الرئيسية

في هذا العدد

العدد (22) خريف 2025

ظروف كثيرة أودت بنا إلى هذا الوضع، وحشرتنا في دائرة استهلاك ما يُقدّم إلينا، بغثّه وسمينه. وإذا كان السمين كثيرًا، وهو عصارة جهود مفكّرين وتربويّين وفلاسفة، إلّا أنّ إيقاع حياتنا السريع القائم على تعزيز منحانا الاستهلاكيّ، يقضم من قدرتنا على التمييز والاختيار.  والأمر أن إدارة الصفّ تستدعي ممارسة ديمقراطيّة من المعلّم، وتفكيرًا بفاعليّة الذات عند المتعلّم. وإذا كان المعلّم الحديث ينحو إلى الدمقرطة ذاتيًّا أو بقرار خارجيّ (وهو فرض للديمقراطيّة!)، فإنّ ما يشهده المتعلّمون بأنفسهم، وبمراقبة حياة أهليهم ومسار القرارات في مجتمعاتهم، لا يشي بشيء من التدريب على الفاعليّة الذاتيّة. وبغياب فهم المتعلّم دوره في الصفّ، يسقط في أيدي المعلّمين وتتهاوى الإدارة التي لا تتّكل على التهديد. مشاكل إدارة الصفّ تنبع من تفكّك صور المجتمع الذاتيّة، فيصير هذا الاجتماع لذواتات مختلفة لا تتّفق على أسلوب، أو هدف، أو احترام تفرّد حقيقيّ. وبين مطالبة المعلّم بصفّ هادئ، وحشره باستراتيجيّات تفاعليّة تكسر الهدوء، هل ننتظر أن يرتاح المعلّمون إلى ما يُطلب إليهم؟

ملفّ العدد القادم

دعوة إلى الكتابة في ملفّ العدد 23: التعليم الشامل.. طرائق وتجارب واستراتيجيّات

في تعريف التعليم الشامل أو الجامع، لا بدّ من التمييز بين التعليمين الشموليّ والشامل: فالتعليم الشامل ترجمة Inclusion، والتعليم الشموليّ ترجمة Holistic. إذًا الحديث عن توجّهين تعليميّين مختلفين في المقاربات والاستراتيجيّات والأهداف. في ملفّ العدد 23 من منهجيّات، نتناول موضوع التعليم الشامل، والذي يظهر من ترجمته هذه توجّهًا إلى شمول التعليم كلّ المتعلّمين الموجودين في مكان التعلّم، أكان صفًّا أم تجمّعًا في مكان مفتوح بغرض التعلّم. وهذا الكلام قد يبدو بديهيًّا إن لم نغص فيه، لأنّ الكثير من الممارسات التعليميّة، ولا سيّما تلك التي تنطلق من منهاج ثابت وموحّد لجميع المتعلّمين في مرحلة محدّدة، تتميّز بمستوى موحّد من التدريس والنشاطات والمقاربات والتوقّعات والتقييمات. وفي هذه الممارسات تحييد لمتعلّمين كثيرين موجودين في الصفّ الواحد، وهم بالطبع لن يكونوا على مستوى واحد من القدرات والأمزجة التعلّميّة والتفضيلات وغير ذلك. التعليم الشامل الذي تطوّر من دمج المتعلّمين ذوي الصعوبات التعلّميّة، ليصل إلى شمول التعليم كلّ المتعلّمين في الصفّ على اختلافاتهم، يعني ألّا يترك متعلّم من غير تعليم يناسبه، على رغم وجود معايير ثابتة تحدّدها المناهج والكتب والموادّ التعليميّة، وذلك تحقيقًا للعدالة الحقيقيّة في التعليم؛ إذ كيف يمكن توقّع مستوىً واحد من متعلّمين مختلفي الأعمار؟ أو يأتون من بيئات اجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة مختلفة؟ كما إنّ الأمر ينطبق على المتعلّمين ذوي الصعوبات التعلّميّة في المدارس الدامجة، أي كيف يشمل التعليم في الصفّ الجميع؟ الجهود العظيمة التي يبذلها المعلّمون لكي يضمنوا حقّ كلّ متعلّم في التعليم، داخل الصفّ والمجموعة، من غير تمييزه أو عزله بوصفه "حالة فرديّة"، لا يمكن إلّا الانحناء أمامها، والتركيز على ضرورة دعم المؤسّسة التربويّة للمعلّمين في جهودهم هذه كي يجعلوا مهمّتهم أكثر سلاسة، وأقلّ إنهاكًا. هذه الأسئلة محور ملفّنا للعدد 23 من منهجيّات، والذي يركّز على تجارب المعلّمات والمعلّمين وخبراتهم في التعامل مع تنوّع طلبتهم. وسنحبّ أن نقرأ عن هذه التجارب في واحد من المواضيع الآتية: 1. التعليم الشامل في الصفوف مختلفة الاعمار، ولا سيّما في الكثير من البيئات الريفيّة. كيف تعامل المعلّم مع هذا الواقع، وهل كانت الاستراتيجيّات والمقاربات التي استعملها مرضية له؟ 2. التعليم الشامل والمناهج الثابتة: كيف تعامل المعلّم مع جمود المناهج ومخرجات التعليم، كي يشمل التعليم الجميع في الصفّ؟ وما دور الإدارة التربويّة في رفد هذه المحاولات أو إعاقتها؟ 3. التعليم الشامل في الصفوف الدامجة: كيف جعل المعلّم الدمج حقيقيًّا؟ ما المصادر التي لجأ إليها لإعانته في مهمّته؟ وما دور المدرسة والمشرفين التربويّين في العمليّة؟ 4. التعليم الشامل في الصفوف المتنوّعة الجنسيّات: كيف استطاع المعلّم تخطّي الفروقات اللغويّة والثقافيّة في الصفّ لإنشاء تعليم يطال الجميع؟ علامَ ركّز، وماذا استثنى؟ 5. التعليم الشامل في البيئات المختلفة في المرجعيّة الثقافيّة والاقتصاديّة: كيف يمكن تطويع التعليم كي لا يستثني احدًا في المستويات والأنشطة والتوقّعات؟ ما القاسم المشترك الذي تمحور حوله التعليم؟ 6. التعليم الشامل في أوقات الأزمات: كيف جرّب المعلّم تأمين تعليم شامل للمتعلّمين في أوقات الأزمات؟ وفي زمن الحرب، مثل غزّة والضفّة وجنوب لبنان، ما الممارسات التعليميّة التي هدفت إلى تأمين تعليم لطلّاب مختلفين وتحت الصدمة؟ 7. ممارسات تعليميّة أمّنت العدالة في التعليم لمتعلّمين مختلفين.   وغير ذلك ممّا فاتنا من التعليم الشامل في تجارب التربويّين العرب الغنيّة، بالمعنى الإيجابيّ والسلبيّ لهذا الغنى. سنستقبل مشاركاتكم حتّى 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، على الإيميل: [email protected]

أخبار تربويّة

مركز الدراسات اللبنانيّة: تقرير جديد يكشف الضغوط غير المسبوقة على التعليم في لبنان

أصدر مركز الدراسات اللبنانيّة تقريره السنويّ لعام 2025 حول واقع التعليم، مسلّطًا الضوء على استمرار الصعوبات الماليّة والانقطاعات التعليميّة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة والعدوان الإسرائيليّ الأخير. ويستند التقرير إلى استطلاع شمل أكثر من ألف ولي أمر من مختلف المحافظات اللبنانيّة، ما يتيح تتبّع أوضاع الأسر خلال أربع سنوات متتالية. أظهر التقرير أن 46% من الأسر نقلت أبناءها من المدارس الخاصة إلى الرسميّة بسبب عدم القدرة على تحمّل الرسوم، فيما أشار ثلثا الأهالي إلى أنّهم يواجهون دائمًا صعوبة في تسديد الفواتير المنزليّة، ويعتمدون على الاستدانة لتغطية نفقات المعيشة والتعليم. كما بيّنت النتائج أنّ 9% من الأطفال النازحين لم يتمكّنوا من الالتحاق بالمدرسة هذا العام، في حين لم يُبدِ سوى 25% من الأهالي ثقة بقدرة أبنائهم على مواصلة تعليمهم. ويوصي التقرير باتخاذ تدابير عاجلة تشمل تنظيم أقساط المدارس الخاصّة بما يتناسب مع دخل الأسرة، والحفاظ على مجّانيّة التعليم الرسميّ وضمان جودته، وتوفير دعم موجّه للعائلات المتأثّرة بالنزوح والاعتداءات، لضمان حقّ الأطفال في تعليم عادل ومستقرّ. التقرير من هُنا.

إصدارات ترشيد التربويّة تُطلق الجزء الثالث من مشروع "عبور التخصّصات والخِطابات: منهجيّات وتطبيقات في التعليم التكامليّ"

أطلقت إصدارات ترشيد التربويّة الجزء الثالث من كتاب "عبور التخصّصات والخِطابات: منهجيّات وتطبيقات في التعليم التكامليّ"، والذي حمل عنوان "عبور الخطابات التاريخيّة والسرديّة إلى البيئات التعليميّة"، من تأليف: د. وائل كشك. يتكامل هذا المشروع بأجزائه الأربعة ليقدّم منهجيّة تعليميّة شاملة تعزّز التفكير النقديّ، والتحليل البصريّ أو التاريخيّ، أو السرديّ. ومن خلال الربط بين هذه الأجزاء، يقدّم رؤية متكاملة تتيح للطلّاب والمعلّمين تطبيق المعارف والمهارات بطرائق متعدّدة ومتنوّعة، ممّا يثري العمليّة التعليميّة ويجعلها أكثر فاعليّة وتفاعلًا مع تحدّيات العصر الحديث.   الجزء الثالث: عبور الخطابات التاريخيّة والسرديّة إلى البيئات التعليميّة ينطلق هذا الجزء من رؤيةٍ تسعى لإعادة تعريف دَور المعلّم ليكون موجّهًا ودليلًا يقود الطلّاب إلى فهم أعمق للمواضيع، بدلًا من الاقتصار على تقديم المعلومات. ومن خلال التركيز على الخطابين التاريخيّ والسرديّ، يصبح في إمكان المعلّمين توسيع آفاق الدروس التقليديّة على نحو يمنح المتعلّمين فرصة للاطّلاع على تجارب الماضي وفهم مغزى الأحداث والقصص من الناحيتين الاجتماعيّة والثقافيّة. إنَّ عبور التخصّصات المدرسيّة التقليديّة ليس هدفًا في حدّ ذاته بقدر ما هو وسيلة لإثراء التجربة التعليميّة؛ إذ يصبح الطالب قادرًا على رؤية الروابط بين جوانب مختلفة من المعرفة، مثل التاريخ والأدب والفنّ والعلوم الاجتماعيّة. ينقسم الجزء الثالث إلى ثلاثة أقسام رئيسة تشمل تسعة فصول مترابطة، يقدّم القسم الأوّل أسس التكامليّة والتواصليّة بين المعارف، ويستعرض المفاهيم الفلسفيّة والتاريخيّة للخطابَين التاريخيّ والسرديّ. بينما يتناول القسم الثاني سُبل تفعيل الخطاب التاريخيّ في التعليم عبر تحليل الخُطب والصور والوثائق والأفلام التاريخيّة، موفّرًا أنشطة ومهمّات عمليّة قابلة للتطبيق في الصفوف الدراسيّة. أمّا القسم الثالث فيركّز على الخطاب السرديّ بأشكاله الحكائيّة والأسطوريّة والقصصيّة والروائيّة، مبيّنًا كيف يمكن توظيفها لتعزيز الخيال والتحليل النقديّ وربط المعرفة بالواقع الثقافيّ والاجتماعيّ. نأمل أن يجد المعلّمون والمتخصّصون في هذا الجزء دليلًا عمليًّا يمكّنهم من استثمار الخطابين التاريخيّ والسرديّ بطرائق متعدّدة، أكان ذلك في إطار المقرّرات المدرسيّة أم في الأندية الطلّابيّة والأنشطة الميدانيّة. ونتطلّع إلى أن يؤدّي هذا المحتوى إلى تعزيز روح النقد والابتكار لدى الطلّاب، وتمكينهم من فهم تراثهم التاريخيّ والثقافي فهمًا أكثر عمقًا، وأن يزوّدهم بأدوات فكريّة تُعينهم على تفسير عالمهم المعاصر والمساهمة الفاعلة في تطوّره. لا بدّ من الإشارة إلى أنّ محتوى الأنشطة والمهمّات والمشاريع صُمّم بعناية ليكون متوازنًا بين الشموليّة والمرونة. لم نغرق في التفاصيل الدقيقة، ولم نقدّم "وصفات" بيداغوجيّة جاهزة، لأننا نؤمّن بقدرة المعلّمين على الاستفادة من هذه الأنشطة بطرائقهم وأساليبهم الخاصّة التي تتناسب مع احتياجاتهم. وفي مقابل ذلك، فإنّ ما تشتمل عليه من أنشطة ومهمّات ومشاريع لم تكن تعوزها المعلومات، بل حرصنا على تضمينها ما يقتضيه السياق من المعلومات التي توضّح المتطلّبات لتحقيق الأهداف التعليميّة المرجوّة. وبهذا الإصدار، تُواصل إصدارات ترشيد التربويّة سعيها لتقديم محتوى علميٍّ ومهنيٍّ يسهم في تطوير الفكر التربويّ العربيّ، ويزوّد المعلّمين بالأدوات المفاهيميّة والتطبيقيّة لبناء بيئات تعلمٍ أكثر وعيًا وفاعليّة.   وصدر عن إصدارات ترشيد التربويّة ثلاثة عشر إصدارًا تربويًّا متخصّصًا، هي: "عقليّة التساؤل" 2022، و"حلول مبتكرة لمشكلات سلوك الطلّاب في المدرسة" 2022، و"نحو معلّم فاعل في التعليم الوجاهيّ والإلكترونيّ" 2022، و"الممارسات المهنيّة للمدرّسين: بين النظريّة والتطبيق" 2023، و"ما الذي يحدث داخل المدرسة؟" 2023، و"التعليم الدامج للطلّاب ذوي الإعاقتين: البصريّة والسمعيّة" 2023، و"تطوير برامج التربية العمليّة لمعلّمي ما قبل الخدمة في ضوء المدخل التأمّليّ السرديّ" 2023، و"التدريس والمنهاج القائمان على المفاهيم: لغرفٍ صفّيّة مفكّرة"، 2024. و"عبور التخصّصات والخِطابات: منهجيّات وتطبيقات في التعليم التكامليّ"، 2024. "عبور التخصّصات - عبور الخِطابات البصريّة" 2025. "الاستقصاء القائم على المفاهيم في أطواره التطبيقيّة"، 2025. و"إصدارات ترشيد التربويّة" برنامج يهدف إلى نشر كتب متخصّصة في الحقل التربويّ العربيّ، وهو أحد برامج "ترشيد" التي أنشئت من قِبل المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات. تبادر "ترشيد" إلى تعزيز بيئات تعلّم مُستدامة من خلال مجموعة مشاريع تستجيب إلى حاجات المُجتمع التعلّميّ القطريّ بشكلٍ خاصّ، والعربيّ بشكلٍ عامّ، كما إلى احتياجات المعلّم العربيّ، عبر حوارٍ مُستمرّ معه، ومعرفة دقيقة وعميقة باحتياجاته، لزيادة فعاليّة خدمات المشاريع وضمان استدامتها. لمزيد من التفاصيل عن توزيع الكتاب تابعوا إصدارات ترشيد التربويّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ: فيسبوك تويتر انستغرام لينكد إن  

تجمّع مدارس تمام في الأردن يعقد ملتقى اللغة العربية بالتعاون مع الفريق الموجِّه لتمام الجامعة الأميركية في بيروت

