم متمكّنًا من اللغة، ومُستثمرًا للتغذية الراجعة التي تصلهُ لتطوير الأداء، وأن يسعى لتقديم أبحاث في مجاله، وأن يطوّر دائمًا من مهارات التواصل.
هل فعلًا توظيف التكنولوجيا يمثّل حلًّا سحريًّا للمعلّم أم عبئًا جديدًا عليه؟
ناقشت أ. حسن المتطلّبات الحديثة التي يحتاج إليها المعلّم بناءً على تغيُّر التعليم، فهي تتجاوز نقل المحتوى. سيحتاج المعلّم إلى خلق بيئة تعليميّة داعمة للمتعلّم، وإلى الكثير من الأمور التي تدعم رفاه المتعلّم والحفاظ على صحّته النفسيّة. وفصّلت بهذا أ. حسن، فتحدّثت عن مسؤوليّة المدرسة في الأعباء التي تقع على عاتق المعلّم، مثل عقود الأداء وقياساتها، ورصد نتائج الطلبة ودرجاتهم. ولا ننسى أنّه يقوم أحيانًا بمهام إداريّة مُختلفة، مثل تحصيل الرسوم المدرسيّة. وفي بعض الأحيان، يقوم برصد الحضور والغياب للطلبة والمعلّمين، غير أنّه قد يُشارك في الفعاليّة التي تسعى لجذب أولياء الأمور. وأشارت أ. حسن إلى كون الحوافز المادّيّة مقابل هذه المهام غير مُناسبة وبسيطة جدًّا، مقارنة بالأنشطة التي يقوم بها، هذا إن حقّق أهداف المدرسة بخصوص الأنشطة، أمّا إن لم تُحقّق المدرسة أهدافها، فلن يحصل عل مكافأة فقط، بل قد يُخصم من راتبه.
وتحدّثت أ. حسن على الاعتمادات المُختلفة التي تسعى المدرسة لتحقيقها، وإن لم يجتز المعلّم أو المدير الاختبارات التي تفرضها هذه الاعتمادات قد تؤدّي إلى فصله من عمله بغضّ النظر عن كفاءتهِ. وشاركت أن هذه المهام تزداد في ظلّ طلب تقارير مُختلفة من معلّمين مرتبطة بصحّة الطلبة النفسيّة، وهذه الناحية من المفترض وجود متخصّص من أجل تسييرها، وفي ظلّ غياب هذا المتخصّص تُضاف هذه المهام إلى عاتق المعلّم.
أضاف أ. عميري أنّ استخدام التكنولوجيا في هذا الزمن بات ضرورة. فهذا الجيل ولد مع التكنولوجيا، وولوجه إلى التطبيقات المُختلفة سهل وسريع. ووضّح أنّه من المهم مجاراة الطلّاب، وأن نحاكي واقعهم وأسلوب حياتهم. وأشار أ. عميري إلى أنّ التكنولوجيا فرصة لرفع مستوى التعليم، من أجل تبسيط عرض المعارف، وهذا يرفع من شموليّة عطاء المعلّم.
من أين يأتي المعلّم بالوقت للمضيّ في مسارات تطوير ذاتيّ؟
هُنا داخلت أ. أدبيس أنّ المعلّم يدفع ثمنًا من صحّتهِ النفسيّة في ظلّ ازدياد الضغوط والأعباء، وأشارت إلى اصطلاح اسمه "القلق التقنيّ" والذي يعاني منه المعلّم نتيجةً لتفاصيل تقنيّة تسبق توظيفه لأداة تكنولوجيّة ما. وأضافت أنّه من المهم للمعلّم أن يوازن بين حياته الشخصيّة وأعبائه المهنيّة. هذا التوازن أساس الحياة، خصوصًا أنّ التعليم مهنة إنسانيّة تقنيّة متشعّبة جدًّا. وشاركت أ. أدبيس فكرة أنّ على الإدارات أن تعي أنّ توظيف التكنولوجيا لا يأتي بقصد المعلومة، فالمعلومة موجودة، أمّا المعلّم الآن، فهو، أكثر من أيّ وقت مضى، بحاجة إلى فهم حاجات الطلّاب النفسيّة، والتعامل مع مشكلاتهم المُختلفة. والحقيقة على الإدارة أن تفهم مركزيّة تدريب المعلّم على قضيّة ما، كالتكنولوجيا، قبل أن تطلب توظيفها.
