ندوة: تعزيز صوت الطالب من منظور الإدارة.. من المشاركة الرمزيّة إلى التفعيل الحقيقيّ للقيادة الطلّابيّة
ندوة: تعزيز صوت الطالب من منظور الإدارة.. من المشاركة الرمزيّة إلى التفعيل الحقيقيّ للقيادة الطلّابيّة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر حزيران/ يونيو 2025 بعنوان: "تعزيز صوت الطالب من منظور الإدارة: من المشاركة الرمزيّة إلى التفعيل الحقيقيّ للقيادة الطلّابيّة".

 وركّزت على محاور مختلفة، هي:

المحور الأوّل: إعادة التفكير في مفهوم صوت الطالب من منظور الإدارة: الأسس النظريّة وسوء الفهم الشائع.

المحور الثاني: ممارسات من الميدان: تجارب مدرسيّة في تفعيل صوت الطالب.

المحور الثالث: نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة.

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: الأستاذ بول سعيد، نائب المدير في مدرسة البيان ثنائيّة اللغة في الكويت؛ الأستاذة رولا عبدالحميد، المديرة الأكاديميّة  ‏في مدرسة البيان، الأردن؛ الأستاذ ربيع المرّ، المدير الأكاديمي في المدرسة الأهليّة، لبنان؛ الأستاذة دلال مشرقي، المدرّبة الأكاديميّة في قسم رياض الأطفال في مدارس الظهران الأهليّة، السعوديّة. وأدار الندوة الأستاذ فهمي رشيد كرامي، محام وشريك مؤسّس في مكتب رشيد فهمي كرامي للمحاماة والاستشارات القانونيّة في طرابلس، لبنان.

استهلّ الأستاذ كرامي بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.

 

المحور الأوّل: إعادة التفكير في مفهوم صوت الطالب من منظور الإدارة: الأسس النظريّة وسوء الفهم الشائع

افتتح الأستاذ كرامي الجلسة مؤكّدًا أنّ الحديث عن "صوت الطالب" حديث عن حقّ إنسانيّ أصيل، لا منّة تُمنح فيه ولا تفضيل يُعطى، مشدّدًا على ضرورة إعادة النظر في دور الطالب، ليس متلقًّا للمعرفة وحسب، بل فاعلًا مشاركًا في صياغة المحتوى التربويّ وأساليب تقديمه. وأشار إلى أنّ هذه الندوة تأتي ضمن جهود أوسع لفهم كيفيّة ترجمة هذا المفهوم إلى سياسات وممارسات داخل المؤسّسات التعليميّة. وفي هذا السياق، طرح الأستاذ كرامي سؤالًا جوهريًّا: كيف تنظر الإدارة التربويّة إلى صوت الطالب؟ وهل هو مجرّد تعبير أم أداة فاعلة في التغيير؟

 

في ردّه، أوضح الأستاذ بول سعيد أنّ التحوّلات الاجتماعيّة والتكنولوجيّة ألقت بظلالها على طبيعة الأدوار في العمليّة التعليميّة، مؤكّدًا أنّ التعلّم لم يعُد يقتصر على التلقين، بل أصبح تجربة حياتيّة تتطلّب شراكة حقيقيّة مع الطالب. وأضاف أنّ الاعتراف برأي الطالب وإسهامه في قرارات تتعلّق بالمنهج والتقييم والأنشطة، يعزّز من انخراطه ويطوّر قدراته القياديّة، مستشهدًا بمقولة الباحثة ليندا لامبرد: "الطالب القائد هو من وجد صوته.، منوّهًا إلى أنّ بناء ثقافة مدرسيّة تستند إلى صوت الطالب يتطلّب تخطيطًا وتدريبًا، وممارسات واعية تبدأ بالإصغاء الحقيقيّ، وبإشراك الطلّاب في صنع القرارات، بما لا يُضعف دور المعلّم، بل يُعزّز الشراكة التربويّة، معقّبًا بأنّ الطالب القائد هو ذاك الذي وفّرت له المدرسة المساحة ليُسمع صوته، ويشارك من دون خضوع أو تقييد، بل بوصفه شريكًا في التغيير.

