نجلاء المحجوب- معلّمة مرحلة ابتدائيّة- تونس
نجلاء المحجوب- معلّمة مرحلة ابتدائيّة- تونس
2025/10/16

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟

الأزمات والحروب التي مرّ فيها عالمنا العربيّ دفعتني إلى التمسّك أكثر بالتعليم، باعتباره سفينة النجاة لعالمنا، إذ إنّ التعليم هو الوسيلة الأهمّ لتجذير القيم الإنسانيّة، وقيم التسامح والتضامن في الأزمات، وتعزيز روح التعاون. فهي قيمٌ أساس لترسيخ أسس التطوير والتقدّم في بلداننا.

 

ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟

أنا أتحدث عن واقع التعليم في تونس، وأتمنّى أن يُدرك الجميع أنّ مهنة التعليم مهنة شاقّة، وأنّ أجرها زهيد مقارنةً بالمجهود الكبير الذي يبذله المعلّم في نحت كيان مجتمع المستقبل. فالمعلّم، بمهمّته الحسّاسة والمصيريّة، هو قلب الأمّة النابض كما عبّر عن ذلك العلّامة ابن خلدون. وكلّما تحسّن وضع المعلّم المادّيّ، ازدادت راحته النفسيّة، وارتفعت جودة العمليّة التربويّة. كما أتمنّى أن يُدرك الجميع أهميّة السعي لتمهين المعلّم عبر تطوير قدراته المعرفيّة والعلميّة، وتمكينه من إتقان البيداغوجيّات ونظريّات التعلّم الحديثة التي تُسهم في تعزيز دافعيّة المتعلّم للتعلّم، وتُساعد على تحقيق أهداف التعليم بطرق ناجعة، لتصبح العمليّة التربويّة أكثر جودة وفاعليّة.

 

هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟

ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعلّم بالنسبة إليّ، ذلك أنّه الوثيقة التي يمتلكها المتعلّم، وأنا أساعدهم على فهمها وتملّك المعارف المطلوبة منهم من خلال استخدامها، خصوصًا في ظلّ غياب دعم الدولة لإدماج التكنولوجيّات الحديثة في التعلّم في تونس. لذلك، يبقى الكتاب المدرسيّ ضروريًّا إلى أن تتوفّر البدائل التفاعليّة.

 

هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟

نعم، تعرّضتُ إلى صعوباتٍ ومشاكل، وفكّرتُ في الاستقالة. لكنّ حبّي لمهنتي، ورغبتي في الإسهام في نحت كيان جيلٍ صالحٍ لمستقبل أمّتنا، إضافةً إلى صعوبة الحصول على عملٍ في تونس، كانت الأسباب التي تجعلني أتمسّك بمهنتي.

 

ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟

من المهمّ جدًّا تدريب المتعلّمين في هذا العصر على مهارات الحياة بمختلف أنواعها، ذلك أنّ هذا العصر يتّسم بالفردانيّة وحبّ الذات والأنويّة، وقلّ فيه التفكير في المصلحة الجماعيّة. لذا، أصبح ضروريًّا غرس مهارات المواطنة الفاعلة، ومهارات تقبّل الآخر، ومهارات إبداء الرأي، والمشاركة في الأعمال الجماعيّة. كما تبرز أهمّيّة المهارات التي تساعد المتعلّم على تطوير ذاته، مثل مهارة إدارة الذات، ومهارة التواصل مع الآخرين، ومهارة الصمود التي تمكّنه من التحكّم في الضغوطات وإرساء علاقات إيجابيّة مع رفاقه.

ومن المهارات المهمّة للانخراط في سوق العمل مستقبلًا: مهارات العمل الجماعيّ، كالتعاون والتفاوض واتّخاذ القرار. كذلك، تُعدّ مهارة التحكّم في التكنولوجيّات الحديثة من أبرز المهارات التي يجب تدريب المتعلّم على اكتسابها، إذ إنّ من لا يتقنها يُعدّ في عصرنا هذا أمّيًّا جديدًا.

 

ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟

في مادّة القراءة مثلًا، أستعمل طريقة بناء المشروع القرائيّ، إذ أقدّم إلى التلاميذ صورة أو مقطع فيديو يثير رغبتهم في الاستكشاف، ثمّ أطرح سؤالًا يثير حيرتهم حول استخدام طريقة العصف الذهنيّ، وأترك المجال للجميع لطرح تصوّراتهم والمشاركة في النقاش. بهذه الطريقة، تتكوّن لديهم الرغبة بقراءة النصّ واكتشاف التصوّر الصحيح.

أمّا في مادّتَي الرياضيّات أو الإيقاظ العلميّ، فأعتمد طريقة الوضعيّة المشكل، إذ أضع المتعلّمين أمام وضعية دالّة تنطلق من واقعهم المعيش، وتلامس اهتماماتهم، فينخرطون تلقائيًّا في البحث عن حلٍّ لها، ما يعزّز لديهم مهارات التفكير والتحليل وحلّ المشكلات.

 

هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟

نعم، ما زال تعبير ضبط الصفّ مناسبًا، لكنّ لم يعد يحمل المعنى نفسه الذي كان يُفهم به في الطرق التقليديّة للتعليم. فبتبنّي التصوّر الحداثيّ للتربية، والذي جعل المتعلّم محورَ العمليّة التربويّة، أصبح المعلّم حريصًا على توجيه المتعلّمين، لا فرض السلطة عليهم وقمعهم، وعلى تعويدهم الانضباط الذاتيّ وتربيتهم على الاختيار والحرّيّة. وكما أشارت ماريا مونتيسوري، فإنّ هذا يمثّل الهدف النهائيّ للتربية، إذ يصبح المتعلّم مستقلًّا ومسؤولًا عن تصرّفاته، وتجعله الحرّيّة يحترم القواعد المعلنة ويحترم حقوق الآخرين ومجالاتهم.

 

ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟

أضحك وأبتسم في المدرسة لأنّي أتعامل مع ذوات بريئة، أرغب بنشر الفرح والسرور في طريقهم. ذوات بحاجة إلى الإحساس بالحبّ والسعادة لكي تنسجم وتنخرط في التعلّم بطريقة سلسة وعفويّة. أنا سعيدة في عملي وفي النتائج التي أحقّقها معهم، حيث أعزّز انتماءهم إلى المدرسة، وأقوّي ثقتهم بأنفسهم، وأغرس فيهم حبّ الوطن والانتماء الحضاريّ، وأعزّز لديهم الأمل في مستقبل أفضل.

 

أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟

أعجبني مقال في "منهجيّات" يتناول منحى STEAM في التدريس، فهو نموذج حديث لم أكن أعرفه من قبل. هذا المنهج مهمّ جدًّا لأنّه يجعل التعلّم ممتعًا وذا معنى، ذلك أنّه يقوم على إدماج خمسة مجالات رئيسة، وبذلك يحقّق تعلّمًا تكامليًّا، ويعدّ المتعلّم لسوق العمل في المستقبل.

 

إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟

صُنّاع الأمل، ذلك أنّ واقعنا العربيّ مأساويّ، وأطفالنا يعانون الخوف من المستقبل، وأضحى حلم كلّ واحد منهم الهجرة إلى البلدان الغربيّة. نحتاج إلى صُنّاع أمل يغرسون في الطفل الانتماء والتضحية من أجل وطنه، ويعزّزون ثقته بأنّ وطنه سيكون في المستقبل أفضل بفضل تكاتف جهودهم.