عقد تجمّع مدارس تمام في الأردن، بالتعاون مع الفريق الموجِّه لتمام في دائرة التربية بالجامعة الأمريكية في بيروت، ملتقى اللغة العربية تحت عنوان: "التشبيك قوّة محرِّكة لقيادة التطوير"، وذلك يوم السبت الواقع في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2025 في العاصمة الأردنية عمّان. انعقد الملتقى برعاية معالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي والبحث العلمي في المملكة الأردنية الهاشمية، وبحضور الدكتورة ريما كرامي، وزيرة التربية والتعليم العالي في لبنان ومديرة "تمام". وقد شارك في الملتقى نحو 120 مشاركًا، من بينهم شخصيات من وزارة التربية في الأردن، إلى جانب نخبة من الممارسين التربويين وقادة المدارس من الأردن إضافة إلى مهتمين بتعليم اللغة العربية من أعضاء شبكة "تمام" المهنية من عدة دول عربية شملت الأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية والكويت. شكّل الملتقى محطة بارزة لاستعراض مسيرة مبادرة التشبيك التي انطلقت عام 2019 بمشاركة خمس مدارس رائدة في الأردن: مدارس العصرية، مدرسة البكالوريا عمّان، مدرسة البيان، المدرسة المعمدانية، ومدرسة الأهليّة والمطران. وقد ساهمت المبادرة التي ما زالت مستمرة حتى اليوم في إبراز أثر التعاون بين هذه المدارس في تطوير تعليم اللغة العربية، انطلاقاً من رؤية مشتركة للعمل على مشروع تطويري موحّد يعالج تحديات تعليم اللغة العربية من خلال تبنّي نهج "تمام" في التطوير المستند إلى المدرسة. هدف الملتقى إلى عرض مشروع تطوير تعليم اللغة العربية الذي استمر على مدى أربع سنوات بمشاركة نخبة من التربويين والخبراء، وإرساء قنوات تعاون تربوي بين مدارس الأردن والوطن العربي خدمة للطلبة وتعزيزًا للجهود الهادفة إلى تجديد تعليم اللغة العربية. افتتحت معالي الدكتورة ريما كرامي الملتقى بكلمة شدّدت فيها على دور البحث الإجرائي التعاوني كاستراتيجية جوهرية لردم الهوّة بين العالم الأكاديمي والممارسين وصانعي السياسات. كما أشادت بمبادرة التشبيك بين مدارس الأردن لتحسين تعليم اللغة العربية، واعتبرتها نموذجًا عربيًا رائدًا يدمج الهوية الثقافية العربية مع الابتكار التربوي المعاصر، داعيةً وزارة التربية والتعليم الأردنية إلى منحها كامل الاهتمام ودمجها في الخطة الاستراتيجية للتطوير التربوي، وتوسيع أثرها ليشمل المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء. تلت كلمة د. كرامي كلمة لراعي الملتقى، معالي الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي والبحث العلمي في المملكة الأردنية الهاشمية. ركّزت كلمة الدكتور محافظة على مكانة اللغة العربية بوصفها هوية الأمة ووعاء فكرها، وعلى أهمية التشبيك بين المعلمين والمفكرين والمؤسسات بوصفه قوة دافعة لتجديد الفكر التربوي والنهوض باللغة العربية. كما أكد التزام وزارة التربية والتعليم بتطوير مناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها وتمكين معلميها، مشيرًا إلى أن الملتقى يشكّل منصة لتبادل الخبرات وإطلاق مبادرات وتوصيات عملية تعزز حضور اللغة العربية في التعليم والمجتمع. تضمّن برنامج الملتقى جلسات تفاعلية استُهلّت بعرض لانطلاقة مبادرة التشبيك حول مشروع تطويري موحّد قدّمته الأستاذة رولا القاطرجي، منسقة المبادرة من الفريق الموجّه لتمام في لبنان، بمشاركة أعضاء الفرق القيادية في مدارس الأردن: الأستاذة ديانا قموة من مدارس العصرية، والأستاذة فاتن زيادات والأستاذة حنان فرح من مدرسة الباكالوريا عمان، والأستاذة رلى عبد الحميد من مدرسة البيان، والأستاذة رينيه مزاهره من المدرسة المعمدانية. تلت ذلك جلسة أدارتها الدكتورة هنادي ديّة، الباحثة في مجال الألسنيّة التاريخيّة، ورئيسة كرسي معهد اللغة العربيّة للتميّز، ومديرة برنامج اللغة العربيّة في مدرسة الجالية الأميركيّة في أبوظبي، قدّمت خلالها تدريبًا عمليًا للحاضرين حول كيفية استخدام السلاسل المتّصلة لوصف ملامح المتعلّم ومستوى مهاراته اللغويّة في القراءة والكتابة والتخاطب.   كما قدّم مجموعة من الممارسين التربويين من المدارس المشاركة في المبادرة، عرضًا حول أثر تنفيذ المشروع على المعلمين والمتعلمين، متوقفين عند أبرز محطاته: الانطلاق بمشروع ملامح المتعلمين، التحديات، أشكال التشبيك، وما تم لمسه من نتائج. واختُتمت الجلسات العلمية بعرض للنتائج الأولية لدراسة بحثية تقييمية حول مبادرة التشبيك في مشروع اللغة العربية التطويري قدّمته الدكتورة جوليا محفوظ، أستاذة مشاركة في جامعة كولورادو دنفر – الولايات المتحدة الأميركية، بمشاركة أستاذة رنا بسج، طالبة الدكتوراه في الجامعة ذاتها. كما تضمّن الملتقى معرضًا للملصقات عرضت فيه المدارس المشاركة من داخل التجمّع وخارجه، إضافة إلى مدارس من عدة دول عربية، مبادراتها التطويرية في تعليم اللغة العربية، ما أسهم في تعميق الشراكات وتبادل الخبرات.

في كلّ عدد تختار منهجيّات قضيّة أو مفهومًا تربويًّا تخصّص له ملفًّا يشارك فيه خبراء وأكاديميّون ومعلّمون في مقالات وتجارب وتحليلات، تتناول الموضوع من جوانبه المختلفة. يشكّل الملفّ رافدًا مهمًّا للمعلّمين والباحثين والمهتمّين.

ضبط الصفّ المدرسيّ من الفعل الصلب إلى المهارة الناعمة 
لو أنّنا نفترض جدلًا غياب التربية والتعليم عن مجتمعاتنا الحديثة، فسيُعدّ ذلك انتكاسة لإنسانيّتها، ويستحيل على الفرد أن يصير إنسانًا ضمنها... تابع القراءة
تجربتي في إدارة صفّ يضمّ متعلّمين يعانون صعوبات تعلّميّة: تحدّيات غير مرئيّة
ما أدركته لاحقًا أنّ المتعلّم الذي يعاني صعوبات في التعلّم، غالبًا ما يُساء فهمه من طرف المعلّم، ويُصنّف "مشاغبًا" أو "كسولًا". هذا التصن... تابع القراءة

مقالات عن تجارب وتأمّلات وتقنيّات تعلّميّة – تعليميّة، غير مرتبطة بموضوع أو قضيّة محدّدة، ومفتوحة للمُشاركة دائمًا.

تدريس الرياضيّات عن طريق الفنون: متعة التعلّم
ناك حاجة ملحّة تقتضي إعادة النظر في الممارسات التعليميّة لتقديم المحتوى الرياضيّ، والانتقال إلى استراتيجيّات جديدة تركّز على المتعلّم، وت... تابع القراءة
 انهيار ذهنيّة القراءة الحرّة في عصر اقتصادات الانتباه
كان في بيتنا مكتبة. مكتبة جيّدة، فيها مئات الكتب الكبيرة؛ مجلّدات في التاريخ والسيرة والتفسير، وعدد من المعاجم الأساسيّة. في الرفّ السفلي... تابع القراءة

الندوة القادمة

ندوة منهجيّات الشهريًّة مساحة نقاش مفتوح يتناول موضوعًا يتجدّدُ، يشارك في الندوة مختصّون تربويّون ومعلّمون خبراء في موضوع الندوة.