وفي سياق الحديث عن العدالة التربويّة ودور الطالب شريكًا فعليًّا في قيادة التغيير، وجّه الأستاذ كرامي سؤالًا إلى الأستاذ ربيع المرّ حول رؤيته إلى علاقة صوت الطالب بكلّ من العدالة التربويّة والقيادة التشاركيّة.

قدّم الأستاذ ربيع المرّ مداخلة حول ارتباط صوت الطالب بمفاهيم العدالة التربويّة والقيادة التشاركيّة، مشيرًا إلى أهمّيّة دمج الطلّاب بوصفهم أطرافًا فاعلة في قرارات الإدارة المدرسيّة، بل وفي الأبحاث التربويّة نفسها؛ لا بوصفهم مبحوثين فقط، بل مشاركين في جمع البيانات وتحليلها ونشر نتائجها. وأضاف أنّ إشراك الطلبة في عمليّات التقييم، وحتّى التوظيف، يمثّل تحوّلًا جذريًّا في رؤية المدرسة إلى الطالب.

وأوضح أنّ تحقيق صوت الطالب لا يمكن أن يكون هامشيًّا أو رمزيًّا، بل يجب أن يتحوّل إلى جزء جوهريّ من بنية العمل داخل المدرسة. وأكّد أنّ إشراك الطالب في قرارات إدارة المدرسة هو أحد أهمّ المؤشّرات على تحقق هذا الصوت. فصوت الطالب لا يُفعّل بإضافة أنشطة فقط، بل من خلال دمجه في هيكليّة اتّخاذ القرار على مستويات متعدّدة. ومن منظور البحث التربويّ، دعا الأستاذ ربيع إلى إعادة تعريف الطالب باحثًا شريكًا، لا عنصرًا يُدرس أو يُقاس فقط. أي أن يُشرك الطلبة في جمع البيانات وتحليلها ونشرها، ليكونوا جزءًا من عمليّات التقييم والتحسين المؤسّسيّ، ما يعزّز من قدراتهم النقديّة ويُنمّي لديهم الشعور بالمسؤوليّة.

وأضاف أنّ صوت الطالب يجب أن يُفعّل على المستويين العموديّ والأفقيّ؛ فعلى المستوى العموديّ، يمكن للطلاب المشاركة حتّى في قرارات محوريّة، مثل تقييم المعلّمين المرشّحين للتوظيف، وإبداء رأيهم بشأنهم. وعلى المستوى الأفقيّ، تتمثّل المشاركة في التوسّع المدرسيّ، وتطوير السياسات، وتنويع أساليب التعليم. واختتم بالقول إنّ صوت الطالب لا يمكن فصله عن مفاهيم التعلّم التشاركيّ، والتعليم الحواريّ، والتعليم التحرّريّ، مؤكّدًا أنّ هذه النظريّات التربويّة، على اختلاف تطبيقاتها بحسب السياق، تفقد جوهرها إن لم تتأسّس على إشراك الطالب في صلب التجربة التعليميّة. وأوضح أنّ صوت الطالب ليس شعارًا، بل ممارسة قائمة على مفاهيم التعلّم الحواريّ، والتعليم التشاركيّ، وتنمية الوعي النقديّ، بما يتلاءم مع خصوصيّة كلّ مدرسة ورؤيتها.

 

وفي استكمال النقاش، وجّه الأستاذ كرامي سؤالًا إلى الأستاذة دلال مشرقي حول المفاهيم النظريّة التي يستندون إليها في دعم صوت الطالب، مستعرضًا أيضًا تجربتها في برنامج البكالوريا الدوليّة.

استهلّت الأستاذة مشرقي مداخلتها باقتباس ملهم للدكتور غازي القصيبيّ: "إذا أردت أن تبني مجتمعًا واعيًا، فابدأ بالطالب، علّمه كيف يقول رأيه بثقة وكيف يحترم رأي غيره." وأكّدت أنّ هذا هو جوهر ندوة اليوم: فتح المجال أمام صوت الطالب ليُسمع ويُحترم ويُفعّل.

