ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟
غيّرت الحروب والأزمات في العالم العربيّ نظرتي إلى التعليم بشكل جذريّ، فلم يعد مجرّد عمليّة تربويّة تحدث داخل جدران الفصل، بل أصبح أحد أعمدة البنية الاجتماعيّة، وأداة رئيسيّة في الحفاظ على تماسك المجتمع وهويّته في وجه التفكّك والانهيار. أصبحت أنظر إلى التعليم بوصفه مجالًا لبناء رأس مال اجتماعيّ جديد، يُعزّز قيم التعاون والتعدّديّة والمواطنة، ويُرمّم ما تهشّم من الروابط الأسريّة والمجتمعيّة. فهو لا يُنتج فقط أفرادًا متعلّمين، بل يسهم في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وبين الفرد ومحيطه.
ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟
ما أتمنّى أن يعرفه صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم، أنّ معاناتنا لا تتوقّف عند نقص الوسائل أو كثرة الأعباء، بل تمتدّ إلى شعور عميق بالتهميش وغياب التقدير. نُطالب بالعطاء المستمرّ في ظروف تفتقر لأبسط مقوّمات الدعم المهنيّ والنفسيّ، وكأنّنا أدوات لا يُرهقها التعب. لو أدركوا أنّ الاستثمار في كرامة المعلّم وراحته استثمار مباشر في جودة التعليم، لكان وقع السياسات التعليميّة مختلفًا تمامًا، لأنّ المعلّم حين يُقدَّر، يُبدع ويُلهم.
هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟
أرى أنّ الكتاب المدرسيّ لم يعد المصدر الأساسيّ الوحيد في الصفّ، بل أصبح مجرّد وسيلة من بين وسائل متعدّدة يمكن توظيفها لدعم العمليّة التعليميّة. لا أنكر أهمّيّته باعتباره مرجعًا منظّمًا وموجّهًا، لكنّه لا يجب أن يُعامل بوصفه مرجعيّة مُطلقة، خصوصًا في ظلّ التحدّيات الفكريّة والتكنولوجيّة التي يواجهها المتعلّمون اليوم. العالم تغيّر، ومصادر المعرفة أصبحت أكثر تنوّعًا وتفاعليّة، لذا أحرص على دمج الوسائط الرقميّة والأنشطة التطبيقيّة إلى جانب الكتاب المدرسيّ، لجعل التعلّم أكثر واقعيّة ومرونة، وأكثر تجاوبًا مع حاجات المتعلّمين المتجدّدة.
هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟
نعم، راودتني فكرة الاستقالة أكثر من مرّة، لا سيّما في لحظات الإحباط والضغط الشديدَين. ومع ذلك، ما جعلني أتمسّك بالبقاء أنّني لا أرى نفسي في مهنة أخرى غير التعليم، فهو أكثر من مجرّد عمل، إنّه جزء من هويّتي ورسالة أؤمن بها.
ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟
في عصر الذكاء الاصطناعيّ، لم يعد حفظ المعلومات كافيًا، بل أصبح من الضروريّ تدريب المتعلّمين على مهارات مثل التفكير النقديّ، والتعلّم الذاتيّ، والمرونة في مواجهة التغيّرات السريعة. كما تزداد أهمّيّة الذكاء العاطفيّ، والعمل الجماعيّ، وفهمّ أساسيّات البرمجة، إلى جانب ترسيخ الوعي بالأخلاقيّات الرقميّة. فهذه المهارات تمكّن المتعلّم من التفاعل الواعي مع التكنولوجيا، وتؤهّله ليكون فاعلًا ومسؤولًا في عالم متسارع تقوده الخوارزميّات.
ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟
من أهمّ استراتيجيّاتي في شدّ انتباه المتعلّمين أن أبدأ الدرس بسؤال يحفّز تفكيرهم، أو بموقف قريب من حياتهم اليوميّة. هذا يجعلهم يشعرون أنّ ما سيتعلّمونه ذو معنى ويتّصل بعالمهم، وليس مجرّد معلومات نظريّة. أحيانًا أبدأ بحكاية قصيرة، أو بموقف حدث في القسم، أو حتّى بسؤال بسيط مثل: "هل سبق وأن…؟"، وهذا يكسر الجدار بينهم وبين الدرس، ويجعلهم يدخلون في جوّ التعلّم من دون أن يشعروا.
هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟
برأيي، تعبير "ضبط الصفّ" لم يعد مناسبًا بالمعنى التقليديّ القديم. اليوم، يحتاج التعليم إلى بناء علاقة ثقة واحترام بين المعلّم والمتعلّم، وليس مجرّد فرض السيطرة أو الانضباط بالقوّة. ضبط الصفّ يجب أن يتحوّل إلى "تنظيم بيئة تعلّم إيجابيّة"، ليشعر المتعلّمون بالأمان والدعم، ما يعزّز تركيزهم واستعدادهم للتعلّم بشكل أفضل.
ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟
ما يجعلني أضحك في المدرسة، بالرغم من كلّ الضغوط، تلك اللحظات العفويّة التي لا يمكن التنبّؤ بها: تلميذ ينطق كلمة بطريقة مضحكة، أو يقدّم إجابة بعيدة تمامًا عن السؤال لكنّها تُقال بكلّ ثقة. أحيانًا أضحك لأنّني لو لم أفعل، قد أنفجر من الضغط. الضحك في المدرسة ليس فقط ردّ فعل، بل وسيلتي للبقاء واقفًا وسط كلّ ما نعيشه من تحدّيات يوميّة.
أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟
من أكثر المقالات التربويّة التي أعجبتني مقال "التغذية الراجعة البنائيّة: صوت المتعلّم في تطوير تعلّمه" للدكتورة شذى حمدان، لأنّه جمع بين الرؤية النظريّة والتطبيق العمليّ، وركّز على دور المتعلّم في تقييم ذاته وبناء معاييره الخاصّة. أعجبني كيف قدّمت الكاتبة تجربة صفّيّة حقيقيّة، تعزّز التفكير النقديّ والاستقلاليّة لدى المتعلّمين، ما يجعل التغذية الراجعة أداة لتحسين التعلّم الذاتيّ، وليس فقط وسيلة للتقويم.
إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟
إذا كتبتُ يومًا كتابًا عن تجربتي في التعليم، سأعنونه بـ "أبقى لأجلهم"، لأنّ هذا العنوان يلخّص السبب الحقيقيّ الذي يجعلني أواصل، برغم الضغوط والتعب. مررت بلحظات فكّرت فيها بترك المهنة، لكنّ نظرات بعض المتعلّمين وأسئلتهم، وفرحتهم حين يفهمون شيئًا صعبًا، كانت دائمًا سببًا كافيًا للبقاء. الكتاب سيكون عن تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يراها أحد، لكنّها تصنع كلّ الفرق.


