ندوة: تعليم العلوم والرياضيّات وظيفيًّا
ندوة: تعليم العلوم والرياضيّات وظيفيًّا

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر أيار/ مايو 2025 بعنوان "تعليم العلوم والرياضيّات وظيفيًّا".

 وركّزت على المحاور الآتية:

المحور الأوّل: التعليم المفاهيميّ في تعليم الرياضيّات والعلوم.

المحور الثاني: ربط العلوم والرياضيّات بالحياة العمليّة.

المحور الثالث: الذكاء الاصطناعيّ في تعليم العلوم والرياضيّات.

 المحور الرابع: العلوم والرياضيّات في عالم متغيّر.

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: الدكتور سهيل حسين صالحة، أستاذ في جامعة النجاح الوطنيّة، فلسطين؛ الأستاذة لمى شوقي دبّوس، مُعلّمة كيمياء لمرحلة الدبلوم وعلوم للمرحلة الثانويّة، قطر – لبنان؛ الأستاذة جنى صبّوح الحاج سليمان، مديرة مدرسة مدينة السلطان قابوس الخاصة، سلطنة عمان – لبنان. أدارت الندوة المستشارة التربويّة في مؤسّسة النيزك، الدكتورة د. ريام كفري - أبو لبن، من فلسطين.

استهلّت الدكتورة ريام الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثريّة والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعت جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.

 

المحور الأوّل: في معنى تعليم الرياضيّات والعلوم وظيفيًّا

افتتحت الجلسة الدكتورة ريام بالتأكيد على أنّ أحد أهم أهداف تعليم العلوم والرياضيّات هو أن يكون تعليمًا وظيفيًا، يثري المتعلّم ويُعدّه للحياة الواقعية. وطرحت في هذا السياق سؤالًا محوريًا: ما معنى تعليم العلوم والرياضيّات وظيفيًا؟

أوضح الدكتور سهيل صالحة أنّ التعليم الوظيفيّ يعني الربط بين المفاهيم العلميّة والحسابيّة والحياة اليوميّة، بهدف تنمية مهارات التفكير الناقد والإبداعيّ، والقدرة على حلّ المشكلات، الأمر الذي ينعكس إيجابيًّا على كفاءة المتعلّم في المواقف الحياتيّة، الحاضرة والمستقبلية.

من جانبها، شدّدت الأستاذة جنى سليمان على أنّ هذا النوع من التعليم ينقل الطالب من مجرد تلقّي المعرفة النظريّة إلى التفاعل مع واقع الحياة، ليصبح مستكشفًا نشطًا للمعرفة بدلًا من متلقٍّ سلبيّ. وأكّدت أنّ جعل الطالب محور ال عمليّة  التعليميّة يتطلّب بالضرورة تعليم العلوم والرياضيّات بأساليب  عمليّة ووظيفيّة .

وقدّمت الأستاذة لمى دبّوس رؤية متكاملة حول المفهوم، موضّحة أنّ التعليم الوظيفيّ للعلوم والرياضيّات يرتكز على الفهم العميق للأفكار الكبرى التي تنضوي تحتها المهارات. وأضافت أنّ هذا النوع من التعليم يعزّز التفكير النقديّ، والذي يُعدّ من الأهداف الأساسيّة المرجوّة.

وأشارت إلى أنّ طرح الأسئلة العميقة أحد أبرز الاستراتيجيّات لتحقيق هذا الهدف، حيث يسهم في ربط المفاهيم ببعضها البعض، وربطها بسياقات واقعيّة. وضربت مثالًا توضيحيًّا:

بدلًا من سؤال الطالب: ما مصادر الطاقة؟ يمكن سؤاله: كيف نستخدم مصادر الطاقة بطريقة مستدامة؟

هذا النوع من الأسئلة، بحسب أ. لمى، يحرّك التفكير، ويقود المتعلّم نحو تطبيق معرفته في مواقف حياتيّة حقيقيّة.

وفي السياق ذاته، قدّم الدكتور سهيل صالحة عرضًا معمّقًا سلّط فيه الضوء على أهمّيّة التركيز على الفهم العميق مرتكزًا أساسًا في التعليم الوظيفيّ للعلوم والرياضيّات، موضّحًا أنّ هناك مفاهيم أساسيّة مثل الكتلة والوزن والقوّة والنمط والعلاقات والاقترانات، تشكّل الأساس المعرفيّ الذي تُبنى عليه الخبرات التعليميّة في هذين المجالين.

