الأعمال المنزليّة جزء من الحياة اليوميّة لكلّ أسرة، وقد تتفاجأ أنّ مسألة ما إذا كان ينبغي مشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة أم لا، لطالما أثارت الكثير من الجدل. فمن ناحية، يمكن أن يغرس تكليف الأطفال بالأعمال المنزليّة شعورًا بالمسؤوليّة، ويعلّمهم مهارات الحياة الأساسيّة. ولكن من ناحية أخرى، يزعم البعض أنّ الأعمال المنزليّة قد تنتقص من الأنشطة القيّمة الأخرى، مثل الدراسة الأكاديميّة أو الأنشطة اللامنهجيّة، أو حتّى وقت اللعب الضروريّ في مرحلة الطفولة. إنّ فهم مزايا إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة وعيوبه يمكن أن يساعد الأهل في إيجاد توازن صحّيّ بين المسؤوليّة واللعب.
إيجابيّات إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة
هناك حجّة قويّة لصالح مشاركة الأطفال في الأعمال المنزليّة، مدعومة بالبحث النفسيّ والأدلّة القصصيّة. تمتدّ الفوائد إلى ما هو أبعد من الحفاظ على المنزل مرتّبًا؛ فمشاركة الطفل تسهم في تطوّره الاجتماعيّ والعاطفيّ والإدراكيّ بطرق ذات مغزى.
الأعمال المنزليّة تبني المسؤوليّة والاستقلاليّة
واحدة من الفوائد الأكثر شيوعًا للأعمال المنزليّة أنّها تعلّم الأطفال المسؤوليّة. عندما يُعهد إلى الأطفال بمهامّ مثل غسل الأطباق أو طيّ الملابس أو تنظيف غرفهم، فإنّهم يتعلّمون تحمّل مسؤوليّة مساحاتهم وأغراضهم الشخصيّة في المنزل، وتتوسّع مع الوقت لتشمل تحمّل مسؤوليّات ما هو أكبر من مجرّد المستوى الشخصيّ. فغالبًا ما ينتقل هذا الشعور بالمسؤوليّة إلى جوانب أخرى من الحياة، مثل العمل المدرسيّ والعلاقات الشخصيّة.
وإذا تعلّم الطفل أن يُتمّ المهامّ المطلوبة منه بشكل منفرد، فهو بذلك يطوّر أيضًا شعورًا بالاستقلاليّة. ومعرفة أنّه قادر على إنجاز شيء ما، من دون إشراف مستمرّ يبني الثقة والاعتماد على الذات، وهي المهارات التي تعدّ ضروريّة للتعامل مع مرحلة البلوغ.
تعزّز الأعمال المنزليّة العمل الجماعيّ ووحدة الأسرة
عندما يشارك الأطفال في الأعمال المنزليّة، فإنّهم يختبرون بشكل مباشر ما يعنيه الإسهام في تحقيق هدف مشترك على مستوى الأسرة. فعندما تعمل الأسرة فريقًا واحدًا، بحيث تشرك الأطفال في إتمام بعض المهامّ لصيانة المنزل وتنظيمه. سيساعدهم ذلك في فهم قيمة التعاون والعمل الجماعيّ. يمكن للأعمال المنزليّة أن تعزّز الشعور بالانتماء والوحدة داخل الأسرة، إذ يدرك الطفل أنّ له دورًا مهمًّا في المحافظة على سير أمور المنزل بصورة جيّدة.
على سبيل المثال، يرى الطفل الذي يساعد في إعداد طاولة العشاء أو إخراج القمامة، أنّ جهده له تأثير مباشر في راحة الأسرة وسعادتها. يمكن أن يخلق هذا شعورًا بالفخر، وبالتالي يعزّز السلوك الإيجابيّ.
الأعمال المنزليّة تعلّم مهارات الحياة
المهامّ المنزليّة مثل الطبخ والتنظيف والترتيب مهارات أساسيّة، يحتاج إليها الجميع في مرحلة ما من الحياة. لذلك فإنّ تعلّم الطفل المهامّ المنزليّة في وقت مبكّر، يزوّده بالمعرفة العمليّة التي سيحتاج إليها لإدارة منزله في المستقبل.
