المدارس بوصفها بيئة للاغتراب المجتمعيّ ونقص القيم المحلّيّة
المدارس بوصفها بيئة للاغتراب المجتمعيّ ونقص القيم المحلّيّة
محمّد جمال صالح محمّد | عضو هيئة تدريس بكليّة التربيّة بجامعة أسوان- مصر

في الماضي، سادت علاقة وثيقة مبنيّة على ثقة مطلقة بين المنزل والمدرسة، فكان الأهل يفوّضون المعلّم صلاحيّة كاملة في التربية والتعليم، ما رسّخ قدسيّة دورهما. اليوم، اختلف المشهد التعليميّ جذريًّا، فمفهوم "ضبط الصفّ" لم يعد بسيطًا، بل تحوّل إلى قضيّة معقّدة تعكس تحوّلات مجتمعيّة عميقة في القيم ومفاهيم الوالديّة. هذا المقال سيتناول هذه التحدّيات بتعمّق، ويقدّم مقترحات لمواجهتها بفاعليّة، مركّزًا على دور المدارس بوصفها مرآة للاغتراب المجتمعيّ وتراجع القيم المحلّيّة. 

 

المحور الأوّل: الوالديّة المتغيّرة وانعكاساتها على اغتراب الطالب ونقص القيم 

يسعى هذا المحور لتسليط الضوء على الارتباط الوثيق بين تحوّلات مفاهيم الوالديّة وسلوكيّات الأهل، وتأثيرها المباشر في شعور الطالب بالاغتراب وتراجع القيم لديه، وهو كما يأتي: 

  • - تغيّر أنماط التربية الأسريّة: أصبحت الأسر اليوم أكثر انشغالًا، وفي أحيان كثيرة، أقلّ قدرة على توفير الإشراف المباشر والتربية القيميّة المستمرّة لأبنائها. هذا الوضع يجعل الطلّاب يأتون إلى المدرسة بمستويات متفاوتة من الالتزام بالقواعد والسلوكيّات المقبولة، ما يضع عبئًا إضافيًّا على المعلّم. يجد هؤلاء الطلّاب صعوبة في التكيّف مع قواعد المدرسة، ويشعرون بالاغتراب عن البيئة التعليميّة التي تتطلّب منهم قيمًا مختلفة عن تلك التي اعتادوها. 
  • - زيادة حماية الأبناء والتدخّل في شؤون المدرسة: يميل العديد من الآباء اليوم إلى حماية أبنائهم بشكل مفرط، والتدخّل في أيّ مشكلة قد يواجهونها في المدرسة، حتّى لو كانت سلوكيّة. هذا التدخّل يقوّض سلطة المعلّم وجهوده في تعليم الطلّاب تحمّل المسؤوليّة، ويصعّب تطبيق التوجيهات التأديبيّة. هذه السلوكيّات تعزّز لدى الطلّاب غياب تقدير سلطة المعلّم وقيم الانضباط، ما يزيد من اغترابهم عن قيم الانضباط المدرسيّ. 
  • - توقّعات الأهل المختلفة من المدرسة: لم تعد توقّعات الأهل تقتصر على التحصيل الأكاديميّ، بل توسّعت لتشمل تطوير المهارات الاجتماعيّة والشخصيّة، وحتّى توفير الدعم النفسيّ للطلّاب. هذه التوقّعات المتزايدة تضع ضغطًا كبيرًا على المدرسة والمعلّمين، وتجعل المعلّم ليس فقط مسؤولًا عن تدريس المنهج، بل أيضًا مرشدًا نفسيًّا أو مستشارًا اجتماعيًّا. هذا يقلّل من دور الأسرة في غرس القيم الأساسيّة، ويدفع الطالب إلى الشعور بأنّ المدرسة هي الجهة الوحيدة التي توفّر له كلّ شيء، ما قد يسهم في انفصاله عن قيم الدعم الذاتيّ والمسؤوليّة الأسريّة. 
  • - التعرّض المفرط إلى المعلومات وشاشات العرض: يؤثّر التعرّض المبكّر والمفرط للشاشات والمعلومات غير المفلترة، في قدرة الأطفال على التركيز والتفاعل الاجتماعيّ وضبط الانفعالات. هذه التحدّيات تنعكس بوضوح في الفصول الدراسيّة، إذ يواجه المعلّمون طلّابًا يعانون تشتّت الانتباه وصعوبة في التواصل المباشر. هذا التعرّض المفرط يؤدّي إلى اغتراب الطالب عن الواقع الاجتماعيّ والتفاعلات البشريّة المباشرة، ويسهم في نقص قيم الصبر والتركيز والتواصل الفعّال، وهي قيم أساسيّة للتكيّف مع البيئة المدرسيّة والمجتمعيّة. 