وأشار د. سهيل إلى أن التعلّم المبنيّ على المفاهيم لا يقتصر على معرفة "ماذا"، بل يمتدّ إلى فهم "لماذا" و"كيف"، ما يُمكّن المتعلّم من تطبيق المعرفة في سياقات متنوّعة وجديدة. واستشهد بمفهوم "التناسب" كمثال حيّ، حيث يمكن توظيف الطهو في مجالات مثل الفيزياء أو الاقتصاد، ما يُبرز قيمة نقل المعرفة من سياق إلى آخر.

وأكدّ كذلك أنّ هذا النهج يُراعي الفروق الفرديّة وأنماط التعلّم المختلفة، ويُتيح تنوّعًا في طرق التعليم، ما يجعل المحتوى أقرب وأسهل للفهم عند جميع المتعلّمين. وأشار إلى أنّ المفاهيم الكبرى تنمّي لدى الطالب رؤية شموليّة للعلوم والرياضيّات باعتبارها أنظمة مترابطة، لا مواضيع منفصلة، ما يزيد من عمق الفهم ويُعزّز الاستعداد للتعلّم المستقبليّ.

واختتم د. سهيل مداخلته بالتأكيد على أنّ التعليم المفاهيميّ بوّابة حقيقيّة لنقل أثر التعليم، وتحقيق نواتج تعلّم ممتدّة وفعّالة.

 

المحور الثاني: ربط العلوم والرياضيّات بالحياة العمليّة 

في انتقال نوعي من الطرح النظريّ إلى الجانب العمليّ، ناقشت المشاركون سؤالًا محوريًّا: كيف يمكن تعليم العلوم والرياضيّات في المرحلة الابتدائيّة بشكل فعّال ومرتبط بحياة الأطفال؟

أجابت الأستاذة جنى سليمان بأنّ المرحلة الابتدائيّة تُعدّ مرحلة شديدة الحساسيّة في تكوين شخصيّة الطالب، ما يتطلّب مقاربات تعليميّة تتجاوز التلقين إلى الفهم والاستكشاف. وأوضحت أنّ تعليم العلوم في هذه المرحلة يجب أن يبدأ بربط المفاهيم بالمواقف الحياتيّة اليوميّة، وبالاعتماد على الاستكشاف والاستقصاء، وطرح المشكلات على الطلّاب لإيجاد الحلول بأنفسهم، الأمر الذي يعزّز دور الطالب بوصفه محورًا للعمليّة  التعليميّة، ويجعل المعلم موجّهًا لا ملقّنًا.

كما أكّدت أهمّيّة استخدام الحواس في التعلّم، وإضفاء الطابع الممتع على الدروس من خلال الألعاب والحركة والتجارب المسلّية، بهدف خلق بيئة تعلّم محفّزة. وركّزت على ضرورة فهم المفاهيم بدلًا من حفظها، وأن تكون الحصّة مزيجًا من التعليم والمتعة. أما في ما يخصّ الرياضيّات، فشدّدت على ضرورة أن يفهم الطالب سبب استخدام العمليّات الحسابيّة في الحياة قبل حفظ آليّاتها، مثل استخدام الضرب في البيع والبناء أو العدّ. كما دعت إلى الابتعاد عن أسئلة التذكير التقليديّة، والاعتماد على أسئلة تفكير عليا تحفّز النقد والتحليل، حتى إن لم يُجِب الطلّاب عنها مباشرة، فمجرد التفكير بها يُثري عقولهم.

عقّبت الدكتورة ريام بأنّ من أهمّ الاستراتيجيّات التي تُنمّي مهارات التفكير العليا، استراتيجيّة الاستقصاء الاستنتاجيّ، حيث لا يُطلب من الطالب تطبيق القانون، بل اكتشافه من خلال التجربة. وبيّنت أنّ هذه المقاربة تقلب التسلسل التقليديّ، فتبدأ من التحليل وصولًا إلى الفهم والتذكّر، ما يعكس فهمًا عميقًا للمفاهيم.

وفي السياق، شدّد الدكتور صالحة على أهمّيّة وجود سياسة تعليميّة واضحة من قبل صانعي القرار، تضمن تطبيق التعليم الوظيفيّ في الرياضيّات والعلوم على مستوى المناهج وتدريب المعلّمين، لضمان تحقيق تعلّم حقيقيّ ومستدام لدى الطلبة.

أما في ما يخصّ المرحلتين المتوسّطة والثانويّة، فطرحت د. ريام سؤالًا على الأستاذة لمى دبّوس حول المبادئ الأساسيّة لتعليم العلوم والرياضيّات في هذه المراحل، وكيف يمكن ربط المفاهيم بالحياة اليوميّة، مع مراعاة خصوصيّة هذه المرحلة العمريّة.

