حسين مصطفى الزيتاوي- مُعلّم لُغة عربيّة- الأُردن
حسين مصطفى الزيتاوي- مُعلّم لُغة عربيّة- الأُردن
2021/02/09

لو اختفى المعلّمون والمتخصّصون التربويّون من العالم، فإلى من يجب أن توكل مهمّة التعليم؟ لماذا؟ كيف سيكون شكل المدرسة لو تحقّق ذلك؟

قد تكونُ الإجابةُ المُباشرة عن هذا السؤال هي: إنَّ الجهل سيسود بين النَّاس، وسيتلاشى العلم ويخفت نوره شيئًا فشيئًا إلى أن يُطبق علينا فَكُّ الأميّة، ولكنّي أرى غير هذا، فلو نظرنا إلى أصل الوجود سنرى أنَّ ذلك الإنسان الغارق في القِدَم قد علَّم نفسَه بنفسه، وارتبط بالموجودات ارتباطًا روحيًّا وعقليًّا وجسديًّا، حتَّى غدا، عبر تأمُّلاته،  مُتعلّمًا ومعلّمًا في الوقت ذاته، وهذه المهارة هي ما جُبِلَ عليها الإنسانُ الطبيعيّ الذي يسعى إلى غايته دائمًا، فإن أراد السفر ولم يجد طائرة تقلّه إلى بلاد بعيدة سيجد البديل وهي السيّارة، وإن لم يجدها سيذهب راكبًا الإبل، وإن لم يجدها سيذهب ماشيًا على قدميه وهكذا.

والتعليم والتعلّم قضيّة غير مُنبتّة عن ذلك، فهي قضيّة فطريّة غريزيّة تُخلَق مع الطّفل وتَبقى ملازمةً له حتّى يشيخ ويموت، فهي لا تتوقّف عند أسوار المدرسة ومعلّميها، ولعلَّ المُعلّمين هم مُعلّمون الآن، والمدرسة هي مدرسة الآن؛ لأنَّها حقيقة ثابتة لا يمكن تجاهلها، فإن تلاشت سيكون هناك مُعلّمون ومدارس بهيئة مختلفة ومُسمَّيات مُختلفة أيضًا، وستبقى عمليّة التعلّم والتعليم حاضرة ما حضرَ الإنسان.

 

لو ملكت القدرة على محو أشياء من ذاكرتك إلى الأبد، ما الذي تودّ محوه؟ وما الموقف الذي تخشى أن يُمحى؟

أريد محو ذاكرة ذلك المُعلّم الذي درَّسني اللّغة الإنجليزيّة في الصّفّ الخامس الابتدائيّ، ذلك المعلّم الذي أنَّبني أشدَّ ما يكون التأنيب، وضربني أشدّ ما يكون الضَّرب، ففي ذلك الوقت كانت الإنجليزيّة تُقرّر للطلّاب ابتداء من الصَّفّ الخامس الابتدائيّ، وليسَ قبل ذلك، وكان قد قرّر المُعلّم أن يمتحننا امتحان إملاء، وقد غفلتُ عن التدرّب عليه، فما كان منّي في الامتحان إلّا أن أخفقت ولم أفلح في كتابة كلمة واحدة واستحققت علامة صفرًا، ولأنّي أكره الصفر وأكره تأنيب الأهل، قمت بتزوير الإجابة، وكافأت نفسي بعلامة عشرة من عشرة مُزوَّرة، ولكن حصل ما لم يكن في الحُسبان، إذ رآني أحد الطلبة (الأعداء) وأعلم المعلّم بفعلتي (الدنيئة)، ثمَّ صار الضرب والركل والشتم من قِبَل المُعلّم، وأنا حجمي، وقتئذ، لا يسمح بدفع أقلّ ما يمكن دفعه من ذلك العذاب الذي نزلَ عليَّ، واتَّخذت بعدها عداءً  نفسيًّا مع هذه اللّغة التي أصبحت كشيطان رجيم بالنّسبة لي، على الرغم من أنّني أتقن كتابتها والمحادثة بها في سياقات محدودة، واجتزت بها امتحان التوفل، ولكن بَقِي ذلك الأثر الذي لا أستطيع تجاوزه إلّا بمحو الذّاكرة تمامًا.