 

المحور الثاني: المدارس مرآةً للاغتراب المجتمعيّ ونقص القيم المحلّيّة 

يسعى هذا المحور لتوضيح كيف تعكس المدارس أحيانًا قصور المجتمعات في إنتاج قيم ومفاهيم تتناسب مع بيئاتها؛ ما قد يؤدّي إلى شعور الطلّاب بالاغتراب داخل الصفوف، وهو كما يأتي: 

1. تأثير العولمة في الهويّة والقيم المحلّيّة: مع انفتاح المجتمعات على الثقافات العالميّة، قد يشعر الطلّاب والمعلّمون بنوع من الاغتراب عن القيم المحلّيّة الأصيلة. هذا الاغتراب يؤدّي إلى نقص في الالتزام بالقواعد الاجتماعيّة والتربويّة، ما يجعل إدارة الصفّ أكثر صعوبة. فالنفوذ الثقافيّ الوافد قد يتعارض مع المنظومة القيميّة للمجتمع، خالقًا تضاربًا في أذهان الطلّاب حول ما هو صحيح ومقبول، وينعكس ذلك على سلوكهم داخل الصفّ وخارجه، ويؤثّر في شعورهم بالانتماء إلى مجتمعهم وقيمهم. 

2. غياب نماذج الدور والقيم الموحّدة: في المجتمعات التي تعاني تفكّكًا اجتماعيًّا، أو غياب نماذج الدور الإيجابيّة، يجد الطلّاب صعوبة في فهم القيم التي تحكم سلوكهم وتطبيقها. يصبح المعلّم في هذه الحالة مربّيًا وموجّهًا للقيم، وهي مهمّة تتطلّب دعمًا مجتمعيًّا أوسع. عندما لا يجد الطالب نماذج إيجابيّة يحتذي بها في محيطه الأسريّ أو المجتمعيّ، يصبح دور المدرسة في غرس القيم أكثر أهمّيّة وتعقيدًا، ويزيد من شعور الطالب بالاغتراب، نتيجة لتذبذب القيم وغياب مرجعيّة واضحة يقتدي بها. 

3. التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وأثرها في سلوك الطلّاب: تؤثّر الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة الصعبة، مثل الفقر والبطالة وعدم الاستقرار الأسريّ، في سلوك الطلّاب وأدائهم الأكاديميّ بشكل مباشر. هذه التحدّيات تظهر في الصفّ على شكل سلوكيّات غير منضبطة، أو قلّة تركيز، أو مشكلات نفسيّة، ما يزيد من تعقيد مهمّة إدارة الصفّ. فالطالب الذي يعيش في بيئة غير مستقرّة، قد يأتي إلى المدرسة وهو يعاني ضغوطًا نفسيّة أو عاطفيّة، ما يؤثّر في قدرته على التعلّم والانضباط، ويسهم في شعوره بالاغتراب الاجتماعيّ، وتراجع قيم المثابرة والانضباط لديه. 

4. تآكل دور المدرسة في بناء الهويّة والانتماء: في ظلّ هذه التحدّيات، تقع على عاتق المدرسة مسؤوليّة أكبر في تعزيز الهويّة المحلّيّة والقيم الإيجابيّة، وتوفير بيئة يشعر فيها الطلّاب بالانتماء والأمان. يتطلّب هذا استراتيجيّات شاملة لإدارة الصفّ، لا تقتصر على الجانب السلوكيّ، بل تشمل الجوانب النفسيّة والاجتماعيّة. يجب أن تكون المدرسة مكانًا يعزّز فيه الطلّاب شعورهم بالانتماء إلى مجتمعهم وثقافتهم، وأن يشعروا بالأمان والدعم اللذين يسمحان لهم بالنموّ. عندما تفشل المدرسة في هذا الدور، يتفاقم شعور الطالب بالاغتراب وفقدان الهويّة، ما يؤثّر سلبًا في سلوكه وقيمه. 

