إيمان صفوت الناظر- مدرّسة لغة فرنسية - مصر
إيمان صفوت الناظر- مدرّسة لغة فرنسية - مصر
2020/10/20

لو اختفى المعلّمون والمتخصّصون التربويّون من العالم، فإلى من يجب أن توكل مهمّة التعليم؟ لماذا؟ كيف سيكون شكل المدرسة لو تحقّق ذلك؟

الماجستير الذي أعمل على إنجازه حاليًّا يدور حول هذا التساؤل تحديدًا. من وجهة نظري، التي أحاول دعمها بالبحث العلميّ الممنهج، فإنّ عدم وجود المدرّس في حياة الطالب يساعده على البحث والتعلّم بالاعتماد على ذاته دون الاتّكاء على آخر يلقّنه المعلومة. في رأيي، هذه الطريقة هي الأكثر فاعليّة في الاستزادة من الخبرات، لأنّها تجعل الطالب أكثر قربًا من الموادّ التي يدرسها، وتزيد دافعيّته للتعلّم وتسهّل عليه فهمها، بل والسعي نحو الاستزادة من البحث والتعلّم من العلوم الأخرى. لربّما عدم وجود "سلطة" أعلى في التعلّم، تلك السلطة التي تفرض رؤيةً ما، سواءً بقصد أو بغير قصد، سيحرّر المتعلّم من قبضتها.  حينئذٍ سيتغيّر مفهوم المدرسة بوصفها مكانًا له جدران أربعة، ستصبح الحياة بأكملها، وما بها من خبرات وتجارب هي "المدرسة". هذا ليس خيالًا يحلّق في فضاء الهرب من الواقع المضني للتعليم. تاريخ التعليم يشير إلى وجود ذلك بالفعل.

أمّا المعلّم، فأين سيصبح موقعه من ذلك؟ يمكن أنّه إذا ما اتُّبعت تلك الطريقة التي يُشار إليها، أن يتمّ الاستغناء عن نسبة من المعلّمين. لأنّ الاعتماد سيكون على أرشيف المعلومات وتدوينها، وهو الذي أصبح متاحًا بصورة كبيرة دون الحاجة لمعلّم ينقلها للمتعلّمين، لربّما حينئذ سيحتاج المعلّم أن يعيد التفكير في جوهر مهنته.

 

لو ملكتِ القدرة على محو أشياء من ذاكرتِك إلى الأبد، ما الذي تودّين محوه؟ وما الموقف الذي تخشين أن يُمحى؟

لن أقوم بمحو أيّ شيء. سأترك كلّ شيء على ما هو عليه، كما حدث. أنا أعدّ الذاكرة جزءًا من "فنّي" الشخصيّ. سأترك كلّ ما يقبع في ذاكرتي كما هو دون أن أتدخّل بالحذف أو التغيير كنوع من تقديري الشخصيّ للفنّ.

 

ما هي أكثر عشر كلمات تتكرّر على مسمعكِ يوميًّا بوصفكِ معلّمة؟

 "مش" فاهم

 "مش" عارف

 "إزّاي"

 الكتاب

 الكلمة

 "عايز"

 "مدام" / بمعنى أستاذتي بالفرنسيّة

 تمام

 شكرًا

 صباح الخير

 