وتحدّثت عن التجربة التربويّة في مدارس الظهران - السعودية، والتي تتبنّى برنامج البكالوريا الدوليّة (PYP)، حيث تُبنى الممارسات التربويّة على رؤية تُعزّز من تمكين الطالب ليكون مفكّرًا ومتعلمًا مدى الحياة، ثنائيّ اللغة، ومؤثّرًا محليًّا وعالميًّا. وأوضحت أنّ أحد المفاهيم المركزيّة التي يقوم عليها البرنامج هو مفهوم "القوى المحرّكة"، والتي تتكوّن من ثلاث ركائز مترابطة: الصوت، والاختيار، والملكيّة، حيث يُدرّب الطالب على التعبير عن رأيه، واتّخاذ قراراته، وتحمّل مسؤوليّة تعلّمه، ما يُكسبه إحساسًا بالملكيّة تجاه إنجازاته، ويُطوّر هويّته الشخصيّة. وأضافت أنّ هذه المقاربة تسهم في تطوير مهارات التفكير النقديّ والإبداع والاستقلاليّة. كما تمنح الطلّاب فرصًا واقعيّة لتجربة أثر قراراتهم، والتعلّم من خلال التفاعل والملاحظة والمشاركة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ الهدف هو بناء طالب مبادر، مفكّر، متواصل بفاعليّة.

 

في سياق مكمّل، طرح الأستاذ فهمي سؤالًا على الأستاذة رولا عبد الحميد، حول مدى قرب مدارسنا وتجاربنا اليوميّة من هذا المفهوم.

أشارت الأستاذة رولا إلى أنّ فكرة الطالب القياديّ تتأثر بثقافة المدرسة، والبيئة المحيطة، والأسرة. وأكّدت أنّ تطبيق هذا المفهوم يختلف من مدرسة إلى أخرى. ففي حين يُمارَس في بعض المدارس بشكل فعليّ، يظهر في مدارس أخرى بصورة شكليّة، بحسب عمق قناعة المدرسة وثقافتها بأهمّيّة دور الطالب في القيادة والمشاركة. وأشارت إلى أنّ بناء هذا الدور ليس لحظة عابرة، بل هو سلوك تربويّ يتطلّب سنوات من التأسيس، ما يستوجب وضع برامج واضحة وممنهجة للمهارات القياديّة، تبدأ منذ السنوات الأولى.

وأضافت أنّ التباين في تطبيق المفهوم يرتبط بنوع المدرسة (حكوميّة أو خاصّة أو دوليّة)، إذ تختلف الرؤية والأهداف من مؤسّسة إلى أخرى. وقدّمت مدرسة البيان في الأردن مثالًا، حيث تتقاطع سمات الطالب مع البرنامج المنهجيّ في إطار متكامل، يُعزّز شخصيّة الطالب ضمن ثقافة مدرسيّة واضحة ومبنيّة على معايير القيادة. كما أشارت إلى أنّ بعض مدارس البكالوريا الدوليّة، وعلى رأسها مدارس البيان، تدمج سمات الطالب داخل ملفّه الأكاديميّ، ما يخلق تجربة تربويّة شاملة ترتكز على الطالب، وتُراعي ثقافته وسياقه. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ تحقيق نموذج الطالب القياديّ يتطلب تكامل الرؤية بين الإدارة والمعلّمين والأهل، لضمان تطبيق حقيقيّ وفاعل لهذا النموذج في عالمنا العربيّ، على رغم التحدّيات.

 

المحور الثاني: ممارسات من الميدان: تجارب مدرسيّة في تفعيل صوت الطالب.

وفي انتقال نوعيّ من الطرح النظريّ إلى التطبيق العمليّ، ناقشت الندوة سؤالًا محوريًا مع الأستاذة دلال مشرقي حول تجربة مدارس الظهران الأهليّة في تعزيز صوت الطالب من مختلف الزوايا.

قدّمت الأستاذة مشرقي عرضًا لتجارب ملموسة من المدرسة، موضحة أنّ تعزيز صوت الطالب منذ السنوات المبكّرة يبدأ بأنشطة مثل المكتبات الصفّيّة، حيث يُشارك الطلّاب في ترتيب الكتب وتصنيفها وفقًا للفئات العمريّة والمستويات القرائيّة، بإشراف المعلّمين. كما يُؤخذ رأي الطلبة في نوعيّة القصص التي يُرغب في إضافتها إلى المكتبة، بما يمنحهم إحساسًا بالملكيّة تجاه العمليّة التعليميّ. ومن المبادرات البارزة التي أشارت إليها، استضافة الكاتبة كارولين حمادة في لقاء افتراضيّ مع الطلّاب، قرأت فيه قصصًا بأسلوب تفاعليّ، ثمّ أُضيفت كتبها إلى المكتبات الصفّيّة، ما عمّق العلاقة بين الطالب والكتّاب، وأشعرهم بأنّهم شركاء في إثراء المحتوى.