من وجهة نظر الإدارة، من يجب أن يتحمّل مسؤوليّة تطوير المعلّم الوقتيّة والمادّيّة؟
وضّحت أ. كرزون أنّ هذا يعودُ إلى استراتيجيّة المؤسّسة. هناك أحيانًا دورات تطوير مهنيّ، تُعقد في عطلة الأسبوع. أو دورات أُخرى تُنسّق مع أوقات تفريغ المعلّمين الأسبوعيّة. وبناءً على رغبة المعلّم بالدورة أو الورشة، فيُمكن أن تكون الدورة بعد وقت دوام المدرسة. أمّا بما يخصّ العبء المادّيّ، فأشارت إلى أنّه لا توجد علاوات على هذه الدورات، إلّا إن كانت دراسة ماجستير أو دكتوراه. وأشارت إلى أنّ الوزارة في فلسطين تُلزم المعلّمين بالالتحاق بمجموعة من البرامج التدريبيّة. بخصوص التكلفة المادّيّة، قد تخصّص بعض المدارس ميزانيّات معيّنة لورشة مُختلفة تشعر أنّ فريق العمل بحاجة إليها. وتحدّثت عن أهمّيّة الدافع الداخليّ عند المعلّم أساسًا للتطوير المهنيّ وورشه ودوراته.
ما الأعباء الجديدة التي وقعت على عاتق المعلّم في سياق مجاراة أساليب تقييم المتعلّم المستجدّة؟
داخلت أ. حسن عن أنظمة مختلفة عند المدارس، والتي باتت تعتمد على مشروعات للطلبة، أو ملفّات إنجاز، أو تقارير سلوكيّة، أو زيادة التوثيق، إلى جانب التصحيح وضغط أولياء الأمور. وفي النتيجة ستتراكم الوثائق والتقارير، ما يؤثّر في التخطيط الصفّيّ، بالإضافة إلى وصول المعلّم إلى مرحلة الاحتراق المهنيّ. ولذا، على المدرسة أن توفّر دعمًا ومساعدة مُختلفة للمعلّم.
المحور الثاني: تجارب في التعامل مع الأعباء الوظيفيّة وتطويعها.
كيف تعاملت مع المتطلّبات الجديدة منك بوصفك معلّمًا؟
بدأ أ. عميري بالإشارة إلى المتطلّبات الكثيرة في المجال، وأشار إلى أنّ التعليم صارَ مهنة، لا فقط مجال لعمل المضطرّ. وتحدّث على أهمّيّة خبرة المعلّم في هذا المجال، وكذلك، على ضرورة الأولويّات المهنيّة للمعلّم، كدعم الطلّاب، والحرص على تحصيلهم العلميّ، وسلامتهم ورفاهيتهم. وشارك من خبرته، أهمّيّة وضع أُطر زمنيّة للتواصل، عبر القنوات الحديثة، توفّر وقت المعلّم لئلّا يكون تحت ضغط الردّ. وتحدّث على ترشيد المهام التقنيّة والتوثيقيّة استراتيجيّةً لتخفيف الأعباء على المعلّم، وكذلك على أهمّيّة التركيز على التخطيط للتعليم بوصفه أولويّة.
من زاوية مديرة المدرسة، كيف تعامل المعلّم مع المتطلّبات الجديدة منه؟
شاركت أ. كرزون من تجربتها، أنّها تسعى دائمًا لتنظيم مهام المعلّمين، ذلك بربطها بسياق زمنيّ مُحدّد. وتحاول تزويد المعلّمين بوسائل تعليميّة، ومصادر مُختلفة، والتي قد تيسّر عمليّة التعليم، وفقًا لحاجاتهم. وبخصوص البنية التحتيّة الرقميّة، تحاول إجراء تطوير مُستمرّ لهذه البُنية من أجل الوصول إلى مرحلة ممتازة تُسهّل على المعلّم توظيف التكنولوجيا. وأضافت أ. كرزون أنّها تولي جهدًا من أجل تحفيز المعلّم، وتعزيز صحّته النفسيّة بفهم عواطفه وإرهاقه.
