والديّة

والديّة

تستكمل منهجيّات مقاربتها العمليّة التربويّة والاهتمام بالأطفال والشباب المتعلّمين عبر إطلاق قسم الوالديّة. فالمجلّة والمنصّة تنطلقان/ تستهدفان الممارسين التربويّين في المدارس، من معلّمين وواضعي سياسات. ودائرة الموضوعات تشمل كلّ قضايا الاهتمام بالمدرسة، ممارسة وتخطيطًا. لكنّنا شعرنا دائمًا انّ حلقةً ناقصةٌ في هذه المقاربة، تتعلّق بـ"الممارسين التربويّين" في البيت، قبل أن يذهب الأولاد إلى المدارس، وبعد أن يعودوا منها. ولاستكمال اهتمامنا بصحّة الأولاد الجسديّة والنفسيّة، ومحاولتنا لفت النظر إلى من هم بحاجة إلى عناية خاصّة منهم، نطلق قسم الوالديّة ليصير واحدًا من أبواب المنصّة الدائمة.

تتوجّه مقالات الوالديّة الى أهالي المتعلّمين، المهتمّين بالتعليم بشكل عامٍّ، وبتعليم أبنائهم وتأمين نموّ سليم لهم على كلّ الصعد. وتنطلق المقالات ممّا يكثر البحث عنه في محرّكات البحث، لتقدّم للقرّاء/ الأهل مواضيع تربوية تهمّهم، وتزيد من وعيهم بخصائص مراحل نموّ أبنائهم، وتساعدهم في التعرّف إلى أساليب التعامل مع بعض المشاكل السلوكيّة التي من الممكن أن تظهر عند أبنائهم، وإلى برامج تعليميّة تساعدهم على اتّخاذ قرارات تخصّ تعليمهم. 

وقد اهتممنا بأن تكون المقالات سهلة سلسة، واضحة ومباشرة، تساعد على فهم الموضوع وإثارة النقاشات بين الأهالي المهتمّين. كما اعتمدنا على أكثر من مصدر لكتابة كلّ مقال، وأثبتنا هذه المصادر في ختام المقالات لتزويد الأهل الراغبين بمعرفة أشمل بالموضوع المقروء.

وأخيرًا، نلفت الانتباه إلى قضيّة شديدة الأهمّيّة: الكثير من المقالات تقارب قضايا ومؤشّرات لها علاقة بأنماط نفسيّة خاصّة بالأطفال والمراهقين، أو قضايا المتعلّمين ذوي الصعوبات التعلّميّة. إنّنا نشدّد على أنّ المقالات تقدّم إلى الأهل نصائح وإرشادات تساعدهم أو تحثّهم على طلب مساعدة الاختصاصيين، ولا تقدّم معالجات أو مبادرات للأهل كي يقوموا بها بأنفسهم حين رصد ظواهر تستدعي الانتباه. 

المزيد

كيف تكون قدوة حسنة لأبنائك

واحدة من أكثر الجمل التي نسمعها في ما يخصّ الأطفال أنّهم مثل الإسفنجة، يمتصّون كلّ ما يرونه ويسمعونه ويختبرونه، خصوصًا في السنين الأولى من عمرهم. وبصفتنا آباء وأمّهات وموجّهين، فإنّنا نعتبر قدوة أولى وأكثر تأثيرًا في أطفالنا. إنّ الطريقة التي نتحدّث ونتصرّف ونتعامل بها مع التحدّيات، تشكّل قيمهم وسلوكيّاتهم ونظرتهم للعالم.  لكن، أن تكون قدوة جيّدة لطفلك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يعني السعي لتقديم مثال إيجابيّ بأفعالك وكلماتك وخياراتك. يتعلّم الأطفال أكثر بكثير ممّا تفعله أمامهم، مقارنة بما تقوله لهم. وإذا أردنا أن يكبر أطفالنا ليصبحوا أفرادًا طيّبين ومسؤولين ومرنين، فيجب أن نظهر هذه الصفات بأنفسنا، فالطفل مرآة أبويه.  يستكشف هذا المقال أهمّيّة أن تكون قدوة جيّدة، ويقدّم طرقًا عمليّة للقيادة بالقدوة، بطريقة تؤثّر بشكل إيجابيّ في نموّ طفلك وتطوّره.  لماذا من المهمّ أن تكون قدوة جيّدة؟  تُظهر الدراسات أنّ الأطفال يقلّدون سلوكيّات من حولهم، وخصوصًا آباءهم. ووفقًا لبحث نُشر في علم النفس التنمويّ، يبدأ الأطفال في سنّ ١٤ شهرًا في تقليد سلوك البالغين، سواء كان ذلك في كيفيّة تفاعلهم مع الآخرين، أو حلّ المشكلات، أو حتّى ردّ فعلهم تجاه التوتّر.  هذا يعني أنّه إذا رأى الطفل اللطف والصدق والمثابرة والاحترام الذي يُظهره والداه باستمرار، فمن المرجّح أن يتبنّى هذه السلوكيّات. وعلى العكس من ذلك، إذا شهد الغضب أو الخداع أو العادات غير الصحّيّة، فسيصبح انعكاسًا لوالديه في ممارستها.  من هنا تظهر أهمّيّة الانتباه إلى أفعالنا في مساعدة تشكيل شخصيّة سليمة لأطفالنا، وبناء ثقتهم ورفاهيّتهم بشكل عامّ.    كيف تصبح قدوة حسنة لطفلك؟  مارس ما تنصح به  يلاحظ الأطفال بسرعة وجود فجوة بين ما نقوله وما نفعله. إذا أخبرت طفلك بأهمّيّة الصدق، ولكنّه رأى أنّك تكذب للتهرّب من التزام ما، فسوف يتعلّم أنّ عدم الصدق أمر مقبول في مواقف معيّنة.  لكي تكون قدوة فعّالة:  - التزم بالوعود. إذا قلت لطفلك: "سألعب معك بعد العمل"، فتأكّد أنّك فعلًا ستقوم بذلك وتلعب معه.   - اعترف بالأخطاء. إذا فقدت أعصابك أو ارتكبت خطأ، فاعترف بذلك. قل: "ما كان ينبغي لي أن أرفع صوتي. أنا آسف".   - عش وفقًا للقيم التي تُعلّمها. إذا شجّعت اللطف والكرم، فأظهر هذه السمات في حياتك اليوميّة.   عندما يرى الأطفال الاتّساق بين أقوالنا وأفعالنا، يتعلّمون أنّ النزاهة والمسؤوليّة أمران مهمّان، وستصبحان من خصالهم مع مرور الوقت.   أظهر الاحترام واللطف  يتعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع الآخرين بملاحظة كيفيّة تفاعلنا مع الأشخاص من حولنا؛ سواء كانوا أفراد  الأسرة أو المعلّمين أو الغرباء أو عمّال الخدمة.   لتعليم الاحترام واللطف:  - تحدّث بأدب مع الآخرين، بما في ذلك طفلك. بدلًا من الصراخ، استخدم لغة هادئة ومحترمة.    - أظهر التعاطف والرحمة. إذا رأى طفلك أنّك تساعد جارًا، أو تُظهر الصبر تجاه شخص يعاني، فسوف يستوعب هذه السلوكيّات ويخزّنها في دماغه.  - تجنّب التحدّث بشكل سلبيّ عن الآخرين، وخصوصًا أمام طفلك. إذا سمع ثرثرة أو علامات على غيبة ونميمة، فقد يتبنّى السلوك نفسه.     إدارة التوتّر والعواطف بطريقة صحّيّة  الحياة مليئة بالتوتّر، وكيفيّة تعاملنا معها تعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع تحدّياتهم الخاصّة. إذا رأونا نتفاعل بالغضب أو الإحباط أو التجنّب في المواقف الصعبة، فقد يطوّرون استجابات مماثلة.  بدلاً من ذلك، قدّم نموذجًا للتنظيم العاطفيّ الصحّيّ:  - خذ أنفاسًا عميقة، وتمهّل قليلًا قبل الردّ في المواقف الصعبة. أظهر لطفلك أنّ المشاعر طبيعيّة، ولكن يمكننا التحكّم في كيفيّة التعبير عنها.  - تحدّث عن مشاعرك بطريقة بنّاءة. إنّ قول "لقد مررت بيوم صعب في العمل، ولكنّني سأذهب في تمشية لتهدئتي قليلًا"، يعلّمهم أنّه من الجيّد الاعتراف بالعواطف، وإيجاد طرق إيجابيّة للتعامل معها.  - اعتذر عند الضرورة. إذا كنت قد تصرّفت بشكل سيّئ في موقف ما أمامهم، فاعترف بذلك. هذا يعلّم الأطفال أنّ ارتكاب الأخطاء أمر طبيعيّ، ولكنّ تحمّل المسؤوليّة أمر مهمّ أيضًا.  هذه الطريقة في التعامل مع المواقف العاطفيّة بنضج، تزوّد الأطفال بالأدوات التي يحتاجون إليها للتعامل مع عواطفهم بطريقة صحّيّة.    تعزيز أخلاقيّات العمل القويّة والمثابرة  يحتاج الأطفال إلى رؤية أنّ الجهد والصبر والمثابرة تؤدّي إلى النجاح. إذا لاحظوا أنّك تعمل بجدّ، وتلتزم بأهدافك، وتتعامل مع النكسات بمرونة، فمن المرجّح أن يطوّروا أخلاقيّات عمل قويّة.  طرق تطبيق المثابرة:  - شارك تحدّياتك وجهودك: إذا كنت تعمل على مشروع أو تتعلّم مهارة جديدة، فتحدّث إلى طفلك عن الجهد المبذول.  - شجّع حلّ المشكلات: بدلًا من الاستسلام عندما تصبح الأمور صعبة، كن قدوة في التعامل مع الموقف الذي يتلخّص في "دعنا نكتشف ذلك".  - ركّز على مدح الجهد لا النتائج: وبدلًا من الاحتفال بالإنجازات فقط، اعترف بالعمل الجادّ الذي أدّى إلى النجاح.  إنّ الأطفال الذين يرون المثابرة في العمل، أكثر عرضة لتطوير عقليّة تحتضن التحدّيات بدلًا من تجنّبها.    إعطاء الأولويّة للصحّة والرفاهيّة  تتشكّل مواقف الأطفال تجاه الطعام والتمارين الرياضيّة والعناية الذاتيّة إلى حدّ كبير بما يرونه في المنزل. إذا أردنا منهم تطوير عادات صحّيّة، فيجب أن نظهرها بأنفسنا.  - تناولوا الأطعمة المغذّية معًا؛ وأظهر لهم أنّ الاستمتاع بالوجبات الصحّيّة جزء طبيعيّ من الحياة.  - حافظ على نشاطك، سواء كان ذلك بالذهاب في نزهة أو ممارسة الرياضة أو الرقص. يكفي أن تدعهم يرون أنّ النشاط البدنيّ ممتع ومفيد.  - حدّ من وقت الشاشة، وأعطِ الأولويّة للأنشطة ذات المغزى. بدلًا من إمضاء الوقت في تصفّح مواقع التواصل الاجتماعيّ بلا تفكير على هاتفك، شارك مع أطفالك القراءة أو الهوايات أو المحادثات.  عندما يرى الأطفال أنّ الصحّة تشكّل أولويّة في منزلهم، فمن المرجّح أن يطوّروا عادات صحّيّة مدى الحياة تدعم رفاهيّتهم البدنيّة.    إظهار المسؤوليّة والمساءلة  يتعلّم الأطفال المسؤوليّة بمراقبة كيفيّة تعاملنا مع الالتزامات والتعهّدات والأخطاء.  لتعليم المسؤوليّة:  - أكمل المهامّ في الوقت المحدّد، سواء كانت أعمالًا منزليّة أو مسؤوليّات عمل. أظهر أنّه يجب احترام الالتزامات.  - تحمّل مسؤوليّة الأخطاء. إذا نسيت شيئًا أو اتّخذت قرارًا خاطئًا، قُل: "كان يجب أن أتعامل مع ذلك بشكل مختلف. سأفعل أفضل في المرّة القادمة".  - شجّع المساءلة في الحياة اليوميّة. عندما يحدث خطأ ما، بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين، أظهر حلّ المشكلات والمسؤوليّة الشخصيّة.  يساعد هذا النهج الأطفال في تطوير الشعور بالواجب، والمساءلة تجاه أفعالهم.    تشجيع التعلّم والفضول  الأطفال الذين يرون والديهم يقدّرون التعليم والفضول، أكثر عرضة لتطوير حبّ التعلّم.  طرق لتشجيع عقليّة التعلّم:  - اقرأ بانتظام: دع طفلك يراك تستمتع بالكتب، وتستكشف معلومات جديدة.  - اطرح الأسئلة مع طفلك، واستكشفا الإجابات معًا: إذا طرح طفلك سؤالًا لا تعرف إجابته، فابحث معه عنها.  - جرّب أشياء جديدة: أظهر لهم أنّ التعلّم لا يتوقّف بعد المدرسة؛ إنّه رحلة تستمرّ مدى الحياة.    ***  كونك قدوة جيّدة لأطفالك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يتعلّق بأن تكون متعمّدًا في أفعالك وكلماتك ومواقفك. إنّ الطريقة التي تتعامل بها مع التحدّيات، وتعامل بها الآخرين، وتسير بها في الحياة، تعلّم أطفالك أكثر ممّا يمكن أن تعلّمه أيّ محاضرة على الإطلاق.  وتذكّر أنّه في النهاية قد لا يستمع الأطفال دائمًا إلى ما تقوله، لكنّهم يراقبون دائمًا ما تفعله. كن الشخص الذي تريد أن يصبحوا عليه، وستترك أثرًا إيجابيًّا دائمًا في حياتهم.    المراجع https://mawdoo3.com/%D9%83%D9%8A%D9%81_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86_%D9%82%D8%AF%D9%88%D8%A9_%D8%AD%D8%B3%D9%86%D8%A9_%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%83  https://sharjah24.ae/ar/Articles/2024/10/16/NJ623  https://www.gov.wales/parenting-give-it-time/guidance-and-advice/parenting-tips/tips-for-guiding-childrens-behaviour/take-time-to-model-the-behaviour-you-want-to-see 

تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الأطفال

يُعدّ التفكير النقديّ من أهمّ المهارات التي يمكن أن يمتلكها الإنسان؛ فهو يُمكِّن الأشخاص من تحليل المعلومات، واتّخاذ قرارات سليمة، وحلّ المشكلات المعقّدة. أمّا بالنسبة إلى الأطفال، فإنّ تطوير مهارات التفكير النقديّ في سنّ مبكّرة يمكن أن يُؤسّس لنجاحهم وتعلّمهم طوال حياتهم. لكن كيف يمكننا، بصفتنا آباء ومعلّمين، أن نساعد الأطفال في أن ينظروا إلى الأحداث من حولهم بطريقة نقديّة؟ كيف نساعدهم في أن يصبحوا مفكّرين ناقدين منطقيّين ومتفتّحين على مختلف الاحتمالات؟  دعونا نستعرض بعض الاستراتيجيّات العمليّة لتعزيز التفكير النقديّ لدى الأطفال، من الصغار وحتّى المراهقين.  ما التفكير الناقد؟  التفكير الناقد يعني القدرة على التفكير بعمق وموضوعيّة حول موضوع ما، وتحليل وجهات النظر المختلفة، واستخلاص استنتاجات منطقيّة. وهو أكثر من مجرّد حفظ الحقائق وعرضها؛ فهو يتعلّق بفهم السبب وراء صحّة شيء ما، وكيفيّة تطبيق هذا الفهم في سياقات مختلفة. الطفل الذي يتمتّع بمهارات تفكير نقديّ قويّة لا يقبل المعلومات كما هي؛ بل يسأل عنها، ويبحث عن الأدلّة، ويأخذ في الاعتبار وجهات النظر الأخرى.  في عصر يتعرّض فيه الأطفال إلى كمّ هائل من المعلومات (والمعلومات المضلّلة)، يُعدّ التفكير النقديّ أكثر أهمّيّة من أيّ وقت مضى. إنّ تعليم أطفالنا التفكير النقديّ بمثابة منحهم الأدوات اللازمة لمواجهة تحدّيات الحياة بثقة واستقلاليّة.  ما مهارات التفكير الناقد؟  - التصوّر: تكوين أفكار ونماذج ذهنيّة تمثّل المفاهيم المعقّدة بدقّة.  - التحليل: تقسيم المعلومات إلى مكوّنات وعلاقات لكشف الأنماط والمبادئ والمعاني العميقة.  - التقييم: تقييم مصداقيّة المعلومات أو الأدلّة ودقّتها وجودتها ومدى ملاءمتها، باستخدام المعايير المنطقيّة للحكم على صحّة أو أهمّيّة المعلومات.  - السبب: تطبيق التفكير المنطقيّ لاستنتاج الحقائق أو الأدلّة.  - التركيب: الجمع بين أفكار أو نتائج أو معلومات مختلفة لتشكيل فكر متماسك أو منظور جديد.  - حلّ المشكلات: تحديد حلول للقضايا باستخدام التحليل المنطقيّ والتفكير الإبداعيّ.  - الانفتاح على إمكانيّات أخرى: الاستعداد للنظر في حلول أو أفكار أو وجهات نظر بديلة تتجاوز النطاق الأوّليّ.    استراتيجيّة التفكير الناقد للأطفال  شجّع الفضول وطرح الأسئلة  الخطوة الأولى في تطوير التفكير النقديّ لدى الأطفال تشجيع الفضول. الأطفال بطبيعتهم فضوليّون، وغالبًا ما يسألون "لماذا؟" و"كيف؟" حول كلّ شيء يقابلهم. رغم أنّه قد يكون مريحًا أكثر الإجابة بعبارات مثل "هكذا هو الأمر" أو "لأنّني قلت ذلك"، إلّا أنّ تخصيص الوقت للتفاعل مع أسئلتهم يمكن أن يفتح الباب أمام التفكير النقديّ.  الإجابة بتفكير: بدلًا من إعطاء إجابات سريعة، حاول الردّ بأسئلة أخرى. على سبيل المثال، إذا سأل الطفل لماذا السماء زرقاء، يمكنك الردّ بسؤال: "ما رأيك؟ لماذا قد تكون السماء زرقاء؟" هذا الأسلوب يشجّعه على التفكير بعمق واستكشاف التفسيرات الممكنة.  "لا أعرف": لا بأس إن كان جوابك "لا أعرف"، الاعتراف بعدم معرفتك بشيء ما يُعدّ درسًا قويًّا للأطفال، فهو يُعلّمهم أنّ عدم المعرفة شيء طبيعيّ، وأنّ البحث عن الإجابات عمليّة مستمرّة. يمكنك القول: "لست متأكّدًا، دعنا نكتشف معًا!" وبهذا تعلّمهم كيفيّة البحث عن المعرفة بنشاط. علّم الأطفال كيفيّة تحليل المعلومات  في عصرنا الرقميّ، يتعرّض الأطفال إلى كمّية كبيرة من المعلومات من سنّ صغيرة. تعليمهم كيفيّة التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة جزء أساسيّ من التفكير النقديّ.  قدّم لهم مفهوم محو الأمّيّة الإعلاميّة: تحدّث مع الأطفال حول كيفيّة تقييم مصادر المعلومات. علّمهم طرح أسئلة مثل "من كتب هذا؟" و"ما هدفه؟" و"هل هناك دليل يدعم هذا الادّعاء؟" ومع تقدّمهم في العمر، قدّم لهم مفاهيم مثل التحيّز والدعاية والتحقّق من الحقائق.  التمييز بين الحقائق والآراء: طريقة جيّدة لممارسة هذا التمييز تتمثّل في المناقشات اليوميّة. على سبيل المثال، إذا قال الطفل "البروكلي مقزّز"، يمكنك توجيهه بالقول "هذه وجهة نظر وليست حقيقة. قد يكون هناك أشخاص يحبّون البروكلي. لماذا تظنّ أن بعض الأشخاص يحبّونه والبعض الآخر لا يحبّونه؟"  شجّع حلّ المشكلات واتّخاذ القرارات  يُعدّ حلّ المشكلات جزءًا أساسيًّا من التفكير النقديّ. لذلك، منح الأطفال فرصة حلّ المشكلات بأنفسهم أو اتّخاذ القرارات يشجّعهم على التفكير النقديّ حول النتائج والحلول الممكنة.  استخدام التحدّيات اليوميّة باعتبارها فرصًا تعليميّة: إذا واجه طفلك مشكلة، قاوم الرغبة في حلّها له مباشرة؛ وبدلًا من ذلك، وجّهه إلى حلّها. على سبيل المثال، إذا كان يواجه صعوبة في بناء برج من المكعّبات، اسأله: "ما الذي تعتقد أنّه يجعل البرج يسقط؟ ماذا يمكنك أن تجرّب بعد ذلك؟"  السماح للأطفال باتّخاذ خيارات: منح الأطفال خيارات، حتّى لو كانت صغيرة، يساعدهم في ممارسة التفكير في الخيارات وتقدير العواقب. على سبيل المثال، دعهم يقرّرون ماذا يرتدون (بما يتناسب مع الطقس بالطبع)، أو أيّ كتاب يقرؤون قبل النوم. وعندما يتّخذون خيارًا، اسألهم لماذا اختاروا هذا الخيار لتشجيعهم على التأمّل.  كُن نموذجًا لمهارات التفكير النقديّ  يتعلّم الأطفال بمراقبة البالغين، لذلك يُعدّ أحد أفضل الطرق لتعليم التفكير النقديّ أن تكون نموذجًا لهذا التفكير بنفسك.  فكّر بصوت عالٍ: اعرض تفكيرك بصوت عالٍ أثناء اتّخاذك قرارًا ما، فهذا سيجعلهم يفهمون كيف توصّلت إلى هذا القرار بالتحديد. على سبيل المثال، إذا كنت تفكّر ماذا ستطبخ للعشاء، يمكنك القول: "أفكّر ماذا لدينا في الثلّاجة، وأيّ المكوّنات ستكون أكثر صحّيّة. أفكّر أيضًا في ما قد نحبّ تناوله". هذا يسمح للأطفال رؤية كيف يفكّر البالغون في الخيارات، ويأخذون في الاعتبار القيود والظروف، ويتّخذون القرارات تبعًا لذلك.  مناقشة السيناريوهات الحياتيّة: تحدّث مع طفلك عن المواقف التي يكون فيها التفكير النقديّ مهمًّا. على سبيل المثال، إذا كنتم تشاهدون فيلمًا معًا، توقّف أحيانًا لمناقشة اختيارات الشخصيّات: "لماذا تعتقد أنّها اتّخذت هذا القرار؟ ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانها؟"  قدّم ألعابًا وأنشطة تحفّز التفكير النقديّ  هناك العديد من الألعاب والأنشطة التي تجمع بين المتعة وتنمية مهارات التفكير النقديّ:  - الألعاب اللوحيّة: الألعاب التقليديّة مثل الشطرنج وكلاودو والبازل وسكربل، تشجّع على التفكير الاستراتيجيّ والتخطيط والتكيّف. هذه الألعاب تعلّم الأطفال كيفيّة التفكير في الخطوات القادمة، والنظر في الخيارات، وتوقّع تصرّفات الآخرين.  - الألغاز والألعاب الذهنيّة: الألغاز، سواء كانت جداريّة أو لغويّة، تُعزّز الصبر ومهارات حلّ المشكلات والتعرّف إلى الأنماط. الألغاز مثل الحزازير تُشجّع الأطفال على التفكير بطرق غير تقليديّة.  - ألعاب البناء والتركيب: ألعاب مثل الليغو و"ماجنا تايلز" و"كينيكس" تشجّع على الإبداع والتفكير المكانيّ. عند بناء الهياكل، يتعلّم الأطفال عن الاستقرار والتوازن وأهمّيّة التخطيط.  شجّع القراءة ومناقشة القصص  القراءة لا تساعد فقط في تحسين مهارات اللغة؛ بل هي وسيلة قويّة لتطوير التفكير النقديّ. تقدّم القصص إلى الأطفال شخصيّات وظروفًا وحالات مختلفة يمكنهم تحليلها ومناقشتها.  طرح أسئلة مفتوحة: عند قراءة قصّة معًا، اسأل أسئلة ليس لها إجابة بسيطة بنعم أو لا. على سبيل المثال: "لماذا تعتقد أنّ الشخصيّة فعلت ذلك؟" أو "ماذا كنت ستفعل لو كنت في مكانها؟" الأسئلة المفتوحة تشجّع الأطفال على التفكير بعمق في القصّة.  استكشاف وجهات نظر متعدّدة: شجّع الأطفال على النظر في وجهات نظر الشخصيّات المختلفة. اسألهم عن شعور كلّ شخصيّة في موقف معيّن ولماذا. هذا لا يطوّر التعاطف فحسب، بل يساعدهم أيضًا في فهم أنّ المواقف قد تكون معقّدة وتحتوي على عدّة جوانب.  تعزيز عقليّة النموّ  يزدهر التفكير النقديّ في بيئة يشعر فيها الأطفال بالراحة في الاستكشاف وارتكاب الأخطاء والمحاولة مرّة أخرى. عندما يؤمن الأطفال بأنّ قدراتهم يمكن أن تتحسّن بالجهد، يكونون أكثر استعدادًا لمواجهة التحدّيات والإصرار في مواجهة الصعوبات.  مدح الجهد وليس النتائج فقط: بدلًا من مجرّد مدح الأطفال عند النجاح، اثنِ على جهدهم ومثابرتهم. على سبيل المثال، قل: "أنا فخور بمحاولتك مرارًا لحلّ هذا اللغز"، بدلًا من مجرّد "قمت بعمل جيّد".  تشجيع التأمّل في الأخطاء: ساعد الأطفال على رؤية الأخطاء باعتبارها فرصًا للتعلّم. إذا واجهوا فشلًا، اسأل: "ماذا تعتقد أنّك قد تحاول في المرّة القادمة؟" هذا يساعد الأطفال في تحليل أفعالهم والنظر في أساليب بديلة.  ***  إنّ تنمية التفكير الناقد لدى الأطفال عمليّة تدريجيّة مستمرّة تتطلّب الصبر والتشجيع. وإن قمت باتّباع الاستراتيجيّات المذكورة في المقال، من تعزيز الفضول، وتقليد سلوكيّات التفكير النقديّ وتوظيفها، والمشاركة في المناقشات المدروسة، وتوفير الفرص لحلّ المشكلات، يمكنك المساعدة في نموّ أطفالك ليصبحوا مفكّرين ومستقلّين ومجهّزين جيّدًا للتعامل مع تعقيدات العالم من حولهم.  في النهاية، إنّ تعليم الأطفال التفكير النقديّ أحد أكثر الهدايا قيمة التي يمكننا تقديمها لهم. فهو لا يمكّنهم من النجاح أكاديميًّا فحسب، بل ويمكّنهم أيضًا من التعامل مع تحدّيات الحياة بثقة وفضول ومرونة.    المراجع https://skillshouse.net/2023/10/06/%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%AF%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81/  https://www.brighthorizons.com/resources/article/developing-critical-thinking-skills-in-children  https://www.parentingforbrain.com/critical-thinking-for-kids/  https://obstan.org/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84/ 

تنمية المهارات الحسّيّة لدى الطفل

منذ اللحظة الأولى التي يدخل فيها الطفل إلى هذا العالم، تصبح حواسّه الخمس - البصر والسمع واللمس والشمّ والتذوّق - بمثابة مساعده الشخصيّ وأدواته الأساسيّة التي تساعده في فهم بيئته والتفاعل معها. ستشكّل هذه الحواسّ في ما بعد الأساس للنموّ المعرفيّ والتطوّر الحركيّ والتفاعل الاجتماعيّ والتنظيم العاطفيّ. ومع صعوبة تنمية المهارات الحسّيّة لدى الأطفال، فالخبر السارّ أنّ رعاية هذه المهارات لا تتطلّب أدوات باهظة الثمن أو أنشطة معقّدة؛ بل كلّ ما تتطلّبه هو الإبداع والجاهزيّة والاستعداد لمراقبة فضول الطفل الطبيعيّ والاستجابة له.  في هذا المقال، سنناقش أهمّيّة التطوّر الحسّيّ لدى الطفل، والطرق العمليّة لدعمه في المنزل أو الفصل المدرسيّ، ونصائح للتعرّف إلى متى قد تكون هناك حاجة إلى دعم إضافيّ من مختصّين.  ما المهارات الحسّيّة؟  المهارات الحسّيّة تعني قدرة الطفل على استقبال المعلومات وتحليلها وتفسيرها والاستجابة لها عن طريق حواسّه. ترتبط المهارات الحسّيّة بالحواسّ الجسديّة، وأكثرها شيوعًا الحواسّ الخمس؛ البصر والسمع واللمس والتذوّق والشمّ، لكنّ الحواسّ الجسديّة تشمل أيضًا الجهاز الدهليزيّ؛ وهو جزء من الجهاز السمعيّ المسؤول عن الحركة والتوازن، بالإضافة إلى الحسّ العميق؛ وهو الإدراك اللاشعوريّ للحركة وللتوجّه الحيّزيّ الناشئ عن المحفّزات داخل الجسم. تعمل هذه المهارات معًا لمساعدة الأطفال في فهم بيئتهم ومكانهم داخلها. على سبيل المثال، تسمح المهارات البصريّة للأطفال بمعالجة الألوان والأشكال، في حين تساعدهم المهارات السمعيّة في التعرّف إلى الأصوات والاستجابة لها، وتمكّنهم المهارات اللمسيّة من إدراك القوام ودرجات الحرارة باللمس. في الوقت نفسه، تضمن الحواسّ الدهليزيّة والحسّ العميق قدرة الطفل على تحريك جسده بكفاءة، والحفاظ على التوازن، والتنقّل في المساحات المادّيّة بثقة. تؤدّي المهارات الحسّيّة دورًا حاسمًا في نموّ الطفولة المبكّرة، وتشكّل الأساس للتعلّم وتنسيق الحركة والتفاعل الاجتماعيّ والتنظيم العاطفيّ.   لماذا المهارات الحسّيّة مهمّة؟  تساعد المهارات الحسّيّة التي ذكرناها سابقًا الأطفال في الشعور بمساحتهم الجسديّة، والقدرة على التحكّم بتحرّكاتهم وتنسيقها.  كما تدعم المهارات الحسّيّة القويّة المهارات التالية:  • التطوّر المعرفيّ: تساعد التجارب الحسّيّة الأطفال في التعرّف إلى السبب والنتيجة، واستنتاج الروابط، وبناء مهارات حلّ المشكلات. على سبيل المثال، فالشعور بملمس الرمل أثناء سكبه من حاوية إلى أخرى، يجعل الطفل يستنتج مفاهيم مثل الحجم والوزن والملمس.  • المهارات الحركيّة: ترتبط المهارات الحركيّة الدقيقة (مثل التقاط الأشياء الصغيرة) والمهارات الحركيّة الإجماليّة (مثل الجري والقفز)، ارتباطًا وثيقًا بالمدخلات الحسّيّة. يعتمد الطفل الذي يتعلّم ركل الكرة على مهارات التفكير العميق المرتبط بالحواسّ، لقياس موضع الكرة والقوّة اللازمة لتحريكها.  • المهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة: يمكن أن تساعد التجارب الحسّيّة الأطفال في تنظيم عواطفهم والتواصل مع الآخرين. على سبيل المثال، يوفّر العناق الدافئ مدخلات لمسيّة تمدّ الطفل بمشاعر الأمان والحبّ.  • اللغة والتواصل: يمكن للبيئات المحيطة بالطفل والغنيّة بالحواسّ أن تثير الفضول والمحادثة. يوفّر وصف رائحة البسكويت المخبوز أو لون الأوراق في الخريف، فرصًا لتوسيع مفردات الطفل وفهمه.  عندما يتمّ تجاهل التطوّر الحسّيّ أو تأخيره، قد يواجه الأطفال تحدّيات في مجالات مثل التركيز أو التنسيق أو التنظيم العاطفيّ. وهذا يؤكّد على أهمّيّة خلق بيئة حسّيّة غنيّة تشجّع على الاستكشاف والنموّ.  استراتيجيّات تنمية المهارات الحسّيّة لدى الطفل  وكما ذكرنا في بداية المقال، إنّ استراتيجيّات تنمية المهارات الحسّيّة لدى الطفل ليست معقّدة ولا تتطلّب ميزانيّة كبيرة، بالتالي، إليك بعض الأنشطة الممتعة منخفضة التكلفة، لتحفيز كلّ من الحواسّ المسؤولة عن المهارات الحسّيّة:  البصر (التحفيز البصريّ):  - الرضّع والأطفال الصغار: استخدم صورًا عالية التباين، أي يسهل تمييز ألوانها (مثل أنماط بالأبيض والأسود) لجذب انتباههم. تعدّ كتب الصور ذات الألوان والأشكال الواضحة والمحدّدة أداة ممتازة تساعد في تحفيز حاسّة البصر عند الأطفال.  - أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة: شجّع التتبّع البصريّ، باللعب بالكرة خفيفة الوزن أو استخدام الإضاءة المنزليّة، لتلاعب ابنك ألعاب الظلّ على الحائط.  - الأطفال الأكبر سنًّا: حفّز الإبداع والمعالجة البصريّة بتقديم الألغاز أو الأحجيات أو الفرص للرسم والتلوين.  السمع (التحفيز السمعيّ):  الأطفال الرضّع: تحدّث بنبرة مهدّئة، أو غنِّ لطفلك تراتيل هادئة، أو حتّى يمكنك أن تجذب تركيزه عن طريق خشخيشات الأطفال التي تصدر أصواتًا لطيفة.  الأطفال الصغار: قدّم إليهم الآلات الموسيقيّة، مثل الطبول أو الدفوف أو آلة الماراكاس لتعزيز الاستكشاف السمعيّ.  الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة وما بعد ذلك: العب "ألعاب الاستماع"، مثل التعرّف إلى أصوات الحيوانات المختلفة أو أنماط التصفيق التي يمكنهم تقليدها. كما إنّ الاستماع إلى القصص أو الكتب الصوتيّة يشحذ المهارات السمعيّة.  اللمس (التحفيز اللمسيّ):  - الأطفال الرضّع: يمكن للبطّانيّات الناعمة والألعاب ذات الملمس الناعم والتدليك اللطيف على بشرتهم، أن يوفّر إحساسًا بالراحة وربط بعض المشاعر بالملمس.  - الأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة: تسمح الصناديق الحسّيّة المليئة بموادّ مثل الأرزّ أو الرمل أو حبّات الماء للأطفال باستكشاف الملمس. يمكنك أيضًا تشجيع اللعب في الهواء الطلق بالطين أو على العشب أو بالماء، للحصول على تجارب لمسيّة طبيعيّة.  - الأطفال الأكبر سنًّا: توفّر المشاريع الفنّيّة باستخدام الطين أو الوحل أو دهانات الأصابع أو السلايم أو معجون الصلصال، فرصًا عمليّة لبناء المهارات الحركيّة الدقيقة والإبداع.  التذوّق (التحفيز التذوّقيّ):  - الأطفال الصغار: قدّم مجموعة متنوّعة من الأطعمة الآمنة والمناسبة لعمر الطفل، على أن تكون ذات مذاق وملمس مختلفين. وشجّعهم كذلك على وصف طعم ما يأكلونه: هل هو حلو؟ حامض؟ مقرمش؟  - الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة والأطفال الأكبر سنًّا: اجعل الطبخ نشاطًا عائليًّا. دع الأطفال يساعدون في تحضير الوجبات، وتذوّق المكوّنات الجديدة، والتحدّث عن النكهات التي يختبرونها.  الشمّ (التحفيز الشمّيّ):  - الأطفال الرضّع الصغار: استخدم مع طفلك أشياء معطّرة، مثل الزهور أو المستحضرات الآمنة للأطفال أثناء اللعب أو روتين وقت النوم. على سبيل المثال؛ إن استخدمت رائحة عطريّة طبيعيّة معيّنة أثناء وقت النوم، سيربط طفلك مع الوقت بين هذه الرائحة وبين النوم، فستجده تلقائيًّا يستعدّ للنوم كلّما اشتمَّها.  - أطفال مرحلة ما قبل المدرسة والأطفال الأكبر سنًّا: اصنع مع طفلك شمعًا مستخدمًا الروائح التي تأتي من مصادر طبيعيّة، مثل أعواد القرفة أو قشور البرتقال أو اللافندر، لتشجيع الفضول بشأن الروائح ومزجها. أو مثلًا اخبزوا البسكويت لتعليم كيفيّة تأثير الرائحة في التذوّق.  الحواس الدهليزيّة والحسّيّة العميقة:  - الأطفال الرضّع: تساعد حركات التأرجح الخفيفة، مثل تلك الموجودة في أرجوحة الطفل أو هزّ الطفل بشكل لطيف أثناء وقت النوم على البطن، في تطوير التوازن.  - الأطفال الصغار والأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة: تعزّز الأنشطة مثل التسلّق أو القفز أو ركوب الدراجات ثلاثيّة العجلات، شعورهم بالتوازن والوعي الجسديّ.  - الأطفال الأكبر سنًّا: تعدّ الرياضة أو الرقص أو اليوغا أو حتّى الأنشطة البسيطة، طرقًا ممتازة لتحدّي هذه الحواس.  متى تطلب دعم المختصّين  على الرغم من أنّ المهارات لكلّ طفل تتطوّر وفقًا لسرعته الخاصّة، إلّا أنّه قد يواجه بعض الأطفال تحدّيات في معالجة المدخلات الحسّيّة، خصوصًا في سنواتهم الأولى. على سبيل المثال، قد يشعرون بالتوتّر من ملمس بعض الأشياء أو الأصوات، وفي حالات أخرى، قد ترتبط صعوبات المعالجة الحسّيّة بحالات مثل اضطراب طيف التوحّد (ASD) أو اضطراب المعالجة الحسّيّة (SPD).  إذا لاحظت علامات مثل الانهيارات العصبيّة المتكرّرة الناجمة عن المدخلات الحسّيّة، أو تأخّر المهارات الحركيّة، أو صعوبة الانخراط في الأنشطة الحسّيّة، ففكّر في استشارة طبيب أطفال أو معالج مهنيّ. يمكن أن يحدث التدخّل المبكّر فرقًا كبيرًا في مساعدة الأطفال على التعامل مع احتياجاتهم الحسّيّة.  ***  إنّ رحلة تعلّم المهارات الحسّيّة وتطويرها طويلة، لكنّها ممتعة ومهمّة. فإذا استطاع الآباء والمعلّمون إشراك الأطفال في تجارب غنيّة بالحواس وتوفير البيئة المناسبة، سيساعدون أطفالهم في بناء المهارات التي يحتاجون إليها لمواجهة العالم بثقة.    المراجع https://mybrightwheel.com/blog/sensory-development  https://abilitypath.org/ap-resources/how-your-childs-sensory-system-develops/  https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%8A%D9%82  https://www.annajah.net/%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84-article-34177 