كما تحدّثت عن معرض البكالوريا الدوليّة الذي يُمثّل مشروع تخرّج طلبة الصفّ الخامس، ويقوم فيه الطلبة باختيار مواضيعهم، وتصميم مشاريعهم، وتحمّل المسؤوليّة الكاملة عنها حتّى الإنجاز النهائيّ. كذلك يُتيح لهم البرنامج اختيار مواضيع الكتابة الفرديّة، والتي تُنشر في مكتبة المدرسة، ما يمنحهم منبرًا حقيقيًّا لإبراز صوتهم وتفرّدهم. وأشارت أيضًا إلى احتفاليّة "وحدة القصص"، حيث يقوم الطلبة بتحليل الشخصيّات القصصيّة وتأمّل تأثيرها في حياتهم، ثمّ يعيدون تمثيل القصص أو سردها بأساليب مبتكرة تعبّر عن رؤيتهم، ما يعزّز الخيال النقديّ والتعبير الذاتيّ. كما يُعمَل على تنمية التفكير النقديّ واتّخاذ القرار من خلال مشاريع صفّيّة تطرح مشكلات واقعيّة يُطلب من الطلبة البحث فيها، واقتراح حلول لها. ومن أدوات التقييم اللافتة التي تستخدمها المدرسة، السماح للطلبة بالمشاركة في وضع معايير التقييم، مثل: "ما صفات المتحدّث الجيّد؟" حيث يُنتج الطلّاب مجموعة من المعايير التي تُستخدم لاحقًا لتقييم أنفسهم بأنفسهم. وختمت الأستاذة مشرقي مداخلتها بالإشارة إلى أنّ المدرسة تُشجّع الطلبة على اختيار عمل يشعرون بالفخر به، ليقوموا بعرضه أمام زملائهم، ما يُعزّز الثقة بالنفس واتّخاذ القرار.

 

وفي مداخلة مكمّلة، أجاب الأستاذ ربيع المرّ عن سؤال حول أدوات تفعيل صوت الطالب داخل الصف، مشدّدًا على أهمّيّة خلق فرص دائمة ومنظّمة تمكّن الطلاب من طرح الأسئلة حول جذور المشكلات داخل بيئتهم المدرسيّة، والمشاركة في تطوير السياسات والممارسات التربويّة. وأشار إلى أنّ جائحة كورونا شكّلت نقطة تحوّل، إذ بدأت المدارس في التساؤل عمّا إذا كانت مناهجها لا تزال تحاكي الواقع. وأوضح أن المعلّمين تعلّموا الكثير من خلال سماع صوت الطلاب.

وعرض تجربة بحثيّة أجراها خلال رسالة الدكتوراه، بمشاركة 21 طالبًا، حيث استخدمت أساليب البحث التشاركيّ بين المعلّمين والطلبة. توصّل البحث إلى نتائج مهمّة حول المجالات التي يجب أن تبدأ فيها المدارس التغيير، وأصبح الطلاب جزءًا من وضع خطة تنفيذ حقيقيّة وتقييمها. وأكّد أنّ الطلبة لم يُعامَلوا بوصفهم مشاركين رمزيّين، بل أطرافًا متساوية في اتّخاذ القرار، وهو ما تطلّب التحرّر من الفرضيّة السائدة بأن "المعلّم دائمًا الأعلم بمصلحة الطالب"، وفسح المجال لتعدّد الرؤى.

 

تقدّم الأستاذ كرامي بالشكر للمشاركين، مؤكدًا أنّ ما طُرح من مبادرات يُجسّد كيف يُمكن لصوت الطالب أن يكون حجر الزاوية في العمليّة التعليميّة، وسأل عن أثر هذه التجارب في بناء شخصيّة الطالب.