 

المحور الثالث: تأثير العولمة وغياب النماذج في قيم الطالب  

هذا المحور يتوسّع في تأثير العولمة المباشر وغياب نماذج الدور الإيجابيّة، واللذين يعدّان عاملين رئيسين في شعور الطالب بالاغتراب وتراجع القيم لديه، وهو كما يأتي: 

  • - العولمة وتحدّي القيم الأصيلة: لم تعد المدارس بمنأى عن تأثيرات العولمة الثقافيّة. يتعرّض الطلّاب باستمرار إلى تيّارات فكريّة وقيميّة متنوّعة عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعيّ، والتي قد تتعارض أحيانًا مع القيم المحلّيّة والمبادئ التربويّة. هذا التضارب يُحدث ارتباكًا وقيمًا متضاربة لدى الطالب، ما يؤدّي إلى اغتراب فكريّ وقيميّ. يجد الطالب نفسه محاطًا بقيم تقليديّة ووافدة، وينعكس ذلك سلبًا على سلوكه العامّ، ومدى التزامه بقواعد المدرسة والمجتمع. 
  • - غياب القدوة وتآكل المرجعيّات: في خضمّ التحوّلات المجتمعيّة السريعة، يجد الطلّاب صعوبة في العثور على نماذج دور إيجابيّة مستقرّة، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع الأوسع. هذا الغياب يترك فراغًا في توجيه سلوكهم وتشكيل قيمهم. عندما لا يرى الطالب قيمًا مثل المسؤوليّة والصدق والاحترام والتعاون، مجسّدة في شخصيّات مؤثّرة حوله، فإنّه يميل إلى الاغتراب عن هذه القيم، ويصبح أكثر عرضة للتأثّر بالنماذج السلبيّة، أو الانجراف نحو سلوكيّات لا تتوافق مع المعايير الاجتماعيّة المقبولة. 
  • - تشتّت الهويّة والشعور بالانفصال: تتفاقم مشكلة الاغتراب بسبب تشتّت الهويّة، الناتج عن التعرّض المفرط إلى ثقافات متعدّدة، من دون وجود أساس قويّ للهويّة المحلّيّة. يشعر العديد من الطلّاب أنّهم لا ينتمون بشكل كامل إلى أيّ من هذه الثقافات، ما يخلق لديهم شعورًا بالانفصال عن مجتمعهم وقيمه. هذا الشعور يؤثّر في اندماجهم في البيئة المدرسيّة، ويقلّل من دافعيّتهم إلى المشاركة في الأنشطة التي تعزّز الانتماء، ويجعلهم أقلّ استجابة للتوجيهات التربويّة الهادفة إلى غرس القيم المحلّيّة. 

 

المحور الرابع: المدارس بوصفها بيئة حاضنة للتحدّيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة 

يستعرض هذا المحور كيف تعكس المدارس التحدّيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وكيف يمكن أن تؤدّي هذه التحدّيات إلى اغتراب الطلّاب ونقص القيم لديهم، وهو كما يأتي: 

  • - الفقر وعدم المساواة باعتبارها جذورًا للاغتراب: يعاني العديد من الطلّاب تحدّيات اقتصاديّة واجتماعيّة، تؤثّر مباشرة في سلوكهم وأدائهم الدراسيّ. يمكن أن يؤدّي الفقر، على سبيل المثال، إلى نقص في التغذية وضغوط نفسيّة، ما يؤثّر في قدرة الطالب على التركيز والانضباط. يشعر هؤلاء الطلّاب غالبًا بالاغتراب عن زملائهم ذوي الظروف الأفضل، ما يقلّل من اهتمامهم بالقيم التربويّة. 
  • - تفكّك الأسرة وأثره في الاستقرار القيميّ: يؤدّي عدم الاستقرار الأسريّ، مثل الانفصال أو غياب أحد الوالدين، دورًا كبيرًا في زعزعة الاستقرار النفسيّ والقيميّ للطلّاب. يأتي الطلّاب من بيئات أسريّة متفكّكة إلى المدرسة، وهم يحملون أعباء نفسيّة وعاطفيّة، ما يجعلهم أكثر عرضة إلى السلوكيّات غير المنضبطة. يسهم هذا الوضع في اغترابهم عن بيئة مدرسيّة تتطلّب الاستقرار، ويؤثّر سلبًا في قيم الالتزام والمسؤوليّة والانضباط لديهم. 
  • - المدرسة بوصفها ملجأ أو مصدرًا للضغط: قد تكون المدرسة الملاذ الوحيد لبعض الطلّاب من ظروف حياتيّة صعبة، لكنّها قد تتحوّل إلى مصدر إضافيّ للضغط، إذا لم تكن مجهّزة للتعامل مع احتياجاتهم الخاصّة. عندما لا يشعر الطالب بالدعم أو الفهم في المدرسة، يتفاقم لديه شعور الاغتراب، ما قد يؤدّي إلى سلوكيّات سلبيّة أو انسحاب. هذا يؤثّر في قدرتهم على استيعاب القيم المجتمعيّة، بحيث تصبح أولويّتهم التعامل مع ضغوطهم الشخصيّة. 