أمَّا الشّيء الذي لا أريد مفارقة ذكراه فهو والدي، رحمه الله، ذلك الوالد الذي لم تخذلني يده الشريفة الحانية يومًا، تلك اليد التي لازمتني منذ كنت طفلًا حتّى توفّاها الله.

 

ما هي أكثر عشر كلمات تتكرّر على مسمعك يوميًّا بوصفك معلمًا؟

نحن المُعلّمين غالبًا ما يشدُّ انتباهنا تلكَ المُفارقات التي تُخالف توقّعاتنا المنطقيّة، فعندما نتحدّث داخل الصّفّ عن موضوع معيّن نتوقّع أن يتفاعل الطُّلاب حولَ هذا الموضوع، ولكن تصدُمنا اليدُ المرفوعة التي نتوقّع منها سؤالًا أو استفسارًا حول الموضوع ببعض الأسئلة التي خالفت توقّعاتنا تمامًا، وربّما لا تكون هي الكلمات الأكثر تكرارًا، ولكنّها بلا شك الكلمات الأكثر دهشة وإزعاجًا، لذا رسخت في أذهاننا لما تُحدثُه من مُفارقة مُزعجة لدينا، ومنها:

1- أستاذ (معلش أروح) على الحمّام.

2- أستاذ أريد شرب المّاء.

3- أستاذ انظر إلى هذا الطالب فقد فعل كذا بي...

4- أستاذ أريد قلمًا.

5- أستاذ نسيت الكتاب، أو الدفتر، أو القصّة...

6- أستاذ أريد أن أجلس قرب التدفئة.

7- أستاذ نعيمًا، (في سياق حلق الشّعر).

8- أستاذ ماذا فعلت بالأمس؟

9- أستاذ ما الفريق الذي تشجّعه؟

10- أستاذ أتلعب الببجي؟

 

كيف تردّ على تلميذ يظلّ يطلب منك مزيدًا من الشرح؟

أشرح مرّة ومرتين وثلاثة، فإن انقطع الاتّصال أُعطيه مُهمّة بيتيّة.

 

ما شخصيّة الرواية أو الفيلم أو المسرحيّة التي تحبها؟ لماذا؟

شخصيّة فيتو كوليوني من فيلم العرّاب، تلك الشخصيّة التي جمعت بين مُتناقضين: شدّة الحُبّ والوفاء والإخلاص للعائلة، وشدّة الإجرام والسَّخط والمكر  مع الأعداء.

 

ما هي مواصفات الصفّ الذي ترغب بتدريسه؟

أن يكون شغوفًا بالمعلومة حريصًا على اكتسابها، مسؤولًا، ومُتعاونًا، ومُحبًّا، وناقدًا، ومُعبّرًا.

 

ما هي أغرب نصيحة سمعتها من زميل عمل؟ ماذا كان الموقف؟

في بداية عملي بصفتي مُعلّمًا، قبل نحو أربعة عشر عامًا، فَتح باب صفّي مُدير المدرسة ووقف على بابه، وكنت مُنهمكًا بشرح  الدّرس، وقال لي : "لا تشرح هكذا" ثُمّ ذهب، والوقت الذي استغرق ما بين فتحه للباب وتعليقه لم يتجاوز 5 ثوان، فما كان منّي إلّا أن تركت الصّف ولحقت به إلى مكتبه وقلت له: "أنا مُغادر. اذهب أنت واشرح لهم بالطريقة الصحيحة التي تراها مناسبة".

 

عندما كنت طالبًا في المدرسة، كيف كان يرى المعلّمون جيلكم؟

كانوا ما بين محترم ومزدرٍ لنا، فكان معظمهم يبعث الأمل في نفوسنا لتصل إلى عنان السّماء، وبعضهم يقلّل من قدر عقولنا ويشكّكون بمقدرتنا على النّجاح.

 

ما عنوان آخر كتاب قرأته؟ وعن ماذا يتحدّث؟

"المستشرقون والتّراث النّحويّ العربيّ"، ويعرض نبذة عن حياة المستشرقين وجهودهم و تحليلاتهم للتّراث النّحويّ العربيّ.