فيروز شريف- معلّمة لُغة عربيّة- الجزائر
فيروز شريف- معلّمة لُغة عربيّة- الجزائر
2021/02/22

لو اختفى المعلّمون والمتخصّصون التربويّون من العالم، فإلى من يجب أن توكل مهمّة التعليم؟ لماذا؟ كيف سيكون شكل المدرسة لو تحقّق ذلك؟

وظيفة المعلّم اليوم، كما تعلمون، لم تعد تتمثّل في حشو عقول المتعلّمين بكمّ من المعارف، بالعكس تمامًا، اليوم المعلّم يدرك أنّ وظيفته تتمحوّر أساسًا في إرشاد المتعلّمين إلى الاعتماد على أنفسهم أكثر من الاعتماد عليه أو على أيّ شخص آخر، والاستمرار في التعلّم به أو دونه، لكن ذلك لا يمكن أن يحدث دون وجود معلّم يقوم بإعداد الأجيال على حبّ العلم والمعرفة والبحث، ونبذ الاتّكاليّة، وما إلى ذلك من الأمور الّتي من شأنها أن تدفع تلاميذنا إلى الأمام عوض تثبيطهم وتشكيكهم في قدراتهم على التّحسين من مستواهم من خلال مجهوداتهم الفرديّة، فحتّى التّعليم الذّاتي يحتاج إلى من يدفع تلاميذنا إليه ويعوّدهم عليه؛ لذلك لا أستطيع تصوّر عالم دون معلّمين ومتخصّصين تربويّين، ذلك اختصاصهم ومهما اجتهد غيرهم، فبالتأكيد لن يستطيعوا تحقيق ما يمكن أن يحقّقه أهل الاختصاص.

لكن إن افترضنا حدوث الأمر بشكل مؤقّت فقط، فشخصيًّا أرى أنّ مهمّة التّعليم توكل في هذه الحالة للأولياء، وأفراد الأسرة بشكلّ عام، بحكم وجودهم المُستمرّ بقرب أبنائهم، واستعدادهم على بذل ما بوسعهم من مجهودات، للارتقاء بمستوى فلذات أكبادهم.

فيما يتعلّق بشكل المدرسة في حال تحقّق ذلك، فبالتأكيد لن تكون بالشّكل الّذي نتمنّى أن تكون عليه، باعتبار أنّ مهمّة التّعليم ستوكل حينها إلى غير أهلها.

 

لو ملكت القدرة على محو أشياء من ذاكرتك إلى الأبد، ما الذي تودّين محوه؟ وما الموقف الذي تخشين أن يُمحى؟

بكلّ صراحة، أنا امرأة لا تحبّ أن تنسى، لذلك لا يوجد ما أودّ إزالته من ذاكرتي، كلّ ما عشت تفاصيله، ومرّ بحياتي، جعلني ما أنا عليه اليوم، لكن أن نسمح لذاكرتنا بالاحتفاظ بكلّ ما حدث ومررنا به وعشناه، ذلك لا يعني أن نتوقّف عنده، بالعكس تمامًا.

 

ما هي أكثر عشر كلمات تتكرّر على مسمعك يوميًّا بوصفك معلّمة؟

كلمات وجمل أسمعها يوميًّا بوصفي أستاذة في الطّور الثّانويّ، يمكنني ذكر التالية:

"أستاذة. تاريخ اليوم. ممسحة. قلم. كتاب. أستاذة هل تسمحين لي بكتابة تاريخ اليوم على السّبورة؟ شكرًا أستاذة. إلى اللّقاء أستاذة. هل تسمحين لي بالخروج أستاذة. دقّ الجرس. حصّتك تمرّ بسرعة أستاذة".