كيف نتعامل مع الطفل سريع الملل؟

في عصر الأجهزة اللوحيّة والتلفزيون وكثرة المحتوى المعروض، قد يبدو من المستغرب أن يشعر الأطفال بالملل. وعلى الرغم من كلّ الأدوات وخيارات الترفيه المتاحة أمامهم، فإنّ واحدة من أكثر الجمل التي يسمعها الآباء من أبنائهم: "لقد مللت!" ولأنّ الأطفال يشعرون بالملل بشكل متكرّر، يجد الآباء أنفسهم في كلّ مرّة في حيرة من أمرهم بشأن كيفيّة إبقاء أطفالهم مشغولين وسعداء ومندمجين في فعل ما، بطريقة مثمرة.  من الجدير ذكره أنّ الملل لا يعدّ مشكلة أو شيئًا سيّئًا في حدّ ذاته. في الواقع، يزعم خبراء نموّ الطفل أنّ الملل يمكن أن يكون مفيدًا، بل يعدّ جزءًا مهمًّا من نموّه - فهو يشجّع الإبداع وحلّ المشكلات واللعب الموجّه ذاتيًّا. وفقًا لعلماء نفس الأطفال، يمكن أن يعمل الملل "محفّزًا" للإبداع، وأن يساعد الأطفال في تطوير شعور بالدافع الذاتيّ. لذا، في حين قد يكون الأمر غير مريح لكلّ من الأطفال والآباء في حينه، فإنّ السماح للطفل بالجلوس مع ملله قليلًا يمكن أن يكون تجربة صحّيّة ومنتجة.  كيف تستجيب عندما يتجوّل طفلك في المنزل ويشكو من شعوره بالملل، من دون أن تسمح له باستخدام الشاشة مباشرة؟ دعنا نستكشف بعض الطرق العمليّة والإبداعيّة الممتعة لإشراك الأطفال وتعليمهم الاعتماد على الذات، لكي يتسنّى لك الاستمتاع ببعض اللحظات الهادئة لنفسك.    ما أسباب الملل عند الأطفال؟  لا يقتصر شعور الأطفال بالملل على أنّهم لا يجدون شيئًا مسلّيًا يفعلونه، بل له أسباب عديدة. في الآتي بعض العوامل الشائعة التي تسهم في الشعور بالملل:  - حالة التنبّه المستمرّة: يجعل استخدام الشاشات الطفل متنبّهًا أو نشطًا بشكل مفرط، لذلك عندما تُترك لهم لحظة من الهدوء أو الوقت بعيدًا عن الشاشات، يشعرون مباشرة بالانزعاج، ما يدفعهم إلى تفسير الافتقار إلى ما يلفت انتباههم على أنّه ملل.  - مهارات حلّ المشكلات المحدودة: بالنسبة إلى الأطفال الصغار، تأتي بعض العوامل المسبّبة للملل من كونهم لم يتعلّموا بعد إيجاد حلول لأبسط مشكلاتهم؛ فهم يعتمدون على آبائهم تمامًا لملء وقتهم، من دون أن يدركوا أنّ لديهم القدرة على خلق الترفيه بمفردهم.  - عدم وجود اهتمامات خاصّة: في بعض الأحيان، قد لا يجد الأطفال هوايات أو اهتمامات تجذبهم. لذلك عندما يكون لديهم وقت فراغ يشعرون بالضياع والضجر، لأنّهم غير متأكّدين ممّا يجب عليهم فعله أو ممارسته.  - البحث عن الاهتمام: في بعض الأحيان تكون عبارة "أنا أشعر بالملل" إشارة إلى "أريد انتباهك". قد يقول الأطفال إنّهم يشعرون بالملل وسيلة لتشجيع الآباء على مشاركتهم نشاطًا أو بعض الوقت.    كيفيّة التخلّص من الملل عند الأطفال  استغلال الملل باعتباره فرصة تعليميّة  الخطوة الأولى في التعامل مع الطفل المتململ تغيير عقليّتك تجاه الملل. بمعنى: بدلًا من النظر إلى الملل باعتباره مشكلة تحتاج إلى حلّ، حاول النظر إليه باعتباره فرصة. يمكن أن يكون الملل حافزًا للإبداع، وفرصة تسمح للأطفال باستكشاف اهتماماتهم الخاصّة، والتوصّل إلى أفكار إبداعيّة بأنفسهم. شجّع طفلك على النظر إلى الملل باعتباره لوحة فارغة. اطرح أسئلة مثل: "ماذا تريد أن تبتكر؟" أو "كيف يمكنك جعل هذا اليوم أكثر إثارة؟" تعليم الأطفال أنّهم مسؤولون عن ترفيههم مهارة حياتيّة مهمّة، ستفيدهم مع نموّهم.    اصنع "صندوق الملل" مع أفكار للأنشطة الممتعة  أحد الحلول العمليّة التي يفضّلها العديد من الآباء "صندوق الملل"؛ وهو طريقة بسيطة ولكن فعّالة، يمكنك أنت وطفلك صنعها معًا. ابحث عن وعاء (أو صندوق)، وزيّنه بأشكال مبهجة، واملأه بقصاصات من الورق بحيث تحتوي كلّ ورقة على نشاط ممتع ومناسب لعمر طفلك. إليك بعض الأفكار:  - الأنشطة الفنّيّة: "ارسم قصّة قصيرة"، أو "ارسم صورة لمنزل أحلامك"، أو "ابتكر شكلًا من ورق الألمنيوم".  - الأنشطة الخارجيّة: "اصطد مجموعة منوّعة من الحشرات من حديقة المنزل"، أو "اجمع الصخور والأوراق المميّزة من أرجاء الحيّ".  - الأنشطة التعليميّة: "اكتب رسالة إلى صديق أو أحد أفراد الأسرة"، أو "ابحث عن 5 حقائق ممتعة حول حيوان تحبّه"، أو "تعلّم كيفيّة قول مرحبًا بخمس لغات".    شجّع اللعب الخياليّ  اللعب الخياليّ أحد أقوى الطرق التي يمكن للأطفال تسلية أنفسهم بواسطتها. يتمتّع الأطفال بموهبة طبيعيّة في سرد ​​القصص واللعب التظاهريّ، لكنّهم يحتاجون أحيانًا إلى دفعة صغيرة للبدء. في الآتي بعض الأفكار لإثارة خيالهم:  - مغامرة شخص مسافر عبر الزمن: اطلب من طفلك أن يتخيّل أنّه يسافر إلى فترة زمنيّة مختلفة. يمكن أن يكون مصريًّا قديمًا، أو فارسًا من العصور الوسطى، أو رائد فضاء في المستقبل البعيد. اطلب منه أن يصنع زيًّا من العناصر الموجودة في المنزل، ويخترع قصّة حول ما يحدث في رحلته.  - لعب دور المطعم أو المتجر: يحبّ الأطفال التظاهر بإدارة أعمالهم الخاصّة. يمكنهم فتح "مطعم" في غرفة المعيشة، مع قائمة طعام وهميّ، أو إنشاء "متجر" بألعابهم. يمكن أن يبقيهم لعب دور العميل أو الخادم أو صاحب المتجر مستمتعين لساعات.  - يوم الأبطال الخارقين: دعهم يخلقون شخصيّة خارقة، مع اسم وقوى خارقة وزيّ. يمكنهم ابتكار مهامّ وإنقاذ ألعابهم من أخطار وهميّة وإنقاذ العالم - كلّ ذلك داخل حدود منزلك الآمنة.   أشركهم في المهامّ المنزليّة  غالبًا ما يستمتع الأطفال بالمساعدة في المهامّ المنزليّة - خصوصًا عندما يكونون أصغر سنًّا، إذ يمكن أن تكون المهامّ التي تبدو عاديّة للبالغين نشاطًا ممتعًا للأطفال. كما أنّ إشراكهم في الأنشطة المنزليّة فرصة لتمنحهم شعورًا بالمسؤوليّة، مع إبقائهم مشغولين في الوقت ذاته. ولتجعل الأمر أكثر متعة، ضمّن بعض هذه الأفكار:  - مساعدو المطبخ: دع طفلك يساعد في مهامّ الطهو أو الخبز البسيطة، مثل خلط العجين أو قياس المكوّنات أو تزيين البسكويت. هذا يمكنه أن يبقيهم منشغلين وفخورين. بالإضافة إلى ذلك، يعدّ الطبخ معًا طريقة رائعة لتعليمهم مهارات الرياضيّات الأساسيّة، مثل الكسور والقياسات.  - متعة البستنة: إذا كانت لديك حديقة أو مكان مخصّص لزرع بعض النباتات، دَع طفلك يساعدك في سقيها، أو إزالة الأعشاب الضارّة، أو حتّى زراعة بذوره الخاصّة. يمكن أن تصبح مشاهدة النباتات وهي تنمو بمرور الوقت مشروعًا مستمرًّا يستثمر فيه، ما يعلّم طفلك الصبر والعناية بالكائنات الحيّة.  - مسابقات التنظيف: حوّل التنظيف إلى لعبة عن طريق التحدّيات، مثل معرفة من يمكنه ترتيب مساحته بشكل أسرع، واضبط المؤقّت لمزيد من المتعة. أو أعطهم "مهامًّا" مثل العثور على جميع العناصر المفقودة في الغرفة وجمعها. مع القليل من الخيال، يمكن أن تبدو حتّى الأعمال المنزليّة مغامرة.    شجّع القراءة ورواية القصص  القراءة من أكثر الأنشطة المفيدة التي يمكن للطفل أن يمارسها، والملل يوفّر الفرصة المثاليّة للتعمّق في قراءة كتاب. فإذا كان طفلك صغيرًا جدًّا بحيث لا يستطيع القراءة بمفرده، خصّص وقتًا للقراءة معًا، واختر له الكتب التي تتوافق مع اهتماماته، سواء كانت مغامرات أو خيال أو فكاهة. أمّا إذا كان كبيرًا بما يكفي للقراءة بمفرده، فدعه يختار كتابًا، واتّفق معه مثلًا أن يقرأ فصلين ويخبرك عن الكتاب.   ***  في النهاية، تذكّر أنّك لست مضطرًّا إلى أن تلعب دور المقدّم الترفيهيّ في كلّ مرّة يصرخ فيها طفلك قائلًا "أنا أشعر بالملل". في بعض الأحيان، يكون أفضل ما يمكنك فعله هو توفير الأدوات والأفكار والمساحة، ثمّ ترك طفلك يتولّى الأمر من هناك لتسلية نفسه. إذا اتّبعت الخطوات المذكورة في المقال، ستحوّل الملل من كونه مشكلة إلى كونه أحد أكثر اللحظات إبداعًا وإثراءً في حياة طفلك.    المراجع https://www.1000hoursoutside.com/blog/the-very-best-way-to-deal-with-childhood-boredom  https://www.bbc.co.uk/tiny-happy-people/articles/zdbbsk7  https://www.todaysparent.com/family/little-kid-boredom-busters/ 

