أصداء الدردشة :من سيتولّى مهمّة التعليم في غياب المعلّمين والمتخصّصين التربويّين؟
أصداء الدردشة :من سيتولّى مهمّة التعليم في غياب المعلّمين والمتخصّصين التربويّين؟

أصداء الدردشة قراءات في سؤال من أسئلة قسم الدردشة في منهجيّات، تختار فيها هيئة التحرير سؤالًا من نسخة من نسخ الدردشة في المجلّة، بناءً على ارتباط السؤال بملفّ العدد، أو بأهميّة الموضوع أو راهنيّته المستجدّة، حيث تُدرَس إجابات مجموعة من المعلّمين، ويُجمع بينها باستنتاجات أو خلاصات منها. في كلّ عدد من منهجيّات صدى جديد من أصوات معلّمينا ومعلّماتنا.

 

في ظلّ تطوّر المجتمعات وتقدّم التكنولوجيا، تثور أسئلة مهمّة ومثيرة للجدل: "لو اختفى المعلّمون والمتخصّصون التربويّون من العالم، فإلى من يجب أن توكل مهمّة التعليم برأيك؟ لماذا؟ كيف سيكون شكل المدرسة لو تحقّق ذلك؟" هذه الأسئلة تستحقّ منّا أن نناقشها بجدّيّة، إذ تتناول جوانب حيويّة في مجال التعليم، والتأثير الذي يمارسه المعلّمون والمتخصّصون التربويّون على عمليّة نقل المعرفة وتنمية مهارات الطلّاب. 

قبل عرض إجابات تلك الأسئلة، لا بدّ أن ندرك أنّ المعلّمين والمتخصّصين التربويّين يؤدّون دورًا حاسمًا في توجيه الطلّاب، وتقديم المعرفة بطرائق تفاعليّة، وتكييفها مع احتياجاتهم المختلفة، إذ يمتلك الطلّاب المعرفة المتخصّصة في تصميم المناهج الدراسيّة، والتقنيّات التعليميّة الفعّالة، وقدرة فريدة على تحفيز التفكير النقديّ، وتعزيز نموّ الطلّاب الشخصيّ. 

ومع ذلك، نعرض بعض الأفكار الناتجة من سيناريوهات مستقبل التعليم المحتملة، في حالة اختفاء المعلّمين والمتخصّصين التربويّين، والتي قدّمها عشرون معلّمًا وعاملًا في مهنة التعليم من مناطق جغرافيّة مختلفة، أثناء إجابتهم عن هذا السؤال في دردشاتهم لعام 2020. وبالاطّلاع عليها وصلنا إلى أفكار مشتركة بينها: 

 

  • - التعلّم الإلكترونيّ والذكاء الاصطناعيّ. تبنّى هذا الفكر في دردشاتهم كلّ من ماسة ريشة وصدّيق الرعوي وأمجاد أبو هلال التي أعزت سبب تبنّيها ذلك الفكر في دردشتها إلى ما "أظهرت لنا الجائحة أنّ التعليم غير محدود بمكان وزمان". وأكّد يزن النعناعة في دردشته على ضرورة الاعتماد على التكنولوجيا، معتبرًا أنّ الذكاء الاصطناعيّ "سيفتح آفاقًا جديدة لتطوّر شكل التعليم"، وأنّ الفضاء الرقميّ يفيض بالبيانات والمعلومات، ممّا يعني إمكانيّة استخدامه المصادر التعليميّة المتاحة بكفاءة وسرعة عالية. كما تحدّث عماد طنّوس في دردشته عن "إحلال الذكاء الاصطناعيّ محلّ المعلّمين"، حيث يمكن للذكاء الاصطناعيّ، باستخدام تقنيّات التعلّم العميق وتحليل البيانات، تقديم إجابات دقيقة وشاملة لأيّ سؤال يطرحه الطلّاب. علاوة على أنّه يوفّر تجربة تعليميّة خاصّة، لما لديه من قدرة على تحليل سلوك الطلّاب، والتعرّف إلى نماذج التعلّم الفرديّة الخاصّة بكلّ طالب. وبناءً على هذه المعلومات، يمكن للذكاء الاصطناعيّ تقديم محتوى تعليميًّا خاصًّا وفعّالًا لكلّ طالب، ممّا يعني تلقّي الطلّاب التعليم بوتيرة تناسب قدراتهم واحتياجاتهم الفرديّة. الأمر الذي يزيد من فرص نجاحهم، وتحقيق إمكاناتهم الكاملة. 
  • - إسناد مهمّات المعلّم للأم. تبنّى هذا الفكر في دردشاتهم كلّ من عبد الرحمن دويكات ومحمد عمارنة وسماح نقاوة وسببو عبد الباسط وفرح الشمري وأسيا بن تيري، حيث إنّ الأمّ "مدرسة الكون" كما أشارت إلى ذلك ريم حسّان في دردشتها، وهي شخص يحمل مسؤوليّة تعليم أطفاله وتوجيههم، وهو دور يتطلّب الكثير من الصبر والمعرفة. وبيّنت أميرة الجوهري السبب في دردشتها: "لأنّهن الأكثر احتكاكًا بالأطفال ومعرفة باحتياجاتهم". وبالتالي، تستطيع الأمّ تقديم الدعم اللازم لهم وتوجيههم، بناءً على معرفتها الشخصيّة بهم. كما تتمتّع بقدرة فطريّة على التواصل مع أطفالها، فتستطيع استخدام لغة الحبّ المناسبة لكلّ طفل، والتي تختلف من طفل لآخر. على سبيل المثال، قد يحتاج بعض الأطفال إلى الإشادة والتشجيع لزيادة ثقتهم بأنفسهم، في حين يحتاج بعضهم الآخر إلى الاستماع، وتفهّم مشكلاتهم ومخاوفهم. ويمكن للأمّ أن تلبّي هذه الاحتياجات، نظرًا لمعرفتها أبنائها معرفة شخصيّة، وتفهم تمامًا ما يحتاجون إليه. 
  • - اعتماد الطالب على التعلّم الذاتيّ. تبنّى هذا الفكر في دردشاتهم كلّ من فيروز شريف وأسماء مصطفى ولميا خالد وإيمان النظار. يمكن أن يؤثِّر غياب المعلّم في حياة الطالب تأثيرًا إيجابيًّا في البحث والتعلّم، حيث يعزّز استقلاليّة الطالب وقدرته على الاعتماد على ذاته في اكتساب المعرفة. يشير حسين الزيتاوي في دردشته إلى أنّ "الإنسان الغارق في القِدَم قد علَّم نفسَه بنفسه". فعندما يتعلّم الطالب بمفرده، يجد نفسه مضطرًا إلى لبحث والتقصّي عن المعلومات، بالقراءة والاستكشاف. تساعد هذه العمليّة الطالب على تطوير مهارات البحث والتحليل والتفكير النقديّ، ويصبح قادرًا على تحديد مصدر المعلومات الموثوقة، والتمييز بين المعلومات الصحيحة والمعلومات الخاطئة. 