لديكِ القدرة على التخفّي ليوم واحد، ماذا ستفعلين؟

سأخرج من البيت بملابس عاديّة جدًّا غير أنّها تمنحني الراحة وحريّة الحركة. سأركض في الشارع بلا توقّف. لن أزجّ بجسدي في أيّة وسيلة مواصلات، بل سأمنح الحريّة لقدميّ لتنطلقا وتكتشفا معالم الطريق في أيّ اتّجاه كان. إذا ما انتابني التعب، سأجلس على قارعة الطريق، الرصيف سيصبح متّكأً لأستريح وألتقط أنفاسي، لا أجد غضاضة في ذلك. سألتقط أنفاسي، وأعاود النهوض، غير أنّني في هذه المرّة سأتوجّه إلى "فندق" محدّد يطلّ على النيل أحتفظ به في ذاكرتي منذ مدّة طويلة. سأصعد حتى أبلغ الدور الأخير منه، هناك سطح واسع، يمكنني رؤية القاهرة بأكملها. وبينما أنا على سطح هذا الفندق، أشعر أنّه سيكون لديّ الرغبة في القفز نحو أسطح عدّة مبانٍ أخرى. في نهاية هذا اليوم "الخفيّ"، سأعود إلى المنزل حتمًا متعبةً، سأحتاج إلى حمام بماء دافئ وسأخلد للنوم مبتسمةً بسبب ما حدث من مغامرات. قبل أن أخلد للنوم وتزول عني قدرتي السحريّة في الاختفاء، ربّما سأقوم بزيارة من أحبّ دون أن يراني، وأخبره بما في قلبي تجاهه. حينئذٍ يمكن أن أعود وأنام قريرة العين.

 

كيف تردّين على تلميذ يظلّ يطلب منكِ مزيدًا من الشرح؟

في أغلب الوقت، لا أعتمد على طريقة الشرح التقليديّة التي تعتمد على معلّم يلقّن المعلومات، بل أطلب من الطلّاب دومًا أن يبدؤوا هم بمشاركة ما يفهمونه عن موضوع بعينه. دومًا أعدّ أنّ دوري في الصفّ الدراسيّ هو إرشاد الطالب. الطالب هو الذي يحدّد طريقته الأنسب، ويشرح لي وجهة نظره، بينما يظهر دوري في مساعدته وتوجيهه متى تطلّب الأمر ذلك.

 

ما هي شخصيّة الرواية أو الفيلم أو المسرحيّة التي تحبّينها؟

أنا أحبّ شخصية "بيتا" في فيلم "ألعاب الجوع/ Hunger Games"، و"نيفيل لونجبوتوم" في "هاري بوتر/ Harry Potter" و"ونيس" في مسلسل دراميّ له الاسم نفسه هو الأقرب إلى قلبي، و"سلطان" في مسرحيّة "العيال كبرت" وشخصيّة "عرفة" في "وجهة نظر". أمّا عن المرأة، فلا أحبّ شخصيّة امرأة معيّنة، من الممكن أن أذكر فاتن حمامة في أفواه وأرانب، لكن كلّهن عظيمات.

أمّا عن المشترك بين الشخصيّات التي اخترتها، فهو الجمال والقوّة الباطنيّة أي أنّهم في الظاهر شخصيّات عاديّة تشبه المارّة في الشارع، لكنّهم إذا لم تأتِ الفرصة إليهم، صنعوها بأنفسهم لتبرز شخصيّاتهم الحقيقيّة.

كمثال "بيتا" في فيلم Hunger Games هو الأقلّ قوّة جسمانيًّا، وهو شخص عاديّ جدًّا لم ينتبه إليه الناس إلّا في حواره على الشاشة، وهو حوار بسيط يجذب مشاعر الناس ببساطة وتلقائيّة، لكنه بوصفه حبيبًا كان شخصًا يستطيع مجابهة نفسه ليحمي من يحبّ، وبوصفه مواطنًا كان على قدر المسؤوليّة والشعور بالآخرين فلم يتخلَّ عن أحد طيلة الأحداث، وهو شخص دهسته الحياة بلا رحمة، فلم يتحوّل لجبّار، وكأنّه نبتةٌ ظلّت خضراء رغم كلّ الفصول والعواصف.

 

ما هي مواصفات الصفّ الذي ترغبين في تدريسه؟

أيّ صفّ "ترجمة" هو صفّ الحلم عندي. الترجمة فيما أرى هي الرابط الفنيّ بين الاختلافات اللغويّة، والتي تحمل في ثناياها الكثير من الأفكار والثقافات. هي بمثابة سفر في نفوس الناس، وسفر عبر الزمن والنفس والفكر. الترجمة حياة لها طعم فنيّ مختلف.

