في الفترة الراهنة، تتزايد أهمّيّة التكنولوجيا في التعليم، خصوصًا مع الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعيّ. التعليم التقليديّ الذي يعتمد على الكتب المدرسيّة أداة رئيسيّة في نقل المعرفة، بات يواجه تحدّيات متزايدة في ظلّ التطوّر السريع للتكنولوجيا. ووفقًا لتقرير منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" (UNESCO)، فإنّ 70% من المعلّمين في المدارس يواجهون صعوبة في مواءمة الأدوات الرقميّة مع الأنظمة التعليميّة التقليديّة (UNESCO, 2019). يتطلّب الواقع الحاليّ من الحكومات إعادة النظر في استراتيجيّات إعداد المعلّمين، بهدف تحقيق انتقال فعّال من نظام التعليم التقليديّ إلى منظومة تعليميّة حديثة، يتجسّد في تعزيز برامج التكوين والتدريب المستمرّ للمعلّمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعيّ المعاصرة، مع التأكيد على أهمّيّة ضرورة دمج هذه الأدوات التكنولوجيّة بالكتب المدرسيّة، بهدف تحسين العمليّة التعليميّة، وضمان استفادة المنظومة التربويّة من الفرص الواعدة التي يوفّرها الذكاء الاصطناعيّ في تطوير الأداء التعليميّ.
الكتاب المدرسيّ: أساس التعليم التقليديّ
يعتبر الكتاب المدرسيّ حجر الزاوية في العمليّة التعليميّة التقليديّة، فهو أحد الأدوات الأساسيّة التي يعتمد عليها المعلّمون والطلّاب في مختلف مراحل التعليم، كما يوفّر محتوى معرفيًّا موحّدًا ومنظّمًا يتناسب مع احتياجات الطلّاب في إطار المناهج الدراسيّة. وعلى الرغم من ظهور العديد من الأساليب التعليميّة الجديدة، يبقى للكتاب المدرسيّ دور أساسيّ في بناء المهارات الأساسيّة، مثل القراءة والكتابة والحساب، وهي المهارات التي تُعدّ ضروريّة لتحقيق النجاح الأكاديميّ في المراحل الدراسيّة المبكّرة. جاء في تقرير صادر عن منظّمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية (OECD)، أنّ الكتاب المدرسيّ لا يزال يمثّل الأداة التعليميّة الأكثر استخدامًا في المدارس حول العالم (OECD, 2023). كما أنّه يتيح للطلّاب فرصة التعلّم الذاتيّ، إذ يمكّنهم من الوصول إلى المعلومات بشكل مستمرّ، ومن دون الحاجة إلى الاتّصال بالإنترنت أو التكنولوجيا المتطوّرة.
ومع ذلك، يواجه الكتاب المدرسيّ تحدّيات عديدة في العصر الحاليّ، لا سيّما مع تزايد متطلّبات العصر الرقميّ وتطوّر أساليب التعليم، لأنّه لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات التعلّم المتنوّعة للطلّاب، إذ يصعب عليه تقديم تعليم مخصّص يتناسب مع اختلافات الطلّاب في المستويات الأكاديميّة المتباينة، ما يفرض الحاجة إلى أدوات تعليميّة تكميليّة تساعد في سدّ هذه الفجوات.
الذكاء الاصطناعيّ في التعليم: الإمكانيّات والتحدّيات
أدّى تطوّر تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ في السنوات الأخيرة إلى فتح آفاق جديدة في مجال التعليم، إذ يمكن لهذه التقنيّات تحليل بيانات أداء الطلّاب بدقّة، ما يتيح تصميم خطط تعلّم مخصّصة لكلّ طالب وفقًا لاحتياجاته الخاصّة. فعلى سبيل المثال، تمثّل أدوات الذكاء الاصطناعيّ، مثل أنظمة التوجيه الذكيّ التي تراقب تقدّم الطالب، وتقدّم اقتراحات شخصيّة لتحسين أدائه، أداةً فعّالة لتحسين جودة التعليم. تشير دراسة أجرتها جامعة كامبريدج إلى أنّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم أسهم في تحسين استيعاب الطلّاب بنسبة 30% مقارنة بالطرق التقليديّة (Inge Molenaar and others, 2023).
