صدر تقرير "مستقبل التعليم في مصر ما بعد 2025" عن معهد التخطيط القوميّ في إبريل/ نيسان سنة 2025. يرصد التقرير واقع منظومة التعليم في مصر بتناول مجموعة من المحاور الأساسيّة، تشمل تحليل الوضع الحاليّ للتعليم، من حيث الأعداد والكثافات والتحدّيات البنيويّة، واستعراض أبرز الجهود التي تبذلها الدولة لتطوير التعليم على مستويي السياسات والمبادرات، بالإضافة إلى تعرّف أهمّ التحدّيات التي لا تزال تعوق تحقيق تعليم عالي الجودة. كما يتضمّن التقرير خلاصة آراء الخبراء في قضايا التعليم المختلفة.
واقع التعليم في مصر
تشير بيانات العام الدراسيّ 2024/2025 إلى وجود نحو 26 مليون طالب في مرحلة التعليم قبل الجامعيّ، يدرس حوالي 87% منهم في مدارس حكوميّة؛ ما يعكس الاعتماد الكبير على الدولة في تقديم الخدمة التعليميّة. وتواجه هذه المرحلة تحدّيات واضحة، من أبرزها ارتفاع الكثافات الطلّابيّة؛ إذ بلغ متوسّط عدد التلاميذ في الفصل بالمرحلة الابتدائيّة حوالي 50 تلميذًا، بينما انخفض إلى نحو 42 تلميذًا في المرحلة الثانويّة العامّة.
كما تظهر فجوات في توزيع المعلّمين؛ إذ تسجّل المرحلة الابتدائيّة نحو 36 طالبًا لكلّ معلّم، مقارنة بـ 26 في المرحلة الإعداديّة، و22 في المرحلة الثانويّة؛ ما يعكس تفاوتًا في التوزيع قد يؤثّر في جودة العمليّة التعليميّة.
وعلى الرغم من بعض التحسّن في المؤشّرات، لا تزال مصر تحتلّ ترتيبًا متأخّرًا في تصنيفات جودة التعليم، مقارنة بعدد من الدول العربيّة، مثل دول الخليج والأردنّ وتونس ولبنان؛ ما يُبرز الحاجة إلى إصلاحات هيكليّة تُعالج مشكلات الكثافة، وضعف البنية الأساسيّة، وتطوير المناهج، وأساليب التدريس.
أهمّ جهود الدولة في قطاع التعليم
- - الاستراتيجيّة الوطنيّة الشاملة لتطوير التعليم قبل الجامعيّ.
- - البرنامج الوطنيّ لإصلاح التعليم.
- - الإعلان عن تطبيق نظام البكالوريا الجديد، بدلًا من نظام الثانويّة العامّة الحاليّ.
- - تعزيز التعاون مع قطاع الصناعة لتطوير التعليم الفنّيّ.
- - التوسّع في مدارس التكنولوجيا التطبيقيّة بالتعليم الفنّيّ.
أهمّ التحدّيات التي تواجه منظومة التعليم
- - مشكلة تمويل تطوير التعليم.
- - انخفاض مستوى جودة التعليم الفنّيّ، وضعف التطبيق العمليّ في مواقع العمل.
- - ضعف التنسيق بين منظومتي التعليم قبل الجامعيّ والتعليم العالي.
- - وجود الفجوة الرقميّة، وضعف مستوى مهارات استخدام الإنترنت وتطبيقات التكنولوجيا المختلفة، خصوصًا في المناطق الريفيّة الأكثر فقرًا.
- - ارتفاع تكلفة التعليم للأسرة المصريّة منخفضة ومحدودة الدخل.
- - انخفاض كفاءة إدارة العمليّة التعليميّة والمركزيّة والتعدّديّة والثنائيّة، في نظم التعليم التي تعوق وجود إدارة قويّة للمنظومة التعليميّة.
رؤى الخبراء نحو مستقبل التعليم في مصر
- - ينبغي أن يُعدّ تطوير التعليم في مصر أولويّة وطنيّة قصوى، كونه المحرّك الأساسيّ لعمليّة التنمية الشاملة. ويشدّد الخبراء على أهمّيّة تبنّي رؤية استراتيجيّة طويلة الأجل للتعليم، لا تتغيّر بتغيّر الحكومات أو الوزراء، وتنبع من فلسفة مجتمعيّة، تؤمن بأنّ التعليم أداة لبناء الإنسان والمجتمع معًا. ونظرًا إلى أنّ نتائج تطوير التعليم لا تظهر سريعًا، وإنّما تحتاج من 14 إلى 20 عامًا، فإنّ الأمر يتطلّب إرادة سياسيّة واستمراريّة في التنفيذ، ما يجعل الوقت الحاليّ مناسبًا لوضع استراتيجيّة "مصر 2050" للتعليم، تكون ثابتة وملزمة على المدى البعيد.
- - تمثّل تعدّديّة نظم التعليم الحاليّة عائقًا أمام بناء نظام تعليميّ وطنيّ متماسك، ولذلك يوصون بأن يكون هناك نظام وطنيّ موحّد للتعليم قبل الجامعيّ، مع تطويره باستمرار. كما يشدّدون على ضرورة إصلاح منظومة التقييم والاختبارات، لتقيس القدرات الحقيقيّة للطلّاب. ويؤكّدون كذلك أهمّيّة التكامل بين مراحل التعليم المختلفة، ودمج التكنولوجيا في العمليّة التعليميّة، وخصوصًا في المرحلة الثانويّة.