تمارين وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة

الذاكرة مهارة معرفيّة أساسيّة، لها دور حاسم في التعلّم الشامل وتطوّر الأطفال. تساعد الذاكرة القويّة في تفوّق الأطفال أكاديميًّا، وبناء مهارات الحياة الأساسيّة، والاحتفاظ بالمعلومات التي تسهم في نموّهم. ومع ذلك، قد يواجه بعض الأطفال تحدّيات في الاحتفاظ بالذاكرة، والتي يمكن أن تؤثّر في قدرتهم على التعلّم وأداء المهامّ اليوميّة. إنّ فهم الأسباب وراء ضعف الذاكرة لدى الأطفال، وتنفيذ التمارين والأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، يمكن أن يعزّز قدراتهم المعرفيّة بشكل كبير.  إنّ الحاجة إلى ذاكرة نشطة لدى الأطفال في سنّ المدرسة أكبر كثيرًا من حاجة البالغين. فباعتبارنا بالغين، نكون قد اكتسبنا بالفعل قدرًا كبيرًا من المعرفة والمهارات التي نحتاج إليها لأداء وظائفنا اليوميّة. وعلى رغم أنّ قاعدة المعرفة في بعض المجالات مثل التكنولوجيا تتغيّر بسرعة، فإنّ المعلومات الجديدة تكون عمومًا محدّدة للغاية وتعتمد على المعرفة الموجودة أصلًا. ومن ناحية أخرى، يتعرّض أطفال المدارس باستمرار إلى كمّ كبير من المعرفة الجديدة في مجالات موضوعيّة متعدّدة قد يهتمّون أو لا يهتمّون بها. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع منهم أن يتعلّموا ويُختبروا في هذه المعرفة على أساس أسبوعيّ. وبالتالي، فإنّ الذاكرة الفعّالة والنشطة تشكّل أهمّيّة بالغة للنجاح في المدرسة.  يعاني العديد من الأطفال في سنّ المدرسة مشاكل في الذاكرة؛ فالأطفال الذين يعانون من عجز في تسجيل المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى، غالبًا ما يجدون صعوبة في تذكّر التعليمات أو التوجيهات التي أُعطيت إليهم للتوّ، وما قيل للتوّ أثناء المحادثات والمحاضرات والمناقشات الصفّيّة. والطلّاب الذين يعانون صعوبة في الذاكرة العاملة غالبًا ما ينسون ما يفعلونه أثناء القيام به.  على سبيل المثال، قد يفهمون التوجيهات المكوّنة من ثلاث خطوات، لكنّهم ينسون الخطوتين الثانية والثالثة أثناء تنفيذ الخطوة الأولى. إذا كانوا يحاولون حلّ مسألة رياضيّة تتكوّن من عدّة خطوات، فقد ينسون الخطوات أثناء محاولتهم حلّ المسألة. وعندما يقرؤون فقرة، قد ينسون ما كان في بداية الفقرة بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى نهاية الفقرة. سيبدو هؤلاء الطلّاب وكأنّهم يواجهون صعوبة في فهم القراءة. في الواقع، هذا صحيح؛ لكنّ مشكلة الفهم ترجع إلى فشل نظام الذاكرة وليس نظام اللغة.  تستكشف هذه المقالة استراتيجيّات وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة لدى الأطفال وتعزيزها، بالإضافة إلى مناقشة بعض الأسباب المحتملة لضعف الذاكرة.    الأسباب الشائعة لضعف الذاكرة لدى الأطفال  قبل الخوض في التمارين والأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، من الضروريّ فهم العوامل التي قد تسهم في ضعف الذاكرة لدى الأطفال. تشمل بعض الأسباب الشائعة:  - قلّة النوم: للنوم دور حيويّ في تعزيز الذاكرة. يمكن أن يؤدّي النوم المضطرب أو عدم النوم لساعات كافية يوميًّا إلى تعطيل قدرة الدماغ على معالجة المعلومات وتخزينها، ما يؤدّي إلى صعوبات في الاحتفاظ بالذاكرة.  - سوء التغذية: يُعدّ النظام الغذائيّ المتوازن الغنيّ بالعناصر الغذائيّة الأساسيّة، مثل أحماض أوميغا 3 الدهنيّة والفيتامينات والمعادن، أمرًا بالغ الأهمّيّة لصحّة الدماغ، فنقص التغذية السليمة قد يضعف الوظائف الإدراكيّة بما فيها الذاكرة.  - الإجهاد والقلق: يمكن أن يؤثّر الإجهاد المفرط أو القلق سلبًا في قدرة الطفل على التركيز والاحتفاظ بالمعلومات، فالصحّة العاطفيّة والنفسيّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأداء الذاكرة وفعّاليّتها.  - عدم الانتباه والتشتّت: قد يجد الأطفال الذين يعانون صعوبات في الانتباه، أو ممّن يتشتّت انتباههم سريعًا صعوبة في تمييز المعلومات وتذكّرها. كما يمكن أن تعيق عوامل التشتيت البيئيّة والرقميّة عمليّات الذاكرة.  - اضطرابات التعلّم: يمكن أن تؤثّر حالات مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط وعسر القراءة في الذاكرة والتعلّم، فهذه الاضطرابات تصعّب على الأطفال معالجة المعلومات وتذكّرها بشكل فعّال.   - قلّة النشاط البدنيّ: ثبت أنّ ممارسة الرياضة البدنيّة المنتظمة تعزّز الوظائف الإدراكيّة، بما في ذلك الذاكرة؛ لذا فقد تسهم أنماط الحياة الخالية من أيّ نشاطات بدنيّة أو أيّ نوع من أنواع الرياضات في إضعاف مهارات الذاكرة.     تمارين وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة  لمساعدة الأطفال في تطوير ذاكرة قويّة، يمكن للآباء والمعلّمين دمج مجموعة متنوّعة من التمارين والأدوات التي تشرك جوانب مختلفة من الذاكرة. في الآتي بعض الطرق العمليّة التي يمكن أخذها في الاعتبار:  ألعاب الذاكرة والألغاز  تُعدّ ألعاب الذاكرة مثل مطابقة البطاقات والألغاز وألعاب الطاولة، أدوات ممتازة لتعزيز الذاكرة لدى الأطفال. تتحدّى هذه الأنشطة الدماغ لتذكّر الأنماط والتسلسلات والتفاصيل المرئيّة، ما قد يحسّن الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى. مثال على ألعاب الذاكرة: لعبة بطاقات التركيز، والتي تتضمّن مطابقة أزواج البطاقات المقلوبة. يحاول الأطفال في هذه اللعبة تذكّر موضع كلّ بطاقة للعثور على الأزواج المتشابهة، وهذا يعزّز الذاكرة البصريّة والانتباه إلى التفاصيل.  تقنيّات رسم الخرائط الذهنيّة والتصوّر، تُعدّ الخرائط الذهنيّة أداة قويّة تشجّع الأطفال على تنظيم المعلومات بصريًّا. بإنشاء الخرائط الذهنيّة، يمكن للأطفال ربط المفاهيم ذات الصلة، ما يسهّل عليهم تذكّر المعلومات لاحقًا.  كيفيّة استخدام الخرائط الذهنيّة: ابدأ بفكرة أو موضوع مركزيّ، ثمّ تفرّع منه إلى مفاهيم ذات صلة باستخدام الصور والألوان والكلمات الرئيسة. يساعد هذا التمثيل المرئيّ الأطفال في فهم المعلومات المعقّدة وتذكّرها بشكل أفضل.  تساعد تقنيّات التصوّر أيضًا في تنشيط الذاكرة، بتشجيع الأطفال على إنشاء صور ذهنيّة لما يحتاجون إلى تذكّره. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يحاول حفظ قصّة، فيمكنه تخيّل المشاهد كما لو كان يشاهد فيلمًا في ذهنه.  أدوات التذكّر  أدوات التذكّر أحد أفضل الأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، والتي تستخدم الأنماط أو الاختصارات أو القوافي أو الارتباطات للمساعدة في تذكّر المعلومات؛ وهي مفيدة بشكل خاصّ لحفظ القوائم أو التسلسلات أو المعلومات المعقّدة.  أمثلة على أدوات التذكّر:  - الاختصارات: مثل استخدام الاختصار "ROYGBIV" لتذكّر ألوان قوس قزح (الأحمر والبرتقاليّ والأصفر والأخضر والأزرق والنيليّ والبنفسجيّ).  -  القوافي: إنشاء قافية أو أغنية بنمط معيّن، لتذكّر ترتيب الكواكب أو أيّام الأسبوع.  تجعل هذه التقنيّات التعلّم أكثر جاذبيّة، ويمكن أن تحسّن بشكل كبير من عمليّة الاحتفاظ بالمعلومات.  تقسيم المعلومات  تتضمّن هذه الطريقة تقسيم قطع كبيرة من المعلومات إلى وحدات أصغر وأكثر سلاسة في تعامل الطفل معها. هذه الطريقة فعّالة بشكل خاصّ لحفظ الأرقام أو القوائم أو الخطوات في عمليّة ما.  كيفيّة التدرب على التقسيم: على سبيل المثال، بدلًا من محاولة تذكّر سلسلة طويلة من الأرقام، يمكن للأطفال تجميعها في أجزاء أصغر، مثل تذكّر رقم هاتف على هيئة ثلاث مجموعات من الأرقام (123-456-7890) بدلًا من سلسلة واحدة مكوّنة من عشرة أرقام.  التكرار والتعلّم المتباعد  يسمح التكرار للأطفال بمراجعة المعلومات عدّة مرّات، وهذا يعزّز تنشيط الذاكرة. أمّا التعلّم المتباعد فهو الذي يتضمّن مراجعة الموادّ على مدار فترات زمنيّة معيّنة، وهو بدوره أيضًا يساعد في تعزيز الذاكرة، بخاصّة الذاكرة طويلة المدى.  كيفيّة تنفيذ التعلّم المتباعد: شجّع الأطفال على مراجعة موادّ دراستهم مباشرة بعد تعلّمها لأوّل مرّة، ثمّ بعد يوم، وأسبوع، وشهر. هذا النهج يقوّي الروابط العصبيّة المتعلّقة بالموادّ التي تمّ تعلّمها.  التمارين البدنيّة وفترات الراحة للدماغ  تعمل التمارين المنتظمة على زيادة تدفّق الدم إلى الدماغ؛ ما يعزّز الوظائف الإدراكيّة، بما في ذلك الذاكرة. كما يُنصح بالقيام ببعض الأنشطة البدنيّة، مثل القفز أو تمارين التمدّد أو المشي السريع أثناء جلسات الدراسة؛ فإراحة الدماغ بين الحين والآخر أثناء الدراسة يساعد في تنشيط الدماغ وتحسين التركيز والاحتفاظ بالذاكرة.  عادات نمط الحياة الصحّيّة  يعدّ تعزيز نمط الحياة الصحّيّ أمرًا بالغ الأهمّيّة لوظيفة الدماغ المثلى. وهذا يشمل:  - النظام الغذائيّ المتوازن: الأطعمة الغنيّة بمضادّات الأكسدة والدهون الصحّيّة والعناصر الغذائيّة الأساسيّة تدعم صحّة الدماغ. أدرج أطعمة مثل الأسماك والمكسّرات والتوت والخضروات الورقيّة في النظام الغذائيّ لطفلك.  - النوم الكافي: إنّ ضمان حصول الأطفال على قسط كافٍ من النوم (9-11 ساعة للأطفال في سنّ المدرسة) عامل مهمّ لتقوية الذاكرة.  - اليقظة والاسترخاء: يمكن للأنشطة مثل التنفّس العميق أو التأمّل أو اليوغا أن تقلّل من التوتّر، وتحسّن التركيز والذاكرة.      ***  تقوية الذاكرة عند الأطفال عمليّة متعدّدة الأوجه، تتضمّن إشراك مهاراتهم المعرفيّة باستخدام الألعاب والتمارين واختيار أنماط حياة صحّيّة. كما إنّ فهم الأسباب الكامنة وراء ضعف الذاكرة يمكن أن يساعد في تصميم التدخّلات التي تعالج احتياجات كلّ طفل على وجه التحديد، وباتّباع هذه التمارين والأدوات الفعّالة، يمكن للآباء والمعلّمين خلق بيئة داعمة تغذّي التطوّر المعرفيّ، وتمكّن الأطفال من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. لا تتعلّق الذاكرة بالاحتفاظ بالمعلومات فقط؛ بل هي مهارة يمكن تطويرها وصقلها بالنهج الصحيح لتعزيز رحلة التعلّم لدى الطفل.    المراجع https://www.readingrockets.org/topics/brain-and-learning/articles/10-strategies-enhance-students-memory  https://www.oxfordlearning.com/11-ways-to-improve-memory-for-kids/  https://www.webteb.com/articles/%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9_13323  https://www.understood.org/en/articles/8-working-memory-boosters 

تمارين القوّة للأطفال… ما العمر المناسب للبدء بها؟

عندما يذكر مصطلح تدريب القوّة، غالبًا ما نتخيّل أشخاصًا رياضيّين محترفين في منتصف العمر، يرفعون أوزانًا ثقيلة. على الرغم من أنّ هذه الصورة تبدو السائدة إلى حدّ كبير، إلّا أنّ تدريب القوّة ليس مخصّصًا للبالغين فقط، لكنّه مفيد للأطفال أيضًا، إذا ما تمّ بشكله الصحيح. ضع في اعتبارك أنّ تدريب القوّة يساعد في تقوية عظام الطفل، وتعزيز ضغط الدم ومستويات الكوليسترول في الدم، ويساعده في الحفاظ على وزن صحّيّ، ويعزّز لديه الثقة واحترام الذات.  نظرًا إلى ما يقدّمه تدريب القوّة من فرصة مميّزة لدعم نموّ الأطفال الجسديّ على أسس صحّيّة ومتينة، شهدنا في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام بتعزيز لياقة الأطفال البدنيّة منذ سنّ مبكّرة.  ومع هذا الاهتمام المتنامي، بدأت تبرز بعض الأسئلة الشائعة، مثل: ما العمر المناسب لبدء تدريب القوّة؟ هل يعدّ آمنًا للأطفال؟ ما فوائده المتوقّعة؟ وكيف تمكن ممارسته بطريقة آمنة ومدروسة؟  في هذه المقالة، نستعرض مختلف جوانب تدريب القوّة للأطفال، ونوفّر للآباء والمعلّمين وأخصائيّي اللياقة البدنيّة المعلومات الأساسيّة التي تساعدهم في اتّخاذ قرارات مستنيرة لدعم صحّة الأطفال ونموّهم.    ما تدريب القوّة؟  يتضمّن تدريب القوّة الذي يُشار إليه أيضًا باسم تدريب المقاومة، تمارين تستخدم المقاومة لبناء قوّة العضلات والقدرة على التحمّل والقوّة. يمكن أن تأتي هذه المقاومة من الأوزان (مثل الدمبل أو أشرطة المقاومة)، أو تمارين وزن الجسم (مثل تمارين الضغط)، وغيرها.  من المهمّ ألّا نخلط بين تمارين القوّة ورياضات رفع الأثقال أو كمال الأجسام أو رفع الأحمال الثقيلة. فمحاولة بناء عضلات ضخمة قد تضع ضغطًا كبيرًا على العضلات الصغيرة والأوتار، ومناطق الغضاريف التي لم تتحوّل بعد إلى عظام (صفيحات النموّ)، وهو ما يرتبط بشكل خاصّ برياضة كمال الأجسام. أمّا تدريب القوّة للأطفال، فيتمحور حول تعزيز اللياقة البدنيّة والتنسيق والقوّة بشكل آمن ومدروس.  ومن الأفضل أن تكون تمارين المقاومة خفيفة، وأن تُنفّذ بحركات مضبوطة، مع التأكيد على عنصر السلامة والتقنيّة الملائمة. يمكن لطفلك أداء العديد من تمارين القوّة باستخدام وزن جسمه أو أحزمة المقاومة، كما تُعدّ الأوزان الحرّة وأجهزة التدريب خيارات ممكنة أخرى، شرط أن تُستخدم بإشراف مناسب.  في أيّ عمر يستطيع الطفل ممارسة تمارين القوّة؟  لا يوجد عمر محدّد يجب أن يبدأ فيه الأطفال تدريب القوّة، ولكن يتّفق معظم الخبراء على أنّه يمكن البدء في سنّ ٧ أو ٨ سنوات، بشرط أن يكون الطفل ناضجًا بما يكفي لاتّباع التعليمات، والالتزام بالوضعيّة الصحيحة أثناء التمارين. ففي هذا العمر، يكون الأطفال قد طوّروا عادة قدرًا كافيًا من التوازن والتنسيق والتحكّم في حركاتهم. ووفقًا للأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال (AAP)، يمكن للأطفال قبل سنّ البلوغ المشاركة بأمان في تمارين القوّة، طالما أنّ البرامج الرياضيّة المصمّمة مناسبة لعمرهم، وخاضعة للإشراف الجيّد، وتركّز على التقنيّة المناسبة بدلًا من التركيز على رفع الأثقال.    ما فوائد تمارين القوّة للأطفال؟  يوفّر تمرين القوّة للأطفال مجموعة واسعة من الفوائد البدنيّة والعقليّة والاجتماعيّة، بعض أهمّها:  1. تحسين قوّة العضلات والقدرة على التحمّل  تعمل تمارين القوّة على زيادة قوّة عضلات الأطفال، ما يساعدهم في أداء الأنشطة اليوميّة بسهولة أكبر ومخاطر إصابة أقلّ. كما إنّها تعزّز القدرة على التحمّل، وهو أمر مهمّ للأطفال المشاركين في الرياضة، أو أيّ أنشطة تتطلّب مجهودًا بدنيًّا.  2. تحسين المهارات الحركيّة والتنسيق  يعمل تمرين القوّة على تحسين التنسيق والتوازن والمهارات الحركيّة بشكل عامّ. يساعد هذا الأطفال في إتقان الحركات المختلفة، ليصبحوا بالتالي أكثر رشاقة وثقة جسديّة، وهو أمر مفيد بشكل خاصّ للأطفال الذين يشاركون في الرياضة.  3. زيادة كثافة العظام  تضع تمارين القوّة ضغطًا على العظام، ما يحفّز نموّها ويزيد من كثافتها. وهذا مفيد للأطفال على وجه الخصوص، إذ كلّما كانت العظام أقوى، قلّ خطر الإصابة بالكسور والإصابات الأخرى في وقت لاحق من الحياة.  4. السيطرة على الوزن الصحّيّ  في الوقت الذي تزيد فيه معدّلات السمنة باستمرار، تأتي تمارين القوّة لتؤدّي دورًا رئيسًا في مساعدة الأطفال في إدارة وزنهم والسيطرة عليه. تسيطر تمارين القوّة على نسبة الدهون في الجسم، وتساعد في بناء الكتلة العضليّة، ما يعزّز عمليّة التمثيل الغذائيّ، ويدعم تكوين الجسم الصحّيّ.  5. تعزيز الصحّة النفسيّة  لا تقتصر فوائد تمارين القوّة على الفوائد البدنيّة فحسب، بل يمكن أن تكون عاملًا أساسيًّا في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال. إنّ رؤيتهم لأنفسهم يزدادون قوّة وقدرة على التحمّل، يمكن أن يمنحهم شعورًا بالإنجاز، وهو ما يولّد لديهم شعورًا بالراحة تجاه أنفسهم. أضف إلى ذلك أنّ التمرين والنشاط البدنيّ عمومًا يقلّل من القلق، ويحسّن المزاج، ويزيد من احترام الذات.  6. تقليل مخاطر الإصابة  تساعد التمارين في تقوية العضلات والأوتار والأربطة، وهذا يقلّل من المخاطر التي قد تنتج عن إصابة الأطفال، سواء أثناء أنشطتهم اليوميّة أو ممارسة الرياضة.     هل تمارين القوّة آمنة للأطفال؟  أحد أكثر المخاوف شيوعًا بين الآباء بشأن تمارين القوّة للأطفال هو ما إذا كانت هذه التمارين آمنة أم لا. والإجابة المختصرة هي: نعم، عندما تُمارَس بالشكل الصحيح. فقد أظهرت العديد من الدراسات أنّه، مع الإشراف المناسب، يمكن للأطفال المشاركة في تدريب القوّة بأمان، من دون زيادة في خطر الإصابة.  ومع ذلك، هناك اعتبارات أمان مهمّة يجب أخذها في الحسبان:  الإشراف المناسب: يجب أن يشرف على تدريب الطفل مدرّب متخصّص في تشريح الأطفال وأنماط نموّهم؛ لأنّه سيتمكّن من مراقبة الطفل، وتحديد الشكل والتقنيّة المناسبين له أثناء التمرين لتجنّب الإصابات، لا سيّما مع الأطفال الصغار.  تجنّب الأوزان الثقيلة: يجب ألّا يرفع الأطفال أوزانًا ثقيلة، لأنّها تضع ضغطًا مفرطًا على العضلات والمفاصل التي ما تزال في طور النموّ. بدلًا من ذلك، يجب أن يبدؤوا بتمارين وزن الجسم والمقاومة الخفيفة، ليتمكّنوا من السيطرة على حركة أجسامهم.  الراحة والتعافي: كما هو الحال مع البالغين، يحتاج الأطفال إلى وقت للراحة والتعافي بين جلسات تدريب القوّة. يمكن أن يؤدّي الإفراط في التدريب إلى الإرهاق وزيادة احتماليّة الإصابة، لذلك يجب ألّا يتدرّب الأطفال أكثر من مرّتين أو ثلاث مرّات في الأسبوع، مع ضمان الراحة الكافية بينها.  التمارين المناسبة للعمر: يجب أن تكون تمارين القوّة للأطفال مصمّمة لتتناسب مع أعمارهم ومرحلة نموّهم. إذ يُنصح أن تكون التمارين وظيفيّة وممتعة، مع التركيز على حركات الجسم بالكامل، والتي تشرك مجموعات عضليّة متعدّدة.  الإحماء والتمدّد: يعدّ الإحماء الحركيّ قبل ممارسة الرياضة والتمدّد الثابت بعدها أمران ضروريّان؛ إذ يمكن أن تساعد التمدّدات الديناميكيّة أو الأنشطة الهوائيّة الخفيفة قبل التدريب في تحضير العضلات وتهيئتها، وتقليل خطر الإصابة، بينما تساعد التمدّدات الثابتة بعد التمرين في الاستشفاء العضليّ، وتقليل وجع العضلات الناتج عن التمرين.    خطوات لبدء برنامج تمارين القوّة للأطفال  إذا كنت تفكّر أن تبدأ بتدريب طفلك على تمارين القوّة، فمن الضروريّ التعامل معه بطريقة تضمن له السلامة والمتعة معًا.   إليك هذه الطريقة:  - ابدأ بتمارين وزن الجسم  يمكن للأطفال أن يبدؤوا تدريب القوّة بتمارين وزن الجسم البسيطة، مثل تمارين الضغط والقرفصاء، وتمرين الاندفاع (Lunges)، والبلانك، والقفز. تساعد هذه التمارين في تطوير القوّة والتوازن من دون الحاجة إلى الأوزان.  - ابدأ بتمارين المقاومة تدريجيًّا  بمجرّد أن يتقن طفلك تمارين وزن الجسم، يمكنك البدء بتمارين المقاومة باستخدام الأوزان الخفيفة، أو أشرطة المقاومة، أو حتّى زجاجات المياه. ابدأ دائمًا بأوزان خفيفة لضمان تمكّنه من أداء التمارين بالشكل الصحيح.  - ركّز على الأداء الصحيح  سرّ تدريب القوّة الآمن يكمن في إتقان الأداء أو الشكل الصحيح قبل زيادة وزن المقاومة. علّم طفلك كيفيّة أداء كلّ تمرين بالوضعيّة والتقنيّة الصحيحة، ومن الضروريّ إشراف شخص بالغ أو مدرّب مطّلع، لمنع العادات السيّئة أو الإصابات.  - اجعل الأمر ممتعًا  قد لا يبدو التمرين فكرة رائعة للأطفال، إلّا إذا كان ذلك يتضمّن بعضًا من الترفيه. أدرج الألعاب أو التحدّيات أو الأنشطة التي تجعل جلسات التدريب ممتعة. على سبيل المثال، شجّعهم عن طريق التحدّيات أو استخدم مسابقات ودّيّة لإبقائهم متحفّزين.  - حافظ على الاستمراريّة والمرونة  الاستمراريّة ستضمن لك ولطفلك الحصول على فوائد طويلة الأمد. شجّع طفلك على التدرّب مرّتين إلى ثلاث مرّات في الأسبوع، مع السماح بأيّام راحة بين حصص التمرين. ومع ذلك، من الضروريّ أيضًا أن تكون مرنًا، وأن تدرك أنّ الأطفال قد يفقدون الاهتمام أو ينشغلون بأنشطة أخرى، لذلك شجّعه على العودة إلى التمرين إذا انشغل عنه لأيّ سبب كان.   - استشر أخصّائيًّا  إذا لم تكن متأكّدًا من كيفيّة البدء في التمارين مع طفلك، أو من تصميم برنامج تدريبيّ مناسب له، فكّر في استشارة أخصّائيّ في اللياقة البدنيّة يمتلك خبرة في العمل مع الأطفال، ليساعدك في بناء خطّة آمنة وفعّالة ومستدامة.  ***  عندما تُمارس تمارين القوّة في بيئة خاضعة للرقابة والإشراف، يمكن أن تساعد الأطفال والمراهقين، على اختلاف قدراتهم الرياضيّة، في تحسين قوّتهم وصحّتهم ورفاهيّتهم بشكل عامّ. إنّ الفوائد الصحّيّة لتمارين القوّة تفوق بكثير المخاطر المحتملة، لا سيّما في مجتمعات اليوم التي تستمرّ فيها معدّلات السمنة بين الأطفال في الارتفاع.  طالما أنّ التركيز ينصبّ على المتعة والسلامة والتقدّم التدريجيّ، فإنّ تمارين القوّة توفّر للأطفال فوائد بدنيّة ونفسيّة مدى الحياة، وهذا يعدّهم لحياة أكثر صحّة ونشاطًا.    المراجع https://www.nationwidechildrens.org/specialties/sports-medicine/sports-medicine-articles/strength-training-for-children-can-we-do-that  https://www.verywellfit.com/a-weight-training-workout-for-children-3498516  https://health.choc.org/is-strength-training-safe-for-kids-and-teens/ 