وعلى الصعيد الشخصيّ، قمتُ في ممارستي التعليميّة بعدّة تجارب على الأقسام التي أدرّس فيها مادّة التاريخ والجغرافيا، فاستعنت بأدوات الذكاء الاصطناعيّ مثل Microsoft 365 AI Education Tools و Google Classroom + AI Tools، وقد أثمرت هذه التجارب نجاحًا ملحوظًا؛ إذ حقّق 50% من الطلّاب، لا سيّما أولئك الذين كانوا يعانون صعوبات في تعلّم مادّة التاريخ، تقدّمًا ملحوظًا في نتائجهم، ما انعكس على نتائجهم في الامتحانات الفصليّة. كما ارتفعت نسبة الطلّاب الذين يحصلون على معدّل يفوق 10 من 20، من أقلّ من 50% باستخدام الطرق التقليديّة، إلى أكثر من 50% باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعيّ.
عطفًا على ذلك، يمكن القول إنّ تطبيق الذكاء الاصطناعيّ في التعليم يواجه تحدّيات عديدة، من أبرزها الحاجة إلى بنية تحتيّة تقنيّة قويّة، إذ يعتمد الذكاء الاصطناعيّ على شبكات اتّصال سريعة وأجهزة حديثة ونظم دعم متطوّرة، وهي أمور قد تكون غير متوفّرة في العديد من المدارس أو الدول ذات الموارد المحدودة (الدول الفقيرة والنامية). فحتّى لو توفّرت هذه البنية التحتيّة، تبرز مشكلة الخصوصيّة والأمان، فجمع البيانات الشخصيّة للطلّاب يثير مخاوف كبيرة حول حمايتها، وضمان استخدامها بشكل آمن وأخلاقيّ. لذا، فالتحدّي الأساسيّ يبدأ ببناء البنية التحتيّة اللازمة لتشغيل الأنظمة، يليها وضع تشريعات وآليّات صارمة لحماية البيانات، وضمان استخدامها بمسؤوليّة.
تكامل الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ
يشكّل التكامل بين الكتاب المدرسيّ التقليديّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ نموذجًا تعليميًّا هجينًا، يستفيد من مزايا كلّ من الأسلوب التقليديّ والتكنولوجيا الحديثة. بذلك، يمكن للطلّاب الاستفادة من المعلومات الأساسيّة التي يوفّرها الكتاب، مع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعيّ لتعميق الفهم وتوسيع نطاق التعلّم بالأنشطة التفاعليّة. على سبيل المثال، يمكن للطلّاب دراسة المفاهيم النظريّة بواسطة الكتاب المدرسيّ، ثمّ استخدام منصّات الذكاء الاصطناعيّ لتطبيق هذه المفاهيم في سياقات واقعيّة، ما يعزّز من مهارات التفكير النقديّ وحلّ المشكلات.
في تجربتي التعليميّة أثناء تدريس مادّة التاريخ، استخدمت أداة Dream Lab لإنشاء صور تقريبيّة لأحداث الماضي التي أدرّسها، مثل "الحياة الفنّيّة والثقافيّة في العالم الإسلاميّ خلال القرن السادس عشر"، و"التحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة في أوروبّا خلال عصر الأنوار". أسهمت هذه الصور في تقريب الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيّ للطلّاب، إذ تمكّنوا من رؤية مشاهد وأحداث وشخصيّات تمثيليّة مستوحاة من تلك الفترات الزمنيّة. تشير دراسة نُشرت في Springer Open، إلى أنّ التكامل بين الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ يمكن أن يسهم في زيادة استيعاب الطلّاب للمفاهيم الدراسيّة بنسبة تصل إلى 25% (Bond and Khosravi, 2024)، وهو ما يتماشى مع النتائج الإيجابيّة التي لاحظتها في تحسين فهم الطلّاب واستيعابهم لهذه المواضيع باستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة.