أكدت أ. لمى أنّ الشغف والحب والعطاء هي المحرّكات الأساسيّة التي تدفع المعلّم إلى الاستمرار والعطاء الحقيقيّ داخل الصفّ، مشيرة إلى أنّ قائمة المبادئ التي يجب أن يقوم عليها التعليم تبدأ من الابتعاد عن التلقين، والاتّجاه نحو الأساليب التطبيقيّة، مع ربط المعلومات بالسياقات الواقعيّة، سواء المحلّيّة أو العالميّة، لتعزيز شعور الطالب بالانتماء والدافعيّة نحو التعلّم.

أوضحت كذلك أنّ كثيرًا من الطلّاب يطرحون تساؤلات، مثل: "لماذا نتعلّم هذا؟ وأين سنستخدمه؟"، ومتى استطاع الطالب أن يجيب عن هذه الأسئلة وأن يدرك قيمة ما يتعلّمه، يصبح أكثر ارتباطًا بالمعلومة وحرصًا على الاستفادة منها.

أضافت أ. لمى أنّ من المبادئ المهمّة في تعليم العلوم في هذه المرحلة، اعتماد الطالب على المنهج العلميّ في التفكير والاستقصاء. وقدّمت مثالًا على ذلك طلبة الدبلوم الذين يُكلّفون بإعداد تحقيق علميّ من 3000 كلمة يعتمد على أفكارهم وتفسيراتهم الخاصّة، ويقومون بتحليله واستخلاص نتائجه، وهو ما يعكس بناءً سليمًا لمهاراتهم البحثيّة منذ المراحل الدراسيّة المبكّرة.

من جانبها، عقّبت د. ريام على ما طُرح، مشيرة إلى أنّ الطالب في هذه المرحلة يحتاج إلى وقت أطول وجهد خارج الصفّ، حتّى يكون فعلًا محور العمليّة  التعليميّة، ولا سيّما أنّ المرحلة الثانويّة ترتكز على الاختبارات النهائيّة. وتساءلت: كيف يمكن تحقيق التوازن بين متطلّبات الاختبارات، وخلق فرص تعلّم أصيلة تتمحور حول الطالب؟

أجابت أ. لمى باستعراض أبرز التحدّيات التي تواجه معلّمي المرحلة الثانويّة، مثل ازدحام المناهج وضيق الوقت، وضغط الامتحانات الرسميّة، ما يُضطَّر المعلم إلى التركيز على التدريب على نمط الأسئلة بدلاً من التعلّم الإبداعيّ. كما أشارت إلى تفاوت قدرات الطلّاب داخل الصفّ، وهو ما يجعل من الصعب تصميم تجربة تعليميّة تصلح للجميع ضمن الوقت المتاح. واقترحت مجموعة من الحلول، من بينها مواءمة التعليم الاستقصائيّ مع أهداف المنهج والاختبار، واستخدام التقييمات التكوينيّة والتدريب الذكيّ لتقليل عنصر المفاجأة في الامتحانات. كما شدّدت على أهمّيّة التخطيط العكسيّ، أي تدريب الطالب منذ مراحل مبكرة على مهارات التحليل، واستخدام المصادر، والتوثيق، ما يخفّف الضغط لاحقًا، ويوفّر الوقت والجهد على الطرفين، المعلّم والطالب.

هنا، أكّدت د. ريام أنّ طرح هذه التحدّيات والحلول لامس واقع الميدان التربويّ، وأسهم في تسليط الضوء على أهمّيّة خلق فرص تعليميّة حقيقيّة تُثري الطالب وتمنحه تجربة تعلّم ذات معنى.

 

وفي سياق الحديث عن المناهج التعليميّة الحديثة، انتقل النقاش إلى أحد الاتّجاهات المعاصرة في التعليم، وهو دمج أكثر من مجال علميّ بطريقة تطبيقيّة وتفاعليّة ضمن إطار STEM وSTEAM، حيث سألت د. ريام: هل يُعدّ هذا الدمج نموذجًا واقعيًّا قابلًا للتطبيق، أم إنّه لا يزال في إطار الحلم؟ وهل يناسب السياق العربيّ، أم إنّه محصور في البيئة الغربيّة فقط؟

جاءت إجابة الأستاذة جنى مؤكّدة على أنّ هذا الدمج ليس حلمًا، بل هو واقع ضروريّ وحتميّ، لكنّ تطبيقه بنجاح يتطلّب أوّلًا الإجابة عن عدد من التساؤلات الجوهريّة، مثل: هل المدرسة مهيّأة لتبنّي نظام STEM؟ وهل النظام التعليميّ والمعلّمين مستعدّون لاستيعابه وتطبيقه؟ وعرضت تجربة مدرسة السلطان قابوس الخاصّة في سلطنة عمان، كونها أوّل مدرسة في السلطنة تمتلك مختبر STEM، وجميع معلّميها حاصلين على اعتمادات متخصّصة في هذا المجال، ما يتيح بيئة تعليميّة مؤهّلة لهذا النوع من التعلّم.