العزلة الاجتماعيّة عند الأطفال: متى تصبح مُقلقة؟

الأطفال بذور إنسانيّة تنمو بالحبّ والتواصل، فهم منذ أولى خطواتهم في الحياة يبحثون بفطرتهم عن الروابط الإنسانيّة؛ بالضحكات البريئة، وفرحة المشاركة، وحواراتهم الصغيرة. هذه التفاعلات ليست مجرّد وسيلة يستخدمونها لتكوين الصداقات، بل اللبنات الأولى لبناء شخصيّة متوازنة، تكتسب ذكاء المشاعر وبلاغة الكلمات والثقة بالنفس.  لكنّ عالم الطفولة يزخر بالتنوّع، إذ يختلف الأطفال في طرق تعبيرهم عن أنفسهم؛ فبعضهم يفضّل مراقبة الحياة من زاوية هادئة، أو يجد متعته في العزلة. وغالبًا ما يكون هذا الخجل مجرّد ظاهرة عابرة، وسحابة صيف سرعان ما تتبدّد. لكن أحيانًا، قد تُخفي هذه العزلة وراءها مشكلات نفسيّة تحتاج إلى العناية والعلاج.  تسبر هذه المقالة أغوار العزلة الاجتماعيّة عند الأطفال، وترسم الحدّ الفاصل بين الخجل الطبيعيّ والانطواء المُقلق، وترسم خارطة طريق للوالدين في إدراك هذه المشكلة ودعم أطفالهم.     تعريف العزلة الاجتماعيّة عند الأطفال  يمكن تعريف العزلة الاجتماعيّة عند الأطفال بأنّها نمط مستمرّ من الانسحاب من التفاعل الاجتماعيّ، ومحدوديّة في علاقات الأقران، وقلّة المشاركة في الأنشطة الجماعيّة. وهنا، من المهمّ التمييز بين العزلة الاجتماعيّة وبين العزلة المؤقّتة، والتي قد تُشكّل جزءًا صحّيًّا من شخصيّة الطفل. فبعض الأطفال يستمتعون بقضاء الوقت بمفردهم، خصوصًا بعد فترات الدراسة أو التحفيز المفرط، وقد يكون بعضهم انطوائيًّا بطبيعته، لذا يجد متعة في الهدوء بدلًا من الضوضاء. وقد يمرّ أطفال بفترات قصيرة من الانسحاب بسبب تغيّرات في الحياة؛ مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو تغيير المدرسة، أو معاناة مشكلات داخل الأسرة.   وببساطة نقول: عندما تكون العزلة شديدة ومستمرّة، بحيث تؤثّر في نموّ الطفل بشكل عامّ، فإنّها تصبح علامة تحذيريّة.    متى تصبح العزلة الاجتماعيّة مصدرًا للقلق؟  نؤكّد من جديد: لا يُشترط أن تكون عزلة الطفل في جميع الأحيان ضارّة، ولكن هناك علامات تشير إلى أنّ الانسحاب الاجتماعيّ لدى الطفل، يُعدّ مؤشّرًا على مشكلة أعمق، ومن العلامات المهمّة على ذلك:    التجنّب المستمرّ للمواقف الاجتماعيّة: إذا كان الطفل يتجنّب باستمرار قضاء الوقت مع أقرانه، أو الاشتراك في الأنشطة الجماعيّة أو الفعاليّات المدرسيّة، أو حتّى يتغيّب عن المدرسة نفسها، فقد يشير ذلك إلى مشكلة تتجاوز الخجل.  قلّة الصداقات: لا يُشترط أن تكون علاقات الأطفال الاجتماعيّة كبيرة، فقد يكون لدى الطفل صديق أو صديقان، ولكن بشكل عامّ، إذا كان الطفل لا يتحدّث عن أصدقائه على الإطلاق، أو لا يدعوهم إلى اللعب، أو يبدو أنّ أقرانه يستبعدونه من اللعب، فهي علامة جديرة بالقلق.  الألم العاطفيّ: قد يُظهر الأطفال المعزولون اجتماعيًّا علامات على الحزن أو القلق أو الانفعال أو نقص في احترام الذات، إذ قد يكرّرون عبارات مثل "لا أحد يحبّني"، أو "لا أحبّ فصلي"، أو "الأطفال لا يشركونني في اللعب".  المعاناة من مشكلات دراسيّة وعمريّة: يمكن أن تؤثّر العزلة الاجتماعيّة في جوانب أخرى من حياة الأطفال، إذ قد يفقدون اهتمامهم بالمدرسة، أو يظهرون تراجعًا في الأداء الدراسيّ، أو ينكصون إلى سلوكيّات كانوا يمارسونها في عمر أصغر.  زيادة استخدام الهاتف والحاسوب: في حين أنّ التفاعل في العالم الرقميّ يمكن أن يكون بديلًا للتواصل الاجتماعيّ، فإنّ الأطفال الذين ينكبّون بشكل كبير على الشاشات، يكون هدفهم تعويض صداقات العالم الحقيقيّ التي لا يحصلون عليها.        الأسباب المحتملة للعزلة الاجتماعيّة  يُعدّ فهم جذور عزلة الطفل الخطوة الأولى لتقديم الدعم الذي يحتاج إليه، وتشمل الأسباب الشائعة للعزلة الاجتماعيّة عند الأطفال:   - الخجل أو القلق الاجتماعيّ: يميل بعض الأطفال بطبيعتهم إلى تجنّب المواقف الاجتماعيّة. وقد يعاني البعض الآخر القلق عند مقابلة أشخاص جدد، أو دخول بيئات غير مألوفة بالنسبة إليهم.   - التنمّر أو الرفض من الأقران: يمكن أن يؤدّي تعرّض الأطفال إلى التجارب الاجتماعيّة السلبيّة - مثل التنمّر والمضايقات الجسديّة - إلى الانطواء ومحاولة تجنّب أقرانهم تمامًا.  - تدنّي احترام الذات: يفكّر الأطفال الذين يعانون الشعور بقلّة قيمتهم أو تدنّي الثقة بأنفسهم، أنّ الآخرين لن يحبّوهم، لأنّهم لا يملكون ما يُقدّمونه لنيل إعجاب الآخرين.  - الاختلافات في النموّ: قد تؤدّي معاناة الأطفال من مشكلات مثل اضطراب طيف التوحّد، أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، أو تأخّر الكلام ومشكلات اللغة، إلى عدم قدرتهم على تكوين علاقات اجتماعيّة مع أقرانهم أو الحفاظ عليها.   - دور الأسرة: يمكن أن تؤدّي العلاقات المضطربة في المنزل، أو التربية المفرطة في الحماية، إلى تقليل تعرّض الطفل إلى المواقف الاجتماعيّة، وبالتالي ضعف ثقته بنفسه.     دور الوالدين في الكشف المبكّر والدعم  الأب والأمّ الأكثر قدرة على رصد العزلة الاجتماعيّة لدى الأطفال ومساعدتهم في التعافي منها، ويمكن القيام بذلك بعدّة خطوات مثل:   مارس الملاحظة من دون إصدار أحكام: أي الانتباه الجيّد لعادات طفلك الاجتماعيّة ومزاجه وسلوكه بشكل عامّ. حاول الإجابة على أسئلة مثل: هل يقضي طفلك معظم وقته بمفرده؟ هل يتجنّب الحديث مثلًا عن المدرسة أو زملائه؟ هل يظهر علامات ضيق عند ذكر أيّ مكان يتردّد إليه، مثل المدرسة أو النادي؟ ولكن، تذكّر أنّك، وبدلًا من أن تحاول الحصول على إجابات فوريّة لأسئلتك، وفّر مساحة للحوار، مثل أن تسأله: "لماذا تقضي وقتًا طويلًا بمفردك؟" أو "كيف تشعر تجاه المدرسة وأصدقائك في الفترة الأخيرة؟" وهذا قد يفتح بابًا للنقاش تحصل منه على معلومات قيّمة.   تجنّب إطلاق الأوصاف: يجب الامتناع تمامًا عن وصف الطفل بأيّ صفة سلبيّة، حتّى لو على سبيل المزاح، مثل أنّه خجول أو غير اجتماعيّ أو لا يعرف كيف يتكلّم، لأنّها تزرع في نفس طفلك تصوّرات سلبيّة عن نفسه، أو تُعزّزها. وبدلًا من ذلك، حاول أن تُطمئن طفلك أنّه ليس من العيب أن يكون مختلفًا، فكلّ شخص يتواصل اجتماعيًّا بطرق مختلفة.   شجّعه على التفاعل الاجتماعيّ بالتدريج: يمكن أن يكون التدرّج حلًّا سحريًّا للعزلة الاجتماعيّة، لذا حاول مساعدة طفلك على التأقلم مع المواقف الاجتماعيّة. والأفكار كثيرة هنا، مثل أن تسجّله في نادٍ أو صفّ يناسب اهتماماته، أو أن تجد مجتمعًا يشعر فيه بفرصة للتفاعل من دون ضغوط، ويمكنك مصاحبته في البداية حتّى يشعر بالأمان. فالهدف هو أن يبني ثقة في نفسه تدريجيًّا، وليس فرض سلوك منفتح عليه.   تذكّر أنّك قدوة: يحاول الأطفال على الدوام تقليد سلوك البالغين، وبالذات سلوك الوالدين، لذا دع طفلك يراك تتفاعل في المواقف الاجتماعيّة بإيجابيّة وثقة، وتعمّد إظهار التعاطف والانفتاح في تفاعلاتك مع الآخرين، حتّى يدرك حلاوة الاندماج مع أقرانه.   علّمه المهارات الاجتماعيّة: وهذا أمر شديد الأهمّيّة، ففي بعض الأحيان لا ينعزل الأطفال بشكل متعمّد، بل إنّهم قد يفتقرون ببساطة إلى أدوات التواصل الاجتماعيّ. وهنا يكون دورك في تدريب طفلك على التفاعل مع الآخرين، مثل إلقاء التحيّة، والتواصل البصريّ، والابتسام، واختيار الكلمات وغيرها، وذلك عن طريق لعب الأدوار أو سرد القصص. يمكنك أن تقول له: "لنتخيّل أنّك قابلت زميلًا جديدًا في المدرسة، ماذا ستقول له؟".     متى تطلب المساعدة المهنيّة؟  إذا كانت عزلة طفلك الاجتماعيّة تؤثّر بشكل كبير في مزاجه أو نموّه أو ممارسة حياته اليوميّة، ولم تجد الخطوات السابقة نفعًا، فقد يكون الوقت قد حان لاستشارة اختصاصيّ الصحّة النفسيّة أو طبيب الأطفال. إذ يمكن للاختصاصيّين تقييم المشكلات الكامنة، مثل اضطراب الرهاب الاجتماعيّ، واضطراب طيف التوحّد، والصدمات الناجمة عن التجارب السلبيّة، وغيرها من المشكلات.  وتذكّر دائمًا أنّ التدخّل المبكر يوفّر الكثير من الوقت والجهد في ما بعد، إذ يمكن للأطفال، مع الحصول على الدعم المناسب، تعلّم كيفيّة مواجهة التحدّيات الاجتماعيّة، وبناء علاقات اجتماعيّة قويّة مع مرور الوقت.  لماذا يجب معالجة العزلة الاجتماعيّة عند الأطفال؟  تجب الإشارة إلى مفهوم مغلوط هنا، وهو أنّ الهدف النهائيّ من معالجة العزلة الاجتماعيّة هو تحويل كلّ طفل إلى شخص منفتح، بل الهدف مساعدته في بناء الثقة في نفسه، ومعرفة كيفيّة التواصل الفعّال. وكلّ طفل يختلف عن أقرانه، فبعضهم يحبّ التواجد في مجموعات كبيرة، والبعض الآخر يبحث عن الصداقات الفرديّة والهدوء، والأهمّ للجميع هو أن يشعروا بالانتماء والدعم والتقدير.  وعلى الجانب الآخر، من الطبيعيّ أن يمرّ الأطفال في فترات من الهدوء، أو أن يفضّلوا اللعب المنفرد بين الحين والآخر. ولكن من جديد، عندما يكون الانسحاب الاجتماعيّ طويل الأمد، أو شديدًا، أو يعوق ممارسة الطفل لحياته، فينبغي عدم تجاهله.    ***  وفي النهاية، دور الأب والأمّ محوريّ في مساعدة أطفالهم في تعلّم بناء الصداقات والتواصل مع العالم خارج البيت. فبالصبر والتعاطف وتقديم الدعم في الوقت المناسب، يمكن حتّى لأكثر الأطفال انطوائيّة أن يتعلّموا التفاعل مع العالم من حولهم، بطريقة تشعرهم بالأمان والرضا عن أنفسهم.    المراجع  https://www.scielo.br/j/rpp/a/ZjJsQRsTFNYrs7fJKZSqgsv/?lang=en  https://socialworker2009.ahlamontada.net/t1684-topic