أجاب الأستاذ بول سعيد بسرد ثلاث تجارب محوريّة في مدرسة البيان ثنائيّة اللغة في الكويت:

أولًا: مراجعة سياسات الحضور والانضباط، حيث أُشرك الطلاب في مجموعات تركيز لمراجعة الممارسات القائمة واقتراح بدائل. لم تكن المشاركة رمزيّة، بل حقيقيّة، حيث ظهر حرص الطلاب على مصلحة المدرسة، ما عزّز الثقة المتبادلة.

ثانيًا: مبادرة "المدرّبون الصغار" في المرحلة الابتدائيّة، التي جاءت استجابةً لشكوى الطلّاب من الملل والتنمّر في الاستراحة، تولّى فيها طلّاب مهمّة تنظيم الأنشطة والألعاب، واختاروا بأنفسهم ما يناسبهم، ما أسهم في تحويل وقت الفرصة إلى مساحة إيجابيّة للتفاعل وبناء الروابط.

ثالثًا: رحلة مجتمعيّة إلى تنزانيا نظّمها عدد من الطلّاب، حيث قاموا بالتنسيق مع جمعيّات، وكتبوا المقترح، وجمعوا التبرّعات، ونفّذوا الرحلة بنجاح لخدمة أطفال إحدى القبائل في تنزانيا. لم تكن مجرّد تجربة خارجيّة، بل نموذجًا حقيقيًّا للقيادة الذاتيّة والمسؤوليّة المجتمعيّة.

وأوضح الأستاذ بول أنّ المساحة المتاحة للطالب، مهما كانت مختلفة في حجمها وشكلها، تظلّ العامل المشترك لنجاح هذه المبادرات. والثقة بالطالب هي العنصر الجوهريّ الذي يُحدث الفرق.

في تعقيبٍ لاحق، شاركت الأستاذة رولا عبد الحميد تجارب مؤثّرة من مدرسة البيان في الأردن، أبرزها:

  • - دور قسم الإرشاد التربويّ في بناء ثقة الطالب، في جلسات حوارية تشاركيّة مع الطلبة وأهاليهم.
  • - مجلس الطلبة الذي يُنظَّم عبر الترشيح والانتخاب وفرز الأصوات، ما يزرع بذور الديمقراطيّة، ويُشعر الطالب بالمسؤوليّة.
  • - تجربة رائدة في إعادة صياغة دليل الانضباط الطلابيّ بعد مشاورات مع الطلبة من مختلف المراحل التعليميّة، إضافة إلى مشاركة أولياء الأمور والمعلّمين، ليصبح هذا الدليل وثيقة حيّة تُناقَش سنويًّا، وتعكس مشاركة الطلّاب بفعّاليّة.
  • - برنامج المهارات الحياتيّة والمناظرة، الذي يُدرّب الطلبة على الإلقاء، والتفكير النقديّ، والمناقشة العلميّة. وأشارت إلى أنّ هذه المهارات تظهر جليًّا في مشاركات الطلّاب في مؤتمرات علميّة وإنسانيّة وفق اهتماماتهم.

كما استعرضت تجربة "نموذج الأمم المتحدّة (MUN)" الذي نظّمه بالكامل أربعة طلّاب، بحضور أكثر من 160 طالبًا و13 مدرسة، برعاية مؤسّسات رسميّة، ما شكّل نموذجًا يُحتذى به في القيادة الطلّابيّة. وذكرت مبادرة "أحتفي بتعلّم ابني" التي فتحت فيها المدرسة أبوابها أمام الأهالي ليشاهدوا أداء أبنائهم في تقديم دروس علميّة، ما عزّز فخر الطلبة بأنفسهم، وأظهر قدراتهم التعبيريّة، وهو نشاط سيُعمّم سنويًّا في ضوء نتائجه المبهرة. واختتمت حديثها بالتأكيد على أنّ تعزيز دور الطالب القياديّ غيّر بشكل جوهريّ، سلوك بعض الطلاب الذين كانوا يُصنّفون سابقًا بالمشاغبين أو المهمّشين، إذ أصبحوا فاعلين داخل لجان الانضباط، يحثّون زملاءهم على احترام القوانين، نتيجة شعورهم بالانتماء الحقيقيّ للمدرسة.

 

المحور الثالث: نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة.