 

لديك القدرة على التخفّي ليوم واحد، ماذا ستفعلين؟

بما أنّني سأملك يومًا كاملًا أتخفّى فيه، وأبتعد بالمقابل عن جميع الانشغالات والالتزامات، فأوّل ما سأقوم به هو تحضير حقيبة الظّهر الرياضيّة خاصّتي، سأختار بعدها تيشرت لونه بنفسجيّ، بالإضافة إلى جاكيت ذا لون أصفر، وتنّورة بليسيه تكون متوسّطة الطّول، وحذاء رياضيّ بنفس لون الجاكيت، أَحبّ الألوان بالنّسبة لي، الأصفر والبنفسجيّ، وأكيد لن أفوّت فرصة جعلهما جزءًا من يوم يكون لي فقط، ولأنّي مهووسة بكلّ ما يتعلّق بصحراء الجزائر، فالوجهة في يوم التّخفّي خاصّتي ستكون إلى هناك.

بطبيعة الحال، يوم واحد غير كاف لزيارة جميع الأماكن الّتي أودّ زيارتها، واكتشافها، لكن مجرّد تواجدي في الصّحراء، أُمّ الحضارات على رأي الرّوائي اللّيبيّ إبراهيم الكوني، ومُلهِمة الأدباء والشّعراء، فذلك يعني أنّي قد أحسنت الاختيار، وعرفت جيّدًا كيف أستغل ذلك اليوم.

 

كيف تردّين على تلميذ يظلّ يطلب منك مزيدًا من الشرح؟

في الطّور الثّانويّ، نستشرف حدوث ذلك أثناء التّحضير، يعني قبل تقديم أيّ نشاط، نأخذ، نحن الأساتذة، مسألة الفروق الفرديّة بعين الاعتبار، ونتوقّع مطالبة بعض المتعلّمين بتقديم المزيد من الشّرح، فنحضّر ما يغنيهم عن فعل ذلك من الأساس، وفي حالة مطالبتهم بالمزيد من الشّرح، مع ما قُدّم لهم، نضيف ما يمكن إضافته، بشرط أن لا يكون في ذلك عدم مراعاة للمعيار الزّمنيّ؛ فمن غير المعقول تقديم المزيد من الشّرح لطالب أو طالبين وتجاهل البقيّة، خاصّة الطّلبة الّذين يتميّزون بسرعة الاستيعاب، نحن نعمل مع عدد معيّن من الطّلبة، وليس مع طالب معيّن، وعليه إذا ما صادفت حالة كالّتي ذُكرتْ، سأخصّص وقتًا إضافيًّا يكون في مكتبة الثّانويّة، وليس الفصل، وسأقدّم ما يمكن تقديمه من شرح ودعم.

هُنا سيظهر فعلا التّلاميذ المهتمّون بدراستهم والعكس، فلا يخفى عليكم أنّ عددًا من طلبتنا خاصّة في الطّورين المتوسّط والثّانويّ قد يدّعون عدم الفهم فقط لعرقلة سير الدّرس، نظرًا لفترة المراهقة الّتي يعيشونها، والّتي قد تدفع بعضهم لافتعال بعض الأمور للفت الانتباه فقط، وعليه لا بدّ أن يكون الأستاذ على دراية بكيفيّة التّصرّف في مثل هذه الحالات، مراعاة لمصلحة جميع تلاميذه من جهة، ومن جهة أخرى احترامًا للمعيار الزّمنيّ الّذي يعتبر الإخلال المستمرّ به من طرفه، أمرًا غير صحيّ، وواجب تداركه.

 

ما شخصيّة الرواية أو الفيلم أو المسرحيّة التي تحبينها؟

شخصيّة زوربا، في رائعة نيكوس كازانتزاكيس الخالدة "زوربا اليونانيّ". تعرّفت على شخصيّة زوربا الرّوائيّة في الجامعة، أذكر أنّي تمنّيت بعد الانتهاء من قراءة الرواية لو كان جميع النّاس زوربا. أحببتها أيضًا في الفيلم الّذي تمّ اقتباسه من الرّواية، لكن تبقى شخصيّة زوربا في الرّواية هي الأفضل على الإطلاق بالنّسبة لي. 