 

المحور الخامس: المدارس ودورها في بناء الهويّة وتعزيز الانتماء لمواجهة الاغتراب ونقص القيم 

يؤكّد هذا المحور على الدور المحوريّ للمدارس في تعزيز الهويّة المحلّيّة والقيم الإيجابيّة، وتقديم بيئة يشعر فيها الطلّاب بالانتماء والأمان، لمواجهة الاغتراب ونقص القيم. وهو كما يأتي: 

  • - تعزيز الهويّة الثقافيّة والانتماء: يجب أن تكون المدارس محورًا لتعزيز الهويّة المحلّيّة والقيم الأصيلة، وذلك بدمج الموروث الثقافيّ والتاريخيّ في المناهج والأنشطة. هذا الارتباط بالجذور يقلّل من شعور الطلّاب بالاغتراب، ويعزّز انتماءهم إلى مجتمعهم وقيمه، ما يقلّل من تأثيرات العولمة السلبيّة، ويعزّز ثقتهم بأنفسهم. 
  • - تنمية القيم الإيجابيّة بالممارسة: لا يقتصر دور المدرسة على تدريس القيم نظريًّا، بل يتعدّاه إلى توفير بيئة لتطبيقها عمليًّا. بالأنشطة الجماعيّة والمشاريع التعاونيّة، يتعلّم الطلّاب قيم المسؤوليّة والتعاون والاحترام والتعاطف. هذا النهج يدمج القيم في سلوكهم اليوميّ، ويقلّل من اغترابهم عن هذه المبادئ، ويزيد من تقديرهم لقيمة العمل الجماعيّ والمشاركة الفعّالة. 
  • - توفير بيئة آمنة وداعمة نفسيًّا واجتماعيًّا: لمواجهة تحدّيات الاغتراب والضغوط النفسيّة لدى الطلّاب، يجب على المدارس توفير نظام دعم نفسيّ واجتماعيّ فعّال. يتضمّن ذلك توفير مرشدين متخصّصين، وتدريب المعلّمين على اكتشاف علامات الضيق النفسيّ، وتوفير مساحات آمنة للتعبير. عندما يشعر الطالب بالأمان والدعم في المدرسة، يقلّ لديه شعور الاغتراب، ويزداد استعداده للانخراط في العمليّة التعليميّة وتلقّي القيم الإيجابيّة. 
  • - المعلّم نموذجًا وقدوة: للمعلّم دور حاسم في غرس القيم ومواجهة الاغتراب. يجب أن يكون المعلّمون قدوة حسنة لطلّابهم في سلوكهم والتزامهم بالقيم وتفاعلهم. ببناء علاقات إيجابيّة، يصبح المعلّم مرجعًا قيميًّا، يؤثّر بشكل كبير في تشكيل شخصيّة الطلّاب، وتعزيز انتمائهم للمدرسة والمجتمع، ما يتطلّب دعمًا وتدريبًا مستمرّين لهم. 

 

المحور السادس: مقاربات استراتيجيّة لمستقبل تعليميّ مستدام في مواجهة الاغتراب ونقص القيم 

يسعى هذا المحور لتقديم مقترحات عمليّة وفعّالة، لمعالجة تحدّيات الاغتراب ونقص القيم المحلّيّة في المدارس، وذلك بتبنّي مقاربة شاملة تتجاوز الحلول الجزئيّة. وهو كما يأتي: 