ما الأفضل: تشجيع الطفل على تحقيق التفوّق، أم تركه يستكشف شغفه؟

جميعنا نحمل في قلوبنا تلك الأمنية الدافئة: أن نرى أبناءنا يحقّقون ما لم نحقّقه، وأن يكبروا بثقة، ويشقّوا طريقهم نحو النجاح بإرادة صلبة وأحلام كبيرة. نأمل أن نراهم يزهرون، لا في أعين الآخرين وحسب، بل في أعين أنفسهم. لكن كيف يمكننا أن نكون عونًا حقيقيًّا في هذه الرحلة؟ هل يكمن الدعم في دفعهم نحو التفوّق الأكاديميّ بتوقّعات عالية ونتائج ملموسة؟ أم الأفضل أن نمنحهم المساحة الكافية لاكتشاف شغفهم الفريد، حتّى لو خرج هذا الشغف عن إطار النجاح التقليديّ؟  يحتلّ هذا السؤال مركز النقاش في التربية الحديثة، وهو ليس مجرّد مفاضلة بين نهجَين متعارضَين، بل دعوة للبحث عن توازن حكيم. فالتربية الفعّالة لا تتطلّب التضحية بأحد الجانبَين، بل تمزج بين التحفيز نحو الإنجاز، والاحتفاء بما يجعل الطفل متفرّدًا ومندفعًا من الداخل.  في سطور هذا المقال، سنغوص في كلا الاتّجاهَين، ونستكشف كيف يمكن لروح التفوّق وحيويّة الشغف أن يتكاملا لبناء شخصيّة متوازنة ومستقلّة، وقادرة على رسم مسارها الخاصّ نحو النجاح الحقيقيّ.    فوائد تشجيع الطفل على السعي نحو التفوّق  تشجيع الأطفال على السعي نحو التفوّق، سواء في الدراسة أو الرياضة أو الفنون أو أيّ مجال يبرعون فيه، ليس مجرّد دفع نحو النجاح، بل هو غرس لقيم راسخة تُشكّل جوهر شخصيّتهم. فالتفوّق لا يعني الكمال، بقدر ما يعني تعلّم الانضباط والتركيز والعمل الهادف. كثير من المبدعين والقادة ينسبون إنجازاتهم إلى من آمنوا بهم، ووضعوا لهم سقفًا طموحًا، ودفعوهم إلى تجاوز حدودهم المألوفة.   وهذه بعض أهمّ فوائد تشجيع الطفل على السعي نحو التفوّق:  - بناء أخلاقيّات العمل والمثابرة: حين يُحفَّز الطفل على التميّز، يتعلّم منذ سنّ مبكّرة أنّ الإنجاز لا يأتي صدفة، بل هو ثمرة جهد وصبر. يتدرّب على مواجهة الصعوبات، وتنمو لديه القدرة على تجاوز العقبات بثبات، وهو ما يُكوّن شخصيّة مرنة، قادرة على المضيّ قدمًا على رغم التحدّيات.  - فتح الأبواب نحو الفرص: التميّز غالبًا ما يخلق مسارات جديدة. فقد يفتح لطفلك أبواب منح دراسيّة، أو فرصًا في مسابقات محلّيّة وعالميّة، أو يمنحه موقعًا قياديًّا في فريق أو نشاط. مثل هذه الفرص لا تكتفي بتكريمه على جهده، بل توسّع آفاقه وتغني تجربته الشخصيّة.  - تعزيز الثقة بالنفس: لا شيء يُشعل شرارة الثقة داخل الطفل مثل شعوره بأنّه قادر، وبأنّ جهده يُثمر، وأنّه يستطيع تحقيق ما يسعى له. هذا الإحساس بالقدرة يُشكّل درعًا داخليًّا يرافقه مدى الحياة، في وجه الشكوك والتحدّيات.    لكن، وبينما يحمل السعي نحو التفوّق فوائد كبيرة، لا بدّ من التحذير من الوجه الآخر للمبالغة فيه. فعندما يصبح الإنجاز المعيار الوحيد للتقدير والحبّ، قد يبدأ الطفل بربط قيمته الذاتيّة بما يحقّقه، لا بما هو عليه. حينها، قد يخشى الفشل، أو يتردّد في خوض تجارب جديدة خوفًا من ألّا يكون "جيّدًا بما يكفي". بل قد يُصاب بالقلق، أو يفقد الشغف بما كان يحبّه يومًا.    فوائد اتّباع الشغف في حياة الطفل  على الجانب الآخر من معادلة التربية، هناك من يؤمن بأنّ الأطفال يزدهرون حين يُمنحون الحرّيّة لاكتشاف عوالمهم الداخليّة، وأنّ الشغف، لا الضغط، هو ما يُشعل شرارة التعلّم الحقيقيّ. فحين ينبع الدافع من الداخل، يصبح الطفل أكثر حيويّة، وأكثر قدرة على التعلّم والنموّ من دون انتظار مكافأة أو تصفيق خارجيّ.  وهذه بعض أهمّ فوائد غرس الشغف في حياة الطفل:  - تعزيز الدافعيّة والانخراط الحقيقيّ: عندما يسير الطفل خلف ما يُحبّ، لا يحتاج إلى من يدفعه أو يُذكّره. يصبح شغوفًا بالتعلّم من أجل المعرفة ذاتها، لا من أجل علامة أو جائزة. يطرح الأسئلة، ويغوص في التفاصيل، ويبحث، لا لأنّه مضطرّ، بل لأنّه مستمتع.  - تشجيع الإبداع والابتكار: يُحرّر الشغف الفكر من القيود، ويفتح أبواب الخيال، ويدفع الطفل إلى التفكير بطرق غير تقليديّة. معه يبتكر الطفل ويجرّب، ويكتشف إمكانات لم يكن ليراها في بيئة قائمة على الأداء وحده.  - تعزيز الصحّة النفسيّة والهويّة الشخصيّة: حين يجد الطفل ما يُلهب حماسه، يشعر بالانتماء وبوجود الهدف، ويتكوّن لديه تصوّر أعمق عن "من هو". يمنحه الشغف ملاذًا آمنًا يُخفّف عنه التوتّر، ويمنح ليومه معنى.  ومع ذلك، لا يكفي الشغف وحده لبناء مسار متين. فمن دون التوجيه، قد يتنقّل الطفل بين الاهتمامات من دون تركيز أو عمق، ما قد يُفقده فرصة تنمية مهارات أساسيّة تتطلّب التزامًا طويل الأمد، وصبرًا وجهدًا.    تحقيق التوازن بين السعي نحو التفوّق واتّباع الشغف  في الحقيقة، لا ينبغي أن نُجبر أنفسنا على الاختيار بين تشجيع التفوّق أو ترك مساحة للشغف، فالتربية الحكيمة تحتضن كلا الجانبَين. فكم من شخص ناجح وُلد إنجازه من تلاقي شغفه العميق بدعم منضبط من بيئته!   لا يقتصر دور الأهل على التوجيه، بل يتّسع ليشمل الاستماع والملاحظة والدعم، من دون فرض أو إملاء. نحن لا نبني نسخًا منّا، بل نُساعدهم في أن يصبحوا أفضل نسخة من أنفسهم.  كيف نحقّق هذا التوازن؟  - راقب وأصغِ بعمق: انتبه إلى ما يجذب طفلك من دون توجيه، وإلى ما يكرّس له وقته بشغف، وما يُضيء عينيه. هذا هو خيط الشغف الأوّل، فتمسّك به.  - صِغ الأهداف معه، لا بالنيابة عنه: إذا أبدى طفلك اهتمامًا بمجال معيّن، ساعده في تحويله إلى خطوات قابلة للتنفيذ. أهداف صغيرة تكبر مع الوقت، لتبني الثقة والمهارة في آنٍ واحد.  - ركّز على الجهد لا على الكمال: علّمه أنّ القيمة في السعي لا في النتائج، وأنّ الخطأ ليس نهاية، بل خطوة على طريق التعلّم. هذا يُخفّف من الضغط، ويُعزّز لديه حبّ التحدّي.  - وسّع آفاقه عن طريق تجارب متعدّدة: الطفل لا يدرك شغفه من أوّل لحظة. وفّر له فرصًا لتجربة أنشطة متنوّعة، من الرياضة إلى الفنّ، ومن القراءة إلى الاستكشاف. فالتجربة هي بوّابة الاكتشاف.  - كُن أنت المثال الحيّ: "التعلّم بالملاحظة" جزء أساسيّ في نموّ الأطفال، خصوصًا في السنوات الأولى من عمره. إذا رؤوك تمارس شغفك، وتسعى وراء أهدافك، وتنهض من فشلك، سيتعلّمون منك أكثر ممّا قد تُعلّمهم بالكلمات.  - ادعم، لكن لا تفرض: قدّم الموارد، وكُن حاضرًا للتشجيع، لكن من دون أن تتحكّم في اختياراته. أعطه مساحة ليكون مسؤولًا عن اهتماماته، وساعده ليحوّل هذا الحماس إلى طريق منتج.    أمثلة من الحياة الواقعيّة  - طفل يحبّ الرسم، ويقضي وقته في رسم بعض الخربشات على الدفاتر. في البداية، هو يفعل ذلك فقط لأنّه يستمتع بذلك. لكن مع دعم بسيط وتشجيع من والديه، قد يأخذ دروسًا في الرسم، ويبدأ بتعلّم تقنيّات جديدة. مع مرور الوقت يتحسّن مستواه، ويكوّن مجموعة من أعماله الفنّيّة. هذا التطوّر يمكن أن يفتح أمامه مستقبلًا في التصميم أو الرسوم المتحرّكة.  - طفل آخر يحبّ ألعاب الفيديو. قد يبدو للبعض أنّه يضيّع وقته، لكنّه مهتمّ فعلًا بتفاصيل الألعاب وطريقة عملها. أحد والديه يلاحظ هذا، ويعرّفه إلى البرمجة وتصميم الألعاب. من هنا يتحوّل حبّه للألعاب إلى مهارة عمليّة، وقد يدخل مستقبلًا في مجال تطوير الألعاب أو التكنولوجيا.  - ومن زاوية أخرى، قد لا يكون هناك شغف واضح في البداية، بل طفل مثابر، يُنجز فروضه بإتقان، ويحرص على التعلّم، وينجح في بيئة أكاديميّة. دعم هذا النوع من الجهد يفتح له فرصًا كبيرة: منحًا دراسيّة، وإنجازات علميّة، وتقديرًا ذاتيًّا مبنيًّا على العمل والاجتهاد، بينما يواصل بهدوء استكشاف ما يُلهم قلبه.  كلّ هذه الأمثلة تُظهر لنا حقيقة بسيطة وعميقة: حين ندمج بين التشجيع والاستكشاف، نُطلق طاقات النموّ، ونُمهّد الطريق لاكتشاف الذات والنجاح الهادف.    ***    إذًا، أيّهما أفضل: تشجيع طفلك على التفوّق، أم تركه يستكشف شغفه؟ الإجابة: كلاهما، عندما يتمّ ذلك بتوازن وتعاطف وإرادة.  السعي الحثيث نحو التميّز، إذا أُفرط فيه من دون اعتبار لميول الطفل، قد يؤدّي إلى التوتّر، أو حتّى إلى الرفض والانسحاب. وفي المقابل، ترك الطفل يتنقّل بين الاهتمامات بلا توجيه باسم الحرّيّة، قد يُفقده مهارات الانضباط والالتزام الضروريّة لأيّ إنجاز حقيقيّ.  النهج الأمثل أن نكون مرشدين ومُلهمين، نرعى اهتمامات أطفالنا الفريدة، ونُعلّمهم في الوقت نفسه قيمة الجهد والمثابرة والنموّ الشخصيّ. بهذا التوازن، نُساعد أبناءنا لا فقط في تحقيق "النجاح" كما يراه العالم، بل في بناء حياة متكاملة، يشعرون فيها بالرضا والتحفيز والمرونة، مهما كان المسار الذي يختارونه.    المراجع https://academyofscholars.com/the-spark-effect-10-ways-to-help-children-discover-and-explore-their-passions/  https://www.educationnext.in/posts/how-to-help-kids-find-their-interests-and-develop-their-passion  https://www.investopedia.com/articles/pf/12/passion-success.asp  https://niuversity.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%BA%D9%81/ 

مشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة... إيجابيّات وسلبيّات

الأعمال المنزليّة جزء من الحياة اليوميّة لكلّ أسرة، وقد تتفاجأ أنّ مسألة ما إذا كان ينبغي مشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة أم لا، لطالما أثارت الكثير من الجدل. فمن ناحية، يمكن أن يغرس تكليف الأطفال بالأعمال المنزليّة شعورًا بالمسؤوليّة، ويعلّمهم مهارات الحياة الأساسيّة. ولكن من ناحية أخرى، يزعم البعض أنّ الأعمال المنزليّة قد تنتقص من الأنشطة القيّمة الأخرى، مثل الدراسة الأكاديميّة أو الأنشطة اللامنهجيّة، أو حتّى وقت اللعب الضروريّ في مرحلة الطفولة. إنّ فهم مزايا إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة وعيوبه يمكن أن يساعد الأهل في إيجاد توازن صحّيّ بين المسؤوليّة واللعب.  إيجابيّات إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة  هناك حجّة قويّة لصالح مشاركة الأطفال في الأعمال المنزليّة، مدعومة بالبحث النفسيّ والأدلّة القصصيّة. تمتدّ الفوائد إلى ما هو أبعد من الحفاظ على المنزل مرتّبًا؛  فمشاركة الطفل تسهم في تطوّره الاجتماعيّ والعاطفيّ والإدراكيّ بطرق ذات مغزى.  الأعمال المنزليّة تبني المسؤوليّة والاستقلاليّة  واحدة من الفوائد الأكثر شيوعًا للأعمال المنزليّة أنّها تعلّم الأطفال المسؤوليّة. عندما يُعهد إلى الأطفال بمهامّ مثل غسل الأطباق أو طيّ الملابس أو تنظيف غرفهم، فإنّهم يتعلّمون تحمّل مسؤوليّة مساحاتهم وأغراضهم الشخصيّة في المنزل، وتتوسّع مع الوقت لتشمل تحمّل مسؤوليّات ما هو أكبر من مجرّد المستوى الشخصيّ. فغالبًا ما ينتقل هذا الشعور بالمسؤوليّة إلى جوانب أخرى من الحياة، مثل العمل المدرسيّ والعلاقات الشخصيّة.  وإذا تعلّم الطفل أن يُتمّ المهامّ المطلوبة منه بشكل منفرد، فهو بذلك يطوّر أيضًا شعورًا بالاستقلاليّة. ومعرفة أنّه قادر على إنجاز شيء ما، من دون إشراف مستمرّ يبني الثقة والاعتماد على الذات، وهي المهارات التي تعدّ ضروريّة للتعامل مع مرحلة البلوغ.    تعزّز الأعمال المنزليّة العمل الجماعيّ ووحدة الأسرة  عندما يشارك الأطفال في الأعمال المنزليّة، فإنّهم يختبرون بشكل مباشر ما يعنيه الإسهام في تحقيق هدف مشترك على مستوى الأسرة. فعندما تعمل الأسرة فريقًا واحدًا، بحيث تشرك الأطفال في إتمام بعض المهامّ لصيانة المنزل وتنظيمه. سيساعدهم ذلك في فهم قيمة التعاون والعمل الجماعيّ. يمكن للأعمال المنزليّة أن تعزّز الشعور بالانتماء والوحدة داخل الأسرة، إذ يدرك الطفل أنّ له دورًا مهمًّا في المحافظة على سير أمور المنزل بصورة جيّدة.  على سبيل المثال، يرى الطفل الذي يساعد في إعداد طاولة العشاء أو إخراج القمامة، أنّ جهده له تأثير مباشر في راحة الأسرة وسعادتها. يمكن أن يخلق هذا شعورًا بالفخر، وبالتالي يعزّز السلوك الإيجابيّ.    الأعمال المنزليّة تعلّم مهارات الحياة  المهامّ المنزليّة مثل الطبخ والتنظيف والترتيب مهارات أساسيّة، يحتاج إليها الجميع في مرحلة ما من الحياة. لذلك فإنّ تعلّم الطفل المهامّ المنزليّة في وقت مبكّر، يزوّده بالمعرفة العمليّة التي سيحتاج إليها لإدارة منزله في المستقبل.  يمكن أن يعلّم طهو العشاء مع أحد الوالدين مهارات الطهو الأساسيّة، في حين أنّ تخصيص ميزانيّة شهريّة لشراء حاجيّات المنزل الأساسيّة، يمكن أن يقدّم معرفة في الإدارة الماليّة. مع تقدّم الأطفال في السنّ، يمكن للأعمال المنزليّة الأكثر تعقيدًا، مثل التسوّق أو العمل في الفناء، أن تعدّهم لمسؤوليّات الكبار.    الأعمال المنزليّة تنمّي أخلاقيّات العمل القويّة  تساعد مشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة في غرس أخلاقيّات العمل القويّة لدى الطفل، لأنّه سيتعلّم أنّ الجهد المبذول في مكانه الصحيح لا بدّ وأن يؤدّي إلى نتائج. فقد يتعلّم الطفل الذي يرتّب سريره بانتظام، أو يرتّب منطقة اللعب الخاصّة به، قيمة المثابرة والاستمراريّة. بمرور الوقت، يمكن أن تترجم هذه العقليّة إلى نجاح في المدرسة والعمل والمساعي الأخرى.  أشارت دراسة أجراها مارتي روسمان، الباحث في جامعة مينيسوتا، أنّ الأطفال الذين كُلّفوا بأعمال منزليّة في وقت مبكّر من حياتهم، كانوا أكثر قدرة على النجاح في حياتهم المهنيّة، وإقامة علاقات قويّة، بل وكانوا أكثر اكتفاءً ذاتيًّا عندما أصبحوا بالغين.    يمكن أن تعزّز الأعمال المنزليّة مهارات إدارة الوقت  عندما يُطلب من الأطفال إكمال الأعمال المنزليّة جنبًا إلى جنب مع التزامات أخرى، مثل الواجبات المدرسيّة أو ممارسة الرياضة أو تعلّم مهارة ما، فإنّهم يتعلّمون كيفيّة إدارة وقتهم بشكل فعّال. هذه المهارة مهمّة بشكل خاصّ مع تقدّم الأطفال في السنّ، ومواجهتهم لجداول زمنيّة متزايدة الصعوبة، إن كان في مرحلة الجامعة أو في العمل.  وفي هذا، على الوالدين الانتباه إلى عدم إرهاق الطفل إلى الحدّ الذي يجعله غير قادر على التركيز في أيّ من مهامّ يومه. فتكليف الأطفال بالأعمال المنزليّة المناسبة لعمرهم، مع مراعاة جدول مهامّهم الأخرى، سيساعدهم في موازنة مسؤوليّاتهم مع ترك الوقت للراحة والاستجمام.    سلبيّات محتملة لمشاركة الطفل في الأعمال المنزليّة  على الرغم من وجود العديد من المزايا لإشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة، فمن المهمّ أن ندرك أنّ هناك أيضًا جوانب سلبيّة محتملة. لا تعني هذه العيوب بالضرورة منع الأطفال من القيام بالأعمال المنزليّة، لكنّها تسلّط الضوء على المجالات التي تتطلّب دراسة متأنّية وتوازنًا.    قد تسبّب الأعمال المنزليّة التوتّر أو الإرهاق  إذا كُلّف الأطفال بالعديد من الأعمال المنزليّة أو المهامّ التي تتجاوز قدراتهم التنمويّة، فقد يشعرون بالتوتّر أو الإرهاق. على سبيل المثال، قد تكون مطالبة طفل صغير بتنظيف منطقة كبيرة ومكدّسة من دون إشراف، أمرًا شاقًّا ويؤدّي إلى الإحباط والإرهاق.  من الضروريّ أن يراعي الأهل المهامّ المناسبة للعمر وتقديم المساعدة عند الحاجة، وإلّا فستبدو الأعمال المنزليّة وكأنّها عبء أكثر من كونها فرصة للتعلّم.    قد تخلق الأعمال المنزليّة صراعًا  قد تؤدّي الأعمال المنزليّة أحيانًا إلى التوتّر بين الوالدين والأطفال. قد يقاوم الأطفال القيام بالأعمال المنزليّة، ما يؤدّي إلى الخلافات، ويعود ذلك إلى أنّ الأعمال المنزليّة تؤطّر باعتبارها عقوبات بدلًا من كونها إسهامًا إيجابيًّا، وبالتالي ربطها الطفل بالسلبيّة بدلًا من المسؤوليّة.  لتخفيف هذا الصراع، يمكن للوالدين التعامل مع الأعمال المنزليّة بشكل تعاونيّ، عن طريق تقديم تفسيرات حول أهمّيّتها، وإشراك الأطفال في اختيار المهامّ التي تتوافق مع تفضيلاتهم أو نقاط قوّتهم.    خطر السلامة الشخصيّة  قد يشكّل تكليف الأطفال بمهامّ مثل الطبخ أو المهامّ المتعلّقة بالنار أو رفع الأشياء الثقيلة خطرًا على سلامتهم، إذا لم يعلّمهم الأهل التقنيّات المناسبة ويراقبوهم عن كثب أثناء قيامهم بها لأوّل مرّة، أو إن كُلّفوا بمهامّ تتجاوز قدراتهم البدنيّة. على سبيل المثال، قد يفتقر الأطفال الأصغر سنًّا إلى الوعي الكافي اللازم للتعامل مع الأسطح الساخنة أو الأدوات الحادّة بأمان، ما يزيد من خطر الحروق أو الجروح. وبالمثل، فإنّ رفع الأشياء الثقيلة من دون توجيه مناسب يمكن أن يجهد عضلاتهم المتنامية أو يؤذي ظهورهم. للتخفيف من هذه الأخطار، من الضروريّ تكليف الأطفال بمهامّ مناسبة للعمر، وتقديم تعليمات واضحة، والإشراف عن كثب أثناء تأديتهم الأنشطة التي قد تنطوي على أخطار محتملة. ومن الضروريّ أيضًا تعليم الأطفال تدابير السلامة، مثل استخدام قفّازات الفرن، ورفع الأشياء الثقيلة بركبهم بدلًا من ظهورهم، والحذر من اللهب المكشوف وغيرها.    قد تتداخل الأعمال المنزليّة مع أولويّات أخرى  غالبًا ما يكون أحد المخاوف التي تنتاب الأهل أنّ الأعمال المنزليّة قد تستغرق وقتًا بعيدًا عن الأنشطة المهمّة الأخرى، مثل العمل المدرسيّ أو الهوايات أو الاسترخاء. قد يجد الطفل الذي لديه جدول زمنيّ مزدحم، صعوبة في موازنة الأعمال المنزليّة مع المسؤوليّات الأكاديميّة واللامنهجيّة.  لذلك، ولتجنّب إرهاق الأطفال، من المهمّ أن ينتبه الأهل إلى مقدار ما يُطلب منهم. يمكن أن يساعد تحديد المهامّ الواقعيّة والحفاظ على المرونة في ضمان عدم تقاطع الأعمال المنزليّة أو تأثيرها في الأولويّات الأخرى.    خطر التوزيع غير المتكافئ  في بعض الأسر، قد تُوزّع الأعمال المنزليّة بشكل غير متساوٍ، فيتحمّل بعض الأطفال عبئًا أكبر من غيرهم. قد يؤدّي هذا إلى الاستياء، وخصوصًا إذا كان تقسيم العمل غير عادل أو قائم على أدوار جنسيّة عفا عليها الزمن.  ولمنع ذلك، على الأهل أن يهدفوا إلى تحقيق المساواة في تعيين المهامّ، والتأكّد من أنّ جميع الأطفال يسهمون بطرق مناسبة لأعمارهم وقدراتهم.    ***  قرار إشراك الأطفال في الأعمال المنزليّة في النهاية قرار شخصيّ، ويؤخذ بناءً على القيم والروتين والظروف الخاصّة بكلّ أسرة. ففي حين أنّ هناك فوائد لا يمكن إنكارها - مثل تعليم المسؤوليّة وتعزيز العمل الجماعيّ وتطوير مهارات الحياة - فمن المهمّ التعامل مع الأعمال المنزليّة بطريقة عادلة ومناسبة للعمر، ومتوازنة مع الأولويّات الأخرى.    https://raisingchildren.net.au/preschoolers/family-life/routines-rituals-rules/chores-for-children#:~:text=Doing%20chores%20helps%20children%20learn,%2C%20cleaning%2C%20organising%20and%20gardening.    https://www.gohenry.com/uk/blog/chores/what-are-the-pros-and-cons-of-giving-kids-chores    https://playmatters.org.au/blog/9-reasons-to-involve-children-in-household-chores 

