يزن محمود النعانعة- تربويّ وأكاديميّ- الأردن
يزن محمود النعانعة- تربويّ وأكاديميّ- الأردن
2021/11/10

كيف تتخيّل شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وما هو مستقبل المدرسة كمكانٍ، خصوصًا بعد تجربة التّعليم عن بُعد؟ 

منذ بدء الخليقة وما زال الإنسان يطوّر وينوّع أدواته لاكتشاف كلّ جديد، ولطالما كانت العلاقة الطرديّة بين الرغبة والفضول قائمة وناشئة، وهذا ما جعل الفضول يقود إلى الرغبة دائمًا، لتنشأ ملامح التعلّم الذي أبرز أشكالًا متنوعة للتعليم، استقرّ في اطاره الأخير بين جدران مدرسة وصفّ دراسيّ.

ومع أن هذا الشكل القائم هو قديم لم يتغيّر منذ مئات السنين، إلّا أن التنوّع والتطوّر جرى في محتواه لا شكله، فتطوّرت وسائل التدريس وأساليبه، وتطوّرت مناهجه لتجمع المعرفة وتضعها في وعاء ثابت داخل أسوار مبنى يُعِدُّ للمستقبل ويفتح باب المعرفة لمواجهة الحياة. من جهة أخرى فلا شكّ أنّ استقرار العلوم وزخم المعارف، التي استطاع الانسان الوصول لها ومأسستها، جعل جمعها في منهاج وترطيبها بأساليب ووسائل جاذبة ووضعها في إطار واحد داخل أسوار مدرسة، مدعاة للاستقرار والثبات على شكل التعليم، لذا ودون المدرسة لم يكن لمكانٍ آخر أن يجمع هذا التنوّع المعرفيّ، ويعطي هذا القدر الخبراتيّ، ويحيط بكل هذا التطوّر الإنسانيّ ويقدّمه لملايين المتعلّمين حول العالم.

وبهذا الفهم فإنّ تغيُّرًا حقيقيًّا في مستقبل المدرسة كإطار جامع لما ذُكر لن يكون في المستقبل القريب، خاصة وأن المدرسة كمكانٍ توفّر ما هو أكثر تأثيرًا من الكتب والمناهج. فالمدرسة مجتمع مصغّر لمجتمع كبير، ونماء الطلاب داخله يصقلهم بالحكمة والقدرة على التعامل مع البشر والمجتمع، وينمّي قدرتهم على إدارة انفعالاتهم وعواطفهم، ويقود جموحهم في ثقافة جمعيَّة توفّرها المدرسة أو النظام التعليميّ القائم، وبالتالي فإنّ الاستغناء عن هذه المكتسبات ليس سهلًا أو محبّبًا، على الأقلّ، في المنظور من الوقت.

أما ما فرضته جائحة كورونا من ضرورة جعلت من الحاجة سياقًا، ربما يصبح عادةً، فأُدخلت التكنولوجيا ما استطاعت كخطٍّ موازٍ للتعليم التقليديّ، ما أسهمَ، بلا شكٍّ، في التطلّع إلى رؤية جديدة ستكون فاعلة في دمج التكنلوجيا في التعليم داخل المدرسةِ، لا كبديل للمدرسة أو النمط التعليميّ القائم، وإن كان سيفتح آفاقًا جديدة لتطوّر شكل التعليم، خصوصًا بعد أن دُفع الجميع دفعًا للاعتماد على التعلّم عن بُعد كحلٍّ وحيد تحت سيف الجائحة.

 

ما هي أوّل نصيحة تنصح بها مُعلمًا جديدًا؟ لماذا؟ 

كُن محيطًا بطلابك، تذكّر أن منتجك بشر، بعواطفهم ورغباتهم وميولاتهم وطرق تربيتهم وبيئاتهم المتباينة. كن محيطًا لهم، ومحيطًا بهم، كن ميسِّرًا لمعرافهم، ومسّهلًا لطرق وصولهم للمعرفة، فمع الطفرة التكنولوجيّة أضحت المعارف بحرٌ كبير، بحّاروه محدودون.

 

ما هو تعريفك للدهشة؟ وكيف وصلت إلى هذا التّعريف؟

الدهشة عندي هي القطرة الأولى في وعاء المعرفة، هي "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، هي التساؤل والبحث عن الإجابة، وهي الإجابة الناصعة حين تزدحم الإجابات وتتلاطم. الدهشة هي الفعل وردّه، والأمر وضدّه، وما بينهما من أسئلة ورغبات وجموح، ولعلّها تنطق بنا أنْ كُن مُعلّمًا!