  • - توحيد الرؤى التربويّة بين المنزل والمدرسة: يجب إنشاء برامج وورش عمل منتظمة للأهل والمعلّمين، لتحديد التوقّعات المتبادلة وتوحيد المنهج التربويّ. هذا يقلّل من فجوة القيم، ويخفّف من شعور الطالب بالاغتراب عن القيم المزدوجة، معزّزًا الانسجام والتعاون. 
  • - تطوير قنوات تواصل مفتوحة: ينبغي تطوير قنوات اتّصال شفّافة بين الأسرة والمدرسة، تشمل اجتماعات دوريّة ومنصّات رقميّة وسياسات واضحة لمشاركة الأهل. هذا يعزّز قيمة الشفافيّة والمسؤوليّة المشتركة، ويجعل الأهل شريكًا فاعلًا في غرس القيم. 
  • - إشراك الأهل في صنع القرار: يتوجّب إشراك الأهل في القرارات المتعلّقة بالأنشطة المدرسيّة وسلوك الطلّاب، لتعزيز شعورهم بالمسؤوليّة المشتركة. هذا يسهم في بناء قيم الانتماء إلى المجتمع المدرسيّ، ويقلّل من شعور الطالب بأنّ المدرسة كيان منفصل عن حياته الأسريّة. 
  • - تدريب المعلّمين على غرس القيم ومواجهة الاغتراب: يجب توفير تدريب مستمرّ ومكثّف للمعلّمين على أحدث استراتيجيّات إدارة الصفّ، مع التركيز على كيفيّة غرس القيم، ومواجهة مظاهر الاغتراب الثقافيّ لدى الطلّاب. 
  • - دعم المعلّمين نفسيًّا ومهنيًّا: ينبغي دعم المعلّمين نفسيًّا واجتماعيًّا لمواجهة الضغوط المهنيّة، وتوفير آليّات للدعم والإرشاد التربويّ. المعلّم المستقرّ نفسيًّا يكون أكثر قدرة على نقل القيم الإيجابيّة، والتعامل مع حالات الاغتراب. 
  •  
  • - تطوير بيئات تعليميّة معزّزة للهويّة: يتطلّب الأمر تصميم مساحات صفّيّة مرنة، تشجّع على التعاون والتفاعل، وتكون معزّزة للهويّة المحلّيّة، وتشجّع على التفاعل الإيجابيّ الذي يقلّل من اغتراب الطالب. 
  • - توفير موارد تعليميّة متنوّعة ومعزّزة للقيم: يجب توفير موارد تعليميّة حديثة ومتنوّعة تواكب اهتمامات الطلّاب، مع التركيز على المحتوى الذي يعزّز القيم المحلّيّة والانتماء، ويحدّ من الاغتراب. 
  • - إنشاء نظام دعم نفسيّ واجتماعيّ داخل المدرسة: يلزم إنشاء نظام دعم نفسيّ واجتماعيّ فعّال داخل المدرسة، للتعامل مع المشكلات السلوكيّة والنفسيّة للطلّاب. هذا يقلّل من اغتراب الطلّاب، ويسهم في بناء قيم الدعم المتبادل والرعاية. 
  • - تحديث المناهج لتعزيز القيم والهويّة: تجب مراجعة المناهج التعليميّة وتحديثها، لتشمل القيم الأخلاقيّة ومهارات التفكير النقديّ والمسؤوليّة الاجتماعيّة، بما يتوافق مع الهويّة المحلّيّة والتحدّيات العالميّة، لضمان إسهام التعليم المباشر في مكافحة الاغتراب وتعزيز القيم. 
  • - تعزيز الشراكة مع المجتمع المدنيّ: ينبغي إشراك منظّمات المجتمع المدنيّ والقطاع الخاصّ في دعم الأنشطة التعليميّة، وتوفير الموارد للمدارس. هذا يعزّز قيمة الشراكة المجتمعيّة في مواجهة الاغتراب ونقص القيم، ويسهم في بناء جسور تعاون قويّة. 

 

*** 

في الختام، إنّ تحدّيات إدارة الصفّ في المجتمعات المعاصرة ليست مجرّد مشكلة تربويّة فرديّة للمعلّم، بل مؤشّر واضح على التحوّلات القيميّة والاجتماعيّة العميقة التي تعيشها هذه المجتمعات. المدارس، بصفتها بيئات اجتماعيّة مصغّرة، تعكس هذه التغيّرات بكلّ تفاصيلها، من تغيّر مفهوم سلطة المعلّم، إلى تحوّلات الوالديّة وتأثير العولمة. لذا، فهم هذه التحدّيات يتطلّب نظرة شاملة تتجاوز أسوار المدرسة، لتشمل الجوانب الاجتماعيّة والثقافيّة والقيميّة. بتبنّي مقاربات استراتيجيّة شاملة تركّز على تعزيز الشراكة بين المنزل والمدرسة، وتطوير قدرات المعلّمين، وتحسين البيئات التعليميّة، وصياغة سياسات داعمة، يمكننا بناء مستقبل تعليميّ مستدام، قادر على التكيّف مع متطلّبات العصر، وتنشئة أجيال قادرة على بناء مجتمعات أفضل، أقلّ اغترابًا وأكثر تمسّكًا بقيمها الأصيلة.