ندوة: تمدّد مهنة التعليم خارج الصفّ: الأعباء الوظيفيّة للمعلّم، مشكلات واقتراحات

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر تشرين الأوّل/ أكتوبر 2025، بعنوان "تمدّد مهنة التعليم خارج الصفّ: الأعباء الوظيفيّة للمعلّم، مشكلات واقتراحات". وركّزت على محاور مختلفة، هي: 1. الأعباء الوظيفيّة العصريّة للمعلّم. 2. تجارب في التعامل مع الأعباء الوظيفيّة وتطويعها. 3. توصيات للتعامل مع الأعباء الوظيفيّة المتكاثرة. استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. ياسمين حسن، مستشارة تعليميّة ومدرّبة في التخطيط الاستراتيجيّ وإدارة الأزمات، مصر؛ أ. نور كرزون، مديرة مدرسة حكوميّة وباحثة ومُدرّبة، فلسطين؛ أ. عبير أدبيس، معلّمة لغة عربيّة، الأردنّ؛ أ. نزار عميري، معلّم مادّة الأحياء، لبنان. أدار الندوة أ. يسري الأمير، رئيس تحرير مجلّة منهجيّات ومستشار تربويّ في تعليم اللغة العربيّة، وبدأ بالتعريف بمجلّة منهجيّات وموقعها، بصفتها منصّة تفتح مساحةً للمعلّمات والمعلّمين من أجل نشر تأمّلاتهم، وفتح حوار مُشترك بينهم لتشارك تجاربهم وخبراتهم ومشكلاتهم وهمومهم وآمالهم. ومن ثمّ عرّج على أنّ ندوة هذا الشهر تُقارب موضوعًا بالغ الحساسيّة في حياة المعلّمات والمعلّمين، وهو تمدّد نطاق عملهم الوقتيّ والوظيفيّ خارج الدوام المدرسيّ. وداخل أ. الأمير أنّ التعليم المعاصر لم يعد متّكلًا على معلّمٍ عرّاف بمادّتهِ يدخل الغرفة الصفّيّة ليحاضر، ويخرج إلى بيتهِ خالي البال، بل صار التعليم مهنة شديدة التطلّب وحاضرة التكيّف والتطوّر. وأضاف أنّ هذا التطوّر في المهنة شكّل في كثير من الحالات إضافات إلى مهمّات المعلّم لا تعديلات لوظائفهِ، زادت على مهام المعلّم متطلّبات كثيرة، من دون أن تتغيّر واجباته المعهودة سابقًا، وتقع الندوة في قلب هذا النقاش.   المحور الأوّل: الأعباء الوظيفيّة العصريّة للمعلّم ما المطلوب من معلّم اليوم؟ بدأ أ. عميري بالتأكيد على مقدّمة الندوة، ذلك أنّ الصيغة التعليميّة لم تتغيّر، ولكنّ الأعباء والمهام تتغيّر؛ فمعلّم اليوم متعدّد المهام. ولخّص المهام التي ترمي بثقلها على كاهل المعلّم: أوّلًا، العبء الإداريّ المتزايد والتوثيق المتزايد. ثانيًا، وهو تحدٍّ للمعلّمين، التكامل مع التكنولوجيا وتحديثاتها، والتي تتطوّر بشكل سريع وكثرة المنصّات الموجودة. ثالثًا، التطوير المهنيّ المُستمرّ، للمواكبة والتحديث الشخصيّ، بالإضافة إلى كلّ بديهيّات التعليم الفعّال.   من وجهة نظر الإدارة، ما المطلوب من معلّم اليوم؟ هُنا تحدّثت أ. كرزون، عن تعقيد السؤال، إذ تُحتّم الإجابة النظر إلى أربعة مجالات مُختلفة. الأوّل، المحتوى والمنهج: هُنا مطلوب من المعلّم التمكّن من المحتوى التعليميّ المُقدّم إلى الطلبة، وتوظيف الاستراتيجيّات من أجل تسهيل وصول المحتوى بطرق مُعاصرة تستجيب لقدرات الطلّاب. الثاني، البيداغوجيا: وهُنا مطلوب من المعلّم التخطيط للعمليّة التعليميّة وفق أسس علميّة، بالإضافة إلى استخدام طرق تدريس تجعل للتعلّم معنى في حياة الطالب، بربطه في سياقات اجتماعيّة حياتيّة. كما يُطلب إليه أن يحفّز الطلبة، وأن يبتكر في العمليّة التعليميّة، ويوظّف التكنولوجيا بأنواعها لتعزيز التعليم. الثالث: أخلاقيّات المهنة. المطلوب هُنا الالتزام بأنظمة وقوانين، والمشاركة في لجان المدرسة، والحرص على بناء علاقات إنسانيّة. الرابع، الكفايات الذاتيّة: هُنا من الضروريّ أن يكون المعلّم متمكّنًا من اللغة، ومُستثمرًا للتغذية الراجعة التي تصلهُ لتطوير الأداء، وأن يسعى لتقديم أبحاث في مجاله، وأن يطوّر دائمًا من مهارات التواصل.   هل فعلًا توظيف التكنولوجيا يمثّل حلًّا سحريًّا للمعلّم أم عبئًا جديدًا عليه؟ ناقشت أ. حسن المتطلّبات الحديثة التي يحتاج إليها المعلّم بناءً على تغيُّر التعليم، فهي تتجاوز نقل المحتوى. سيحتاج المعلّم إلى خلق بيئة تعليميّة داعمة للمتعلّم، وإلى الكثير من الأمور التي تدعم رفاه المتعلّم والحفاظ على صحّته النفسيّة. وفصّلت بهذا أ. حسن، فتحدّثت عن مسؤوليّة المدرسة في الأعباء التي تقع على عاتق المعلّم، مثل عقود الأداء وقياساتها، ورصد نتائج الطلبة ودرجاتهم. ولا ننسى أنّه يقوم أحيانًا بمهام إداريّة مُختلفة، مثل تحصيل الرسوم المدرسيّة. وفي بعض الأحيان، يقوم برصد الحضور والغياب للطلبة والمعلّمين، غير أنّه قد يُشارك في الفعاليّة التي تسعى لجذب أولياء الأمور. وأشارت أ. حسن إلى كون الحوافز المادّيّة مقابل هذه المهام غير مُناسبة وبسيطة جدًّا، مقارنة بالأنشطة التي يقوم بها، هذا إن حقّق أهداف المدرسة بخصوص الأنشطة، أمّا إن لم تُحقّق المدرسة أهدافها، فلن يحصل عل مكافأة فقط، بل قد يُخصم من راتبه. وتحدّثت أ. حسن على الاعتمادات المُختلفة التي تسعى المدرسة لتحقيقها، وإن لم يجتز المعلّم أو المدير الاختبارات التي تفرضها هذه الاعتمادات قد تؤدّي إلى فصله من عمله بغضّ النظر عن كفاءتهِ. وشاركت أن هذه المهام تزداد في ظلّ طلب تقارير مُختلفة من معلّمين مرتبطة بصحّة الطلبة النفسيّة، وهذه الناحية من المفترض وجود متخصّص من أجل تسييرها، وفي ظلّ غياب هذا المتخصّص تُضاف هذه المهام إلى عاتق المعلّم. أضاف أ. عميري أنّ استخدام التكنولوجيا في هذا الزمن بات ضرورة. فهذا الجيل ولد مع التكنولوجيا، وولوجه إلى التطبيقات المُختلفة سهل وسريع. ووضّح أنّه من المهم مجاراة الطلّاب، وأن نحاكي واقعهم وأسلوب حياتهم. وأشار أ. عميري إلى أنّ التكنولوجيا فرصة لرفع مستوى التعليم، من أجل تبسيط عرض المعارف، وهذا يرفع من شموليّة عطاء المعلّم.   من أين يأتي المعلّم بالوقت للمضيّ في مسارات تطوير ذاتيّ؟ هُنا داخلت أ. أدبيس أنّ المعلّم يدفع ثمنًا من صحّتهِ النفسيّة في ظلّ ازدياد الضغوط والأعباء، وأشارت إلى اصطلاح اسمه "القلق التقنيّ" والذي يعاني منه المعلّم نتيجةً لتفاصيل تقنيّة تسبق توظيفه لأداة تكنولوجيّة ما. وأضافت أنّه من المهم للمعلّم أن يوازن بين حياته الشخصيّة وأعبائه المهنيّة. هذا التوازن أساس الحياة، خصوصًا أنّ التعليم مهنة إنسانيّة تقنيّة متشعّبة جدًّا. وشاركت أ. أدبيس فكرة أنّ على الإدارات أن تعي أنّ توظيف التكنولوجيا لا يأتي بقصد المعلومة، فالمعلومة موجودة، أمّا المعلّم الآن، فهو، أكثر من أيّ وقت مضى، بحاجة إلى فهم حاجات الطلّاب النفسيّة، والتعامل مع مشكلاتهم المُختلفة. والحقيقة على الإدارة أن تفهم مركزيّة تدريب المعلّم على قضيّة ما، كالتكنولوجيا، قبل أن تطلب توظيفها.   من وجهة نظر الإدارة، من يجب أن يتحمّل مسؤوليّة تطوير المعلّم الوقتيّة والمادّيّة؟ وضّحت أ. كرزون أنّ هذا يعودُ إلى استراتيجيّة المؤسّسة. هناك أحيانًا دورات تطوير مهنيّ، تُعقد في عطلة الأسبوع. أو دورات أُخرى تُنسّق مع أوقات تفريغ المعلّمين الأسبوعيّة. وبناءً على رغبة المعلّم بالدورة أو الورشة، فيُمكن أن تكون الدورة بعد وقت دوام المدرسة. أمّا بما يخصّ العبء المادّيّ، فأشارت إلى أنّه لا توجد علاوات على هذه الدورات، إلّا إن كانت دراسة ماجستير أو دكتوراه. وأشارت إلى أنّ الوزارة في فلسطين تُلزم المعلّمين بالالتحاق بمجموعة من البرامج التدريبيّة. بخصوص التكلفة المادّيّة، قد تخصّص بعض المدارس ميزانيّات معيّنة لورشة مُختلفة تشعر أنّ فريق العمل بحاجة إليها. وتحدّثت عن أهمّيّة الدافع الداخليّ عند المعلّم أساسًا للتطوير المهنيّ وورشه ودوراته.   ما الأعباء الجديدة التي وقعت على عاتق المعلّم في سياق مجاراة أساليب تقييم المتعلّم المستجدّة؟ داخلت أ. حسن عن أنظمة مختلفة عند المدارس، والتي باتت تعتمد على مشروعات للطلبة، أو ملفّات إنجاز، أو تقارير سلوكيّة، أو زيادة التوثيق، إلى جانب التصحيح وضغط أولياء الأمور. وفي النتيجة ستتراكم الوثائق والتقارير، ما يؤثّر في التخطيط الصفّيّ، بالإضافة إلى وصول المعلّم إلى مرحلة الاحتراق المهنيّ. ولذا، على المدرسة أن توفّر دعمًا ومساعدة مُختلفة للمعلّم.   المحور الثاني: تجارب في التعامل مع الأعباء الوظيفيّة وتطويعها. كيف تعاملت مع المتطلّبات الجديدة منك بوصفك معلّمًا؟ بدأ أ. عميري بالإشارة إلى المتطلّبات الكثيرة في المجال، وأشار إلى أنّ التعليم صارَ مهنة، لا فقط مجال لعمل المضطرّ. وتحدّث على أهمّيّة خبرة المعلّم في هذا المجال، وكذلك، على ضرورة الأولويّات المهنيّة للمعلّم، كدعم الطلّاب، والحرص على تحصيلهم العلميّ، وسلامتهم ورفاهيتهم. وشارك من خبرته، أهمّيّة وضع أُطر زمنيّة للتواصل، عبر القنوات الحديثة، توفّر وقت المعلّم لئلّا يكون تحت ضغط الردّ. وتحدّث على ترشيد المهام التقنيّة والتوثيقيّة استراتيجيّةً لتخفيف الأعباء على المعلّم، وكذلك على أهمّيّة التركيز على التخطيط للتعليم بوصفه أولويّة.   من زاوية مديرة المدرسة، كيف تعامل المعلّم مع المتطلّبات الجديدة منه؟ شاركت أ. كرزون من تجربتها، أنّها تسعى دائمًا لتنظيم مهام المعلّمين، ذلك بربطها بسياق زمنيّ مُحدّد. وتحاول تزويد المعلّمين بوسائل تعليميّة، ومصادر مُختلفة، والتي قد تيسّر عمليّة التعليم، وفقًا لحاجاتهم. وبخصوص البنية التحتيّة الرقميّة، تحاول إجراء تطوير مُستمرّ لهذه البُنية من أجل الوصول إلى مرحلة ممتازة تُسهّل على المعلّم توظيف التكنولوجيا. وأضافت أ. كرزون أنّها تولي جهدًا من أجل تحفيز المعلّم، وتعزيز صحّته النفسيّة بفهم عواطفه وإرهاقه. وبما يتعلّق بتجربتها معلّمة لفترة 13 عامًا، شاركت أ. كرزون حول ضبط الصفّ في ضوء المُمارسات الحديثة، وشاركت تحدّيات مُختلفة واجهتهم في تلك المرحلة، حيث هناك أساليب تدريس غير مُناسبة. ومن خلال وزارة التربية والتأهيل التربويّ، وسعيها لنيل درجة الماجستير، استفادت كثيرًا من هذا التطوير المهنيّ من أجل توظيفهِ في الصفّ.   هل عجزتِ عن التعامل مع الأعباء الإداريّة منكِ بوصفك معلّمة؟ أشارت أ. حسن إلى التضارب في أولويّات العمل، حيث أكثر من مهمّة مطلوبة في الوقت نفسه. فيتعذّر على أيّ معلّم بالقيام بكلّ المهمّات بالمستوى ذاته. إلى جانب ضعف البنية التحتيّة، فأيّ معلّم سيشعر بالإحباط، لاستخدامه التكنولوجيا من دون تدريب، أو لاستخدامه أجهزة لا تصلح للعمل، أو مشكلة الإنترنت وهي مشكلة عامّة. وتحدّثت أ. حسن عن تفوّق التوقّعات التجاريّة على المهنيّة، فبعض المدارس تُبدّي رغبات أولياء الأمور على المعلّم واعتباراته التربويّة، وهذا يخلق صراعًا أخلاقيًّا سيمرّ فيهِ المعلّم، وستبتعد العلاقة بين المعلّم والطالب عن الاحترام، وسيختفي نجاحه بضبط الصفّ لأنّ الإدارة أثّرت بشكلٍ واضح في صورته. وتحدّثت أ. حسن عن الأمان الوظيفيّ، فغياب هذا الأمان سيخلق قلقًا دائمًا وعدم استقرار وظيفيّ يشعر بهِ المعلّم.   