 

ما هي أغرب نصيحة سمعتِها من زميل عمل؟ ماذا كان الموقف؟

أغرب نصيحة قيلت لي هي أن أقول "لا" في وجه المهمّات الجديدة في العمل. كان منطق صاحب النصيحة، أنّه كلّما قبلتُ مهمّات جديدة، كلّما زادت أخطائي، وكلّما زادت أخطائي لن ينظر إلى تطوّعي، بل سأعاقب على ما بدر منّي من أخطاء من المنطقيّ أن تحدث بسبب تحمّلي فوق طاقتي.

اقتنعتُ حينها أنّ النصيحة في محلّها لأنّها ببساطة تتلاءم مع فكر الأنظمة المعقّدة، ولكن بعد تفكيك تلك الفكرة، أرى أنّه ثمّة دائما احتياج للعمل في فريق هدفه الإنتاج الحقيقيّ، وليس ستر العيوب برمي المسؤوليّات على الآخرين باستمرار. تخبّطت كثيرًا، لأنّني لم أعتد اتّباع ذلك المنهاج، لكن لكلّ مكان قوانين تحكمه، وهي ليست بالضرورة مطابقة لما ينبغي أن يحدث كما تعلّمنا في المدارس والجامعات. في خبرة الحياة العمليّة وجدت أنّ العمل الجادّ لا يؤدّي بالضرورة إلى النجاح، وأنّ "من جدّ وجد" في بعض الأحيان تتحوّل إلى "لم يجد شيئًا يذكر". ولكن لأكون صادقةً، إنّني أضيقُ بتطبيق ذلك على المستوى الشخصيّ. إذا ما تحدّدت العلاقة بين الدارس والأستاذ فإنّ إيماني الشخصيّ يقول: إنّه إذا كانت العلاقة طيّبةً، فهي مثمرةٌ بالضرورة، حتّى ولو لم يرَ ثمارها المعلّم، أحبّ أن أتمسّك بذلك بوصفه حيلتي الخاصّة للنجاة في تعقيدات الحياة.

 

عندما كنتِ طالبة في المدرسة، كيف كان يرى المعلّمون جيلكم؟

قيل لنا : "أنتم آخر دفعة مؤدّبة!"

 

ما عنوان آخر كتاب قرأتِه؟ وعن ماذا يتحدّث؟

آخر كتاب قرأته بالكامل كان "عذراء شفشاون". كان عن "مريمة" ومدينة "شفشاون" المغربيّة ومصر بوصفها محطّةً للعلم، لكنّ القصّة كانت في الأساس قصّة حبّ تعرّضت لخذلان كبير لسنين طويلة. تبدأ القصّة بتاريخ الكتب الطبيّة التي هُرّبت إلى "شفشاون" لتنجوَ من المغول، ويكون ثمن نجاتها موت "مريمة" وتشريد عائلتها. القصّة عن بنت تزور مصر لتلتحق بالجامعة. تعيش مع عمّها وزوجته. هي يتيمة الأبوين ولها أخت واحدة.  تتصاعد أحداث الرواية حين تقع أخت البطلة في حبّ "حبيب" أختها. تتعرّض البطلة لتشويه السمعة، ومكائد من قبل أختها لمنع الزواج. تعيش الشخصيّة الرئيسة سلسلةً من الصراعات المتكرّرة اليوميّة من العنف الأسريّ والحرمان من الحبّ. تتوالى الأحداث سريعًا بتطوّر يعيد لها الحقّ في إرثها، وهو ما يمنحها أموالًا تساعدها في قلب الأحداث الظالمة التي تعرّضت لها. تعود البطلة مرّةً أخرى إلى "شفشاون" بعد سنوات من الشقاء والخسارة.

ما أعجبني في الرواية هو أنّها مليئة بتفاصيل عن شوارع مصر خصوصًا القاهرة والجيزة، ووصف لشفشاون، وتاريخ كتب الطبّ التي نجت بأعجوبة من المغول وكانت إرثًا لعائلة الشخصيّة الرئيسة، وكذلك تطوّر البطلة النفسيّ، ورحلتها نحو الخلاص.