- - تتجاوز أزمة التعليم الفنّيّ في مصر الجوانب الفنّيّة لتصبح أزمة اجتماعيّة؛ إذ يرتبط لدى المجتمع بالمكانة الاجتماعيّة المتدنّية. ولتجاوُز هذه الصورة، لا بدّ من العمل على ثلاثة محاور: أوّلًا، الحوكمة، باعتماد استراتيجيّة وطنيّة ملزمة تُوحّد النماذج المتعدّدة في إطار واحد. ثانيًا، تحسين جودة التعليم الفنّيّ من حيث المناهج، وتأهيل المعلّمين والتجهيزات. ثالثًا، ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل، مع منح حوافز ضريبيّة للقطاع الخاصّ، للمشاركة في إنشاء مدارس وجامعات تكنولوجيّة.
- - يبدأ تطوير التعليم من المعلّم، ما يستدعي إعادة النظر في برامج كلّيّات التربية، مع العودة إلى نظام التكليف لخرّيجيها، بديلًا من نظام المسابقات. كما يوصون بأن تمتدّ الدراسة إلى خمس سنوات، تتضمّن السنة الأخيرة تدريبًا عمليًّا. ويقترحون إنشاء صندوق لدعم المعلّم، يهدف إلى تحسين أوضاعه المادّيّة والمعنويّة، والتوسّع في برامج التدريب المستمرّ. ويطالبون أيضًا باعتماد رخصة مزاولة مهنة التدريس وفق معايير واضحة.
- - يُعدّ تراجع نسبة الإنفاق العامّ على التعليم خرقًا واضحًا للنصوص الدستوريّة، ويُضعف قدرة الدولة على ضمان تعليم عادل ومجّانيّ. ويؤكّدون أنّ مجّانيّة التعليم، خصوصًا في مراحله الأساسيّة، يجب أن تبقى ركيزة أساسيّة، مع وضع ضوابط للقبول في التعليم العالي. كما يشدّدون على ضرورة تحسين كفاءة الإنفاق وتوجيه الموارد نحو رفع جودة التعليم، مع زيادة الاستثمار في البنية التحتيّة والمحتوى الأكاديميّ، لا سيّما في المناطق الأكثر احتياجًا.
- - يحذّر الخبراء من الانبهار الزائد بالتكنولوجيا، واعتبارها حلًّا سحريًّا لجميع مشكلات التعليم، مؤكّدين أنّ استخدامها يجب أنّ يكون متوازنًا ومدروسًا. فالتكنولوجيا أداة داعمة، وليست بديلًا عن المعلّم أو العمليّة التربويّة، ويجب أن تُستخدم لتحسين التفاعل، وتسهيل الوصول إلى المعرفة، وليس لإحلالها محلّ العناصر الأساسيّة في النظام التعليميّ.
- - أحد الأهداف الرئيسة لأيّ نظام تعليميّ، ضمان تكافؤ الفرص لجميع الطلّاب، بغضّ النظر عن خلفيّاتهم الاجتماعيّة أو الجغرافيّة. ويؤكّدون ضرورة القضاء على التمييز، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد التعليميّة، وإتاحة مستوى الجودة نفسه للجميع.
- - وجود فجوات واضحة في جودة التعليم بين المحافظات، ولا سيّما بين المناطق الحضريّة والريفيّة. ويطالبون بإجراءات عاجلة لسدّ هذه الفجوات؛ بتوفير بنية تحتيّة متكافئة، ومعلّمين مؤهّلين، ومناهج موحّدة تضمن العدالة التعليميّة في جميع أنحاء الجمهوريّة.
- - يعني ربط التعليم بسوق العمل تطوير مهارات الخرّيجين، بما يتناسب مع متطلّبات الواقع المتغيّر، وليس اختزال التعليم في الوظائف. ويقترحون التركيز على برامج بناء القدرات، والتدريب المهنيّ، ومهارات القرن الحادي والعشرين، لتأهيل الطلّاب لحياة مهنيّة ناجحة بعد التخرّج.
- - يُمثّل ضعف الحوكمة، وتداخل الصلاحيّات بين الوزارات والهيئات المختلفة، عقبة أمام تطوير التعليم. لذا، يشدّد على أهمّيّة وجود إدارة تعليميّة موحّدة وفاعلة، تقلّل من تضارب القرارات وتُسرّع وتيرة الإصلاح، مع تعزيز الشفافيّة والمساءلة على جميع المستويات.
- - شهد المجتمع المصريّ تحوّلات اجتماعيّة أثّرت في مكانة التعليم والمعلّم؛ ما يتطلّب إعادة إحياء منظومة القيم التي كانت تحترم المدرسة، وتُقدّر دور المعلّم باعتباره مصدرًا للمعرفة والتنوير. مع التأكيد على أنّ إصلاح التعليم لن ينجح من دون إعادة الاعتبار لقيم الجدّيّة والانضباط والمسؤوليّة داخل المؤسّسة التعليميّة، والمجتمع بأسره.