 

ما هي مواصفات الصفّ الذي ترغبين بتدريسه؟

بالنّسبة للمواصفات الّتي أرغب بتوافرها في الصّف الّذي أدرّسه، فهي بصراحة كثيرة، لذلك، سأذكر لكم أهمّها. أرغب باستمرار أن يكون عدد المتعلّمين في الصّف الّذي أدرّسه منخفضًا، فالاكتظاظ يؤثّر سلبًا على طلبتنا وعلى مردودهم، ويصعّب علينا مهمّتنا التّعليميّة كأساتذة.

 

ما هي أغرب نصيحة سمعتها من زميل عمل؟ ماذا كان الموقف؟

"عليك أن لا تبتسمي مُطلقًا مع المتعلّمين".

هذه النّصيحة سمعتها كثيرًا في بداية مشواري في التّعليم من طرف عدد من الزّميلات، واستغربت حينها، خاصّة حين عملت في الطّور الابتدائيّ، كيف يمكن أن أكون معلّمة ولا أبتسم مطلقًا مع تلاميذي وهم أطفال، هل أنا مُعلّمة أم غولة؟ ذلك ما كنت أردّده بيني وبين نفسي بصراحة، كلّما سمعت تلك النّصيحة. طبعًا للابتسامة وقتها لكن لا يعقل أن نظهر أمام تلاميذنا باستمرار بوجوه عابسة، نحن قدوة لهم، ولا أظنّ أننا نرغب بصناعة أفراد يعتبرون الابتسامة أمرًا غير محمود.

ويبقى عدم الإفراط في إطلاق الابتسامات أيضًا ضروريًّا جدًّا بحسب رأيي الشّخصيّ، فلكلّ أمر وقته وأوانه، فقط علينا كأساتذة ومعلّمين أن ندرك ذلك. 

 

عندما كنت طالبة في المدرسة، كيف كان يرى المعلّمون جيلكم؟

عندما كنت طالبة في المدرسة، كانت بلادي قد خرجت لتوّها من عشريّة دمويّة مقيتة، وكان من أبطالها المعلّمون والمعلّمات، الذين تعرّضوا لضغط هائل، فقط لأنّهم رفضوا أن تُغلق المدارس، ويحرم من سبقونا بالالتحاق بالمدارس من التّعليم. لذلك حظينا بدعم وتشجيع ومتابعة من أغلبهم.

لقد نجوا بأعجوبة، وجعلونا من خلال ذلك نحبّ الحياة والدّراسة ونقدّر قيمتهما، ودفعونا باستمرار إلى الأمام، لذلك أغتنم الفرصة لأشكرهم من قلبي، وأتمنّى أن يكونوا جميعًا بخير، وعلى قيد الحياة. 

 

ما عنوان آخر كتاب قرأته؟ وعن ماذا يتحدّث؟

بصراحة لي طقوس غريبة نوعًا ما بالنّسبة لفعل القراءة، بحيث أقرأ مجموعة من العناوين كلّ فترة، يعني قد أنهي قراءة أكثر من كتاب في نفس الوقت، لكن ما دامت مجلّة منهجيّات تهتم بكلّ ما يتعلّق بالتّعليم، سأذكر لكم عنوان آخر كتاب قرأته، له علاقة بالميدان الّذي أعمل فيه؛ الكتاب بعنوان"أنثربولوجيا التّعليم" لكاتبه الدّكتور كريستوف وولف، والذي نقله إلى اللّغة العربيّة الدّكتور موفّق علي السقار.

الكتاب باختصار شديد، يتحدّث عن أهميّة علم أنثروبولوجيا التّربويّ في التّعليم، من حيث أنّ المعرفة الأنثروبولوجيّة بشكل عامّ هي بالضّرورة معرفة متقدّمة ومغايرة، لذلك فهي تلعب دورًا مهمًّا في مجاليّ العلم التّربويّ والعلم العمليّ، وتنتج أسئلة ووجهات نظر وسمات جديدة في التّعليم.