وبما يتعلّق بتجربتها معلّمة لفترة 13 عامًا، شاركت أ. كرزون حول ضبط الصفّ في ضوء المُمارسات الحديثة، وشاركت تحدّيات مُختلفة واجهتهم في تلك المرحلة، حيث هناك أساليب تدريس غير مُناسبة. ومن خلال وزارة التربية والتأهيل التربويّ، وسعيها لنيل درجة الماجستير، استفادت كثيرًا من هذا التطوير المهنيّ من أجل توظيفهِ في الصفّ.
هل عجزتِ عن التعامل مع الأعباء الإداريّة منكِ بوصفك معلّمة؟
أشارت أ. حسن إلى التضارب في أولويّات العمل، حيث أكثر من مهمّة مطلوبة في الوقت نفسه. فيتعذّر على أيّ معلّم بالقيام بكلّ المهمّات بالمستوى ذاته. إلى جانب ضعف البنية التحتيّة، فأيّ معلّم سيشعر بالإحباط، لاستخدامه التكنولوجيا من دون تدريب، أو لاستخدامه أجهزة لا تصلح للعمل، أو مشكلة الإنترنت وهي مشكلة عامّة.
وتحدّثت أ. حسن عن تفوّق التوقّعات التجاريّة على المهنيّة، فبعض المدارس تُبدّي رغبات أولياء الأمور على المعلّم واعتباراته التربويّة، وهذا يخلق صراعًا أخلاقيًّا سيمرّ فيهِ المعلّم، وستبتعد العلاقة بين المعلّم والطالب عن الاحترام، وسيختفي نجاحه بضبط الصفّ لأنّ الإدارة أثّرت بشكلٍ واضح في صورته. وتحدّثت أ. حسن عن الأمان الوظيفيّ، فغياب هذا الأمان سيخلق قلقًا دائمًا وعدم استقرار وظيفيّ يشعر بهِ المعلّم.
ما دور الإدارة في التخفيف عن المعلّم؟
هنا تحدّثت أ. أدبيس على أهمّيّة التعامل مع المعلّم بلغة تمكين وتأمّل، لا أن تنتظر الإدارة أيّ خطأ منه للتعامل بلغة عقابيّة، فهذه لغة غير إنسانيّة. وانطلقت إلى الحديث عن تجربتها في مدرسة الأهليّة والمُطران، فالمدرسة لا تتجاوز أيّام العطل الأسبوعيّة الخاصّة بالمعلّم، وإن وفّرت لهُ تدريبًا، يكون التدريب مدفوعًا، ومُخطّطًا من فترة زمنيّة طويلة. وأشارت إلى يوم التطوير، وهو يوم كامل تخصّصه المدرسة للتطوير، وأضافت إلى أهمّيّة الأسبوع التحضيريّ للعام الدراسيّ، فهي فرصة تُمكّن المعلّم الجديد من فهم واسع، وتشكّل مساحة للتساؤل والتفكير مع الفريق.
وشاركت أ. أدبيس أنّ سياسة الباب المفتوح هي الأهمّ. والمدرسة التي تعتمد هذه السياسة، يكون فيها المعلّم مرتاحًا وأكثر انتماءً. باختصار، دور الإدارة دور داعم للمعلّم، يجب أن تنظر إليه بعين المتأمّل، خصوصًا أنّ المعلّم بشر ويمرّ في ظروف مُختلفة.
وهُنا داخل أ. الأمير أنّ المعلّم هو الأساس الحقيقيّ، وقد علّمتنا التجربة في غزّة في سنتَي الإبادة، أنّ من فيه النفس التعليميّ سيبقى معلّمًا وناجحًا. معلّمو غزّة علّموا في خيمة وفي العراء، ومن دون أيّ مقومات. وقد كانت النتائج مُذهلة في امتحانات التوجيهيّ التي عُقدت قبل أسبوعين. المعلّمون شكّلوا الصفّ والسبّورة والتكنولوجيا وكلّ شيء.
نتائج الوقوع تحت وطأة الأعباء عند المتعلّمين سيؤدّي إلى الاحتراق الوظيفيّ للمعلّم. اشرح لنا هذه الفكرة.