من جانبها، أضافت أ. لمى أنّ نظام STEAM يمثّل نهجًا حيويًّا وتكامليًّا، حيث يدمج بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيّات. لكنّه في الوقت نفسه، يحتاج إلى تدريب متخصّص، وإمكانات مادّيّة، وميزانيّات داعمة. وعلى رغم هذه التحدّيات، إلّا أنّ نتائجه التربويّة دائمًا ما تكون مبهرة في صقل مهارات الطلبة، وتعزيز تفكيرهم النقديّ والإبداعيّ.

 

أما د. سهيل، فدعا إلى إدماج هذا التوجّه داخل البنية التعليميّة الرسميّة، واقترح أن يكون هناك كتاب مخصّص لمنهج  STEM، يدمج بين الموادّ المختلفة بشكل منظّم ومنهجيّ، حتّى لا يبقى هذا التوجّه معزولًا عن النظام التعليميّ العامّ، بل يُصبح جزءًا أصيلًا من المناهج، ويسهم في إعادة إحياء العلاقة بين العلوم والرياضيّات والتكنولوجيا في إطار تربويّ متكامل.

وفي هذا السياق، علّقت د. ريام على أنّ الفصل بين التخصّصات لم يكن جزءًا من التاريخ المعرفيّ الإنسانيّ، بل هو ناتج عن الثورة الصناعيّة الأولى، حيث بدأت التخصّصات تنفصل تدريجيًّا. وأوضحت أنّ المعرفة في جذورها كانت تكامليّة: فالفيلسوف كان طبيبًا، والفنان كان عالمًا. وكان العلم والفنّ يسيران جنبًا إلى جنب. وهذا ما يدفعنا اليوم إلى السعي لاستعادة هذا النهج التكامليّ في التعليم، ولا سيّما في مجالات العلوم والرياضيّات.

 

المحور الثالث: الذكاء الاصطناعيّ في تعليم العلوم والرياضيّات

مع الثورة الصناعيّة الرابعة التي أدخلت الذكاء الاصطناعيّ وسهّلت الوصول إلى المعلومة، جاء المحور الثالث من الندوة ليسلّط الضوء على هذه التقنيّة الحديثة، إذ طرحت د. ريام سؤالًا مهمًّا: كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعيّ في تعليم العلوم والرياضيّات، وهل من أمثلة على ذلك؟

أجابت أ. لمى بأن الذكاء الاصطناعيّ لا يُعدّ بديلًا من المعلّم، بل هو أداة تعزّز دوره وتوسّع من إمكاناته، بشرط استخدامه بوعي وذكاء. فقد حسّن الذكاء الاصطناعيّ من جودة المعلومة والاستكشاف، وصار يمكن للمعلم إدخال البيانات ليقوم الذكاء الاصطناعيّ بتحليلها وإيجاد المخرجات. فعلى سبيل المثال، في مادّة العلوم، يُمكن استخدامه لتفسير الظواهر المعقّدة بطريقة بصريّة، كشرح الروابط الكيميائيّة والذرّات، باستخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ والواقع الافتراضيّ (VR). كما يسهم في طرح أسئلة تراعي الفروقات الفرديّة بين الطلبة ومستوياتهم الدراسيّة المختلفة.

وجّهت د. ريام سؤالًا آخر لأ. جنى: هل استخدام الذكاء الاصطناعيّ في المرحلة الابتدائيّة مهمّ، أم ينبغي تأجيله إلى المراحل اللاحقة؟

أجابت أ. جنى بأنّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ في المراحل المبكّرة أمر مهمّ، بشرط أن يتمّ بشكل مدروس وموجّه، من دون عزل الطالب عن بيئته. وأكّدت على أهمّيّة أن يكون المعلّم على دراية كاملة بالمحتوى الذي يقدّمه من خلال الذكاء الاصطناعيّ، وأن يُحسن اختيار الأدوات المناسبة. وأشارت إلى أنّ الأطفال بطبيعتهم يتفاعلون بشكل بارع مع التكنولوجيا، كما إنّهم يستخدمون الذكاء الاصطناعيّ بالفعل في منازلهم، لذلك لا ينبغي فصلهم عنه في بيئة التعلّم. والذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يكون بديلًا آمنًا من التجارب الكيميائيّة الخطرة داخل المختبرات، وقد يُنتج مخرجات يصعب على المدارس تنفيذها أو الوصول إليها بسبب نقص الموادّ أو الموارد في بعض الأحيان.