ما أبرز مخاطر الإنترنت على الأطفال؟

يشكّل الإنترنت أداة لا غنى عنها للأطفال في العصر الحديث، إذ يوفّر لهم موارد تعليميّة وترفيهيّة غنيّة، كما يسهّل التواصل مع الأصدقاء والعائلة. لكن، إلى جانب هذه الفوائد، يخبّئ الإنترنت مجموعة من المخاطر التي لا ينبغي تجاهلها. من التنمّر الإلكترونيّ، والتعرّض إلى محتوى غير لائق، إلى تهديدات الخصوصيّة والاستغلال من قبل الغرباء، تظهر الحاجة الملحّة إلى وعي أكبر من قبل الأهل والمربّين. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز هذه المخاطر، وتقديم خطوات عمليّة لحماية الأطفال، وجعل تجاربهم الرقميّة أكثر أمانًا.    6 مخاطر للإنترنت على الأطفال  1. التنمّر الإلكترونيّ  يُعدّ التنمّر الإلكترونيّ من أكثر التجارب السلبيّة شيوعًا بين الأطفال والمراهقين في بيئة الإنترنت. فمع انتشار تطبيقات المراسلة، ومنصّات التواصل الاجتماعيّ، والألعاب التفاعليّة، أصبحت فرص التعرّض إلى الإساءة الرقميّة أكبر من أيّ وقت مضى. وقد يكون المعتدون من المحيط القريب، أو من غرباء لا يعرفهم الطفل في الواقع.  تشير دراسة نُشرت في مجلّة JAMA Pediatrics إلى أنّ ما بين 15% و30% من الأطفال والمراهقين تعرّضوا إلى التنمّر الإلكترونيّ، وهو ما يرتبط بزيادة معدّلات القلق والاكتئاب، وحتّى الأفكار الانتحاريّة.  ما التنمّر الإلكترونيّ؟   التنمّر الإلكترونيّ شكل من أشكال الإساءة النفسيّة التي تحدث عبر الأجهزة الرقميّة، مثل الهواتف والحواسيب والأجهزة اللوحيّة، باستخدام الرسائل النصيّة، أو تطبيقات الدردشة، أو منصّات التواصل الاجتماعيّ، أو حتّى الألعاب الإلكترونيّة. وقد يتّخذ هذا التنمّر صورًا مختلفة، مثل إرسال رسائل جارحة، أو نشر محتوى مسيء أو محرج أو كاذب عن الطفل، أو مشاركة معلوماته وصوره الخاصّة من دون إذنه. وتكمن خطورته في أنّه غير مرتبط بزمان أو مكان، وقد يحدث في أيّ لحظة، ويصل بسرعة إلى عدد كبير من الأشخاص، ما يضاعف أثره النفسيّ، ويجعل من الصعب على الطفل الشعور بالأمان بعده، أو التخلّص من تبعاته بسهولة.    2. التعرّض إلى محتوى غير لائق  يعدّ التعرّض إلى محتوى غير لائق أحد أخطار الإنترنت الأساسيّة على الأطفال. يمكن أن يشمل ذلك الموادّ العنيفة، أو الجنسيّة، أو خطاب الكراهيّة، أو المواقع الإلكترونيّة التي تروّج لسلوكيّات ضارّة، مثل تعاطي المخدّرات، أو اضطرابات الأكل، أو إيذاء النفس. ووفقًا لدراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث، أفاد نحو 46٪ من الآباء بأنّ أطفالهم واجهوا محتوى غير لائق أثناء استخدامهم للإنترنت. وقد يخلّف التعرّض إلى مثل هذه الموادّ آثارًا نفسيّة ضارّة على الأطفال، من بينها القلق والخوف وتشكّل تصوّرات مشوّهة عن الواقع.  برغم توفّر ميزات مثل البحث الآمن، وضوابط الرقابة الأبويّة، ومرشّحات المحتوى، لا يزال الأطفال غالبًا عرضة للمحتوى غير المناسب. ويكمن التحدّي الأكبر في أنّ هذه الوسائل قد تفقد فعّاليّتها حين يكون الطفل أكثر إلمامًا بالتكنولوجيا من وليّ أمره، ما يمكّنه من تجاوزها بسهولة.    يُظهر الواقع المؤسف أنّ أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم الثامنة أو التاسعة قد يصادفون محتوى غير مناسب، ما يعرّضهم إلى أخطار نفسيّة وسلوكيّة قد تمتدّ آثارها إلى مراحل لاحقة من حياتهم، منها مثلًا:  - القلق والخوف: قد يشعر الأطفال الذين يتعرّضون إلى صور العنف بالقلق أو الخوف، ويخشون أن تقع لهم أو لأحبّائهم الأحداث المصوّرة.  - وجهات نظر مشوّهة عن الواقع: يمكن أن يؤدّي التعرّض المتكرّر إلى صور غير واقعيّة للعلاقات أو العنف أو السلوكيّات الضارّة، إلى تحريف تصوّر الطفل للواقع، وقد يصعب عليه التمييز بين ما هو حقيقيّ وما هو غير حقيقيّ، ما قد يؤدّي به إلى سلوكيّات غير متكيّفة مع مواقف الحياة الواقعيّة.  - انخفاض مستوى العاطفة: قد يصبح الأطفال الذين يشاهدون محتوى عنيفًا بشكل متكرّر غير حسّاسين، ويظهرون استجابة عاطفيّة منخفضة تجاه هذه الأمور في مواقف الحياة المختلفة. وقد يؤثّر ذلك في قدرتهم على التعاطف مع الآخرين، وعلى ردود أفعالهم في المواقف المؤلمة أو المتضاربة في الحياة الواقعيّة.  - ضعف تطوير العلاقات الصحّيّة: قد يؤثّر التعرّض إلى المحتوى الجنسيّ في سنّ مبكّرة على تطوّر فهم الطفل للجنس والعلاقات. فالأطفال الذين يتعرّضون إلى هذا النوع من المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعيّ، يكونون أكثر عرضة لممارسة الجنس في وقت مبكّر من الحياة، إذ غالبًا ما تُطبّع هذه الوسائل التجارب الجنسيّة المبكّرة، وتُصوّر الجنس على أنّه عرضيّ، وخالٍ من العواقب.    3. التحرّش عبر الإنترنت  غالبًا ما يستغلّ المتحرّشون عبر الإنترنت وسائل التواصل الاجتماعيّ وغرف الدردشة ومنصّات الألعاب، لاستهداف الأطفال الضعفاء، متنكّرين في هيئة أصدقاء، أو مستخدمين أساليب خادعة لكسب ثقتهم. وكما ينبغي على الأطفال أن يكونوا حذرين من الغرباء في الحياة الواقعيّة ممّن قد يشكّلون خطرًا عليهم، فإنّه من الضروريّ أيضًا أن يتحلّوا باليقظة والحذر عند التعامل مع الغرباء على الإنترنت.  قد يسعى هؤلاء المتحرّشون لإشراك الأطفال في محادثات غير لائقة، أو طلب صور صريحة، أو حتّى محاولة ترتيب لقاءات مباشرة. وقد أفاد المركز الوطنيّ للأطفال المفقودين والمستغلّين، بأنّه تلقّى أكثر من 29.3 مليون تقرير يتعلّق بالاستغلال الجنسيّ المشتبه به للأطفال في عام واحد فقط، وهو ما يسلّط الضوء على حجم هذه المشكلة واتّساع نطاقها.    4. أخطار الخصوصيّة وأمن البيانات  غالبًا ما يفتقر الأطفال إلى الوعي الكافي بأهمّيّة حماية معلوماتهم الشخصيّة على الإنترنت، ما يجعلهم عرضة لانتهاكات الخصوصيّة وسرقة الهويّة وتسريب البيانات. وتُعدّ سرقة الهويّة من المشكلات الخطيرة، إذ أتاح الإنترنت فرصًا واسعة للمحتالين لسرقة المعلومات التعريفيّة، وهو ما قد يعرّض الطفل إلى عواقب طويلة الأمد، خصوصًا إذا كانت البيانات المسروقة حسّاسة.  كما يمكن أن يقع الأطفال بسهولة في فخّ هذه الاحتيالات، لا سيّما إذا لم يكونوا على دراية بكيفيّة التصرّف أو ما ينبغي الانتباه له. لذلك، من الضروريّ تعليم الطفل أساليب الاحتيال الشائعة وكيفيّة تجنّبها، والتأكيد على أهمّيّة عدم مشاركة معلومات حساسّة، مثل اسمه الكامل، وعنوانه، وكلمات المرور، ووسائل الاتّصال الخاصّة به.  تقوم العديد من المواقع الإلكترونيّة والتطبيقات بجمع البيانات الشخصيّة، والتي قد يُساء استخدامها إذا وقعت في الأيدي الخطأ. ووفقًا لتقرير صادر عن Common Sense Media، فإنّ نحو 60% من المراهقين لا يدركون كيف يتمّ استخدام بياناتهم، في حين أنّ كثيرًا من التطبيقات لا توفّر سياسات خصوصيّة واضحة، ما يعرّض معلومات الأطفال إلى أخطار حقيقيّة.    5. الإدمان والإفراط في الاستخدام  تُعدّ الطبيعة الإدمانيّة للإنترنت، ولا سيّما إدمان استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ والألعاب الإلكترونيّة، مصدر قلق متزايد. فقد يؤثّر الاستخدام المفرط للشاشات في الأداء الأكاديميّ للطفل، ويقلّل من نشاطه البدنيّ، كما يضعف تفاعلاته الاجتماعيّة المباشرة. وتشير دراسة أجرتها الأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال إلى أنّ الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًّا في أنشطة قائمة على الشاشة، يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسيّة، مثل القلق والاكتئاب. يعزى ذلك إلى التنوّع الهائل في خيارات الترفيه المتوفّرة عبر الإنترنت، بما في ذلك منصّات التواصل والألعاب التفاعليّة، والتي تجعل من السهل على الطفل الانغماس فيها لفترات طويلة. وغالبًا ما تُصمّم هذه الوسائط لاستغلال آليّات نفسيّة تُحفّز الإدمان، مثل نظام المكافآت في الألعاب، أو البحث عن القبول الاجتماعيّ بواسطة الإعجاب والتعليقات. ومع الوقت، قد يجد الطفل صعوبة في الانفصال عن عالمه الرقميّ، وقد يُفضّل التفاعل عبر الإنترنت على خوض التجارب الواقعيّة.    6. الأخطار المتعلّقة بالصحّة العقليّة والجسديّة  إن كنت تظنّ أنّ التكنولوجيا قد تكون صديقة جيّدة، فهي مع الأسف ليست كذلك عندما يتعلّق الأمر بصحّتك العقليّة أو الجسديّة؛ فالأطفال على وجه الخصوص معرّضون إلى العديد من المخاطر، مثل إدمان الإنترنت، والآثار المترتّبة عن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، مثل القلق والاكتئاب.  وخلال السنوات القليلة الماضية، ازداد الاهتمام بدراسة العلاقة بين الإفراط في استخدام الإنترنت والاضطرابات النفسيّة، وقد صيغ مصطلح "إدمان الإنترنت" (Internet Addiction - IA) في دراسة تعود إلى العام 1998، وعرّف على أنّه اضطراب في ضبط الدوافع لا ينطوي على تعاطي مادّة، بل يتمثّل في اعتماد نفسيّ على الإنترنت. لا يميّز هذا الاضطراب بين نوع الأنشطة التي تتمّ عبر الإنترنت، بل يركّز على الاستخدام المفرط في حدّ ذاته. وقد تمّ إدراج إدمان الإنترنت باعتباره اضطرابًا معترفًا به في الإصدار الأحدث من الدليل التشخيصيّ والإحصائيّ للاضطرابات العقليّة (DSM-5)، إذ تتركّز معاييره التشخيصيّة على ضعف قدرات التخطيط والسيطرة، والاستخدام المفرط للإنترنت.  وبالمثل، يمكن أن يؤثّر قضاء وقت طويل على الإنترنت في الصحّة الجسديّة للطفل، ما يؤدّي إلى مشكلات متعدّدة، مثل الإجهاد، وعدم وضوح الرؤية، وآلام الرقبة والظهر، وارتفاع ضغط الدم. وأظهرت إحدى الدراسات أنّ ازدياد الوقت الذي يقضيه الأفراد على الإنترنت يرتبط بزيادة احتماليّة تعرّضهم إلى مشكلات صحّيّة، أو معاناتهم منها.  كما أنّ انخفاض مستوى النشاط البدنيّ يؤدّي بدوره إلى تقليل السعرات الحراريّة المحروقة، وهو ما يُفضي بطبيعة الحال إلى زيادة الوزن. ومع استبدال الأطفال للأنشطة الحركيّة بألعاب الكمبيوتر ومشاهدة التلفاز وتصفّح الإنترنت، باتت ظاهرة السمنة لدى الأطفال أكثر وضوحًا وانتشارًا.    كيف تحمي طفلك من الإنترنت؟  نظرًا للطبيعة الإدمانيّة للإنترنت، من الضروريّ أن يتّخذ الآباء خطوات استباقيّة للحدّ من هذه المخاطر، وتعزيز عادات صحّيّة في استخدام الإنترنت. وفي الآتي أبرز الاستراتيجيّات التي يمكن أن تساعد في حماية الأطفال من أخطار البيئة الرقميّة:  غرس الوعي لدى الطفل  يُعدّ غرس الوعي الدينيّ والأخلاقيّ لدى الطفل من أهمّ الركائز التي ينبغي التركيز عليها منذ سنواته الأولى. فبناء هذا الوعي المبكّر يساعد الطفل في تنمية القدرة على التمييز بين ما هو مفيد وما هو ضارّ من تلقاء نفسه، ما يعزّز لديه حسّ المسؤوليّة في التعامل مع المحتوى والأفكار التي يواجهها، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة اليوميّة. ولتحقيق ذلك، لا بدّ أن يكون التواصل المستمرّ والحوار المفتوح بين الوالدين والطفل عنصرًا أساسيًّا، إذ يُمكّنه من التعبير بحرّيّة عن المواقف والتجارب التي يتعرّض إليها، ويشجّعه على مشاركة ما يراه أو يتفاعل معه في التطبيقات والمنصّات الرقميّة. فبيئة الحوار والدعم هذه تسهم في تنمية شخصيّة الطفل بشكل متوازن، وتحصّنه ضدّ التأثيرات السلبيّة المحتملة في هذا العصر الرقميّ المتسارع.  تشجيع الأنشطة غير المتّصلة بالإنترنت  عزّز نمط الحياة المتوازن بتشجيع الأطفال على الانخراط في أنشطة لا تتطلّب استخدام الإنترنت، مثل ممارسة الرياضة، أو القراءة، أو الرسم، أو قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء. وحرصًا على جذب اهتمام الطفل، حاول أن توفّر له بدائل ممتعة فعليًّا، تحفّزه على تجربتها، وتُسهم في تنمية مجموعة متنوّعة من الهوايات والاهتمامات. إنّ تنظيم أنشطة عائليّة منتظمة لا تشمل استخدام الشاشات، يمكن أن يعزّز قيمة التفاعل الواقعيّ، ويساعد الطفل في إدراك أهمّيّة التواصل الإنسانيّ المباشر في حياته اليوميّة.  كن قدوة في السلوك الصحّيّ  غالبًا ما يقتدي الأطفال بسلوك والديهم، لذا من الضروريّ أن يكون الأهل قدوة في الاستخدام الصحّيّ للشاشات. يبدأ ذلك بالحدّ من الوقت الذي يقضونه أمام الأجهزة، لا سيّما أثناء الجلسات العائليّة. ومن المهمّ أيضًا إظهار قيمة التواجد الحقيقيّ مع العائلة، والتفاعل مع المحيطين من دون انشغال دائم بالأجهزة، ما يرسّخ لدى الطفل أهمّيّة التواصل المباشر والانتباه الكامل للحظات المشتركة.  راقب النشاط عبر الإنترنت  راقب استخدام طفلك للإنترنت، ليس فقط من حيث الوقت الذي يقضيه فيه، بل أيضًا من حيث نوعيّة الأنشطة التي يشارك فيها. واستخدم أدوات الرقابة الأبويّة وبرامج المراقبة لتتبّع سلوكه الرقميّ، وفرض قيود على المحتوى غير الملائم، بما يضمن بيئة أكثر أمانًا أثناء تصفّحه.  علّم طفلك إدارة الوقت وضبط النفس  علّم طفلك أهمّيّة إدارة الوقت، وكيفيّة وضع حدود شخصيّة لاستخدام الشاشات. شجّعه على إعطاء الأولويّة لمسؤوليّاته، مثل أداء الواجبات المدرسيّة، أو المشاركة في الأعمال المنزليّة، قبل الانشغال بأوقات الترفيه أمام الشاشة. كما أنّ توعيته بتأثيرات الاستخدام المفرط للإنترنت على صحّته ورفاهيّته النفسيّة، يمكن أن تعزّز قدرته على اتّخاذ قرارات أكثر وعيًا بشأن عاداته الرقميّة.  تشجيع فترات تنقية من السموم الرقميّة  يمكن توظيف مفهوم التنقية من السموم الرقميّة بتخصيص فترات منتظمة تأخذ فيها الأسرة استراحة جماعيّة من استخدام الشاشات. قد يكون ذلك باعتماد يوم خالٍ من الأجهزة، مثل يوم الجمعة، أو بتقليل استخدام التكنولوجيا أثناء العطلات العائليّة. تتيح هذه الفترات فرصة لإعادة تنظيم العادات الرقميّة، وتخفيف التعلّق المفرط بالتواصل المستمرّ عبر الإنترنت، لا سيّما لدى الأطفال.    ***  برغم ما يقدّمه الإنترنت من فوائد جمّة، فإنّ طبيعته الإدمانيّة تفرض أخطارًا جدّيّة على الأداء الأكاديميّ للأطفال، وصحّتهم البدنيّة، ومهاراتهم الاجتماعيّة، ورفاههم النفسيّ. بوضع حدود واضحة، وتقديم نموذج سلوكيّ صحّيّ، وتشجيع نمط حياة متوازن، يستطيع الوالدان التخفيف من هذه الأخطار، ومرافقة أطفالهم نحو استخدام أكثر وعيًا وسلامة للتكنولوجيا. فالهدف لا يكمن في منع استخدام الإنترنت، بل في تبنّي نهج متوازن يُمكّن الأطفال من الاستفادة من مزايا العالم الرقميّ، مع الحفاظ في الوقت نفسه على صحّتهم الشاملة.    المراجع   https://me-en.kaspersky.com/resource-center/threats/top-seven-dangers-children-face-online  https://milwaukee-criminal-lawyer.com/what-are-the-dangers-of-using-the-internet-for-kids/  https://www.humanium.org/en/the-risks-for-children-surfing-the-internet/  https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D9%8A/4885626-%D9%87%D9%84-%D9%86%D8%AD%D9%86-%D9%88%D8%A7%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84%D8%9F  https://www.annajah.net/%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%AA-%D9%88%D8%B7%D8%B1%D9%82-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%85-article-26759 

