علي عيسى- أستاذ مادّة الرياضيّات في المرحلة الثانويّة - لبنان
أستاذ مادّة الرياضيّات في المرحلة الثانويّة - لبنان
علي عيسى- أستاذ مادّة الرياضيّات في المرحلة الثانويّة - لبنان
أستاذ مادّة الرياضيّات في المرحلة الثانويّة - لبنان
2025/11/13

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟

بالطبع، لقد غيّرت الحروب والأزمات في العالم العربيّ نظرتي إلى التعليم، من كونه مجرّد عمليّة أكاديميّة تهدف إلى نقل المعرفة، إلى كونه قضيّة وجوديّة وإنسانيّة وأداة لبناء الصمود المجتمعيّ. فنحن نحتاج إلى تعليم للنجاح الفرديّ، بالإضافة إلى تعليم من أجل البقاء والنهضة المجتمعيّة، وإلى الاستعداد الدائم إلى تكييف التعليم في أوقات الطوارئ. إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار أولويّة المهارات الحياتيّة والوجدانيّة واعتبارها أصلًا من أصول المنهج اليوميّ بما يتضمّن العدالة التعليميّة والمرونة والتجدّد الدائم التتابعيّ.

ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟

التعليم لا يمكن أن ينهض، ولا أن يحقّق أهدافه، ما لم يكن المعلّم شريكًا حقيقيًّا، ومحترمًا ومدعومًا ومُلهمًا. أتمنّى لو يعرف صنّاع القرار أنّ المعلّمين اليوم لا يعانون فقط ضعف الرواتب أو ضغط العمل، بل تآكل معنويّاتهم، وتقلّص شعورهم بالقيمة والتمكين.

المعلّم فاعل اجتماعيّ لا مجرّد ناقل معرفة، والكثير من المعلّمين منهكون نفسيًّا ومهنيًّا. غير أنّ بعض السياسات التربويّة غير الواقعيّة تعتبره عائقًا أمام التطوير على الرغم من أنّه مفتاحه. ولكن، ليكون القول دقيقًا، يحتاج الكثيرون منهم إلى تدريب حقيقيّ، لا دورات شكليّة. كما إنّ الاستقرار الماديّ والمعنويّ ضرورة، لا ترف.

فاليوم، يعيش المعلّم كما غيره وسط تحوّلات مجتمعيّة وتكنولوجيّة ضخمة. والمطلوب ليس فقط تحديث أدواته، بل دعمه نفسيًّا وفكريًّا ليواكب هذا الواقع المضطرب، ويكون مصدر أمان واستقرار لطلّابه. ومن دون استثمار حقيقيّ في المعلّم، فإنّ أيّ إصلاح تربويّ سيكون مجرّد بناء على أساس هشّ.

هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟

نعم، الكتاب المدرسيّ لا يزال مصدرًا أساسيًّا في صفّي. لكنّه لم يعد المصدر الوحيد، بل أصبح جزءًا من منظومة تعليميّة متعدّدة المصادر. فالكتاب المدرسيّ مرجعيّة وطنيّة لا يمكن الاستغناء عنه، لأنّه يعبّر عن المنهج الرسميّ، ويراعي الخصوصيّة الثقافيّة، ويشكّل الإطار المشترك بين الطلّاب والمعلّمين وأولياء الأمور. غير أنّه لم يعد كافيًا وحده،
فالتحوّلات التكنولوجيّة، وتغيّر طبيعة المتعلّم، وحاجته إلى تجارب تعلّم متنوّعة، جعلت من الضروريّ توسيع مصادر التعلّم.

الكتاب لا بدّ أن يظلّ حاضرًا، لكن دوره تغيّر، فلم يعد هو ركيزة العمليّة التعليميّة، بل أصبح أحد أدواتها، وتعزيز التعلّم اليوم يتطلّب دمجًا ذكيًّا بين الكتاب والمصادر الرقميّة والأنشطة الحيّة.

هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟

لم أفكّر يومًا بالاستقالة من المهنة على رغم مرور أيام عصيبة وتحوّلات، لسبب وحيد أنّي أعتبرها رسالة لا بدّ للبشريّة من الحفاظ على وجودها.

ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟

في عصر الذكاء الاصطناعيّ، لم يعد التعليم يركّز فقط على المعرفة، بل على كيفيّة استخدام المعرفة بذكاء، والأهمّ بإنسانيّة. لذلك، يجب أن نُركّز على ثلاث مجموعات رئيسة متعارف عليها من المهارات:

أولًا: المهارات المعرفيّة العليا: التفكير النقديّ - القدرة على طرح الأسئلة - حلّ المشكلات المعقّدة بالتدريب على التفكير المنهجيّ والإبداعيّ لحلّ تحدّيات حقيقيّة، لا مجرّد مسائل روتينيّة.

ثانيًا: المهارات الرقميّة والتقنيّة: الثقافة الرقميّة  (Digital Literacy)- مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعيّ - البرمجة والتفكير الحوسبيّ.