ما دور الإدارة في التخفيف عن المعلّم؟ هنا تحدّثت أ. أدبيس على أهمّيّة التعامل مع المعلّم بلغة تمكين وتأمّل، لا أن تنتظر الإدارة أيّ خطأ منه للتعامل بلغة عقابيّة، فهذه لغة غير إنسانيّة. وانطلقت إلى الحديث عن تجربتها في مدرسة الأهليّة والمُطران، فالمدرسة لا تتجاوز أيّام العطل الأسبوعيّة الخاصّة بالمعلّم، وإن وفّرت لهُ تدريبًا، يكون التدريب مدفوعًا، ومُخطّطًا من فترة زمنيّة طويلة. وأشارت إلى يوم التطوير، وهو يوم كامل تخصّصه المدرسة للتطوير، وأضافت إلى أهمّيّة الأسبوع التحضيريّ للعام الدراسيّ، فهي فرصة تُمكّن المعلّم الجديد من فهم واسع، وتشكّل مساحة للتساؤل والتفكير مع الفريق. وشاركت أ. أدبيس أنّ سياسة الباب المفتوح هي الأهمّ. والمدرسة التي تعتمد هذه السياسة، يكون فيها المعلّم مرتاحًا وأكثر انتماءً. باختصار، دور الإدارة دور داعم للمعلّم، يجب أن تنظر إليه بعين المتأمّل، خصوصًا أنّ المعلّم بشر ويمرّ في ظروف مُختلفة. وهُنا داخل أ. الأمير أنّ المعلّم هو الأساس الحقيقيّ، وقد علّمتنا التجربة في غزّة في سنتَي الإبادة، أنّ من فيه النفس التعليميّ سيبقى معلّمًا وناجحًا. معلّمو غزّة علّموا في خيمة وفي العراء، ومن دون أيّ مقومات. وقد كانت النتائج مُذهلة في امتحانات التوجيهيّ التي عُقدت قبل أسبوعين. المعلّمون شكّلوا الصفّ والسبّورة والتكنولوجيا وكلّ شيء.   نتائج الوقوع تحت وطأة الأعباء عند المتعلّمين سيؤدّي إلى الاحتراق الوظيفيّ للمعلّم. اشرح لنا هذه الفكرة. داخل أ. عميري أنّ للاحتراق الوظيفيّ ثلاثة أبعاد، الأوّل: الإرهاق الدائم. الثاني: البعد عن الفريق. الثالث: تدنّي الإنتاجيّة. وشارك أنّ الاحتراق الوظيفيّ أصبح ظاهرة عالميّة في قطاعات كثيرة، وخصوصًا في التعليم الذي يقوم على تشعّب العلاقات. وكيف نحدّ منه هو مسؤوليّة تقع على عاتقنا جميعًا. وأضاف أنّ الحدّ من الاحتراق الوظيفيّ يعتمد على ثلاثة مركّبات، الأوّل: تعزيز التواصل ضمن المؤسّسة. الثاني: تعزيز التشارك بالأعباء، بحيث يكون مدعومًا من المؤسّسة. الثالث: البعد الإنسانيّ للمعلّم، فهو يحتاج إلى التعاطف والتشارك.   في المدرسة توجد الإدارة والمعلّم وأولياء الأمور والطالب: إن شعر المعلّم بأنّه الحلقة الأضعف ضمن هذه المعادلة، هل سيؤدّي ذلك إلى الاحتراق الوظيفيّ؟ بنت أ. حسن مداخلتها على مداخلة أ. عميري، وشاركت أنّ استمرار الضغوط على المعلّم، سيقود إلى مجموعة آثار نفسيّة ومهنيّة وسلوكيّة واجتماعيّة واقتصاديّة سلبيّة. هذه الآثار ستؤدّي إلى الاحتراق الوظيفيّ، ما سيُقلّل من الولاء للمؤسّسة، وسيزيد التسرّب من مهنة التعليم. وبناءً على ذلك، نصحت الإدارة المدرسيّة باستخدام النظام الإداريّ المرن من أجل حماية المعلّم، واستدامة أثره. وعرّفت أ. أدبيس الاحتراق الوظيفيّ بأنّه الشعور المُستمرّ بالتعب، حتّى قبل الذهاب إلى العمل. وللاحتراق الوظيفيّ ثلاثة أبعاد، على المجتمع التربويّ فهمها من أجل التعامل معها بشكلٍ صحيح. الأوّل: الإنهاك العاطفيّ. هنا من الضروريّ أن يخطّط المعلّم للمشكلة التي تخرج دائمًا عن سيطرته، فهذا سيدعمه. الثاني: التبلّد الوجدانيّ. هنا سيحتاج المعلّم إلى ربط التعليم برسالة سامية، ثبات هذه الرسالة في وجدان المعلّم سيقلّل الشعور بعدم وجود قيمة. الثالث: تدنّي الشعور بالإنجاز.   هل صادفتِ معلّمًا يعاني الاحتراق الوظيفيّ، فتصفينه لنا؟ أشارت أ. كرزون إلى الفروق الفرديّة في التعامل مع الأعباء. وشاركت أهمّيّة تحويل الأعباء إلى تحدٍّ من أجل تمكينهم في العمل، أمّا الأشخاص الذين يستسلمون لهذه الضغوط فهم الذي يسيرون نحو الاحتراق الوظيفيّ. وأشارت إلى وجود معلّمين يشعرون بقلّة تقدير نابعة من إحساس ذاتيّ، ومهما كان المدير منصفًا مع المعلّمين، يبقى لديهم هذا الشعور. وهنا أشار أ. الأمير إلى أنّه كما يُطلب من المعلّم التعامل مع الطلّاب بمراعاة فروق فرديّة، فعلى المدير كذلك أن يراعي الفروق الفرديّة لدى المعلّمين.   المحور الثالث: توصيات للتعامل مع الأعباء الوظيفيّة المتكاثرة. زوّدينا باستراتيجيّات تستخدمينها خارج الغرفة الصفّيّة لتخفيف الأعباء؟ شاركت أ. أدبيس أنّه تُذكّر نفسها دائمًا برسالة التعليم السامية، من أجل أن تكون مرتاحة مع نفسها. وذكرت التوازن أمرًا أساسّا في إدارة الأمور، من دون إقحام لأداة ما، أو بالحفاظ على أوقات مُختلفة للتواصل. وشاركت أهمّيّة القيام بأمور نحبّها، فهذه أوقات نوعيّة مهمّة، وضروريّة للحفاظ على العافية.   هل هناك استراتيجيّات للتعامل مع الإدارة بصفتك معلّمة يُمكن استخدامها للتخفيف من الأعباء؟ وضّحت أ. حسن أنّه من المُمكن الطلب من الإدارة تخفيف بعض الإجراءات الورقيّة، بحيث تقلّ الأعمال الروتينيّة. ربّما على الإدارة اعتماد الكشوف الرقميّة وغيرها من الاستراتيجيّات. وشاركت أنّه من الضروريّ أن تهتمّ الإدارات للمهام غير الصفّيّة والإداريّة، فتخفّف على المعلّم، وتدفع بهِ للتركيز على التعليم وأساليبه.   من وجهة نظرك الإداريّة، هل فعلًا كلّ ما يُطلب من المعلّم مهمّ؟ شاركت أ. كرزون أنّ ذلك متعلّق بمدراء المدارس، وهناك صورة خطأ متعلّقة بربطٍ طرديّ بين زيادة العمل الإداريّ والنجاح. وتحدّثت عن جودة التعليم وأداء الطلّاب مخرجات يجب النظر إليها من أجل تطوير البيئة المدرسيّة. وقسّمت أ. كرزون مفهوم الأعباء إلى أعباء ضروريّة جوهريّة، وأخرى غير ضروريّة. ووضّحت أنّها قصدت بالضروريّة، تلك التي تمسُّ جوهر العمليّة التعليميّة، مثل التخطيط وإعداد أدوات التقييم وقياس تقدّم الطلّاب والتواصل البنّاء مع أولياء الأمور. بينما الأعباء غير الضروريّة، قد تظهر بطلب أكثر من نموذج للتحضير، أو طلب ملفّات معيّنة من دون أفق لاستخدامها أو تقارير شكليّة. ضمن السؤال ذاته، داخل أ. عميري أنّ عرض العلامات والنتائج لم يعد مجرّد رقم، فالتقرير يُمكن أن يحمل شكلًا موجزًا للأهل. وشارك أنّ الهدف الأسمى هو جودة التعليم، وهو ليسَ إنتاجًا قصير المدى ينعكس على الطالب. من هُنا، فإنّ تكوين الثقة مسألة مهمّة في مسألة الأعباء الوظيفيّة، فعندما تتكوّن الثقة بين المعلّم والإدارة، تحفّز المعلّم على المبادرة الشخصيّة، والانتماء للمؤسّسة.   في ظلّ أنّ عدد ساعات التعليم ما زال ثابتًا، لكنّ الأعباء أو التحضيرات لكلّ حصّة زادت. كيف يُمكن أن تُحلّ هذه المُشكلة مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن المادّيّ للمؤسّسة؟ تحدّثت أ. كرزون أنّ هذه المشكلة تُسبّب ضغطًا إضافيًّا على الكادر وعلى الإدارة، وقد يؤثّر في الأداء والاستدامة الماليّة. ومن الحلول المقترحة ضمن جوانب مختلفة: 1. الحلول التنظيميّة والتربويّة: على المعلّم إعادة توزيع المهام التربويّة ضمن أولويّات معيّنة، ذلك بالعمل على الأعباء الضروريّة ومن ثمّ الأقل ضرورة، وهكذا. 2. ربط الأنشطة الإضافيّة مع الأنشطة الصفّيّة: كأنشطة اللجان، فذلك من المُمكن أن يُعمّق المنهج، وهي مبادرة من المعلّم. 3. الحلول التنظيميّة والتربويّة: إن كانت التكنولوجيا جاهزة، فالأدوات المجّانيّة ستُشكّل أدوات مُساعدة في المهام الروتينيّة. 4. الحلول الماليّة والإداريّة: لا بدّ من الإشارة إلى أهمّيّة دور المدير في التوزيع الزمنيّ المناسب، حتّى يفتح المساحة أمام المعلّم للأعباء الضروريّة، إلى جانب أهمّيّة التحفيز المعنويّ. 5. الحلول الرقابيّة: من المهمّ عقد اجتماعات دوريّة مقلّصة، واستخدامها من أجل تعديل السياسات لصالح المعلّم. وأمّا أ. عميري، فتحدّث على نصاب المعلّم، ففي المؤسّسات التي لديها رؤية، لا تقتصر ساعات عبء المعلّم بدخوله إلى الصفّ فقط، بل تأخذ بعين الاعتبار ساعات تحضيره مثلًا، ومهامه الإضافيّة، إن كان لديه مهمّات إشرافيّة.   ماذا يُمكن أن تقدّموا توصيات للإدارات المدرسيّة في هذا الموضوع؟ تحدّثت أ. أدبيس بأنّ التوصية هي الاستغناء عن أيّ أعباء غير ضروريّة، والاكتفاء بالأمور الجوهريّة. وأمّا أ. عميري، فشارك التوصية بحماية وقت المعلّم للتحضير، وتقليل النماذج الإداريّة المُكرّرة، ووجود هيكليّة إداريّة من صفاتها الذكاء العاطفيّ، من أجل رفع رضا المعلّم. وشاركت أ. حسن خطّة تهدف إلى التخفيف من الأعباء، وبدأت بأهمّيّة تحديد مصادر العبء الإضافيّ والمهام، من خلال هذا التشخيص، تدرك الإدارة المدرسيّة المصادر التي تُشكّل عبئًا على المعلّمين. وأضافت أنّ المرحلة الثانية تتمثّل في تبسيط الأعمال الإداريّة التي لا تضيف قيمة تعليميّة مُباشرة، وتقوم على مراجعة كلّ الأعمال الإداريّة. وتحدّثت على مرحلة ثالثة تسعى لتدخّل رقميّ تدريجيّ، من خلال أتمتة بعض المهام غير الصفّيّة، وتخصيص بعض الأوقات للتحضير والتحفيز. وأمّا المرحلة الأخيرة، فهي التقييم المُستمرّ والتحسين التراكميّ. وهُنا شاركت أ. كرزون بعض التوصيات للإدارات المدرسيّة، الأولى: بناء ثقافة عمل مرنة وداعمة، توزّع الأعباء بعدالة، وتراجع التكليفات بشكلٍ دوريّ بما يضمن رفاه المعلّم. الثانية: التحوّل الرقميّ الذكيّ. الثالثة: دعم التوازن النفسيّ والمهنيّ لدى المعلّم، وتقديم مساحات دعم مهنيّ، من أجل زيادة دافعيّة المعلّم. الرابعة: التخطيط الماليّ، من أجل توجيه الموارد لتحسين جودة التعليم، بدلًا من نفقات جانبيّة بعيدة.   أسئلة الجمهور - إلى أيّ مدى تعمل المؤسّسات على تشجيع المعلّمين على تطوير مهاراتهم؟ وكيف يُمكن لهذه المؤسّسات أن تبني بيئة سليمة؟ أجاب أ. عميري أنّ على التطوير أن يكون جزءًا من الخطّة السنويّة للمؤسّسة. بين التطوير المهنيّ الأفقيّ، والذي على المؤسّسة أن تسعى لتشجيع المعلّم على الانخراط بهِ. وبين التطوير العموديّ، والذي على المعلّم أن يسعى بنفسه له. - هل التعويض المادّيّ يجعل الأعباء الجديدة على المعلّمين مقبولة؟ أجابت أ. أدبيس أنّ التعويض المادّيّ الأعلى يدفع بالإنسان إلى بناء موازنة تنظيميّة انفعاليّة داخليّة. وأشارت إلى أهمّيّة المكافآت في هذا الصدد، وأنّ على الإدارات أن تفتح المجال للمعلّم لأنّ يحقّق ذاته. وهنا أجابت أ. كرزون أنّ التعويض المادّيّ محفّز نحو التقدّم. اختتم أ. الأمير الندوة بأنّ ما يجعل المعلّم مُقبلًا، هو الإحساس بالشغف. ونأمل ألّا يصل أحد إلى الاحتراق الوظيفيّ، وخصوصًا المعلّم الذي يعمل مع أطفالنا، فإنْ دخل المعلّم مُحترقًا وظيفيًّا إلى الصفّ، فما الذي سينقله إلى الجيل الجديد؟

