في قلب المأساة الممتدّة في غزّة، وبين أصوات القصف والنزوح، لم يكن التعليم مجرّد عمليّة معرفيّة، بل تحوّل إلى فعل مقاومة يوميّ، وإعلان تمسّك بالحياة والكرامة. وسط هذا المشهد، برز الأهالي بدور استثنائيّ ومُلهم في دعم مبادرات التعليم والتعلّم؛ فكانوا الشريك الحقيقيّ للمعلّمين والمبادرين، والدرع الأوّل لحماية حقّ أبنائهم في المعرفة. لم يكتفِ الأهالي بإرسال أطفالهم إلى الخيام التعليميّة، بل أسهموا بجهدهم ووقتهم ومواردهم البسيطة في تثبيت هذا الحقّ، ليصبح التعليم مساحة أمل في وسط العتمة.
ترحيب الأهالي بالمبادرات وحضورهم الجلسات التعليميّة
استقبل الأهالي في غزّة المبادرات التعليميّة بترحيب كبير، رغم ظروفهم القاسية وفقدانهم للاستقرار والأمان. كانوا يدفعون أبناءهم يوميًّا نحو الخيام التعليميّة، ويرافقهم في كثير من الأحيان، ويلتقون بالمعلّمين المبادرين ليطمئنّوا على سير الجلسات. بعض الآباء والأمّهات جلسوا إلى جانب أطفالهم في الأنشطة، فكان وجودهم رسالة دعم قويّة تعزّز دافعيّة الأطفال، وتُشعر المعلّمين بأنّ جهودهم ليست وحدها في الميدان.
التطوّع والإسناد المجتمعيّ
لم يكتفِ الأهالي بالدعم المعنويّ، بل بادر عدد كبير منهم إلى التطوّع في إسناد عمل المعلّمين والمبادرين. شاركوا في تنظيم الأطفال، وتوزيع الأنشطة، والمساعدة في إدارة الجلسات، وتوفير بيئة آمنة داخل الخيام. كان هذا التطوّع امتدادًا لثقافة "التكافل" التي تميّز المجتمع الغزّيّ، وركيزة أساسيّة لاستمرار المبادرات في أحلك الظروف.
توفير الموادّ اللازمة ودعم إنشاء التجمّعات التعليميّة
وفّر الأهالي ما استطاعوا من موادّ بسيطة لكن حاسمة: شادر يقي الأطفال من حرارة الشمس أو المطر، وسجّادة أو حصيرة للجلوس، وقوارير ماء، وبعض القرطاسيّة. بل إنّ بعض الأهالي بادروا إلى إنشاء الخيام التعليميّة بأنفسهم، وتوسيع مساحاتها لاحتواء أعداد أكبر من الأطفال. كان هذا الجهد الشعبيّ دليلًا واضحًا على إيمان عميق بأنّ التعليم ليس ترفًا، بل ضرورة ملحّة في زمن الحرب.
المتابعة اليوميّة للأبناء وتوفير القرطاسيّة
كان اهتمام الأهالي يتجلّى أيضًا في المتابعة اليوميّة لأبنائهم، وسؤالهم عن الدروس والأنشطة، والتأكّد من مشاركتهم وحضورهم. ورغم قلّة الموارد، حاول الكثيرون توفير القليل من القرطاسيّة الضروريّة، مثل دفتر وقلم للكتابة، وبعضهم أحضر لأبنائه الألوان كلّما استطاعوا، إدراكًا منهم أنّ أدوات بسيطة قد تفتح بابًا واسعًا نحو التعلّم والاستمرار.
بناءً على ما سبق، يمكن القول إنّ دور الأهالي في غزّة كان حجر الأساس في إنجاح مبادرات التعليم خلال الحرب. لقد شكّل دعمهم، رغم الألم والخسارات، شبكة حماية معنويّة ومادّيّة مكّنت آلاف الأطفال من مواصلة التعلّم. إنّ هذا الجهد يعكس وعي المجتمع الفلسطينيّ العميق بأهمّيّة التعليم بوصفه حقًّا أساسيًّا وركيزة لمستقبل أبنائهم، ويدلّ على إدراكهم أنّ المعرفة ليست ترفًا، بل ضرورة لمواجهة التحدّيات وبناء صمود الأجيال القادمة. في مشهد يُراد له أن يكون مظلمًا، كان الأهالي شعلة الضوء الأولى، يؤكّدون للعالم أنّ إرادة الحياة أقوى من الحرب، وأنّ التعليم سيبقى البذرة التي يزرعونها في أطفالهم مهما اشتدّ الظلام.