ثالثًا: المهارات الإنسانيّة والسلوكيّة: الذكاء العاطفيّ - العمل التعاونيّ والتواصل - المرونة والتكيّف مع التغيير.
فالعالم سريع التغيّر، يحتاج المتعلّم إلى عقل منفتح وقدرة على إعادة التعلّم باستمرار.

بالإضافة إلى مهارة لا بدّ  من وجودها لتحديد رؤية حقيقيّة وواقعيّة لتفعيل دور المهارات وهي: مهارة التعلّم مدى الحياة.
فالاستعداد الدائم للتعلّم وإعادة التعلّم، لأنّ ما نُعلّمه اليوم قد يصبح قديمًا غدًا.

ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟

أدرك أنّ شدّ انتباه المتعلّمين اليوم لم يعد مسألة "إسكاتهم"، بل كسب عقولهم وقلوبهم، ولذلك أعتمد مجموعة من الاستراتيجيّات المتكاملة، أبرزها:

أولًا:  الربط بالواقع واهتمامات المتعلّمين، أعمل على إرسال رسالة خفيفة للمتعلّم، وهي أنّ ما يتعلّمه يعنيه.

ثانيًا:  التشويق وكسر التوقّع.

ثالثًا: التفاعل والمشاركة النشطة.

رابعًا: التنويع في أساليب العرض واستراتيجيّات التدريس.

خامسًا: بناء العلاقة الإنسانيّة مع المتعلّمين، وهذ ما اعتبرها أهمّ استراتيجيّة.

شدّ الانتباه ليس فنًا لحظيًّا، بل هو بناء لبيئة صفّيّة مشوّقة وحيويّة وعادلة. فحين يشعر الطالب بالانتماء والمعنى من العمليّة التعليميّة، يجد في كلّ لحظة فيها أهمّيّة.

هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟

في رأيي، تعبير "ضبط الصفّ" لم يعد مناسبًا كما كان في النماذج التربويّة التقليديّة. بل يحتاج اليوم إلى إعادة نظر وتحديث، ليعكس فلسفة تربويّة إنسانيّة أكثر احترامًا لطبيعة المتعلّم ودور المعلّم.

هذا المصطلح يشير إلى  التحكّم والسيطرة، ويُركّز على "السلوك" لا على "الدافعيّة"، ويعكس نموذجًا تعليميًّا ماضيًّا حيث المعلّم هو السلطة المطلقة، والطلّاب متلقّون فقط.

أفضّل استخدام تعابير مثل: الإدارة الصفيّة، أو البناء المناخيّ الصفّيّ الإيجابيّ، أو التشاركيّة الصفّيّة المسؤولة، أو التناسق والتناغم الصفّيّين.

ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟

بدايةً، المادّة التي أدرّسها هي الرياضيّات، ومعلموها ينقسمون بين شخص عبوس وآخر لديه حس فكاهيّ. وأنا من القسم الثاني، والأمور التي تجعلني أضحك على رغم الضغوط والتعب والتحدّيات اليوميّة عديدة، منها الصدق العفويّ في تفاعلات المتعلّمين، والمواقف غير المتوقعة التي تحدث في الصفّ، وذكاء بعض الردود البريئة التي لا تخطر على بال أحد.

فالضحك طريقتي في استعادة توازني، ويذكّرني بسبب وجودي هنا. وهو مقاومة نبيلة، والأهمّ  هو ليس ضعفًا في الهيبة، بل قوّة في العلاقة.

أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟

قد تكون الإجابة عن هذا السؤال مُربكة، لأسباب منها التخمين بأنّي قرأت كافة المقالات في منهجيّات وهذا أمر غير دقيق. ولكن بشفافيّة، اطّلعت على ما يقارب 70 % من المحتوى منذ بداية نشر أعداد المجلّة، وكان لي إسهام في عددها الأول بعنوان : التعليم في لبنان خلال جائحة كورونا: نظرة نقديّة، وكذلك دردشة نشرت في 16 /11/2022. غير أنّ مقالًا  بعنوان: التغذية الراجعة البنائيّة: صوت المتعلم في تطوير تعلّمه"  للمعلّمة شذى أحمد حمدان ، أعجبني كثيرًا لأنّه أعاد التصويب على ثغرة الاهتمام بما ينتجه المتعلّم ليكون مفتاحًّا لتخطيط مناهج،  والبحث عن عمق السؤال الآتي: هل  نُعلّم ليحفظ الطالب، أم ليفهم ويُفكّر.

إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟

من الصعب الكتابة عن تجربتي في التعليم، لأنّها تجربة تتجدّد وتنمو دائمًا، ولكن أحاول كتابة كتاب بعنوان "رياضيّات المستقبل وتدريسها: نحو نموذج تعليميّ مبتكر في ظلّ الذكاء الاصطناعيّ".