داخل أ. عميري أنّ للاحتراق الوظيفيّ ثلاثة أبعاد، الأوّل: الإرهاق الدائم. الثاني: البعد عن الفريق. الثالث: تدنّي الإنتاجيّة. وشارك أنّ الاحتراق الوظيفيّ أصبح ظاهرة عالميّة في قطاعات كثيرة، وخصوصًا في التعليم الذي يقوم على تشعّب العلاقات. وكيف نحدّ منه هو مسؤوليّة تقع على عاتقنا جميعًا. وأضاف أنّ الحدّ من الاحتراق الوظيفيّ يعتمد على ثلاثة مركّبات، الأوّل: تعزيز التواصل ضمن المؤسّسة. الثاني: تعزيز التشارك بالأعباء، بحيث يكون مدعومًا من المؤسّسة. الثالث: البعد الإنسانيّ للمعلّم، فهو يحتاج إلى التعاطف والتشارك.
في المدرسة توجد الإدارة والمعلّم وأولياء الأمور والطالب: إن شعر المعلّم بأنّه الحلقة الأضعف ضمن هذه المعادلة، هل سيؤدّي ذلك إلى الاحتراق الوظيفيّ؟
بنت أ. حسن مداخلتها على مداخلة أ. عميري، وشاركت أنّ استمرار الضغوط على المعلّم، سيقود إلى مجموعة آثار نفسيّة ومهنيّة وسلوكيّة واجتماعيّة واقتصاديّة سلبيّة. هذه الآثار ستؤدّي إلى الاحتراق الوظيفيّ، ما سيُقلّل من الولاء للمؤسّسة، وسيزيد التسرّب من مهنة التعليم. وبناءً على ذلك، نصحت الإدارة المدرسيّة باستخدام النظام الإداريّ المرن من أجل حماية المعلّم، واستدامة أثره.
وعرّفت أ. أدبيس الاحتراق الوظيفيّ بأنّه الشعور المُستمرّ بالتعب، حتّى قبل الذهاب إلى العمل. وللاحتراق الوظيفيّ ثلاثة أبعاد، على المجتمع التربويّ فهمها من أجل التعامل معها بشكلٍ صحيح. الأوّل: الإنهاك العاطفيّ. هنا من الضروريّ أن يخطّط المعلّم للمشكلة التي تخرج دائمًا عن سيطرته، فهذا سيدعمه. الثاني: التبلّد الوجدانيّ. هنا سيحتاج المعلّم إلى ربط التعليم برسالة سامية، ثبات هذه الرسالة في وجدان المعلّم سيقلّل الشعور بعدم وجود قيمة. الثالث: تدنّي الشعور بالإنجاز.
هل صادفتِ معلّمًا يعاني الاحتراق الوظيفيّ، فتصفينه لنا؟
أشارت أ. كرزون إلى الفروق الفرديّة في التعامل مع الأعباء. وشاركت أهمّيّة تحويل الأعباء إلى تحدٍّ من أجل تمكينهم في العمل، أمّا الأشخاص الذين يستسلمون لهذه الضغوط فهم الذي يسيرون نحو الاحتراق الوظيفيّ. وأشارت إلى وجود معلّمين يشعرون بقلّة تقدير نابعة من إحساس ذاتيّ، ومهما كان المدير منصفًا مع المعلّمين، يبقى لديهم هذا الشعور.
وهنا أشار أ. الأمير إلى أنّه كما يُطلب من المعلّم التعامل مع الطلّاب بمراعاة فروق فرديّة، فعلى المدير كذلك أن يراعي الفروق الفرديّة لدى المعلّمين.
المحور الثالث: توصيات للتعامل مع الأعباء الوظيفيّة المتكاثرة.
زوّدينا باستراتيجيّات تستخدمينها خارج الغرفة الصفّيّة لتخفيف الأعباء؟
شاركت أ. أدبيس أنّه تُذكّر نفسها دائمًا برسالة التعليم السامية، من أجل أن تكون مرتاحة مع نفسها. وذكرت التوازن أمرًا أساسّا في إدارة الأمور، من دون إقحام لأداة ما، أو بالحفاظ على أوقات مُختلفة للتواصل. وشاركت أهمّيّة القيام بأمور نحبّها، فهذه أوقات نوعيّة مهمّة، وضروريّة للحفاظ على العافية.
