تُعدّ تربية الأبناء واحدة من أكثر الرحلات متعةً في الحياة، ومن بين أكثرها تحدّيًا أيضًا. يسعى كلّ والدَين لتنشئة أطفال سعداء وناجحين ومسؤولين، ومع ذلك تبقى الأخطاء جزءًا لا مفرّ منه في هذا المسار. من الضروريّ أن نُدرك أنّه ليس هناك آباء وأمّهات مثاليّون، لكن ثمّة أخطاء شائعة قد تترك أثرًا سلبيًّا في النمو العاطفيّ والاجتماعيّ والإدراكيّ لدى الطفل. والخبر السارّ أنّه يمكن للوالدَين، بالتعرّف إلى هذه الأخطاء وتعلّم سبل تجنّبها، أن يوفّرا بيئة داعمة تُعزّز نموّ أطفالهم، وتمنحهم الثقة والمرونة في مواجهة الحياة. في هذا المقال، نستعرض أبرز هذه الأخطاء، ونقترح خطوات عمليّة لتجاوزها.
الإفراط في الحماية
إنّ رغبة الوالدَين في إبقاء فلذات أكبادهم سعداء وآمنين قد تدفعهم – بشكل غريزيّ – إلى التدخّل المستمرّ في حياتهم لتكون أسهل. وهذا ما يجعل الأمّ والأب أشبه بطائرة مروحيّة تحوم حول الأبناء طوال الوقت، وتتدخّل في شؤون حياتهم صعودًا وهبوطًا، ومن هنا جاء المصطلح الذي يُطلق على هذا النوع من الأهل: " الأهل الهليكوبتر".
الخطأ:
يتمتّع الكثير من الأهل بغريزة طبيعيّة لحماية أطفالهم من الأذى وخيبة الأمل والفشل. ومع ذلك، فالإفراط في الحماية يمكن أن يمنع الأطفال من تطوير الاستقلال ومهارات حلّ المشكلات والمرونة.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - اسمح لطفلك بالمخاطرة بما يتناسب مع عمره، مثل السماح له بتجربة أنشطة جديدة، أو اتّخاذ القرارات، أو التعامل مع النزاعات بمفرده.
- - شجّع لدى طفلك القدرة على حلّ المشكلات، بطرح أسئلة مثل: "ماذا تعتقد أنّه يجب عليك فعله في هذا الموقف؟" بدلًا من تقديم الحلول الفوريّة.
- - دع طفلك يختبر الإخفاقات الصغيرة، مثل خسارة اللعبة أو ارتكاب خطأ في الواجبات المنزليّة، لمساعدته في التعلّم من التحدّيات وبناء المرونة.
الانضباط غير المتّسق أو المتقطّع
الخطأ:
يتعامل بعض الأهل بصرامة في أحد الأيّام، ثمّ يتساهلون في اليوم التالي، ما يؤدّي إلى إرباك الطفل بشأن القواعد والتوقّعات. وقد يمارس آخرون الانضباط بشكل غير متّسق بين الأشقّاء، ما يجعل أحد الأطفال يشعر بأنّه يُعامَل بشكل غير عادل.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - ضع قواعد واضحة ومتّسقة تنطبق في جميع الأوقات، وعلى جميع الأطفال في الأسرة.
- - اتّبع العواقب في كلّ مرّة، سواء كانت العواقب في فقدان الامتيازات، أو مناقشة حول السلوك.
- - تجنّب التهديدات الفارغة مثل: "إذا لم تتوقّف، فلن آخذك إلى الحديقة مرّة أخرى". بدلًا من ذلك، استخدم عواقب واقعيّة مثل: "إذا لم تشارك، فسوف نأخذ استراحة من اللعب حتّى تصبح مستعدًّا".