ندوة: التكوين المهنيّ للمعلّمين.. مفهوم نظريّ ونماذج عمليّة ومجتمعيّة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر أيلول / سبتمبر 2025، بعنوان "التكوين المهنيّ للمعلّمين: مفهوم نظريّ ونماذج عمليّة ومجتمعيّة". وركّزت على محاور مختلفة، هي: 1. التكوين المهنيّ مفهومًا وإطارًا نظريًّا. 2. نماذج عمليّة من برامج التكوين المهنيّ. 3. التكوين المهنيّ للمعلّم: جزء من منظومة التعليم. 4. التكوين المهنيّ للمعلّم وتعزيز دور المعلّم المجتمعيّ. استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هم: أ. يسرى خطّاب، منسّقة البرامج التدريبيّة وباحثة مساعدة في تمام، لبنان؛ أ. مروة بكيرات، مديرة مساعدة للتطوير الأكاديميّ في معهد تطوير التعليم، قطر/ الأردن ؛ أ. محمود جسّار، مدير برنامج الدبلوم المهنيّ في التعليم في أكاديميّة الملكة رانيا للتدريب المعلّمين، الأردن؛ د. نادر وهبة، مدير وحدة التكّون التربويّ في مؤسّسة عبد المحسن القطّان، فلسطين.رينيه مزاهرة- منسّقة أكاديميّة للصفوف الابتدائيّة- الأردن أدارت الندوة  د. ريام كفري أبو لبن، مستشارة تربويّة في مؤسّسة النيزك. استهلّت د. أبو لبن الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثرية والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.   المحور الأوّل: التكوين المهنيّ مفهومًا وإطارًا نظريًّا ما مفهوم التكوين المهنيّ للمعلّم؟ وما الفرق بينه وبين التطوير والتدريب المهنيّ؟ يرى د. نادر وهبة أنّ كلمة التكوين، تعني أن يكوّن المعلّم نفسه بنفسه عبر البحث الذاتيّ والاستعانة بالزملاء والمجتمع، وهو فعل داخليّ ذاتيّ عبر الممارسة والتجريب. والتكوين ترجمة للكلمة الإنكليزيّة: reformat. بينما التطوير ( development) مصطلح من الفكر الرأسماليّ، الذي يعتبر أنّ المدرسة إنتاج، والطالب سيخرج إلى سوق العمل. وهو يتعامل مع المعلّم على أنّه موضوع التطوير وليس الفاعل في مساره. بالتالي يصبح التطوير تلقينًا، أكثر من كونه نموًّا مهنيًّا ذاتيًّا. بينما التكوين فعل تحرريّ يكون المعلّم هو المحرّك فيه، من دون سيطرة من السلطة. وبخصوص استخدام كلمة "مهنيّ"، أشار د. وهبة إلى أنّ المعلّم في فلسطين يعمل ضمن إطار خدمة عامّة وليس مهنة. فالمعلّم دائمًا يطالب في حقوقه وبالمهننة في التعليم. وبهذا يكون مصطلح " التكوين المهنيّ" مصطلحًا تحرّريًّا وحقوقيًّا في آنٍ واحد. وقالت أ. يسرى خطّاب إنّ المصطلحات نفسها تغيّرت تعريفاتها مع الزمن؛ فقديمًا كان التطوير يقتصر على وجود شخص خبير، ينقل المعرفة إلى شخص آخر أقلّ خبرة منه، من دون ضمان أيّ تغيير في الممارسات أو نقل للتعلّم إلى الممارسة. لكن، في المنظور الحديث نعتبره رحلة مستمرّة ومنهجيّة تتضمّن توجيهًا ومرافقة ورعاية، وتبادل خبرات مع الآخرين. وتابعت أ. خطّاب، أنّ التكوين المهنيّ يُعطي عمقًا إضافيًّا للتطوير المهنيّ، لأنّ التطوير يركّز على النمو بالمعرفة والمهارات، بينما التكوين يشمل الهويّة المهنيّة للمعلّم والقيم والمبادئ، لا المهارات والمعارف فقط. كما ذكرت استخدام مصطلح "بناء الخبرات"، وهو مُصطلح يشمل الاستدامة، ويركّز على بناء الخبرات بشكل فرديّ وجماعيّ ومؤسّسي.   كيف يُبنى برنامج تكوين مهنيّ شامل للمعلّم؟ قال أ. محمود جسّار إنّ الخطوة الأولى لأيّ برنامج تكوين مهنيّ، تبدأ من معرفة احتياجات المعلّم، والتحدّيات التي تواجهه. على سبيل المثال نجاح برامج التكوين المهنيّ في فنلندا سببه قيامها على أبحاث تربويّة، وممارسات تأمليّة داخل الغرفة الصفّيّة. واعتبر الركائز والخطوات الرئيسة لإعداد برنامج تكوين مهنيّ ناجح هي: 1. أن يكون واضحًا ومُرتبطًا بالمعلّم والمنهاج ( التشخيص). 2. يحتوي على تطبيق وتدريب عمليّ داخل الصفّ ( التطبيق). 3. قبول التغذية الراجعة (المُتابعة). 4. أن يكون برنامجًا طويل المدى، فيه وقت كافٍ للتأمّل والتجربة والنقد والتطوير (التحسين).   كيف نحافظ على استدامة برامج التكوين والتطوير المهنيّ لتستمرّ وتصنع أثرًا ملموسًا لدى المعلّم والمدرسة، والمنظومة بشكل عامّ؟ قالت أ. مروة بكيرات  إنّ هناك عددًا من النقاط التي يمكن تنفيذها للحفاظ على استدامة برامج التطوير والتكوين المهنيّ: 1. أن تتحول هذه البرامج من مبادرات فرديّة إلى سياسات وطنيّة، تضع الخطوط العريضة للوزارة والمؤسّسات التعليميّة. 2.  بناء مجتمعات مهنيّة للتعلّم؛ فتبادل الخبرات بين المعلّمين يخلق مجتمعًا تعلّميًّا دائمًا، حتّى بعد انتهاء برامج تطوير المهنيّ. 3. دمج التكوين المهنيّ في الممارسة اليوميّة في المدارس، بالمُتابعة والتوجيه والإشراف. 4. توفير الموارد للمؤسّسات التعليميّة، مثل الموارد البشريّة والرقميّة والموادّ المفتوحة للمعلّمين. 5. ربط التكوين المهنيّ بتطوير المسار الوظيفيّ. ولفت د. وهبة إلى ضرورة شمول التكوين المهنيّ النظريّات الفكريّة، وأنّ تُنظَّم ندوات ولقاءات لنقاش الكتب، ومحاضرات لخبراء في القضايا الفكريّة. لنمكّن المعلّم من الكتابة في النظريّات التربويّة؛ فعبر الكتابة أيضًا يتمّ التكوين المهنيّ طويل المدى.   المحور الثاني: نماذج عمليّة من برامج التكوين المهنيّ في مشروع تمام، اخترتم نموذجًا مختلفًا، هو قيادة التطوير المستند إلى المدرسة، حدّثينا عن هذا النموذج، وعن رحلتكم في تطويره، وما التغيير الذي تسعون لتحقيقه؟ قدّمت أ. خطّاب تعريفًا سريعًا لمشروع تمام، وهو مركز بحثيّ وتطويريّ في الجامعة الأمريكيّة في بيروت. يقود حركة تطويريّة في العالم العربيّ هدفها تحويل المدرسة إلى مؤسّسة متجدّدة ذاتيًّا. ونظريّته للتطوير تقوم على تطوير القاعدة، وهي المدرسة، مع دعم من الجهات العليا لتسهيل واستدامة العمل للتربويّين. ولتحقيق هذه الرؤيا صمّم مشروع تمام مجموعة من البرامج المبنيّة على البحث والتجريب والتي تستهدف جوانب متعدّدة منها: - قيادة التطوير المستند إلى المدرسة. - بناء الشراكات مع العائلة والمجتمع المحليّ . - تنمية القدرات الطلّابيّة. - التشبيك بين المدارس. - التأثير في السياسات التربويّة. وللتدريب على هذه البرامج، لدينا مقاربة لبناء القدرات نتّبعها، وهذه المقاربة لا تقتصر على اكتساب المعلّم المهارات والمعارف المُرتبطة في هذه البرامج، بل تشمل: - إعادة تشكيل الهويّة المهنيّة للمعلّم. - تحوّل في المنحى الفكريّ والعادات المهنيّة. - تطوير في اتّجاهات المعلّم. - تعزيز استقلاليّة المعلّم وتوسيع قدرته على قيادة الطريق. بُنيت هذه المقاربة بالاستناد على عدّة نظريّات منها: - نظريّات تعلّم الكبار. - التعلّم التجريبيّ. - التعلّم التحويليّ. - الرعاية المهنيّة ونظريّات الإشراف التربويّ. تمّت أقلمة هذه النظريّات لتكون مناسبة للسياق العربيّ، وتعديلها بناءً على تجارب ميدانيّة واقعيّة. ممتدّة على مدار 18 سنة، وعلى سياقات متعدّدة في دول عربيّة مختلفة. وما يميّز رحلة بناء القدرات في تمام أنّها: 1. هادفة ومنظّمة. 2. تجريبيّة ومدمجة بالعمل اليوميّ للمعلّم. 3. مبنيّة على الاحتياجات ومتسّقة مع السياق الذي يعمل فيه الفريق. 4. مرنة وتستجيب للتغيّرات التي تطرأ على الواقع اليوميّ للمعلّم. 5. منهجيّة وشاملة وتنظر إلى المدرسة بأبعادها المختلفة. 6. تعتمد على تدريب مجموعات من المعلّمين لا الأفراد.   وقالت أ. خطّاب إنّ رحلة بناء القُدرات تنقسم إلى 3 مراحل: 1. مرحلة ما قبل البدء بالتدريب: وتشمل هذه المرحلة التعرّف إلى السياق، وتاريخ المدرسة، والأشخاص الذين نعمل معهم من ناحية مهنيّة وشخصيّة، والاحتياجات التدريبيّة لهم. 2.مرحلة التدريب وتشمل جانبين: - التدريب على المعارف الأساسيّة المتعلّقة بكلّ برنامج من البرامج: ترافقه فرصة للتطبيق المباشر، والتجريب داخل السياق العمليّ مع التغذية الراجعة المستمرّة، مع التوجيه وتعزيز روح التعاون بين الفريق والمعلّمين داخل المدرسة، بناءً على نقاط القوّة الموجودة لدى المعلّمين. - التركيز على الجانب الإنسانيّ العاطفيّ لدى فريق المتدرّبين: من خلال الاستماع إلى المخاوف الشخصيّة والمهنيّة لدى المتدرّبين، وبناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام بينهم وبين المدرّب، وتعزيز الإحساس بالملكيّة للمشاريع التي يقومون بها، وبناء ثقتهم بأنفسهم وبما يقدّمون من تغيير. 3. الاستعداد إلى ما بعد التدريب: وفيها يتمّ التقييم واتّخاذ قرارات بشأن الخطوات التالية التي ستنفّذ مع المتدرّبين، وانسحاب تدريجيّ للمدرّب حتّى تصبح لدى الفريق استقلاليّة في تطبيقه لعمله، وبالتالي استدامة أثر التدريب.     اختارت أكاديميّة الملكة رانيا التركيز على التكوين المهنيّ للمعلّم خلال الخدمة، لماذا؟ وكيف وصلتم إلى هذا النموذج؟ وما الاحتياجات والتحدّيات التي يستجيب لها برنامجكم، وما الأثر الذي تسعون لتحقيقه؟ عرض أ. جسّار نموذج التميّز المدرسيّ الذي تقدّمه أكاديميّة الملكة رانيا. ويقوم هذا النموذج على اختيار محافظة من محافظات الأردن، نطوّر فيها مهارات القادة التربويّين، والمعلّمين والمرشدين والمشرفين. وتُقدّم إليهم برامج بناء خبرات حديثة ونوعيّة ومكثّفة تلبّي احتياجاتهم الحقيقيّة المستقاة من الميدان التربويّ. يعمل نموذج التميّز المدرسيّ على توفير أكثر من برنامج تنمية مهنيّة في الوقت نفسه، في المدرسة الواحدة. على سبيل المثال: يُقدّم إلى مدير المدرسة دبلوم قيادة متقدّمة؛ وإلى المعلّم الدبلوم المهنيّ في التعليم؛ وإلى المرشد دورات خاصّة بالإرشاد؛ وإلى المشرف دورات خاصّة به. هذا البرنامج يدعم جهود المجتمع المدرسيّ بشكل متكامل، ويخضع لتقييم مستمرّ، ودراسة لأثره من أجل تحسينه، وهو ينشر ثقافة التميّز، لإعداد بيئة تعلّميّة خصبة تهدف إلى تحسين أوضاع أبنائنا في المدارس. ولهذا البرنامج أهداف كبيرة وواسعة، لتعزيز الوعي بالقضايا التعليميّة، إضافة إلى تحسين مهارات القيادة عند المعلّمين. ففي محافظة واحدة تقدّم أكاديميّة الملكة رانيا: - برنامج الدبلوم المهنيّ في التعليم. - برنامج الدبلوم المهنيّ في القيادة. - تكنولوجيا المباحث المتخصّصة. - برنامج الدعم النفسيّ الاجتماعيّ. - برنامج الابتكار والريادة في التعليم. - برنامج التربية من أجل البيئة المستدامة. - برامج متعلّقة بالتنمية المهنيّة للمشرفين.   في معهد التطوير التربويّ، ما برنامجكم، والإطار النظريّ الذي تستندون إليه، والأثر الذي تسعون إلى إحداثه في القطاع التعليميّ في قطر؟ قالت أ. بكيرات إنّ المعهد مؤسّسة شاملة للتكوين المهنيّ والتحوّل التربويّ. وتعتمد رؤيته على أنّ المعلّم هو الحجر الأساس لأيّ تغيير في التعليم؛ فكلّ برنامج نقوم به يستهدف في جوهره تمكين المعلّم فكريًّا ومهنيًّا، لا مجرّد تحسين أدائه لفترة زمنيّة قصيرة. وأشارت إلى أنّ الهدف الأساس لمعهد التطوير التربويّ، سدّ الفجوة بين التدريب والتطبيق داخل الغرفة الصفّيّة، وذلك من خلال برامج مبنيّة على الاحتياجات الواقعيّة، ومدعومة بنظريّات تربويّة معاصرة، ومصمّمة لإحداث تغيير مستدام في المنظومة التعليميّة والمدارس. ويستند الإطار النظريّ في المعهد إلى ثلاث ركائز أساسيّة: - تكييف النظريّات الغربيّة مع السياقات المحليّة والقيم العربيّة، والاستفادة منها بما يلائم الثقافة والسياق. - النهج التشاركيّ، من منحى النظر إلى المعلّم شريكًا لا مجرّد متلقٍّ. ومن خلال التعاون مع المدارس، نحدّد احتياجات المعلّمين ونفهمها، وعلى هذا الأساس نطوّر برنامجًا تدريبيًّا يخدم المدرسة. - البرامج الممتدّة في مسارات طويلة، بحيث تهدف إلى إحداث تغيير في طريقة تفكير المعلّم وممارساته داخل الصفّ وخارجه. وبخصوص الأثر الذي يسعى  له معهد التطوير التربويّ، قالت أ. بكيرات إنّ المعهد يطمح لأن يكون له أثر في ثلاثة مستويات: - على مستوى المعلّم: بناء هويّة مهنيّة قويّة له، ومهارات وأدوات يتمكّن من خلالها من التعامل مع التحدّيات اليوميّة. - على مستوى المدرسة: خلق ثقافة مؤسّسيّة قائمة على التعلّم المستمرّ، والابتكار في المدارس. - على مستوى المنظومة التعليميّة: تشكيل سياسات وممارسات، تضمن أن يكون التكوين المهنيّ جزءًا من التعليم في المدارس، وألّا يكون مجرّد مبادرة مؤقّتة أو مشروع قصير يبدأ وينتهي. كما أشارت أ. بكيرات إلى البرامج المتعدّدة التي يقدّمها المعهد، ومنها: - برامج تركّز على اللغة العربيّة، والتعليم ثنائيّ اللغة. - برامج متعلّقة بالابتكار والإشراف. - برامج متعلّقة بالذكاء الاصطناعيّ. - برامج التفكير التصميميّ والاستدامة. - برامج القيادة والإدارة والعدالة والمساواة في التعليم.   كيف انتقلت مؤسّسة القطّان من تركيزها على تكوين المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة، إلى تركيزها اليوم على دور المعلّم المجتمعيّ، والمدرسة بوصفها مؤسّسة مجتمعيّة؟ قال د. وهبة إنّ مؤسّسة القطّان تأسّست سنة 1990 تحت مسمّى البحث والتطوير التربويّ، وكان جزءًا من برامجها مخصّصًا للثقافة، فهي بالتالي مؤسّسة تربويّة ثقافيّة. وأشار إلى أنّ المؤسّسة تنظر إلى التربية بوصفها موضوعًا ثقافيًّا أيضًا. وقد تغيّر تركيز المؤسّسة بحسب السياقات التاريخيّة المختلفة، لكنّ الاهتمام ظلّ مُنصبًّا على المعلّم أثناء الخدمة، والتعامل معه بصفته قائدًا مجتمعيًّا. فمثلًا، في سنة  1998، ومع تأسيس مناهج جديدة في فلسطين، صار للمعلّم منهاج فلسطينيّ خاصّ به لأوّل مرّة. فتركّز العمل على المعلّم داخل الصفّ، وعلى المعرفة السياقيّة في الغرفة الصفّيّة، إضافة إلى المعرفة التخصّصيّة. لذلك أُطلقت برامج خاصّة بالرياضيّات واللغة الإنجليزيّة واللغات والتاريخ، إلى جانب برامج داعمة للمعلّم داخل الصفّ، مثل البحث الإجرائيّ. وبعد الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية، سنة 2000، ومع دخول التمويل المشروط، والأنظمة الصارمة للمتابعة والتقييم، تأثّر المعلّم، فلم يعد منفّذًا لكتاب المدرسة فقط، بل منفّذًا أيضًا لمتطلّبات تقنيّة متعدّدة تُستخدم لقياس إنجازه. مع ذلك، ظلّ المعلّم قائدًا مجتمعيًّا له دور في المقاومة والتغيير. هذه التجربة دفعت المؤسّسة إلى الانتقال من إطار التخصّص إلى إطار التكامليّة، عبر التركيز على المهارات التكامليّة للمعلّم، أكثر من التخصّص نفسه، باعتباره خريج جامعة قادر على قيادة تخصّصه. ومن هنا، جاءت برامج مثل الفنون والتعليم، والتعلّم بالمشروع، والطفولة المبكّرة، والدراما التي تتيح للمعلّم التفكير في سؤال جوهريّ: ماذا يفعل الإنسان في ظلّ غياب العدالة؟ وختم د. وهبة بالتأكيد على أنّ المعلّم في غزّة أكبر نموذج للمعلّم القائد في مجتمعه، إذ استطاع أن يكون قائدًا ومبادرًا ومشاركًا فاعلًا.  فالتكوين المهنيّ عمليّة ديناميكيّة، يجب أن تتكيّف مع الأوضاع السائدة. وعلى المؤسّسات أن تكون مرنة، قادرة على التغيير، وعلى مواجهة التحدّيات والأزمات.   المحور الثالث: التكوين المهنيّ للمعلّم: جزء من منظومة التعليم  كيف تمكن مراعاة الاحتياجات الفرديّة للمعلّم داخل التدريب وداخل غرفة الصفّ؟ تحدّثت أ. بكيرات عن ضرورة اعتماد مسارات متنوّعة في التدريبات تراعي الاحتياجات المختلفة للمعلّم، فنحدّد مثلًا: هل يحتاج إلى ورش وجاهيّة؟ أو تدريب افتراضيّ؟ أو متابعة فرديّة؟ إذ يتيح هذا التنوّع للمعلّم أن يتعلّم وفقًا لوقته وظروفه الخاصّة. وأشارت إلى أهمّيّة ربط التدريب بالممارسات الصفّيّة، بتقديم أمثلة واقعيّة للمعلّم تحاكي مواقف متنوّعة قد يواجهها داخل الصفّ، مع إتاحة استراتيجيّات مختلفة يمكنه توظيفها خلال هذه المواقف، مع مراعاة السياقات التي يعمل في إطارها المعلّم.   كيف نحفّز المعلّم؟ وما الظروف التي يجب أن تتوفّر للمعلم حتّى ينخرط بالتكوين المستمرّ/التعلّم الدائم، على مستوى المدرسة، وعلى مستوى البلد؟ قال أ. جسّار إنّ تحفيز المعلّم ليكون جزءًا من التدريب، يتحقّق عبر: - المدرسة: من خلال إتاحة الوقت للمعلّم لتنمية نفسه مهنيًّا. - الدولة: عبر وضع سياسات واضحة للترقية والترفيع. - التقدير: من خلال الإضاءة على قصص نجاح المعلّمين. - تصميم الدورات: بحيث تكون مرنة وتتناسب مع ظروف المعلّم ووقته.   كيف يمكن أن يصبح التكوين المهني للمعلم جزءًا من منظومة التعليم الوطنيّة في البلد؟ ماذا يترتّب على مستوى السياسات والمحفزات، لتصبح هذه البرامج جزءًا أساسيًّا من تطوير المعلم بعد، وأثناء، الخدمة؟ لخصت أ. خطّاب إجابتها في أربع نقاط: وجود رؤية وطنيّة واضحة للمعلّم الذي نريده، لوضع خطّة وطنيّة على هذا الأساس. وجود بنية مؤسّسيّة داعمة، عبر توفير وحدات ومراكز تدريب متخصّصة، تُقدّم الدعم اللازم. وجود سياسات داعمة، عبر تخصيص ميزانيّات سنويّة للتطوير، وتوفير التسهيلات اللازمة لتجريب المبادرات واعتمادها.   أن تكون متابعة التطوير وأثره جزءًا من التكوين المدرسيّ. خلق ثقافة مهنيّة تجعل التعلّم المستمرّ قيمة أساسيّة بالتعليم، وعدم النظر إليه بوصفه عبئًا إضافيًّا. تقديم الحوافز المادّيّة والمعنويّة للمعلّمين لضمان استمراريّتهم بالتطوير.   المحور الرابع: التكوين المهنيّ وتعزيز دور المعلّم المجتمعيّ المعلّم أحد أهمّ عناصر خطّ المواجهة الأوّل في الحروب والكوارث، وذلك تجسّد كما شهدنا إبّان جائحة كورونا، وما نراه حاليًّا في غزّة والسودان؛ إذ يطرح السؤال المهمّ: ماذا يعني التكوين المهنيّ في ظلّ الإبادة؟ قال د. وهبة إنّ التركيز في فلسطين حاليًّا ينصبّ على تمكين المعلّم من العمل خارج جدران الصفّ، ومنحه دورًا مجتمعيًّا بارزًا. فالمعلّم في الضفّة الغربيّة وغزّة يمتلك مكانة مختلفة، لم تحدّدها السياسات بل حدّدها لنفسه. وعلى الرغم من محاولات السياسات اللحاق بالوضع الراهن، إلّا أنّ المعلّم ظلّ حاضرًا وفاعلًا ومواكبًا للتحدّيات. في غزّة، كان المعلّم واعيًا بحاجة الطلّاب إلى التعليم، وجرؤ على ابتكار مبادرات وتنفيذها. اعتبر التعليم جزءًا أساسيًّا من حياة الإنسان، إلى جانب المأكل والمشرب؛ فجعل من بيته، وخيمته، والمدرسة التي لجأ إليها صفوفًا تعليميّة حقيقيّة، متعاونًا مع المجتمع لتوفير المستلزمات اللوجستيّة، مثل الطاولات والكراسي. كما منح مهنته طابعًا تحرّريًّا لمواجهة الاحتلال والإبادة. وأشار د. وهبة إلى أهمّيّة النظر في الدور التاريخي للمعلّم الفلسطينيّ، وتسليط الضوء على إسهاماته في المقاومة منذ الانتداب البريطانيّ حتّى اليوم. بدوره، أكّد أ. جسّار على ضرورة أن يكون لدى كلّ دولة سياسة للتعلّم في الأزمات، مستعرضًا تجربة الأردن خلال جائحة كورونا؛ إذ أصبح من الضروري التركيز على دعم أولياء الأمور وتنمية قدراتهم، كونهم أحد العناصر الأساسيّة للتعليم في أوقات الأزمات. وأكّد أيضًا، على الاعتراف بالمعلّم بوصفه الركيزة الأساسيّة للإصلاح التعليميّ، مع ضمان حقوقه المادّيّة والمعنويّة ومكانته الرفيعة. واختتمت أ. بكيرات الندوة باقتباسٍ، هو: "الطائر لا يغرّد لأنّه يملك جوابًا، بل لأنّه يحمل أغنية في داخله"، موضحة أنّ برنامج التكوين المهنيّ يعمل على إيقاظ الأغنية الداخليّة للمعلّم، وبناء هويّته المهنيّة، وجعله يرى التعليم رسالة أكثر من كونه وظيفة. وشدّدت أ. يسرى على أهمّيّة تذكّر رسالة المعلّم في المجتمع، ودور التمكين المهنيّ في تعزيز قدراته ومهاراته ليتمكّن من أداء رسالته خلال التغيّرات المختلفة بطريقة مستدامة. من جهته، كشف د. وهبة عن خطّة استراتيجية جديدة بعنوان "المعلّم في خطّ المواجهة"، تركّز على كيفيّة تمكين المعلّم في مواجهة الإبادة التعليميّة، وأداء دوره التحرّري. وهي جزء لا يتجزّأ من تكوينه المهنيّ.   وفي ختام الندوة، أكّدت د. أبو لبن أنّ من يختار مهنة التعليم شخص كريم، يجود بوقته وجهده ومعرفته وحبّه للطلّاب، لذلك يجب على أيّ برنامج للتكوين المهنيّ أن يكون كريمًا مع المعلّم، ويعمل على بناء المنظومة التعليميّة والمجتمع في المستقبل.