لا يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعيّ على الطلّاب فقط، بل يمتدّ ليشمل المعلّمين أيضًا، إذ يمكن له أن يساعدهم في تحليل نتائج الاختبارات، وتقديم تقارير تفصيليّة حول مستوى أداء كلّ طالب؛ ما يمكّنهم من تحديد الاحتياجات التعليميّة لكلّ منهم، وتعديل استراتيجيّات التدريس بشكل فعّال. وقد استخدمت في ممارستي التعليميّة أدوات Microsoft 365 AI Education Tools في تحليل بيانات الطلّاب، ما أتاح لي استخراج رؤى دقيقة حول مستوى تقدّمهم الأكاديميّ، بما في ذلك تحديد نقاط القوّة والضعف لدى كلّ منهم. تسهم هذه التحليلات أيضًا في تعديل استراتيجيّات التدريس لتكون أكثر ملاءمة للاحتياجات الفرديّة، ما يؤدّي إلى تحسين الأداء الأكاديميّ بشكل فعّال.
تشير دراسة نُشرت في مجلّة International Journal of Educational Technology in Higher Education، إلى أنّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ في الفصول الدراسيّة يسهم في تخفيف العبء عن المعلّمين، إذ يساعدهم في التركيز على التفاعل المباشر مع الطلّاب، بدلًا من الانشغال بالممارسة التعليميّة التقليديّة (Bond and Khosravi, 2024). تعكس تجربتي مع هذه الأدوات بوضوح أثرها الإيجابيّ، إذ أتاحت لي التركيز بشكل أكبر على تطوير المهارات الفرديّة للطلّاب، وتعزيز التفاعل داخل الفصل. ويمكن تلخيص فوائد التكامل بين الكتاب والذكاء الاصطناعيّ في نقطتين أساسيّتين، هما:
- - أوّلًا: يسهم التكامل بين الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ في تحسين تجربة التعلّم بتوفير بيئة تعليميّة تفاعليّة، إذ يسمح بتقديم تعليم مخصّص يتماشى مع مستوى كلّ طالب؛ ما يساعد في تعزيز الفهم، وتجنّب المشكلات الناتجة عن الأساليب التقليديّة التي تعتمد على مبدأ "التعليم للجميع بالطريقة نفسها"، باستخدام أدوات التعليم المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ في Microsoft 365، مثل تحليل البيانات، وتعلّم الآلة لتقييم مستوى الطالب بدقّة، ما يتيح تخصيص المهام الدراسيّة بما يتناسب مع احتياجاته الفرديّة. كما يمكن للذكاء الاصطناعيّ تعديل صعوبة الأسئلة، أو تقديم شروحات إضافيّة إلى الطلّاب الذين يحتاجون إلى دعم أكبر، بينما يوفّر تحدّيات أكثر تعقيدًا للطلّاب المتفوّقين. يعزّز هذا التخصيص فعّاليّة التعلّم، بتمكين الطلّاب من التقدّم وفقًا لقدراتهم الخاصّة، ما يضمن تجربة تعليميّة موجّهة تلائم تطوّرهم التعليميّ.
- - ثانيًا: عن طريق تحليل بيانات الطلّاب، تُتيح أدوات الذكاء الاصطناعيّ تقديم تغذية راجعة فوريّة، ما يعزّز من قدرة الطالب على تقييم أدائه بشكل مستمرّ. يساعد ذلك في تحفيز الطلّاب للبقاء على اطّلاع دائم بتقدّمهم الأكاديميّ والعمل على تحسينه. علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعيّ تقديم حلول مبتكرة لمشاكل تعليميّة قد تكون صعبة الحلّ باستخدام الأساليب التقليديّة، إذ يمكن للطلّاب استخدام أنظمته للتفاعل مع محتوى تعليميّ متنوّع، مثل مقاطع الفيديو التفاعليّة أو المحاكاة الحيّة التي تعزّز استيعابهم للمفاهيم المعقّدة. على سبيل المثال، يمكن للطلّاب في مادّة التاريخ الاستفادة من مقاطع الفيديو التفاعليّة التي تعيد تمثيل الأحداث التاريخيّة الكبرى، مثل الثورة الفرنسيّة أو الحروب العالميّة، إذ يمكنهم اتّخاذ القرارات والتأثير في سير الأحداث بناءً على اختياراتهم، ما يساعدهم في فهم الأسباب والنتائج بطرق أكثر تفاعليّة. في الجغرافيا يمكن استخدام محاكاة حيّة لظواهر طبيعيّة مثل الزلازل أو الأعاصير، إذ يقوم الطلّاب بتغيير العوامل المؤثّرة مثل الموقع أو القوّة، ويرون كيفيّة تأثير هذه التغييرات في الخريطة الجغرافيّة، ما يعزّز استيعابهم للمفاهيم البيئيّة والمناخيّة.