تحميل الأطفال مسؤوليّة التوقّعات المبالغ فيها
الخطأ:
يضع الكثير من الأهل، من دون وعي منهم، ضغوطًا مفرطة على أطفالهم للتفوّق في الدراسة أو الرياضة أو الأنشطة اللامنهجيّة. وفي حين أنّ التوقّعات العالية أمر جيّد، إلّا أنّ الضغط الزائد قد يؤدّي إلى التوتّر والقلق والإرهاق.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - ركّز على الجهد بدلًا من النتائج. امدح طفلك على العمل الجادّ، وليس فقط على الفوز أو الحصول على أعلى الدرجات.
- - شجّع الأنشطة التي يستمتع بها طفلك، بدلًا من دفعه إلى أشياء لا يحبّها فقط لأنّك ترى أنّ عليه القيام بها.
- - امنح طفلك وقت فراغ للعب غير المنظّم، لتحقيق التوازن بين التعلّم والاسترخاء.
عدم وضع الحدود
الخطأ:
يتجنّب بعض الأهل وضع حدود صارمة لأنّهم لا يريدون إزعاج طفلهم، أو أن ينظر إليهم على أنّهم "صارمون للغاية". ومع ذلك، ستتفاجأ أنّ الأطفال يفضّلون حياة منضبطة، ويحتاجون إلى إرشادات واضحة ليشعروا بالأمان.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - ضع قواعد صارمة، ولكن عادلة، للسلوك ووقت الشاشة ووقت النوم والمسؤوليّات.
- - استخدم الانضباط اللطيف، مثل العواقب المنطقيّة، بدلًا من العقوبات القاسية.
- - علّم طفلك سبب وجود القواعد. فبدلًا من أن تقول: "لأنّني قلت ذلك"، اشرح له بالقول: "نحن نحدّ من وقت الشاشة، لأنّ إمضاء الوقت الكثير أمامها يمكن أن يؤثّر في نومك وصحّتك".
عدم الاستماع إلى طفلك
الخطأ:
غالبًا ما يتجاهل الآباء والأمّهات مشاعر أو آراء طفلهم من دون أن يدركوا ذلك. فقول "أنت بخير، توقّف عن البكاء"، أو "هذا ليس بالأمر الكبير"، يمكن أن يجعل الطفل يشعر أنّه ليس هناك من يسمعه، وبالتالي يشعر بالإحباط.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - مارس الاستماع النشط بالحفاظ على التواصل البصريّ والإيماء والاستجابة بالتعاطف.
- - اعترف بمشاعر طفلك، حتّى ولو لم توافق. بدلًا من أن تقول: "من السخافة أن تشعر بالخوف"، قل: "أتفهّم أنّ الظلام مخيف. ماذا يمكننا أن نفعل لنجعلك تشعر بالأمان؟".
- - شجّع التواصل المفتوح، حتّى يشعر طفلك بالراحة في مشاركة أفكاره من دون خوف من الحكم.
مقارنة طفلك بالآخرين
الخطأ:
من الشائع أن يقارن الآباء والأمّهات أطفالهم بالإخوة أو الأصدقاء أو زملاء الدراسة، بقول أشياء مثل: "لماذا لا يمكنك أن تكون أكثر شبهًا بأخيك؟" أو "صديقك يقرأ بالفعل، فلماذا لا تقرأ أنت؟".هذه واحدة من أكثر السلوكيّات التي من شأنها أن تُفقد الطفل احترامه لذاته وثقته بنفسه.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - أدرك أنّ كلّ طفل يتطوّر بوتيرته الخاصّة، ولديه نقاط قوّة فريدة.
- - احتفل بإنجازات طفلك الفرديّة، بدلًا من مقارنتها بإنجازات الآخرين.
- - ركّز على التقدّم بدلًا من الكمال. شجّع طفلك على التحسّن بناءً على أدائه السابق.
استخدام العقاب القاسي بدلًا من التأديب الإيجابيّ
الخطأ:
قد يؤدّي الصراخ أو الضرب أو استخدام العقوبات المفرطة إلى إيقاف السلوك السيّئ مؤقّتًا، ولكنّه قد يؤدّي إلى خلق مشاعر الخوف والاستياء، ومشاكل سلوكيّة طويلة الأمد.