مساحة تعبيريّة مفتوحة للمعلّمين والمختصّين، تتمحور حول عرض أفكار ووجهات نظر نقديّة وأحلام شخصيّة انطلاقًا من تجربة تعليميّة، ولا تتوقّف عند ذلك.

من الورقة إلى الشّاشة: مهارات اللغة العربيّة في عصر الرقمنة
مع التطوّر التكنولوجيّ الذي نشهده في قطاع التعليم وتحوّل العمليّة التعليميّة نحو الرقمنة، باتت مهارات اللغة العربيّة بحاجة إلى تعزيز وتكي... تابع القراءة
كيف الحال؟
ذات يومٍ كنتُ أتجوّل بين صفوف صغيرة، ليست من الطاولات المصقولة ولا الجدران الملوّنة ولا السبّورات الذكيّة. إنّها النقاط التعليميّة المؤقّ... تابع القراءة

حوار مباشر مع معلّمات ومعلّمين، يتمّ بالإجابة عن مجموعة أسئلة عن الحياة في المدارس، وتجارب مختلفة وتحدّيات يوميّة. كلّ المعلّمين مدعوّون إلى المشاركة في الدردشة لنقل آرائهم ومقارباتهم الخاصّة.

منى صوّان- تربويّة ومدرّبة ومرشدة- لبنان

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟ الحروب والأزمات جعلتني أكثر قناعة بأنّ التعليم لم يعُد ترفًا، بل ضرورة للاستمرار والبقاء. رأيت كيف تحوّلت المدارس إلى ملاذات أمان، وكيف أصبح دور المعلّم يتجاوز التدريس إلى الدعم النفسيّ والإنسانيّ. الأزمات كشفت أيضًا هشاشة الأنظمة التعليميّة، وحفّزتني على العمل على تمكين المعلّمين، لأنّهم في النهاية العمود الفقريّ لأيّ عمليّة تعليميّة ناجحة، تحديدًا في ظلّ التحدّيات.   ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟ أتمنّى أن يُدركوا حجم الضغوط النفسيّة والعاطفيّة التي يعيشها المعلّم، خصوصًا في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. المعلّم ليس ناقل معرفة وحسب، بل مربٍّ، وموجّه، ومُعيل في كثير من الأحيان. دعم المعلّم ليس خيارًا، بل استثمار في مستقبل المجتمعات.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ لم يعد المصدر الوحيد. أؤمن بدمج التكنولوجيا والمصادر المتنوّعة لإثراء التعلّم. الكتاب المدرسيّ يوفّر هيكلًا، لكنّ التعلّم الحقيقيّ يحدث عندما نربطه بالحياة الواقعيّة واحتياجات المتعلّمين.   هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟ فكّرت في ذلك كثيرًا، تحديدًا في لحظات الإحباط. لكنّ شغفي بالتعليم، ورغبتي بإحداث فرق حقيقيّ في حياة المعلّمين والطلبة، جعلاني أواصل. أؤمن بأنّ التغيير يبدأ من داخل الصفّ، ومن خلال تمكين المعلّمين.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ التفكير النقديّ، والقدرة على التمييز بين المعلومات الحقيقيّة والمضلِّلة، وحلّ المشكلات بطرق إبداعيّة. أيضًا، من الضروريّ تدريبهم على التعلّم الذاتيّ، والتعاون، والتواصل الرقميّ الأخلاقيّ. الذكاء الاصطناعيّ أداة، والإنسان يجب أن يبقى القائد في استخدامها.   ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟ أستخدم التعلّم النشط، والقصص الواقعيّة، والتقنيّات الرقميّة بطريقة تفاعليّة. الأهمّ أن أبدأ دائمًا من اهتماماتهم وأدمجها في الدروس. عندما يشعر المتعلّم أنّ ما يتعلّمه يعنيه شخصيًّا، يكون أكثر انتباهًا وحماسًا.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟ أفضل استخدام "إدارة التعلّم". "الضبط" يوحي بالتحكّم والسيطرة، بينما المطلوب هو خلق بيئة تعلّم إيجابيّة ومحفّزة. بناء علاقة قائمة على الاحترام والثقة هو الأساس، وليس فرض السلطة.   ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟ ضحك الأطفال وتعليقاتهم العفويّة، والمواقف غير المتوقّعة داخل الصفّ، تذكّرني بجمال هذه المهنة. حتّى في أصعب الأيّام، هناك لحظات إنسانية تُنعش الروح وتعيد الأمل.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ أحببت مقالًا تناول العلاقة بين الصحّة النفسيّة والتعلّم. لفت نظري كيف يُمكن للبيئة المدرسيّة أن تكون عنصر دعم أو ضغط على المتعلّم. المقال أكّد لي أهمّيّة الدمج بين التربية والتعليم النفسيّ.   إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟ سيكون العنوان: "بين الطبشورة والشاشة: تأمّلات تربويّة في زمن التحوّل". اخترت هذا العنوان لأنه يُجسّد رحلتي التربويّة بين التعليم التقليديّ وأدواته الكلاسيكيّة، وبين التعليم الرقميّ بكلّ تحدّياته وفرصه. هو تأمّل في التحوّلات العميقة التي شهدها الحقل التربويّ، من الأدوات إلى الأدوار، ومن طرق التدريس إلى علاقتنا بالمتعلّمين. الكتاب سيكون مساحة صادقة لأشارك ما تعلّمته، وما زلت أتعلّمه، في هذا المسار المتجدّد.

نجلاء المحجوب- معلّمة مرحلة ابتدائيّة- تونس

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتكِ إلى التعليم؟ الأزمات والحروب التي مرّ فيها عالمنا العربيّ دفعتني إلى التمسّك أكثر بالتعليم، باعتباره سفينة النجاة لعالمنا، إذ إنّ التعليم هو الوسيلة الأهمّ لتجذير القيم الإنسانيّة، وقيم التسامح والتضامن في الأزمات، وتعزيز روح التعاون. فهي قيمٌ أساس لترسيخ أسس التطوير والتقدّم في بلداننا.   ما الذي تتمنّين لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ ولماذا؟ أنا أتحدث عن واقع التعليم في تونس، وأتمنّى أن يُدرك الجميع أنّ مهنة التعليم مهنة شاقّة، وأنّ أجرها زهيد مقارنةً بالمجهود الكبير الذي يبذله المعلّم في نحت كيان مجتمع المستقبل. فالمعلّم، بمهمّته الحسّاسة والمصيريّة، هو قلب الأمّة النابض كما عبّر عن ذلك العلّامة ابن خلدون. وكلّما تحسّن وضع المعلّم المادّيّ، ازدادت راحته النفسيّة، وارتفعت جودة العمليّة التربويّة. كما أتمنّى أن يُدرك الجميع أهميّة السعي لتمهين المعلّم عبر تطوير قدراته المعرفيّة والعلميّة، وتمكينه من إتقان البيداغوجيّات ونظريّات التعلّم الحديثة التي تُسهم في تعزيز دافعيّة المتعلّم للتعلّم، وتُساعد على تحقيق أهداف التعليم بطرق ناجعة، لتصبح العمليّة التربويّة أكثر جودة وفاعليّة.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعلّم بالنسبة إليّ، ذلك أنّه الوثيقة التي يمتلكها المتعلّم، وأنا أساعدهم على فهمها وتملّك المعارف المطلوبة منهم من خلال استخدامها، خصوصًا في ظلّ غياب دعم الدولة لإدماج التكنولوجيّات الحديثة في التعلّم في تونس. لذلك، يبقى الكتاب المدرسيّ ضروريًّا إلى أن تتوفّر البدائل التفاعليّة.   هل سبق وفكّرتِ بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلكِ تبقين؟ نعم، تعرّضتُ إلى صعوباتٍ ومشاكل، وفكّرتُ في الاستقالة. لكنّ حبّي لمهنتي، ورغبتي في الإسهام في نحت كيان جيلٍ صالحٍ لمستقبل أمّتنا، إضافةً إلى صعوبة الحصول على عملٍ في تونس، كانت الأسباب التي تجعلني أتمسّك بمهنتي.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ من المهمّ جدًّا تدريب المتعلّمين في هذا العصر على مهارات الحياة بمختلف أنواعها، ذلك أنّ هذا العصر يتّسم بالفردانيّة وحبّ الذات والأنويّة، وقلّ فيه التفكير في المصلحة الجماعيّة. لذا، أصبح ضروريًّا غرس مهارات المواطنة الفاعلة، ومهارات تقبّل الآخر، ومهارات إبداء الرأي، والمشاركة في الأعمال الجماعيّة. كما تبرز أهمّيّة المهارات التي تساعد المتعلّم على تطوير ذاته، مثل مهارة إدارة الذات، ومهارة التواصل مع الآخرين، ومهارة الصمود التي تمكّنه من التحكّم في الضغوطات وإرساء علاقات إيجابيّة مع رفاقه. ومن المهارات المهمّة للانخراط في سوق العمل مستقبلًا: مهارات العمل الجماعيّ، كالتعاون والتفاوض واتّخاذ القرار. كذلك، تُعدّ مهارة التحكّم في التكنولوجيّات الحديثة من أبرز المهارات التي يجب تدريب المتعلّم على اكتسابها، إذ إنّ من لا يتقنها يُعدّ في عصرنا هذا أمّيًّا جديدًا.   ما أهمّ استراتيجيّاتكِ في شدّ انتباه المتعلّمين؟ في مادّة القراءة مثلًا، أستعمل طريقة بناء المشروع القرائيّ، إذ أقدّم إلى التلاميذ صورة أو مقطع فيديو يثير رغبتهم في الاستكشاف، ثمّ أطرح سؤالًا يثير حيرتهم حول استخدام طريقة العصف الذهنيّ، وأترك المجال للجميع لطرح تصوّراتهم والمشاركة في النقاش. بهذه الطريقة، تتكوّن لديهم الرغبة بقراءة النصّ واكتشاف التصوّر الصحيح. أمّا في مادّتَي الرياضيّات أو الإيقاظ العلميّ، فأعتمد طريقة الوضعيّة المشكل، إذ أضع المتعلّمين أمام وضعية دالّة تنطلق من واقعهم المعيش، وتلامس اهتماماتهم، فينخرطون تلقائيًّا في البحث عن حلٍّ لها، ما يعزّز لديهم مهارات التفكير والتحليل وحلّ المشكلات.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيكِ؟ نعم، ما زال تعبير ضبط الصفّ مناسبًا، لكنّ لم يعد يحمل المعنى نفسه الذي كان يُفهم به في الطرق التقليديّة للتعليم. فبتبنّي التصوّر الحداثيّ للتربية، والذي جعل المتعلّم محورَ العمليّة التربويّة، أصبح المعلّم حريصًا على توجيه المتعلّمين، لا فرض السلطة عليهم وقمعهم، وعلى تعويدهم الانضباط الذاتيّ وتربيتهم على الاختيار والحرّيّة. وكما أشارت ماريا مونتيسوري، فإنّ هذا يمثّل الهدف النهائيّ للتربية، إذ يصبح المتعلّم مستقلًّا ومسؤولًا عن تصرّفاته، وتجعله الحرّيّة يحترم القواعد المعلنة ويحترم حقوق الآخرين ومجالاتهم.   ما الذي يجعلك تضحكين في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ ولماذا؟ أضحك وأبتسم في المدرسة لأنّي أتعامل مع ذوات بريئة، أرغب بنشر الفرح والسرور في طريقهم. ذوات بحاجة إلى الإحساس بالحبّ والسعادة لكي تنسجم وتنخرط في التعلّم بطريقة سلسة وعفويّة. أنا سعيدة في عملي وفي النتائج التي أحقّقها معهم، حيث أعزّز انتماءهم إلى المدرسة، وأقوّي ثقتهم بأنفسهم، وأغرس فيهم حبّ الوطن والانتماء الحضاريّ، وأعزّز لديهم الأمل في مستقبل أفضل.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأتِه في صفّحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ أعجبني مقال في "منهجيّات" يتناول منحى STEAM في التدريس، فهو نموذج حديث لم أكن أعرفه من قبل. هذا المنهج مهمّ جدًّا لأنّه يجعل التعلّم ممتعًا وذا معنى، ذلك أنّه يقوم على إدماج خمسة مجالات رئيسة، وبذلك يحقّق تعلّمًا تكامليًّا، ويعدّ المتعلّم لسوق العمل في المستقبل.   إذا كتبتِ يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ ولماذا؟ صُنّاع الأمل، ذلك أنّ واقعنا العربيّ مأساويّ، وأطفالنا يعانون الخوف من المستقبل، وأضحى حلم كلّ واحد منهم الهجرة إلى البلدان الغربيّة. نحتاج إلى صُنّاع أمل يغرسون في الطفل الانتماء والتضحية من أجل وطنه، ويعزّزون ثقته بأنّ وطنه سيكون في المستقبل أفضل بفضل تكاتف جهودهم.

محمّد بنيحيا- مفتّش تربويّ- المغرب

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟ جعلتني هذه التجربة أزداد قناعة بأنّ التعليم لا يُعدّ ترفًا فكريًّا أو خيارًا ثانويًّا، بل هو ضرورة وجوديّة لا تقلّ أهمّيّة عن الماء والهواء. ففي زمن الخراب، حين تتهاوى القيم وتضيع البوصلة، يظلّ المعلّم هو الحصن الأخير للوعي، والصوت المقاوم للعبث، والحارس الأمين لكرامة الإنسان. رسالته اليوم ليست فقط نقل المعرفة، بل زرع الأمل، وحماية العقل من التهميش، وبناء إنسان قادر على مواجهة الاضطراب بالإدراك والنبل.   ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟ لم يعد المعلّم ذلك الموظّف البسيط الذي يؤدّي واجبه داخل جدران القسم وحسب، بل أصبح اليوم حاملًا لمشروع مجتمعيّ متكامل. إنّه فاعل استراتيجيّ في بناء الوعي الجماعيّ، وصانع لأجيال قادرة على الإسهام في تنمية الوطن وصيانة قيمه. ولذلك، فإنّ دعم المعلّم والارتقاء بأوضاعه المادّيّة والمعنويّة ليس ترفًا ولا مجاملة، بل هو استثمار حقيقيّ في مستقبل الأمّة. فحيث يُكرَّم المعلّم، تُبنى الأوطان، وتُصان الكرامة، ويُزهر الأمل.   هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟ هو مرجع لا غنى عنه، نعم، لكنّه ليس المصدر الأوحد في الممارسة التربويّة. أتعامل معه بعين ناقدة، لا بتسليم مطلق، أستحضر خلفيّاته وأتفحّص اختياراته، ثمّ أكمله بما يفرضه السياق الواقعيّ للفصل الدراسيّ، وما تفرزه التجربة اليوميّة، وما تتيحه التقنيّات الحديثة من موارد وفرص تعلّم. أستأنس بأسئلة التلاميذ مفاتيحَ لفهم حاجاتهم وبناء تعلّمهم، لأجعل من الدرس لحظة حيّة تتجاوز حدود النصّ والمقرّر، نحو بناء معرفة تشاركيّة ومعنى شخصيّ لكلّ متعلّم.   هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟ نعم، خصوصًا عندما قطعت شوط الميل الأوّل، أي العشر سنوات الأولى. لحظات الإحباط كثيرة، لكنّ عيون التلاميذ وأسئلتهم غير المتوقّعة كانت دائمًا سبب بقائي. وتغيير الإطار إلى مفتّش تربويّ أنقذ الموقف، لنقل التجربة إلى أجيال جديدة من المعلّمين، ملؤها التحفيز والتشجيع والتأطير من أجل التطوير.   ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟ التفكير النقديّ؛ طرح الأسئلة الجيّدة؛ التعامل الأخلاقيّ مع المعلومة؛ القدرة على التعلّم المستمرّ؛ مهارة البحث والإبحار الآمن.   ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟ أُربك التوقّعات، أطرح ما يلامس حياتهم، أُشركهم في صنع الدرس، وأجعل من الصمت لحظة تفكير لا فراغ. التمكّن من المادّة، الإعداد الجيّد، الشغف والحبّ، قتل الرتابة، الإبداع والتجديد والتغيير كلّ لحظة من لحظات الدرس، بثّ روح الحياة في الفصل، لا للرتابة.   هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟ أراه تعبيرًا تقليديًّا تجاوزه النقاش التربويّ المعاصر، فبدلًا من الحديث عن "ضبط القسم"، من الأجدى أن نتحدّث عن بناء بيئة آمنة ومحفّزة للتعلّم. فحين يشعر المتعلّمون بالأمان والاحترام والانتماء، ينضبط السلوك تلقائيًّا من دون الحاجة إلى القمع أو التسلّط. العلاقات التربويّة الإيجابيّة، القائمة على الثقة والتواصل والتقدير، تُنتج تعلُّمًا ذا معنى، وتؤسّس لمناخ مدرسيّ داعم يشجّع على المشاركة والنموّ.   ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟ عفويّة التلاميذ، وسذاجتهم اللطيفة. لحظات تُعيد إليّ المعنى وسط رتابة القوانين والإجراءات. نكتة عفويّة من تلميذ، إجابة غريبة، أو محاولة نطق كلمة صعبة. تلك اللحظات الصغيرة تُعيد إليّ إنسانيّتي وسط صرامة المناهج.   أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟ لم أعرف مجلّة منهجيّات إلّا مؤخّرًا، والوقت مبكر للاطلاع على كلّ ما كتب، تصفّح سريع خفيف، لكنّ العين تسقط على ما يجذبها: مقال "إشرافنا التربوي وثقافة الاستيراد" لكاتبه: فهد أولاد الهاني، أستاذ التعليم الثانويّ التّأهيليّ، وزارة التربية الوطنيّة- المغرب. قدّم الكاتب نقدًا لاعتماد النظم التربويّة العربيّة، ولا سيّما الإشراف التربويّ، على النظريّات والمقاربات الغربيّة في التعليم من دون مراعاة خصوصيّات الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ العربيّ، والدعوة إلى تأصيل هذه النظم بناءً على بيئة المتعلّم العربيّ وتراثه التربويّ.   إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟ "بين السبّورة والدهشة". لأنّ كلّ ما كنت أفعله، مهما خطّطت له، يبقى عرضة لدهشة لم أبرمجها، تأتي من تلميذ، من صمت، أو حتّى من خطأ. لنقُل مثلًا: يوميّات معلّم، سرد تجارب كثيرة، أهمّ ما يميزها الدهشة والاستغراب، التأمّل للتعلّم، لحظات ألم لبناء أمل، ممارسة متبصرة على طريق التحسين والتطوير.

تتوجّه مقالات الوالديّة الى أهالي المتعلّمين المهتمّين بتعليم أبنائهم وتأمين نموّ سليم لهم على كلّ الصعد، حيث تتناول المقالات معظم القضايا المرتبطة بالتربيّة والسلوك والمواقف المختلفة.