هل هناك استراتيجيّات للتعامل مع الإدارة بصفتك معلّمة يُمكن استخدامها للتخفيف من الأعباء؟
وضّحت أ. حسن أنّه من المُمكن الطلب من الإدارة تخفيف بعض الإجراءات الورقيّة، بحيث تقلّ الأعمال الروتينيّة. ربّما على الإدارة اعتماد الكشوف الرقميّة وغيرها من الاستراتيجيّات. وشاركت أنّه من الضروريّ أن تهتمّ الإدارات للمهام غير الصفّيّة والإداريّة، فتخفّف على المعلّم، وتدفع بهِ للتركيز على التعليم وأساليبه.
من وجهة نظرك الإداريّة، هل فعلًا كلّ ما يُطلب من المعلّم مهمّ؟
شاركت أ. كرزون أنّ ذلك متعلّق بمدراء المدارس، وهناك صورة خطأ متعلّقة بربطٍ طرديّ بين زيادة العمل الإداريّ والنجاح. وتحدّثت عن جودة التعليم وأداء الطلّاب مخرجات يجب النظر إليها من أجل تطوير البيئة المدرسيّة. وقسّمت أ. كرزون مفهوم الأعباء إلى أعباء ضروريّة جوهريّة، وأخرى غير ضروريّة. ووضّحت أنّها قصدت بالضروريّة، تلك التي تمسُّ جوهر العمليّة التعليميّة، مثل التخطيط وإعداد أدوات التقييم وقياس تقدّم الطلّاب والتواصل البنّاء مع أولياء الأمور. بينما الأعباء غير الضروريّة، قد تظهر بطلب أكثر من نموذج للتحضير، أو طلب ملفّات معيّنة من دون أفق لاستخدامها أو تقارير شكليّة.
ضمن السؤال ذاته، داخل أ. عميري أنّ عرض العلامات والنتائج لم يعد مجرّد رقم، فالتقرير يُمكن أن يحمل شكلًا موجزًا للأهل. وشارك أنّ الهدف الأسمى هو جودة التعليم، وهو ليسَ إنتاجًا قصير المدى ينعكس على الطالب. من هُنا، فإنّ تكوين الثقة مسألة مهمّة في مسألة الأعباء الوظيفيّة، فعندما تتكوّن الثقة بين المعلّم والإدارة، تحفّز المعلّم على المبادرة الشخصيّة، والانتماء للمؤسّسة.
في ظلّ أنّ عدد ساعات التعليم ما زال ثابتًا، لكنّ الأعباء أو التحضيرات لكلّ حصّة زادت. كيف يُمكن أن تُحلّ هذه المُشكلة مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن المادّيّ للمؤسّسة؟
تحدّثت أ. كرزون أنّ هذه المشكلة تُسبّب ضغطًا إضافيًّا على الكادر وعلى الإدارة، وقد يؤثّر في الأداء والاستدامة الماليّة. ومن الحلول المقترحة ضمن جوانب مختلفة:
1. الحلول التنظيميّة والتربويّة: على المعلّم إعادة توزيع المهام التربويّة ضمن أولويّات معيّنة، ذلك بالعمل على الأعباء الضروريّة ومن ثمّ الأقل ضرورة، وهكذا.
2. ربط الأنشطة الإضافيّة مع الأنشطة الصفّيّة: كأنشطة اللجان، فذلك من المُمكن أن يُعمّق المنهج، وهي مبادرة من المعلّم.
3. الحلول التنظيميّة والتربويّة: إن كانت التكنولوجيا جاهزة، فالأدوات المجّانيّة ستُشكّل أدوات مُساعدة في المهام الروتينيّة.
4. الحلول الماليّة والإداريّة: لا بدّ من الإشارة إلى أهمّيّة دور المدير في التوزيع الزمنيّ المناسب، حتّى يفتح المساحة أمام المعلّم للأعباء الضروريّة، إلى جانب أهمّيّة التحفيز المعنويّ.
5. الحلول الرقابيّة: من المهمّ عقد اجتماعات دوريّة مقلّصة، واستخدامها من أجل تعديل السياسات لصالح المعلّم.