يمكن أن يعلّم طهو العشاء مع أحد الوالدين مهارات الطهو الأساسيّة، في حين أنّ تخصيص ميزانيّة شهريّة لشراء حاجيّات المنزل الأساسيّة، يمكن أن يقدّم معرفة في الإدارة الماليّة. مع تقدّم الأطفال في السنّ، يمكن للأعمال المنزليّة الأكثر تعقيدًا، مثل التسوّق أو العمل في الفناء، أن تعدّهم لمسؤوليّات الكبار.
الأعمال المنزليّة تنمّي أخلاقيّات العمل القويّة
تساعد مشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة في غرس أخلاقيّات العمل القويّة لدى الطفل، لأنّه سيتعلّم أنّ الجهد المبذول في مكانه الصحيح لا بدّ وأن يؤدّي إلى نتائج. فقد يتعلّم الطفل الذي يرتّب سريره بانتظام، أو يرتّب منطقة اللعب الخاصّة به، قيمة المثابرة والاستمراريّة. بمرور الوقت، يمكن أن تترجم هذه العقليّة إلى نجاح في المدرسة والعمل والمساعي الأخرى.
أشارت دراسة أجراها مارتي روسمان، الباحث في جامعة مينيسوتا، أنّ الأطفال الذين كُلّفوا بأعمال منزليّة في وقت مبكّر من حياتهم، كانوا أكثر قدرة على النجاح في حياتهم المهنيّة، وإقامة علاقات قويّة، بل وكانوا أكثر اكتفاءً ذاتيًّا عندما أصبحوا بالغين.
يمكن أن تعزّز الأعمال المنزليّة مهارات إدارة الوقت
عندما يُطلب من الأطفال إكمال الأعمال المنزليّة جنبًا إلى جنب مع التزامات أخرى، مثل الواجبات المدرسيّة أو ممارسة الرياضة أو تعلّم مهارة ما، فإنّهم يتعلّمون كيفيّة إدارة وقتهم بشكل فعّال. هذه المهارة مهمّة بشكل خاصّ مع تقدّم الأطفال في السنّ، ومواجهتهم لجداول زمنيّة متزايدة الصعوبة، إن كان في مرحلة الجامعة أو في العمل.
وفي هذا، على الوالدين الانتباه إلى عدم إرهاق الطفل إلى الحدّ الذي يجعله غير قادر على التركيز في أيّ من مهامّ يومه. فتكليف الأطفال بالأعمال المنزليّة المناسبة لعمرهم، مع مراعاة جدول مهامّهم الأخرى، سيساعدهم في موازنة مسؤوليّاتهم مع ترك الوقت للراحة والاستجمام.
سلبيّات محتملة لمشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة
على الرغم من وجود العديد من المزايا لإشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة، فمن المهمّ أن ندرك أنّ هناك أيضًا جوانب سلبيّة محتملة. لا تعني هذه العيوب بالضرورة منع الأطفال من القيام بالأعمال المنزليّة، لكنّها تسلّط الضوء على المجالات التي تتطلّب دراسة متأنّية وتوازنًا.
قد تسبّب الأعمال المنزليّة التوتّر أو الإرهاق
إذا كُلّف الأطفال بالعديد من الأعمال المنزليّة أو المهامّ التي تتجاوز قدراتهم التنمويّة، فقد يشعرون بالتوتّر أو الإرهاق. على سبيل المثال، قد تكون مطالبة طفل صغير بتنظيف منطقة كبيرة ومكدّسة من دون إشراف، أمرًا شاقًّا ويؤدّي إلى الإحباط والإرهاق.
من الضروريّ أن يراعي الأهل المهامّ المناسبة للعمر وتقديم المساعدة عند الحاجة، وإلّا فستبدو الأعمال المنزليّة وكأنّها عبء أكثر من كونها فرصة للتعلّم.
قد تخلق الأعمال المنزليّة صراعًا
قد تؤدّي الأعمال المنزليّة أحيانًا إلى التوتّر بين الوالدين والأطفال. قد يقاوم الأطفال القيام بالأعمال المنزليّة، ما يؤدّي إلى الخلافات، ويعود ذلك إلى أنّ الأعمال المنزليّة تؤطّر باعتبارها عقوبات بدلًا من كونها إسهامًا إيجابيًّا، وبالتالي ربطها الطفل بالسلبيّة بدلًا من المسؤوليّة.