وفي ختام المحور، وجّهت د. ريام سؤالًا للدكتور سهيل: هل يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يستبدل الأنشطة الحسّيّة في العلوم والرياضيّات؟

أشار د. سهيل في إجابته إلى وجود تخوّف من أن يتمّ إدخال الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة بشكلٍ متأخّرٍ، ما قد يؤدّي إلى فجوة بين الواقع التكنولوجيّ والمحتوى التعليميّ في المناهج الدراسيّة، حيث تصبح غير قادرة على مواكبة هذا التغيير السريع. وسلّط الضوء على أنّ هناك فرصة واعدة في دمج مفهوم "هندسة الأوامر" ضمن مناهج العلوم والرياضيّات والتكنولوجيا، موضّحًا أنّ هذا المفهوم امتداد لما كان يُعرف سابقًا بتصميم الخوارزميّات عند تطبيق التكنولوجيا في التعليم، حيث أصبح يُشار إليه في عصر الذكاء الاصطناعيّ بـ"هندسة الأوامر"، وهو تطبيق فيزيائيّ يعتمد على نماذج رياضيّة دقيقة، ويمكن استغلاله لتعزيز مهارات الطلبة العلميّة والتحليليّة. وأكّد ختام مداخلته على أهمّيّة تعليم الذكاء الاصطناعيّ للأطفال منذ المراحل المبكرة، معتبرًا أنّ هذا التوجّه ضروري لتجنّب الوقوع في فجوة معرفيّة مستقبليّة، ولتمكين الأجيال القادمة من التفاعل بفعّاليّة مع التحوّلات الرقميّة المتسارعة.

 

المحور الرابع: العلوم والرياضيّات في عالم متغيّر

طرحت د. ريام سؤالًا افتتاحيًّا: ما دور تعليم العلوم والرياضيّات في ظلّ الكوارث التي تحدث، تحديدًا في غزّة في ظلّ الإبادة؟

شدّد الدكتور سهيل على أنّ التعليم يمثّل بارقة الأمل في أحلك الظروف. فهو ليس وسيلة للمعرفة وحسب، بل أداة للابتكار تحت الضغط، وللاستقلاليّة، والتماسك النفسيّ والاجتماعيّ. وأوضح أنّ التعليم هو ما يوفّر للأطفال والشباب والنساء حماية من الاستغلال والضياع، وهو من يصنع بيئة آمنة تُمكّن من المشاركة والتطور، وبناء الجيل القادر على إعادة الإعمار. وأضاف: إذا كان التعليم هو الحياة، فإنّ العلوم والرياضيّات هما أدوات هذه الحياة"، مشيرًا إلى أنّهما الوسيلتان لفهم الواقع، والتخطيط ضمن موارد شحيحة، واتّخاذ قرارات مصيريّة: كيف نوزّع الغذاء؟ كيف نحمي أنفسنا من الأمراض والفيروسات؟ كيف نولّد الكهرباء؟ كيف نبني الملاجئ والخيام؟ وكلّها تساؤلات لا تمكن الإجابة عنها من دون أسس علميّة ورياضيّة.

كما أشار إلى الدور الكبير للمؤسّسات المحلّيّة والدوليّة في الحفاظ على العمليّة  التعليميّة في غزّة والضفّة الغربيّة، مؤكّدًا على أهمّيّة تعزيز "عقليّة النمو"  والتي تُؤمن بعدم الاستسلام، وبقوّة الإرادة، والقدرة على حلّ المشكلات، وهي جوهر تعليم العلوم والرياضيّات في الأوقات الاستثنائيّة.

من جهتها، اختتمت د. ريام حديثها بأنّ الإصرار الشعبيّ في غزّة على تعلّم العلوم والرياضيّات هو ما يُبقي الأفراد والمؤسّسات قادرين على العمل على رغم التحدّيات. وأضافت أنّنا أمام مسؤوليّة جماعيّة تحتّم علينا الاستمرار وعدم الاستسلام. وأكّدت على ضرورة التكامل بين المدارس الحكوميّة والخاصّة ووزارة التعليم، لتحقيق مخرجات تعليميّة تصبّ في مصلحة الطالب. وشدّدت في الختام على أنّ الخيال يسبق كلّ نظريّات العلوم والرياضيّات، مستشهدة بكلمات ألبرت آينشتاين: "الخيال أهمّ من المعرفة، فالمعرفة محدودة، أمّا الخيال فيحيط بالعالم".