لا تنفكُّ الدهشة تلاحق الفلسفة، تتسابقان، تقود إحداهما الأخرى، وهذا سياق المعرفة الذي يضعنا أمام باب السؤال والبحث عن الإجابة، وهو السّياق ذاته الذي يجعلنا ننمو بما نعرف لنفتح لمن خلفنا من طلاب ومجتمع نفقًا يقودهم للحكمة والموعظة الحسنة.

 

ما هي مصادر الإلهام في مسيرتك التعليميّة؟ لماذا؟

الأرض ودورة الحياة وحقيقتها، وسرّ الوجود في الكون، والتاريخ وأسياده وكتبته، والماضون بمعرفته نحو المستقبل، من نسمّيهم أصحاب الخبرة، ومن سلكت معهم الطريق من أوّله (طلابي)، وعائلتي التي نهلت منها ووضعت فيها كلّ ما أعرف ورغبت لها بما لا أعرف، وسيرة المعلّم الأوّل النبيّ العربيّ الذي أورثنا ما نحن فيه موقف صحيح على ضفّة التاريخ الناجية.

 

من هو الطّالب المُتميّز برأيك؟ لماذا؟ 

كلُّ طالبٍ، بلا شكّ، مميّز. كلُّ طالب له تميّزه، وربما نغافل الصواب عن مهمّتنا الأولى كمعلّمين حين نصف بعضًا منهم بالتميّز: لأن مهمتنا الأولى أن نصبغ كل ميزة أكيدة داخل كل طالبٍ، وهي يقينًا موجودة، بصبغتها حتى نبرز تميّزه ونعظّمه!

 

حسب معاييرك، كيف تصف المُعلّم المُلهم؟  

صدر الجملة وعجُزها، المعلّم الملهم: واثقٌ صبورٌ طامحٌ شكورٌ مؤثرٌ صادقٌ. يزرع الغرسة ويرعاها بشغفِ حصادها، ليعلّقها في جدران العمر وسامًا من ذهب. المعلّم الملهم، من إذا غاب فُقد، وإذا وُجِد أثّر، وإذا عمل أنتج، بين طلابه قدوة، وبين زملائه نجمة.

 

ما هو الموقف الذي تندم عليه في مسيرتك التعليميّة؟

الحكم المسبق، فقد أصدرت حكمًا مسبقًا على طالبين درّستهما في منطقة فقيرة نائية، وهما أخوين في صفّ واحد، وكانا كثيرا الغياب، فكنت أعاقبهما كأبٍ حريص على تعلّمهما، إلى أن عرفت أنهما يمتلكان حذاءً واحدًا فكان أحدهما يغيب، والآخر يحضر لأنهما يستخدمان الحذاء ذاته!

 

برأيك، كيف تؤثّر علاقة الإدارة بالمُعلّم على مسيرتهِ؟

لا شك أنّ المعلّم رهين بيئته وحاضنته الأولى، وقيادة المعلّمين لا إدارتهم تحتاج حصافة وحكمة والهامًا ودعمًا، فكلّما أُحيط المعلّم بالرعاية والعناية والدعم والمساندة، كلّما انعكس ذلك على عمله وعلاقته بطلابه، والعكس صحيح.

 

ما الذي تُريد أن تمحوهُ من طريقة التّدريس والتّقييم في مدارس اليوم؟

التدريس التقليديّ القائم على المحاضرة والتلقين، وحشو المعلومات المعلّب دون ممارسة أو تطبيق أو خيط أمل يصل بأحدهما. والتقييم التقليديّ الذي يقيس قدرة الطالب على الإحاطة بالمعلومة لا بالمعرفة، ويحوّل النماء لدرجةٍ لا لقدرة أو بناء مستعد للمستقبل.

 

ما هو الكِتاب الذي لهُ تأثير كبير عليك وعلى تجربتك في الحياة؟  

يخطر بذهني دون تفكير عميق كتاب "حيّ بن يقظان" لـ ابن طفيل، فلطالما شغلتني علاقة الإنسان بالكون، ولطالما بحثت عن منهجٍ يكشف سابر التفكير نحو الوصول إلى استنتاجات ومخرجات منطقيّة.