 

بعد عرض الأفكار المشتركة والمتبادلة التي قدّمها المعلّمون حول الأسئلة المطروحة، نقدّم بعض الاستنتاجات والملاحظات في عدد من النقاط: 

  • - يمكن عدّ استبدال الذكاء الاصطناعيّ بالمعلّم في المدارس مسألة معقّدة ومحفوفة بالتحدّيات. فرغم المميّزات المحتملة للذكاء الاصطناعيّ في تحسين تجربة التعلّم وتعزيز الفعّاليّة، لا يمكن تعويض دور المعلّم في توجيه الطلّاب وتحفيزهم وتطوير مهاراتهم الحيويّة. فالمعلّم يمتلك مهارات وصفات فريدة لا يمكن للذكاء الاصطناعيّ أن يحاكيها بالكامل. على سبيل المثال، التواصل البشريّ، والتفاعل الشخصيّ مع الطلّاب، إذ تعدّ العلاقة بين المعلّم والطالب عاملًا رئيسًا في عمليّة التعلّم وتطوير الشخصيّة. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك المعلّم القدرة على تحفيز الطلّاب وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتطوير مهاراتهم الاجتماعيّة. كما أنّه من الضروريّ وضع ضوابط صارمة لحماية خصوصيّة الطلّاب، وضمان استخدام الذكاء الاصطناعيّ بطرائق أخلاقيّة ومسؤولة. 
  • - يمكننا القول إنّ دور الأمّ، بديلًا للمعلّم في المدرسة، يمكن أن يكون ناجحًا إذا ما توفّرت الظروف المناسبة. فمن الجانب الأكاديميّ، هي قادرة على تعليم المواد الدراسيّة الرئيسة، بناءً على معرفتها بها، كما تستطيع توجيه أطفالها في حلّ المسائل، واستيعاب المفهومات الصعبة، وتنظيم الوقت، والعمل الجاد، وتحقيق النجاح الأكاديميّ. ومن الجانب الاجتماعيّ، يمكن للأمّ أن تعزِّز التعاون والتفاعل الاجتماعيّ بين أطفالها، إذ تستطيع تنظيم الأنشطة الاجتماعيّة والتعاونيّة التي تعزِّز التعاون والعمل الجماعيّ. كما تستطيع تعليم أطفالها قيم الاحترام والانضباط والتعاون. ومع ذلك، هناك بعض العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند النظر في دور الأم، بديلًا للمعلّم في المدرسة. فعلى سبيل المثال، قد يكون لدى الأمّ واجبات أخرى، ومسؤوليّات تجاه الأسرة والمنزل؛ ممّا قد يؤثِّر في قدرتها على توفير الوقت، والتركيز الكامل لتعليم أطفالها. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك المعلّم المدرَّب خبرة ومعرفة مهنيّة تساعده في تحقيق أهداف التعليم تحقيقًا أفضل. 