متى تبدأ تربية الطفل؟

رحلة الأبوّة والأمومة واحدة من أعمق رحلات الحياة وأصعبها. ومع هذا، فإنّ العديد من الناس يفاجؤون عندما يعلمون أنّ تربية الطفل تبدأ قبل وقت طويل من صرخاته الأولى. في حين أنّ معظم الناس يربطون تربية الطفل بتغيير الحفّاضات، وقصص ما قبل النوم، وتعليم آداب السلوك، إلّا أنّ الأساس لتربية فرد سليم ومتكامل يبدأ قبل ذلك بكثير.     مراحل تربية الطفل  التربية ما قبل الحمل  بالنسبة إلى العديد من الناس، تبدأ فكرة الأبوّة والأمومة بالقرار الواعي بإنجاب طفل. غالبًا ما يؤدّي هذا القرار وحده إلى سلسلة من التغييرات في حياة كلا الزوجين. غالبًا ما يفكّر الأزواج الذين يخطّطون لإنجاب طفل في صحّتهم البدنيّة، ورفاهتهم العاطفيّة، واستقرارهم الماليّ، وغيرها من العوامل التي يمكن أن تشكّل قدرتهم على رعاية الطفل.  تظهر الدراسات أنّ صحّة الوالدين ونمط حياتهما قبل الحمل يمكن أن يؤثّرا في نموّ الطفل. على سبيل المثال، تؤدّي التغذية الأموميّة، ومستويات التوتّر، وتجنّب الموادّ الضارّة مثل التبغ والكحول، دورًا في تحديد جودة صحّة الطفل في المستقبل. وعلى نحوٍ مماثل، يُشجَّع الآباء المحتملون على الحفاظ على نمط حياة صحّيّ، إذ تؤثّر صحّة الأب في جودة الحيوانات المنويّة، وبالتالي في المخطّط الجينيّ للطفل.  وبعيدًا عن الجاهزيّة البدنيّة، فالاستعداد العقليّ والعاطفيّ أمر بالغ الأهمّيّة، إذ إنّ الطريقة التي يفكّر فيها الأفراد في تربية الأبناء - سواء نظروا إليها باعتبارها تحدّيًا أو واجبًا، أو حتّى أمرًا مخيفًا - يمكن أن تؤثّر بشكل كبير في كيفيّة إدارتهم دورهم المستقبليّ وتعاملهم معه، باعتبارهم مقدّمي رعاية.     تربية الجنين  منذ اللحظة التي يعرف فيها الزوجان أنّهما ينتظران مولودًا، ستّتخذ التربية شكلًا ملموسًا أكثر أثناء هذه المرحلة، إذ سيعتبر رحم الأمّ "البيئة الأولى" للطفل، وهي البيئة التي تؤثّر بشكل عميق في النموّ المبكّر. فأثناء مرحلة الحمل، لا يقتصر دور الأمّ على توفير الغذاء للطفل فحسب، بل سيوفّر له أيضًا جوًّا عاطفيًّا يمكن أن يشكّل تجاربه الأولى، ويعكس إلى حدٍّ ما حالته في أيّامه الأولى بعد الولادة. وقد أثبتت الأبحاث في مجال برمجة الجنين أنّ الإجهاد أثناء الحمل يمكن أن يؤثّر في نموّ دماغ الطفل، ومرونته العاطفيّة في المستقبل.  كما أنّ أهمّيّة الروابط التي يبدأ الوالدان في تكوينها مع أطفالهما الذين لم يولدوا بعد، توازي بالفعل أهمّيّة جودة بيئته الأولى. فتحدُّث الوالدين مع أطفالهما المنتظرين، أو غناء التراتيل، أو قراءة القصص أثناء الحمل، من شأنه أن يشكّل الرابط العاطفيّ بين الأب والأمّ وطفلهما. صحيح أنّ الطفل قد لا يفهم الكلمات، لكنّه يستجيب للأصوات والإيقاعات والاهتزازات، لذلك تعتبر هذه المرحلة حسّاسة في حياة الطفل، إذ تضع هذه التفاعلات الأساس للرابطة العاطفيّة التي ستستمرّ في النموّ بعد الولادة.  بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مرحلة الحمل فرصة رائعة للوالدين للتعلّم، وإعداد نفسيهما للمسؤوليّات المقبلة، إذ تسهم الكتب المتعلّقة بنموّ الطفل، ودروس تربية الأبناء، والمحادثات مع الأهل ذوي الخبرة في خلق رؤية واضحة لتربية الطفل.    التربية في الأشهر الأولى من عمر الطفل  تكتسب تربية الطفل أبعادًا جديدة خلال المرحلة العمريّة التي يطلق عليها العديد من الخبراء "الفصل الرابع"؛ وهي الأشهر الثلاثة الأولى بعد الولادة، إذ يكون الطفل ما يزال يتكيّف مع الحياة خارج الرحم. كما يعتبر الخبراء هذه المرحلة بمثابة امتداد للحمل، إذ يعتمد الأطفال على الاتّصال الجسديّ الوثيق، والتغذية، والراحة والشعور بالأمان.  وبالتوازي مع تلبية الاحتياجات الجسديّة، يبدأ الوالدان أيضًا في تشكيل العالم العاطفيّ لأطفالهما؛ إذ تساعد الاستجابة للبكاء، وتعزيز التواصل بالعين، والمشاركة في اللمس الحنون والمهدّئ، في بناء أساس من الثقة. وعلى الرغم من أنّ الأطفال يولدون بمهارات تواصل محدودة، لكنّ استجابات والديهم تعلّمهم أنّ احتياجاتهم مهمّة، وأنّ العالم مكان آمن.    تربية الطفل أثناء مرحلة الصراع على الاستقلاليّة   في اللحظة التي ينظر إليك فيها طفلك الصغير، وتظهر على وجهه البريء علامات الصرامة، ويردّ بـ "لا" على طلب منك، فاعلم أنّك أصبحت الآن في مرحلة الصراع على الاستقلاليّة. ستلاحظ أنّ طفلك قد تغيّر فجأة، وها هو يحقّق الآن ما كان يتدرّب عليه في المراحل السابقة، وهو أن يتعلّم التعبير عن أفكاره وآرائه الخاصّة. في هذه المرحلة من التربية، هناك الكثير من الأمور المطلوبة من الوالدين، وأهمّها أن يتعلّما فهم تطوّر المهارات المعرفيّة لدى طفلهما، وحاجته إلى تأكيد ذاته. كما سيتعلّمان كيفيّة تجنّب معارك العناد، والعمل مع طفلهما لإدارة الرغبات المتضاربة بينهم.  بعد هذه المرحلة، ستدخل التربية في حالة من الانتقالات المستمرّة، بين الإجابة على الاستفسارات التي يطرحها الأبناء أثناء استكشافهم للحياة من حولهم، والرغبة في الاستقلاليّة، وما بعدها من التوجيه والإرشاد إلى أن يكبروا.  ولكن، إن كنت تتساءل كيف تبدو مراحل تربية الأطفال، وكيف تتعامل مع طفلك في كلّ منها، فهذا المقال بعنوان "أصعب مرحلة في تربية الأطفال" سيساعدك في فهم طفلك، والتغلّب على المصاعب التي قد تواجهك أثناء التربية.    التفاعل بين الطبيعة الجينيّة والتنشئة  عند التفكير في سؤال متى فعليًّا تبدأ تربية الطفل، فمن الضروريّ أن ندرك التفاعل بين طبيعة الطفل جينيًّا وتنشئته. تتشكّل بعض جوانب شخصيّة الطفل ومواهبه، وحتّى نقاط ضعفه وقوّته، عن طريق الجينات المكتسبة من والديه. ومع ذلك، فإنّ هذه السمات، والطريقة التي يُعبّر بها عنها - وكيف تؤثّر في التطوّر العامّ للطفل - تتأثّر بشكل عميق بالبيئة المحيطة به.  على سبيل المثال، قد يرث الطفل استعدادًا للقلق، لكنّ البيئة الداعمة يمكن أن تعلّمه استراتيجيّات التأقلم وتهدئة النفس. وعلى العكس من ذلك، قد يكافح الطفل الموهوب بطبيعته، ويجد صعوبة في الوصول إلى إمكاناته وتوظيف موهبته، إذا كان يفتقر إلى التشجيع أو الدعم. وبالتالي، فإنّ تربية الأطفال لا تتعلّق بالتحكّم في من يصبح عليه الطفل، بل تتعلّق أكثر بتهيئة الظروف التي تسمح له بالتطوّر والنموّ بشكل صحّيّ.    ***  لنعد إلى السؤال مرّةً أخرى: متى تبدأ تربية الأطفال؟ الإجابة بسيطة وعميقة في الوقت ذاته: تبدأ التربية في اللحظة التي يبدأ فيها الوالدان بالاهتمام بإنجاب طفل. وقد يتجلّى هذا الاهتمام في التخطيط قبل الحمل، أو الأفكار والتحضيرات أثناء الحمل، أو اللحظات الرقيقة من التواصل مع الطفل في أيّامه الأولى. إنّ بذور الأبوّة والأمومة تُزرع قبل وقت طويل من نطق الطفل كلماته الأولى، أو مشيه خطواته الأولى.   كما أنّ تربية الأطفال رحلة طويلة تمتدّ بامتداد الحياة، وتبدأ باختيارات تبدو صغيرة وعاديّة، مثل تناول فيتامين ما قبل الولادة، وحضور دورة تدريبيّة في تربية الأطفال، وتتطوّر مدى الحياة بالتوجيه والدعم والحبّ.   المراجع    https://trbeyah.com/r/%D9%85%D8%AA%D9%89-%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D8%A3-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84  https://nurturednoggins.com/stages-of-parenting/  https://www.tuw.edu/school-news/what-is-child-rearing/ 

هل يمكن تعليم الطفل أكثر من لغة؟

نظرًا إلى ارتباط اللغة بشكل كبير بعوامل النجاح المهنيّ والأكاديميّ، أصبح الآباء أكثر تشديدًا على تعليم الطفل لغات متعدّدة منذ سنّ مبكّرة. ومع ذلك، تدعم العديد من الأبحاث فكرة أنّ الأطفال لا يستطيعون تعلّم أكثر من لغة فحسب، بل يجب عليهم ذلك. في الواقع، إنّ فوائد التنشئة ثنائيّة اللغة أو متعدّدة اللغات، تتجاوز مجرّد الكفاءة اللغويّة، فهي تشكّل القدرات المعرفيّة للطفل، وفهمه الثقافيّ، وفرصه المستقبليّة.    قدرة دماغ الطفل على تعلّم أكثر من لغة  لفهم سبب قدرة الأطفال على تعلّم لغات متعدّدة، من المهمّ أوّلًا تحليل آليّة عمل دماغهم. من الولادة حتّى سنّ السابعة تقريبًا، يكون دماغ الطفل في أكثر حالاته مرونة، ما يعني أنّه يتمتّع بقدرة عالية على استيعاب المعلومات الجديدة، والتكيّف معها واستخدامها. غالبًا ما يُشار إلى هذه الفترة باسم "المرحلة الحرجة" في ما يتعلّق بتعلّم اللغة، ففيها يعمل الدماغ بشكل استثنائيّ للتمييز بين الأصوات، والهياكل، وقواعد اللغات المختلفة، ويقوم بتخزينها.  يمكن تشبيه هذه القدرة الفطريّة بالإسفنجة، فهي تسمح للأطفال بتشرّب لغات متعدّدة بأقلّ جهد. على سبيل المثال، يمكن للأطفال في البداية التمييز بين الأصوات اللغويّة لجميع لغات العالم، وبحلول شهرهم العاشر، تبدأ هذه القدرة في التراجع، فتنحصر في الأصوات المحدّدة للغات التي يتعرّضون إليها بانتظام. إذا سمع الطفل أكثر من لغة، سيطوّر دماغه مسارات لكلتا اللغتَين، ما يضمن قدرته على التنقّل بين القواعد والأصوات المميّزة لكلّ لغة بسهولة.     مفاهيم خاطئة حول تعلّم لغات متعدّدة  على الرغم من الأدلّة العلميّة، لا تزال هناك خرافات تحيط بتعلّم لغات متعدّدة. من بين المفاهيم الخاطئة الشائعة، أنّ تعلّم لغات متعدّدة من شأنه أن يربك دماغ الطفل، ما يؤدّي إلى تأخّره في الكلام أو التطوّر المعرفيّ. في الواقع، على الرغم من أنّ الأطفال ثنائيّي اللغة قد يخلطون بين اللغات أحيانًا (ظاهرة تعرف بالتبديل بين اللغات)، إلّا أنّ هذا ليس علامة على تشوّش الدماغ، بل هو طريقة طبيعيّة ومتطوّرة للتعامل مع معرفتهم اللغويّة. مع مرور الوقت، يتعلّمون فصل اللغات حسب السياق والمتحدّث، ما يظهر مرونة معرفيّة عالية.  من المفاهيم الخاطئة الأخرى أنّ الأطفال يحتاجون إلى إتقان لغة واحدة قبل تعلّم لغة أخرى، لكنّ هذا الافتراض لا أساس له من الصحّة. أظهرت الدراسات أنّ الأطفال ثنائيّي اللغة يحقّقون الإنجازات ذاتها التي يحقّقها أقرانهم أحاديّو اللغة، وغالبًا بالوتيرة نفسها أيضًا. وفي بعض الحالات، يتفوّقون حتّى على أقرانهم في المهامّ التي تتطلّب حلّ المشكلات، والقيام بمهامّ متعدّدة، بسبب الفوائد المعرفيّة التي تأتي مع إدارة أنظمة لغويّة متعدّدة.    الفائدة الثقافيّة والاجتماعيّة لتعليم الطفل أكثر من لغة  إلى جانب الفوائد المعرفيّة والأكاديميّة التي سيحصل عليها الطفل، فإنّه سيرى أيضًا كيف أنّ تعلّم أكثر من لغة والتحدّث بها، سيوفّر له مزايا ثقافيّة واجتماعيّة عميقة. يعود ذلك إلى ارتباط اللغة ارتباطًا وثيقًا بالثقافة، فباللغة يكتسب الطفل القدرة على الوصول إلى تقاليد وتاريخ وطرق تفكير متنوّعة، تعود إلى أصل اللغة التي يتحدّث بها. وغالبًا ما يطوّر الأطفال ثنائيّو اللغة شعورًا أكبر بالتعاطف والوعي الثقافيّ، لأنّهم يتعرّضون إلى آراء ووجهات نظر عالميّة مختلفة، ما يجعلهم أكثر تفهّمًا للاختلاف.  كما أنّ القدرة على التواصل بلغات متعدّدة توسّع الفرص الاجتماعيّة، فيمكن للطفل ثنائيّ اللغة تكوين علاقات مع مجموعة أوسع من الناس، وتعزيز العلاقات عبر المجموعات والنوادي الثقافيّة واللغويّة.    أفضل الممارسات لتربية طفل متعدّد اللغات  يتطلّب تعليم الطفل أكثر من لغة اتّساقًا وصبرًا وفهمًا لأفضل الممارسات. في الآتي بعض الاستراتيجيّات الفعّالة:  شخص واحد، لغة واحدة (OPOL)  في هذه الطريقة، يتحدّث كلّ والد لغة مختلفة مع الطفل. على سبيل المثال، قد يتحدّث أحد الوالدين الإنجليزيّة، بينما يتحدّث الآخر بالإسبانيّة. يساعد هذا النهج الطفل على ربط كلّ لغة بشخص معيّن، ما يقلّل التشوّش المحتمل.  اللغة الأمّ مقابل اللغة المتبنّاة   يجب التمييز بين اللغة الأمّ واللغة المتبنّاة، إذ يحدث خلط بين المفهومَين في الممارسة الفعليّة. فاللغة الأمّ هي اللغة التي ينشأ عليها الطفل، وتُعدّ الخيار الطبيعيّ للأسرة، باعتبارها اللغة السائدة في المجتمع، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالانتماء الدينيّ والقيميّ والثقافيّ للبلد. أمّا اللغة المتبنّاة، فهي اللغة التي يكتسبها الطفل في سياقات مختلفة، مثل استخدام الأسرة في المنزل لغة أخرى غير اللغة الأمّ، أو تعليمه في الحضانة والمدرسة بلغة أجنبيّة، أو اختلاطه بأطفال أجانب في بيئات متعدّدة، مثل الأندية والمجتمعات المختلطة.  في بعض الأسر العربيّة، قد تحلّ اللغة المتبنّاة محلّ اللغة الأمّ، خصوصًا إذا كانت الإنجليزيّة أو غيرها لغة التواصل الرئيسة في المنزل، أو في المؤسّسة التعليميّة التي يرتادها الأطفال. في هذه الحالة، لا يقتصر تأثير اللغة المتبنّاة على الجانب اللغويّ فقط، بل يمتدّ ليحمل معه هويّة ثقافيّة وقيمًا، تختلف عن تلك التي تتبنّاها مجتمعات الأطفال الأصليّة. ومن اللافت أنّ بعض الأسر العربيّة التي تعيش في دول غربيّة، تحرص على التحدّث مع أطفالها باللغة العربيّة في المنزل، على رغم أنّ لغة المجتمع مختلفة، فتتمكّن بذلك من تحقيق التوازن بين إتقان الطفل لغة المجتمع، وبين الحفاظ على ارتباطه بجذوره الثقافيّة. وفي المقابل، هناك أسر عربيّة اندمجت تمامًا في ثقافة المجتمع الذي تعيش فيه، وتخلّت عن اللغة العربيّة، فأصبحت اللغة الأجنبيّة، مثل الإنجليزيّة، هي اللغة الأمّ بالنسبة إلى أطفالها.  لكلّ أسرة حريّة اختيار ما يناسب طفلها، لكن من الضروريّ إدراك أنّ الأولويّة المطلقة يجب أن تكون لتعليم الطفل لغة بلده الأمّ، باعتبارها الأساس الذي تُبنى عليه هويّته وشخصيّته وارتباطه الثقافيّ والمجتمعيّ، فهي الركيزة التي يجب أن تتمحور حولها تنشئته، سواء تعلّمها وحدها، أم إلى جانب لغات أخرى. بذلك، سيكبر الطفل وهو يمتلك قدرة على التفاعل مع البيئات متعدّدة الثقافات، وكفاءة في التواصل بمختلف اللغات المتبنّاة، لكن تحت مظلّة هويّته العربيّة وإتقانه الكامل للغته الأمّ.  الاستمراريّة  الممارسة المستمرّة للغتَين أمر ضروريّ. قد يكون طفلك خجولًا بشأن استخدام كلتا اللغتَين أو إحداهما، لذا، كلّ ما عليك فعله هو دعمه وتشجيعه، بابتكار مواقف يحتاج فيها إلى استخدام اللغتَين يوميًّا.  تنويع أساليب ممارسة اللغة  من المرجّح أن يتفاعل الأطفال مع اللغات أكثر عندما يشعرون أنّها ممتعة. لذا، يمكن أن يؤدّي غناء الأغاني، أو مشاهدة الرسوم المتحرّكة، أو ممارسة الألعاب ثنائيّة اللغة، إلى جعل تعلّم اللغة تجربة جميلة ومحبّبة.  هبة تدوم لطفلك مدى الحياة   نعلم أنّ الأمر ليس بهذه السهولة، وأنّه يتطلّب وقتًا وجهدًا لتعليم الطفل أكثر من لغة. لكن عليك أن تنظر إلى الأمر على أنّه هبة تدوم مع طفلك مدى الحياة. ثنائيّة اللغة، أو التعدّد اللغويّ يثري عقل طفلك، ويوسّع آفاقه، ويزوّده بالأدوات اللازمة للتنقّل في عالم متنوّع، بشكل أكثر مرونة وسهولة. لا تقلق، ستتفاجأ بقدرة طفلك الكبيرة على الالتزام والاستمراريّة، لا سيّما إذا تعلّق الأمر بتعلّم لغة جديدة.  ومع زيادة أهمّيّة وسائل التواصل الاجتماعيّ والمجتمع الرقميّ المتطوّر، أصبح التواصل المفتاح للمكانة الاجتماعيّة والمهنيّة. لذا، فإنّ توفير القدرة على التحدّث بأكثر من لغة للطفل، يعدّ استثمارًا في مستقبله.    المراجع https://www.asha.org/public/speech/development/learning-more-than-one-language/#:~:text=Children%20can%20learn%20to%20use,one%20language%20better%20than%20others.  https://www.communicationcommunity.com/can-i-teach-my-child-two-languages-yes/   