لتخفيف هذا الصراع، يمكن للوالدين التعامل مع الأعمال المنزليّة بشكل تعاونيّ، عن طريق تقديم تفسيرات حول أهمّيّتها، وإشراك الأطفال في اختيار المهامّ التي تتوافق مع تفضيلاتهم أو نقاط قوّتهم.
خطر السلامة الشخصيّة
قد يشكّل تكليف الأطفال بمهامّ مثل الطبخ أو المهامّ المتعلّقة بالنار أو رفع الأشياء الثقيلة خطرًا على سلامتهم، إذا لم يعلّمهم الأهل التقنيّات المناسبة ويراقبوهم عن كثب أثناء قيامهم بها لأوّل مرّة، أو إن كُلّفوا بمهامّ تتجاوز قدراتهم البدنيّة. على سبيل المثال، قد يفتقر الأطفال الأصغر سنًّا إلى الوعي الكافي اللازم للتعامل مع الأسطح الساخنة أو الأدوات الحادّة بأمان، ما يزيد من خطر الحروق أو الجروح. وبالمثل، فإنّ رفع الأشياء الثقيلة من دون توجيه مناسب يمكن أن يجهد عضلاتهم المتنامية أو يؤذي ظهورهم. للتخفيف من هذه الأخطار، من الضروريّ تكليف الأطفال بمهامّ مناسبة للعمر، وتقديم تعليمات واضحة، والإشراف عن كثب أثناء تأديتهم الأنشطة التي قد تنطوي على أخطار محتملة. ومن الضروريّ أيضًا تعليم الأطفال تدابير السلامة، مثل استخدام قفّازات الفرن، ورفع الأشياء الثقيلة بركبهم بدلًا من ظهورهم، والحذر من اللهب المكشوف وغيرها.
قد تتداخل الأعمال المنزليّة مع أولويّات أخرى
غالبًا ما يكون أحد المخاوف التي تنتاب الأهل أنّ الأعمال المنزليّة قد تستغرق وقتًا بعيدًا عن الأنشطة المهمّة الأخرى، مثل العمل المدرسيّ أو الهوايات أو الاسترخاء. قد يجد الطفل الذي لديه جدول زمنيّ مزدحم، صعوبة في موازنة الأعمال المنزليّة مع المسؤوليّات الأكاديميّة واللامنهجيّة.
لذلك، ولتجنّب إرهاق الأطفال، من المهمّ أن ينتبه الأهل إلى مقدار ما يُطلب منهم. يمكن أن يساعد تحديد المهامّ الواقعيّة والحفاظ على المرونة في ضمان عدم تقاطع الأعمال المنزليّة أو تأثيرها في الأولويّات الأخرى.
خطر التوزيع غير المتكافئ
في بعض الأسر، قد تُوزّع الأعمال المنزليّة بشكل غير متساوٍ، فيتحمّل بعض الأطفال عبئًا أكبر من غيرهم. قد يؤدّي هذا إلى الاستياء، وخصوصًا إذا كان تقسيم العمل غير عادل أو قائم على أدوار جنسيّة عفا عليها الزمن.
ولمنع ذلك، على الأهل أن يهدفوا إلى تحقيق المساواة في تعيين المهامّ، والتأكّد من أنّ جميع الأطفال يسهمون بطرق مناسبة لأعمارهم وقدراتهم.
***
قرار إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة في النهاية قرار شخصيّ، ويؤخذ بناءً على القيم والروتين والظروف الخاصّة بكلّ أسرة. ففي حين أنّ هناك فوائد لا يمكن إنكارها - مثل تعليم المسؤوليّة وتعزيز العمل الجماعيّ وتطوير مهارات الحياة - فمن المهمّ التعامل مع الأعمال المنزليّة بطريقة عادلة ومناسبة للعمر، ومتوازنة مع الأولويّات الأخرى.
https://raisingchildren.net.au/preschoolers/family-life/routines-rituals-rules/chores-for-children#:~:text=Doing%20chores%20helps%20children%20learn,%2C%20cleaning%2C%20organising%20and%20gardening.
https://www.gohenry.com/uk/blog/chores/what-are-the-pros-and-cons-of-giving-kids-chores
https://playmatters.org.au/blog/9-reasons-to-involve-children-in-household-chores