في ختام الندوة، انتقل النقاش إلى عنوان "نحو هياكل مستدامة لتعزيز صوت الطالب: إعادة توزيع السلطة وبناء شراكات فاعلة". وتركّز الحديث على التحدّيات التي تواجه المدارس في تطبيق هذا المفهوم وتفعيله على المدى البعيد.

استهل الأستاذ ربيع المرّ هذا المحور بالإشارة إلى أنّ الاعتراف بوجود فجوات في المنظومة التعليميّة، هو أوّل خطوة نحو التطوير الحقيقيّ. وأكّد أنّ إشراك الطالب لا يعني التنازل عن دور الإدارة، بل هو توسيع لدائرة التأثير، وخلق بيئة تعليميّة مشتركة. وطرح تجربة قيّمة تمثّلت في دعوة طلّاب من مختلف المراحل إلى المشاركة في مشروع بحثيّ استمرّ خمسة أشهر، تناول تقييم المدرسة واقتراح سبل تطويرها. اجتمع فيه الطلاب أسبوعيًّا مع مديري المدرسة والإدارييّن، وناقشوا السياسات التعليميّة بشكل مباشر، ما عزّز الشعور بالمسؤوليّة، والقدرة على التأثير في القرار التربويّ.

وفي ما يتعلّق بتحدّيات إشراك الأهل، أوضحت الأستاذة دلال مشرقي أنّ أحد المحاور الأساسيّة لتفعيل صوت الطالب، يكمن في تأهيل المعلّمين أوّلًا عبر تدريب مستمرّ، وتطوير خطط التدريس لتكون أكثر مرونة وتكاملًا مع واقع الطالب. وأضافت أنّ المدرسة تعتمد على أدوات مثل الاستبيانات، اللقاءات الفرديّة، والأنشطة المجتمعيّة لتعزيز التواصل مع الأهالي، وربطهم بخطط المدرسة وأهدافها.

 

من جانبها، أكّدت الأستاذة رولا عبد الحميد أنّ جزءًا كبيرًا من التحدّيات، يكمن في إعادة تعريف النجاح التربويّ، ليشمل المهارات والسلوكيّات القياديّة، وليس فقط النتائج الأكاديميّة. وشدّدت على أهمّيّة شفافيّة المدرسة مع الأهالي في توضيح لماذا يُركَّز على مهارات الحوار والنقاش والمناظرة؟ ولماذا أصبح تقييم الطالب يتجاوز العلامة النهائيّة ليشمل أداءه في الحياة المدرسيّة؟

بدوره، أضاف الأستاذ بول سعيد أنّ النجاح في ترسيخ صوت الطالب يعتمد على بناء شراكات خارج المدرسة أيضًا، مؤكّدًا ضرورة التعاون بين المدارس والجهات الحكوميّة، والقطاع الخاص، والمؤسّسات الأهليّة. وأشار إلى مبادرات تعاونت فيها المدرسة مع مؤسّسة الكويت للتقدّم العلميّ، والهيئة العامّة للبيئة، وشركات خاصّة، حيث قُدّمت تدريبات ميدانيّة للطلبة، ومنافسات تعليميّة مرتبطة بالمنهاج الأكاديميّ، بما يعزّز التعلّم العمليّ، ويمنح الطالب صوتًا حقيقيًّا في بيئته الأوسع. وشدّد في ختام مداخلته على أنّ الأولويّة يجب أن تكون دائمًا للتعليم المرتبط بالحياة الواقعيّة، وأنّ كلّ ذلك يبدأ من تمكين المعلّم ودعمه بالوقت والوسائل لتفعيل هذه الرؤية داخل الصفّ.

 

واختتم الأستاذ كرامي الندوة بالتأكيد على أنّ صوت الطالب ليس تهديدًا للنظام التعليميّ، بل هو أحد دعائمه. وأنّ تحقيقه لا يعني سحب السلطة من الإدارة، بل إعادة تنظيمها بشكل أكثر إنصافًا وتشاركيّة. واعتبر أنّ الاندماج الحقيقيّ بين الطالب والمعلّم هو ما يُنتج بيئة تعليميّة آمنة ومنتجة ومستدامة، تعود بالنفع على الطالب والأسرة والمجتمع ككلّ.