وأمّا أ. عميري، فتحدّث على نصاب المعلّم، ففي المؤسّسات التي لديها رؤية، لا تقتصر ساعات عبء المعلّم بدخوله إلى الصفّ فقط، بل تأخذ بعين الاعتبار ساعات تحضيره مثلًا، ومهامه الإضافيّة، إن كان لديه مهمّات إشرافيّة.
ماذا يُمكن أن تقدّموا توصيات للإدارات المدرسيّة في هذا الموضوع؟
تحدّثت أ. أدبيس بأنّ التوصية هي الاستغناء عن أيّ أعباء غير ضروريّة، والاكتفاء بالأمور الجوهريّة. وأمّا أ. عميري، فشارك التوصية بحماية وقت المعلّم للتحضير، وتقليل النماذج الإداريّة المُكرّرة، ووجود هيكليّة إداريّة من صفاتها الذكاء العاطفيّ، من أجل رفع رضا المعلّم.
وشاركت أ. حسن خطّة تهدف إلى التخفيف من الأعباء، وبدأت بأهمّيّة تحديد مصادر العبء الإضافيّ والمهام، من خلال هذا التشخيص، تدرك الإدارة المدرسيّة المصادر التي تُشكّل عبئًا على المعلّمين. وأضافت أنّ المرحلة الثانية تتمثّل في تبسيط الأعمال الإداريّة التي لا تضيف قيمة تعليميّة مُباشرة، وتقوم على مراجعة كلّ الأعمال الإداريّة. وتحدّثت على مرحلة ثالثة تسعى لتدخّل رقميّ تدريجيّ، من خلال أتمتة بعض المهام غير الصفّيّة، وتخصيص بعض الأوقات للتحضير والتحفيز. وأمّا المرحلة الأخيرة، فهي التقييم المُستمرّ والتحسين التراكميّ.
وهُنا شاركت أ. كرزون بعض التوصيات للإدارات المدرسيّة، الأولى: بناء ثقافة عمل مرنة وداعمة، توزّع الأعباء بعدالة، وتراجع التكليفات بشكلٍ دوريّ بما يضمن رفاه المعلّم. الثانية: التحوّل الرقميّ الذكيّ. الثالثة: دعم التوازن النفسيّ والمهنيّ لدى المعلّم، وتقديم مساحات دعم مهنيّ، من أجل زيادة دافعيّة المعلّم. الرابعة: التخطيط الماليّ، من أجل توجيه الموارد لتحسين جودة التعليم، بدلًا من نفقات جانبيّة بعيدة.
أسئلة الجمهور
- إلى أيّ مدى تعمل المؤسّسات على تشجيع المعلّمين على تطوير مهاراتهم؟ وكيف يُمكن لهذه المؤسّسات أن تبني بيئة سليمة؟
أجاب أ. عميري أنّ على التطوير أن يكون جزءًا من الخطّة السنويّة للمؤسّسة. بين التطوير المهنيّ الأفقيّ، والذي على المؤسّسة أن تسعى لتشجيع المعلّم على الانخراط بهِ. وبين التطوير العموديّ، والذي على المعلّم أن يسعى بنفسه له.
- هل التعويض المادّيّ يجعل الأعباء الجديدة على المعلّمين مقبولة؟
أجابت أ. أدبيس أنّ التعويض المادّيّ الأعلى يدفع بالإنسان إلى بناء موازنة تنظيميّة انفعاليّة داخليّة. وأشارت إلى أهمّيّة المكافآت في هذا الصدد، وأنّ على الإدارات أن تفتح المجال للمعلّم لأنّ يحقّق ذاته.
وهنا أجابت أ. كرزون أنّ التعويض المادّيّ محفّز نحو التقدّم.
اختتم أ. الأمير الندوة بأنّ ما يجعل المعلّم مُقبلًا، هو الإحساس بالشغف. ونأمل ألّا يصل أحد إلى الاحتراق الوظيفيّ، وخصوصًا المعلّم الذي يعمل مع أطفالنا، فإنْ دخل المعلّم مُحترقًا وظيفيًّا إلى الصفّ، فما الذي سينقله إلى الجيل الجديد؟