التحدّيات والآفاق المرتبطة بالتكامل
على الرغم من الفوائد العديدة للتكامل بين الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ، فإنّ هناك العديد من التحدّيات التي يجب التغلّب عليها، ومن أبرزها "الفجوة الرقميّة". يواجه العديد من الطلّاب في المناطق الريفيّة والبلدان النامية صعوبة في الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة، بسبب قلّة الموارد أو عدم وجود بنية تحتيّة كافية. كما تظلّ تكلفة تطوير أدوات الذكاء الاصطناعيّ وصيانتها عالية، ما يجعل من الصعب توفيرها في جميع المدارس.
تتمثّل تحدّيات أخرى في ضرورة تدريب المعلّمين على استخدام هذه الأدوات بشكل فعّال، إذ يحتاجون إلى فهم كيفيّة دمجها في الفصل الدراسيّ بشكل يتماشى مع أهداف التعليم. إضافة إلى ذلك، يحتاج النظام التعليميّ إلى تطوير سياسات واضحة لضمان استخدام الذكاء الاصطناعيّ بشكل آمن وأخلاقيّ، لا سيّما في ما يتعلّق بحماية خصوصيّة بيانات الطلّاب.
لتجاوز التحدّيات المرتبطة بتكامل الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ، يُوصى بعدّة إجراءات، هي:
أوّلًا: ينبغي تحسين البنية التحتيّة التكنولوجيّة في المدارس، لضمان وصول الطلّاب إلى الأدوات الحديثة.
ثانيًا: يتطلّب الأمر توفير برامج تدريبيّة مستمرّة للمعلّمين، لضمان الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في التعليم.
ثالثًا: يجب وضع سياسات صارمة لحماية بيانات الطلّاب وضمان الخصوصيّة، بالإضافة إلى ضمان المساواة في الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعيّ لجميع الطلّاب، بغضّ النظر عن خلفيّاتهم الاجتماعيّة أو الجغرافيّة.
***
بناءً على ما سبق، يمكن القول إنّ تكامل الكتاب المدرسيّ وأدوات الذكاء الاصطناعيّ يُعدّ خطوة مهمّة نحو تطوير الأنظمة التعليميّة، لتلبية احتياجات القرن الواحد والعشرين. بهذا التكامل يمكن تحقيق تعليم مخصّص وشخصيّ، يعزّز مهارات الطلّاب، ويعدّهم لمواجهة التحدّيات المستقبليّة. وعلى الرغم من التحدّيات التي قد تواجه تطبيق هذه الأدوات، فإنّ الفوائد العديدة التي يوفّرها هذا التكامل تجعل منه نموذجًا واعدًا، يمكن أن يسهم في تحسين جودة التعليم على مستوى العالم.
المراجع:
- - UNESCO. (2019). Artificial intelligence in education: Challenges and opportunities for sustainable development.
- - Molenaar, I., Baten, D., Bárd, I., & Stevens, M. (2025). Artificial intelligence and education. In N. Smuha (Ed.), The Cambridge handbook of the law, ethics and policy of artificial intelligence (pp. 261–282). Cambridge University Press.
- - Organization for Economic Co-operation and Development (OECD). (n.d.). Artificial intelligence and education and skills.
- - Bond, M., Khosravi, H., De Laat, M., Bergdahl, N., Negrea, V., Oxley, E., Pham, P., Chong, S. W., & Siemens, G. (2024). A meta systematic review of artificial intelligence in higher education: A call for increased ethics, collaboration, and rigour. International Journal of Educational Technology in Higher Education, 21(1), Article 4.
- - Stewart, N., & Zheng, Y. (2024). Generative AI’s recolonization of EFL classrooms: The case of continuation writing. Australian Review of Applied Linguistics, 47(3), 383–409.