كيفيّة تجنّب ذلك:
-
استخدم تقنيّات التأديب الإيجابيّة، مثل تحديد التوقّعات الواضحة، وتقديم الخيارات، واستخدام فترات الاستراحة للتفكير.
-
علّم طفلك العواقب بدلًا من العقاب. مثل أن تقول: "إذا نسيت القيام بواجبك المنزليّ، فسيتعيّن عليك تعويض الوقت لاحقًا"، بدلًا من معاقبته فقط.
-
كُن قدوة في التواصل الهادئ والمحترم، حتّى يتعلّم طفلك كيفيّة التعامل مع النزاعات بطريقة صحّيّة.
إهمال الآباء والأمّهات للرعاية الذاتيّة
الخطأ:
يركّز العديد من الآباء والأمّهات كثيرًا على أطفالهم، لدرجة أنّهم يهملون رفاهيّتهم الخاصّة. يمكن أن يؤدّي هذا إلى التوتّر والإرهاق، ما يؤثّر في جودة الأبوّة والأمومة والتربية.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - ضع رعاية الذات ضمن أولويّاتك، بتخصيص وقت للاسترخاء والهوايات والنموّ الشخصيّ.
- - اطلب المساعدة عند الحاجة إليها، سواء من شريك أو صديق أو من الأهل.
- - تذكّر أنّ الاعتناء بنفسك يشكّل قدوة لطفلك حول كيفيّة الحفاظ على حياة متوازنة وصحّيّة.
عدم تشجيع الاستقلال
الخطأ:
قد يبدو القيام بكلّ شيء لطفلك وسيلة لإظهار الحبّ، لكنّه قد يمنعه من تطوير الاستقلال ومهارات الحياة.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - اسمح لطفلك بأداء المهامّ المناسبة لعمره بمفرده، مثل ارتداء الملابس، أو التنظيف، أو اتّخاذ قرارات بسيطة.
- - شجّع حلّ المشكلات بطرح السؤال مثل: "ماذا تعتقد أنّه يجب عليك فعله؟" بدلًا من تقديم حلول فوريّة.
- - علّم طفلك المسؤوليّة بتكليفه بمهامّ صغيرة، ومساعدته في أن يشعر بالقدرة والثقة.
تجاهُل التطوّر العاطفيّ
الخطأ:
يركّز بعض الآباء فقط على الدراسة والانضباط، متجاهلين تنمية الذكاء العاطفيّ لدى أطفالهم. قد يواجه الأطفال الذين لا يتعلّمون كيفيّة إدارة مشاعرهم صعوبات في بناء العلاقات، والتعامل مع التوتّر، واتّخاذ القرارات أثناء مراحل نموّهم وتطوّرهم.
كيفيّة تجنّب ذلك:
- - علّم طفلك كيف يحدّد مشاعره، ويعبّر عنها بطرق صحّيّة.
- - استخدم التدريب العاطفيّ بقول: "أرى أنّك تشعر بالإحباط. دعنا نتحدّث عن ذلك".
- - ساعده في تنمية التعاطف بمناقشة كيف يمكن أن يشعر الآخرون في مواقف مختلفة.
***
تربية الأبناء تجربة تعليميّة تستمرّ مدى الحياة، والأخطاء جزء طبيعيّ من الرحلة. لكنّ المفتاح هو التعرّف إلى الأخطاء الشائعة، وإجراء تعديلات بسيطة تُحدث فرقًا في الطريقة التي نوجّه بها أطفالنا.
وتذكّر، لا يوجد أهل مثاليّون، وهذا أمر طبيعيّ. الأهمّ هو الاستمرار في التعلّم والتكيّف، وإظهار حبّك ودعمك وتقديرك لطفلك في كلّ الظروف.
المراجع
https://childrencentral.net/parenting-mistakes/
https://www.shichida.com.au/blog/5-common-parenting-mistakes/