ما تأثير غياب الأب في الطفل؟

لطالما كان يُنظر إلى الآباء باعتبارهم أكثر من مجرّد شخصيّاتٍ أبويّةٍ، فهم مرشدون، وحماةٌ، وقدوةٌ، بل وأصدقاء يساعدون في تشكيل شعور الطفل بذاته ومكانته في العالم. ولكن ماذا يحدث عندما يُفقد هذا الوجود الحيويّ؟ في جميع أنحاء العالم، يكبر ملايين الأطفال من دون آبائهم بسبب ظروفٍ مختلفةٍ، من الطلاق والوفاة، إلى السجن والسفر. وفي حين أنّ تجربة كلّ طفلٍ فريدةٌ من نوعها، فإنّ غياب الأب غالبًا ما يترك بصماتٍ ملحوظةً على التطور العاطفيّ والاجتماعيّ والإدراكيّ للطفل. يتيح لنا استكشاف هذه التأثيرات فهمًا أفضل لكيفيّة دعم الأطفال الذين يواجهون هذا التحدّي، وضمان حصولهم على الأدوات اللازمة للنجاح، على الرغم من غياب شخصيّة الأب.    دور الأب في تنشئة الطفل  للآباء أدوارٌ فريدةٌ ومتكاملةٌ في تربية الأبناء. تُظهر الدراسات أنّ الآباء يميلون إلى المشاركة في أنماطٍ مختلفةٍ من التفاعل مع الأبناء، مقارنةً بالأمّهات. على سبيل المثال، غالبًا ما يكون الآباء أكثر مرحًا جسديًّا، ويشجّعون على المخاطرة والمغامرة، ويدفعون الأطفال إلى استكشاف ما هو أبعد من مناطق راحتهم. يمكن أن تساعد هذه الديناميكيّة الأطفال على بناء الثقة والمرونة والاستقلال.  بالإضافة إلى تفاعلاتهم المباشرة، يسهم الآباء أيضًا في استقرار الأسرة، بتقديم الدعم الماليّ، ونمذجة العلاقات الصحّيّة، وغرس الشعور بالأمان. يعني وجود الآباء وجود التقدير والأمان والدعم الذي يجب أن يشعر به كلّ طفلٍ، لينشأ بطريقةٍ صحّيّةٍ، ولكنّ غيابه يعني أنّ الطفل سيعاني فجواتٍ في نموّه العاطفيّ والاجتماعيّ والنفسيّ.    تأثير غياب الأب في الطفل  قد يؤثّر غياب الأب في الأطفال بعدّة طرقٍ، من الصراعات العاطفيّة إلى القضايا السلوكيّة طويلة الأمد. في حين أنّ تجربة كلّ طفلٍ فريدةٌ من نوعها، وتتأثّر بعوامل مختلفةٍ، مثل دعم الأمّ، والظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة، إلّا أنّ هناك أنماطًا معيّنةً، تظهر لدى مختلف الأطفال الذين عاشوا تجربة غياب الأب.    التأثير العاطفيّ والنفسيّ  غالبًا ما يترك غياب الأب فجوةً في نمذجة سلوك الذكور وهويّتهم. فقد يكافح الذكور تحديدًا في تكوين شعورٍ واضحٍ بالذات، وبدورهم ذكورًا وسط أسرهم الصغيرة، في السياقات التي ترتبط فيها الرجولة بالأدوار التقليديّة، مثل توفير احتياجات الأسرة، أو حماية الأحبّاء. ومن دون وجود نموذجٍ ذكوريٍّ يتعلّمون منه، فقد يلجؤون إلى مجموعة أقرانٍ أو غيرها من التأثيرات، بغاية التأكّد من دورهم، وهو ما قد يؤدّي إلى سلوكيّاتٍ غير صحّيّةٍ في كثيرٍ من الأحيان. في بعض الحالات، قد يتضمّن هذا تعاطي المخدّرات، أو الانضمام إلى مجموعات الجانحين، أو اللجوء إلى العنف، لتأكيد الهيمنة، خصوصًا على الأمّ والأخوات في المنزل.  بالنسبة إلى الفتيات، يمكن أن يؤثّر غياب الأب في احترامهنّ لذواتهنّ، وإدراكهنّ لطبيعة العلاقات مع الرجال. في مجتمعاتنا، حيث يُتوقّع من الآباء أن يكونوا مصدر الأمان والحماية للإناث، قد يؤدّي غيابهم إلى جعل الفتيات أكثر عرضةً للاستغلال أو العلاقات غير الصحّيّة، إذ قد يسعين إلى الشعور بدور الذكر في حمايتهنّ، لكنهنّ سيبحثن عنه في مكانٍ آخر خارج المنزل. قد يتجلّى هذا بشكلٍ خاصٍّ في البيئات التي يتمّ فيها تطبيع الزواج المبكّر، أو الاعتماد على الشخصيّات الذكوريّة، ما قد يؤدّي إلى أنماطٍ ضارّةٍ في وقتٍ لاحقٍ من الحياة.    الأداء الأكاديميّ  يرتبط غياب الأب بانخفاض التحصيل الأكاديميّ لدى الأطفال ارتباطًا شبه مباشر. فقد وجدت دراسةٌ أجرتها سارة إي. ماكلاناهان وجاري سانديفر، والتي تمّ تفصيلها في كتابهما Growing Up with a Single Parent، أنّ الأطفال الذين ليس لديهم أبٌ في المنزل، أكثر عرضةً إلى الحصول على درجاتٍ أقلّ، ومعدّلاتٍ أعلى في احتماليّة ترك الدراسة، وانخفاض احتماليّة الالتحاق بالجامعة.  يمكن أن يعود هذا إلى عدّة عوامل، منها انخفاض الموارد الماليّة، والافتقار إلى نموذجٍ يحتذى به من الذكور، وزيادة الضغوط في الأسر التي يعولها أحد الوالدين. فغالبًا ما يقدّم الآباء إرشاداتٍ وبنيةً فريدةً من نوعها، والتي يمكن أن تؤثّر بشكلٍ إيجابيٍّ في مواقف الأطفال تجاه التعليم والانضباط.    القضايا السلوكيّة  تعدّ المشاكل السلوكيّة نتيجةً شائعةً أخرى لغياب الأب. أظهرت الدراسات أنّ الأطفال من المنازل التي ليس فيها أبٌ، أكثر عرضةً لإظهار العدائيّة والانحراف وتعاطي المخدّرات. على سبيل المثال، وجد تقريرٌ صدر سنة 2011 عن وزارة الصحّة والخدمات الإنسانيّة الأمريكيّة، أنّ الأولاد الذين ليس لديهم أبٌ، أكثر عرضةً للانخراط في سلوكٍ إجراميٍّ في المراهقة.  يؤثّر غياب الأب أيضًا في الفتيات، ولكن بطرقٍ مختلفةٍ، إذ ينعكس هذا الغياب على تكوينهنّ النفسيّ وسلوكهنّ الاجتماعيّ. فالفتيات اللواتي يكبرن من دون الأب، قد يعانين حرمانًا عاطفيًّا يدفعهنّ إلى البحث عن تعويضٍ غير واعٍ لهذا الفراغ، ما قد يؤدّي إلى تدنّي تقديرهنّ لذواتهنّ، وقد ينعكس على إنجازهنّ الدراسيّ أو المهنيّ. كما قد يظهر أثر الغياب في سلوكيّاتٍ عدائيّةٍ تجاه الجنس الأخر، أو الشعور بعدم الأمان العاطفيّ، نتيجة افتقارهنّ إلى التوجيه الأبويّ، والدعم الذي يعزّز شعورهنّ بالاستقرار النفسيّ.    التطوّر الاجتماعيّ  غالبًا ما يمثّل الآباء قدوةً في التعامل مع الآخرين، إذ يمكن لوجودهم أن يعلّم الأطفال التواصل بشكلٍ فعّالٍ، وحلّ النزاعات بطرقٍ سلميّةٍ، وبناء علاقاتٍ صحّيّة. غياب شخصيّة الأب يجعل الأطفال يكافحون لتطوير هذه المهارات، خصوصًا الذكور منهم الذين سيفتقدون القدوة الذكوريّة، ما يؤدّي بهم إلى صعوباتٍ في تكوين الصداقات والعلاقات، والحفاظ عليها في وقتٍ لاحقٍ من الحياة.     الصراعات الماليّة  في كثيرٍ من الحالات، يؤدّي غياب الأب إلى عدم الاستقرار الماليّ، لا سيّما في الأسر التي كان فيها الأب هو المعيل الوحيد، إذ قد يكون لدى الأمّ وصولٌ محدودٌ إلى وظائف ذات رواتب جيّدةٍ، أو أنظمة دعمٍ اجتماعيّ. يمكن أن تؤدّي هذه الصعوبات الماليّة إلى تعطيل أو تأخّر تعليم الطفل، وتقييد وصوله إلى الموارد التي يحتاج إليها لنموّه. كما قد تؤدّي إلى الشعور بالاستبعاد من الأقران القادمين من منازل أكثر استقرارًا. في بعض الحالات، يمكن أن تؤدّي الوصمة المرتبطة بغياب الآباء - سواء بسبب الطلاق أو الهجر أو الوفاة - إلى عزل الأطفال اجتماعيًّا بشكلٍ أكبر، ما يجعلهم يشعرون أنّهم "مختلفون" أو "غير مكتملين" مقارنةً بأقرانهم.    التخفيف من آثار غياب الأب  قد يسبّب وجود الأطفال من دون آباء مجموعةً من المشكلات للأمّ. وعلى الرغم من هذا، فالعديد من الأطفال في الأسر التي ليس فيها أبٌ، يكبرون ليعيشوا حياةً سعيدةً وناجحةً، وذلك بفضل مرونة الطفل، ودعم الأسرة والمجتمع والأنظمة الاجتماعيّة. في الآتي بعض الاستراتيجيّات للمساعدة في التخفيف من آثار غياب الأب:  دورٌ أموميٌّ قويّ  غالبًا ما تتولّى الأمّهات مسؤوليّاتٍ إضافيّةً في الأسر التي ليس فيها أبٌ، فتقدّم الدعم العاطفيّ والعمليّ. وعلى الرغم من أنّ هذا قد يكون مرهقًا، إلّا أنّ وجود الأمّ بحبّها وحنانها، يمكن أن يساعد الأطفال في تطوير شعورٍ آمنٍ بالارتباط والقيمة الذاتيّة.    نماذج الذكور الإيجابيّة  في غياب الأب، يمكن لشخصيّاتٍ ذكوريّةٍ أخرى - مثل الأعمام والأخوال والأجداد والمعلّمين وأصدقاء العائلة - التدخّل لملء الفجوة ولو قليلًا. يمكن أن توفّر نماذج الذكور الإيجابيّة التوجيه والدعم والشعور بالاستقرار، وهذا يساعد الأطفال في التغلّب على التحدّيات، وتطوير سلوكيّاتٍ اجتماعيّةٍ صحّيّة.    المحافظة على الروتين والقواعد في المنزل  يعّد اتّباع روتينٍ منتظمٍ من أفضل الطرق والأساليب لبناء الشعور بالانضباط لدى الأطفال، وجعل الحياة اليوميّة أسهل. فهو يوفّر النظام الذي يتوقّعه الطفل ويحتاج إليه، لتعزيز شعور الأمان داخل المنزل وخارجه. كما يعلّم الأطفال منذ سنٍّ مبكّرةٍ اتّباع القواعد. لذا، من المهمّ أن يكون جميع أفراد الأسرة على درايةٍ بالقواعد التي تضعها الأمّ أو مقدّم الرعاية، وأن يلتزموا بتطبيقها حتّى في غياب الأمّ، وذلك لتوفير جوٍّ من التناسق والانسجام في التعليمات والقواعد، خصوصًا في الأسر الممتدّة.    ***  لا شكّ أنّ غياب الأب يشكّل حياة الطفل بطرقٍ معقّدةٍ، ويؤثّر في رفاهيّته العاطفيّة، ونجاحه الأكاديميّ، وتطوّره الاجتماعيّ. ومع ذلك، من المهمّ بالقدر نفسه إدراك أنّ الأطفال يتمتّعون بالمرونة والقدرة على النجاح، مع وجود العوامل والدعم المناسب. ففي حين يفرض غياب الأب تحدّياتٍ جمّةً، إلّا أنّه يمكن التخفيف من حدّتها بالوجود القويّ والفعّال لدور الأمّ، والقدوة الإيجابيّة، والاستشارة عند الحاجة إلى ذلك.    المراجع https://trbeyah.com/r/%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8    https://www.sehatok.com/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A9/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D8%A4%D8%AB%D8%B1-%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%AA%D8%9F#:~:text=%D9%88%D9%8A%D9%86%D8%B7%D8%A8%D9%82%20%D9%87%D8%B0%D8%A7%20%D8%A8%D8%B4%D9%83%D9%84%20%D8%AE%D8%A7%D8%B5%20%D8%B9%D9%84%D9%89,%D9%88%D9%8A%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%B5%20%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9%20%D9%84%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%20%D9%81%D9%8A    https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1_%D8%BA%D9%8A%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1    https://en.wikipedia.org/wiki/Father_absence#:~:text=Research%20has%20shown%20that%20children,health%2C%20and%20their%20well%20being.