 

في عصر التكنولوجيا والثورة المعلوماتيّة، أصبح بإمكان الطلّاب الاعتماد على أنفسهم في عمليّة التعلّم، من دون الحاجة إلى معلّم. ولكن ثمّة بعض التحدّيات التي قد يواجهها الطلّاب في التعلّم الذاتيّ، ومنها: 

  • - ضعف التنظيم والتخطيط. فعندما يعتمد الطالب على نفسه لتحقيق التعلّم، عليه أن يكون قادرًا على تنظيم وقته تنظيمًا جيّدًا، لتحقيق أهدافه التعليميّة. في كثير من الأحيان، يجد الطلّاب صعوبة في تحقيق التنظيم والتخطيط تحقيقًا فعّالًا، فيصبح مشتّتًا ومنشغلًا بأمور أخرى؛ ممّا يؤثِّر سلبًا في تركيزه وقدرته على الاستفادة القصوى من الوقت المخصّص للتعلّم. 
  • - عندما يتعلّم الطالب بدون معلّم، يجب عليه أن يكون قادرًا على العثور على المواد التعليميّة المناسبة والموثوقة، والتي تساعده في تحقيق أهدافه التعليميّة. يتطلّب ذلك مهارات بحثيّة قويّة وقدرة على تحليل المعلومات المتاحة. ومع وجود فيض من المعلومات المتاحة في الإنترنت، يمكن أن يشعر الطلّاب بالضياع والارتباك في اختيار المصادر المناسبة والموثوقة. 
  • - عندما يعتمد الطالب على نفسه للتعلّم، يفتقر إلى فرص التواصل المباشر مع المعلّم، والتفاعل معه، وطرح الأسئلة والاستفسارات. الأمر الذي قد يؤثِّر سلبًا في فهم الطالب المواد الدراسيّة، وقدرته على تطبيقها. فقد يجد الطالب صعوبة في فهم بعض المفهومات المعقّدة، أو حلّ بعض المشكلات، من دون وجود معلّم يوجِّهه ويوضِّح له الأمور بشكل أفضل.  
  • - افتقار قدرة الطلّاب على تحفيز أنفسهم والمثابرة على التعلّم، من دون وجود معلّم يشجِّعهم ويقدِّم إليهم الملاحظات والتوجيه؛ إذ يجب على الطالب أن يكون قادرًا على تحفيز نفسه والحفاظ على الانضباط الذاتيّ والمثابرة لتحقيق أهدافه التعليميّة. يمكن لذلك أن يكون تحديًّا كبيرًا بالنسبة إلى العديد من الطلّاب الذين يحتاجون إلى توجيه المعلّم ودعمه، للحفاظ على التحفيز والتركيز. 

 

وحريّ بنا أن نكون واقعيّين في التفكير في هذه السيناريوهات، حيث يظلّ الإنسان العامل الرئيس في عمليّة التعلّم، فالتفاعل الشخصيّ والتوجيه الفردي عنصران رئيسان في تحقيق تجربة تعليميّة فعّالة. يمكن أن يكون الاعتماد الكامل على التكنولوجيا في التعليم، من دون وجود معلّمين ومتخصّصين تربويّين تحديًّا كبيرًا، إذ قد يفتقر الطلّاب إلى التوجيه والدعم الشخصيّ الذي يوفّره المعلّمون. 

وفي رأينا، في حالة اختفاء المعلّمين والمتخصّصين التربويّين، يمكن أن يكون البديل الأمثل تنظيم المجتمع تنظيمًا أوسع، للمشاركة في عمليّة التعليم، إذ يشارك الأهل والأقارب والمجتمع المحلّيّ في تقديم المعارف والمهارات للأجيال الجديدة. كما يمكن تنظيم ورش عمل وندوات ومحاضرات من خبراء في مجالات مختلفة، لنقل المعرفة وتوجيه الطلّاب. 

قد يتطلّب ذلك تطوير نظام تعليميّ جديد يركِّز على التعلّم المجتمعيّ، والتعلّم من التجارب العمليّة. كما يمكن أن تكون الجهات الحكوميّة والمؤسّسات غير الحكوميّة المسؤولتين عن تنظيم هذا النظام وتوفير الدعم والإرشاد اللازم للطلّاب. 

في الختام، يجب أن ندرك أنّ للمعلّمين والمتخصّصين التربويّين دورًا مهمًّا في التعليم، وأنّه لمن الصعب تصوّر التعليم بدونهم. ومع ذلك، يمكن أن يتطوّر نظام التعليم في حالة اختفائهم، وقد يكون هناك دور أكبر للتكنولوجيا والتعلّم المجتمعيّ في توفير تجربة تعليميّة شاملة ومتميّزة. 

 

منهجيّات