متى يكون تدخّل الأهل في قرارات الأطفال ضروريًّا؟

تعدّ التربية عمليّة توازن بين الحرص على توجيه الطفل من ناحية، وبين منحه مساحته الخاصّة للنموّ من ناحية أخرى. فالآباء والأمّهات يملكون الخبرة الحياتيّة المطلوبة لمساعدة أطفالهم في تجنّب الأخطاء واتّخاذ قرارات صحيحة، ولكنّ الأطفال من جانبهم يحتاجون إلى فرص لتعلّم الاستقلاليّة، وبناء مهارات الحكم الذاتيّ.  لذا، أصعب ما في الأمر تقدير متى يكون تدخّل الأهل ضروريًّا، ومتى يتجاوز حدوده ويتحوّل إلى سيطرة زائدة. في هذه المقالة سنستكشف متى يجب على الآباء والأمّهات المساعدة في تشكيل قرارات أطفالهم، ومتى عليهم ترك القرار في يد الأطفال، وطرق تحقيق التوازن المطلوب بين التوجيه البنّاء والتحكّم المفرط.     ما أسباب أهمّيّة مشاركة الأب والأمّ في قرارات الطفل؟  الإجابة بسيطة، فالأطفال لا يولدون بالمعرفة أو المهارات اللازمة للتعامل مع الخيارات المعقّدة في الحياة، لذا فهم يعتمدون على الوالدين - خصوصًا في السنوات الأولى - في اكتساب القيم والخبرات، إلى جانب الأمان العاطفيّ والقيم والتوجيه. وهنا تكون مشاركة الوالدين ضروريّة في مجالات عديدة، منها على سبيل المثال:  - النموّ الأخلاقيّ: بما يشمل تعلّم الصواب والخطأ، وبالتالي مساعدة الأطفال في فهم عواقب أفعالهم.  - ضمان السلامة: بما يشمل تعليم عواقب السلوكيّات الخطرة، مثل عبور الشارع بمفردهم، أو ركوب الدرّاجة من دون خوذة الأمان.  - السلامة على الإنترنت: بما يشمل تحديد وقت استخدام الشاشة، وتصفّح الإنترنت تحت إشراف الأب والأمّ.  - اتّخاذ قرارات الرعاية الصحّيّة: بما يشمل تلقّي التطعيمات وتناول الأدوية وزيارات الطبيب.  - توفير الدعم العاطفيّ: بما يشمل توفير النصائح لبناء الصداقات، ومواجهة التحدّيات المدرسيّة، والتعامل مع التغيّرات العاطفيّة.  - تحديد الأهداف: بما يشمل مساعدة الأطفال في اكتشاف اهتماماتهم، وتحديد نقاط قوّتهم، ووضع أهداف واقعيّة للدراسة والحياة.     في هذه السياقات وغيرها، تكون مشاركة الوالدين شديدة الأهمّيّة، للحرص على نموّ الأطفال الصحّيّ، مع الانتباه إلى أنّ حاجة الأطفال إلى مساحة أكبر لبناء آرائهم وممارسة أحكامهم الخاصّة، تزداد مع الوقت، وبالتالي يمكن للوالدين إشراكهم تدريجيًّا في القرارات المختلفة.     متى تتحوّل المشاركة إلى سيطرة؟  تنبع مشاركة الوالدين في حياة أطفالهم من الحبّ والرعاية، إلّا أنّها قد تنزلق أحيانًا لتتحوّل إلى حماية زائدة أو سيطرة مفرطة، مثل ما يحدث عند:  - اتّخاذ جميع القرارات نيابة عن الطفل، من دون إعطائه فرصة للمشاركة.  - التحكّم الدقيق في كلّ تفاصيل يوم الطفل.  - ممارسة ضغوط على الطفل لتحقيق أحلام وتطلّعات الأب والأمّ، والتي تتعارض مع تفضيلاته وميوله.  - تأنيب الطفل أو معاقبته عندما يتّخذ قرارات مستقلّة.  وهنا تكون النتيجة أنّ الأطفال سيعانون تدنّي احترام الذات والقلق، ويصبحون أشخاصًا مهووسين بإرضاء الآخرين، يسعون باستمرار لكبت تميّزهم من أجل التوافق مع الناس، أو أنّهم سيذهبون إلى الاتّجاه المعاكس، ويصبحون أشخاصًا متمرّدين، يقاومون أيّ شكل من أشكال السلطة. فالهدف توجيه الطفل، وتزويده بالأدوات اللازمة ليعيش حياة سعيدة، لا إملاء ما عليه فعله في كلّ المواقف.      متى يجب أن يترك الأب والأمّ حرّيّة الاختيار للطفل؟  تكمن أهمّيّة هذا السؤال من أنّ معرفة متى يتراجع الوالدان ويتركان للطفل مساحة أكبر، لا تقلّ أهمّيّة عن معرفة متى يجب أن يتدخّلا. فكما قلنا، الإفراط في التدخّل قد يعوق نموّ الطفل، ويحرمه من تعلّم مهارات المرونة واتّخاذ القرارات والمسؤوليّة. وسنعرض تاليًا بعض المجالات التي ينبغي على الآباء والأمّهات منح أطفالهم مزيدًا من الاستقلاليّة فيها:  1. الاهتمامات والهوايات الشخصيّة: يجب على الوالدين ترك الأطفال يختارون الأنشطة التي يحبّونها، حتّى لو لم تكن الأنشطة التي يفضّلها الوالدان. على سبيل المثال، قد يريد الوالد الشغوف بالرياضة أن يكون طفله مثله، بينما يفضّل الطفل الفنون أو الموسيقى.  2. الصداقات والخيارات الاجتماعيّة: يجب على الوالدين تقديم التوجيه للطفل بشأن بناء العلاقات مع أقرانه، ولكن ينبغي السماح له باختيار أصدقائه وفهم الديناميكيّات الاجتماعيّة، فمنح الطفل الشعور بالثقة في إدارة هذه الخيارات، يعمل على بناء شخصيّة سويّة على المستوى الفرديّ والاجتماعيّ.  3. القرارات اليوميّة: تكمن أهمّيّة منح الحرّيّة للأطفال في اتّخاذ القرارات اليوميّة، مثل ما يرتدونه، أو كيف يزيّنون غرفهم، أو كيف يمشّطون شعرهم، في أنّها تعمل على تمكين الأطفال، وتمنحهم شعورًا بالاستقلاليّة والاعتداد بالنفس.  4. ارتكاب الأخطاء: يجب على كلّ أب وأمّ السماح للأطفال بارتكاب الأخطاء، البسيطة منها بالتأكيد، واختبار عواقب أفعالهم، لأنّها من أفضل الطرق لتعلّم مهارات الحياة. فبينما يمكن للوالدين تقديم المساعدة في حلّ المشكلات، سيؤدّي التدخّل لإنقاذ الطفل من كلّ إخفاق صغير إلى حرمانه من اكتساب مهارات المرونة والثقة بالنفس.    كيف نوازن بين المشاركة والاستقلاليّة؟  على الوالدين بذل جهد كبير وممارسة وعي ذاتيّ، من أجل تحقيق التوازن الصحّيّ بين التدخّل في قرارات الأطفال ومنحهم الاستقلاليّة. وسنقدم لكم بعض الاستراتيجيّات الفعّالة للوصول إلى حالة التوازن المطلوبة:  1.  ممارسة الاستماع الفعّال: عندما تجد أنّ طفلك قد اتّخذ قرارًا، مهما بدا لك هذا القرار خاطئًا، حاول أن تستمع إليه أوّلًا، واطرح عليه أسئلة مفتوحة لتتمكّن من فهم أفكاره ومشاعره التي جعلته يتّخذ هذا القرار، ليتقبّل منك النصيحة أو الحلّ الذي تقدّمه إليه.  2. قدّم لطفلك خيارات لا أوامر: إذا كنت تريد أن يقوم طفلك بإنجاز أمر ما، قم بصياغته في شكل خيارات وليس أمرًا، مثل: "هل تريد إنجاز واجبك المنزليّ الآن أم بعد الغداء؟" النقطة هنا أنّ إعطاء الطفل خيارات في حدود معيّنة يعزّز استقلاليّته، مع الحفاظ على نظام صحيح لحياته.  3. اشرح أسباب القواعد: يجب أن تدرك أنّ احتمال تعاون الأطفال يزداد، عندما يفهمون الأسباب الكامنة وراء القواعد في المنزل والقرارات التي تتّخذها.  4. تعديل دور الوالدين مع نموّ الطفل: يجب أن تتطوّر مشاركة الأب والأمّ في حياة الطفل مع مرور الوقت، فمثلًا قد يحتاج الطفل في الخامسة إلى إشراف دقيق، بينما يحتاج في الخامسة عشرة إلى مساحة لبناء استقلاليّته. بكلمة أخرى: التراجع التدريجيّ لدورك، يسمح لطفلك بممارسة اتّخاذ القرارات ضمن بيئة آمنة.  5. احترام الفرديّة: يجب إدراك أنّ الطفل ليس امتدادًا لك، حتّى لو كان يشبهك في الشكل والاهتمامات. يجب عليك دعم شخصيّته الفريدة، وتعزيز مواهبه وأحلامه، حتّى لو لم تتوافق مع شخصيّتك.  نستخلص من هذا أنّ التربية لا تعني التحكّم في كلّ قرار يتّخذه طفلك، بل هي عمليّة متدرّجة تهدف إلى إعداده لاتّخاذ قراراته الخاصّة بحكمة. وهذا الأمر يعني معرفة متى تتدخّل بقوّة، ومتى تقدّم توجيهًا بلطف، ومتى تأخذ مقعد المتفرّج وأنت واثق أنّ طفلك سيتّخذ القرار الصحيح.  فتدخّل الآباء والأمّهات بشكل صحّيّ وسليم في حياة أطفالهم، يوفّر لهم الأمان والحبّ، بالتوازي مع إتاحة مساحة مناسبة لهم ليكبروا ويصبحوا أفرادًا واثقين من أنفسهم، وقادرين على إنجاز ما يريدون. وتذكّر دائمًا أنّك باحترام استقلاليّة طفلك، فإنّك تُظهر له ثقتك به وإيمانك بقدراته، ما يُعزّز علاقتكما، ويُجهّزه لمرحلة البلوغ.    المراجع https://digitalcommons.unf.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=2091&context=etd  https://www.hellooha.com/articles/1776-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1  https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC6279730/#:~:text=%E2%80%9CYou%20become%20involved%20and%20informed,of%20their%20child's%20health%20care. 

أهمّيّة الروتين اليوميّ في تربية طفل سعيد ومنظّم

ينمو الأطفال ويزدهرون في بيئات يمكنهم التنبّؤ بها، حيث يشكّل الروتين اليوميّ ركيزة أساسيّة تمنحهم شعورًا بالأمان والاستقرار، وسط عالم كثيرًا ما يتّسم بالتقلّب والفوضى. تمامًا كما يعتمد الكبار على الجداول والخطط لضبط إيقاع يومهم وتحقيق التوازن بين المسؤوليّات، يحتاج الأطفال إلى نمط حياة منتظم يُعزّز لديهم الإحساس بالاتّساق والطمأنينة.  الروتين ليس مجرّد ترتيب للأنشطة، بل أداة تربويّة فعّالة تُسهم في بناء شخصيّة الطفل وتعزيز استقلاليّته، كما تهيّئ له بيئة منزليّة يسودها الهدوء والتناغم. ومن المدهش أنّ هذه العادة اليوميّة البسيطة في ظاهرها، تحمل بين طيّاتها قدرة هائلة على تربية طفل سعيد، واثق من نفسه، قادر على التكيّف مع تحدّيات الحياة.  في هذا المقال، نُسلّط الضوء على أهمّيّة الروتين اليوميّ في حياة الأطفال، ونستعرض أبرز فوائده النفسيّة والسلوكيّة، إلى جانب نصائح عمليّة تساعد الآباء في تصميم روتين يناسب احتياجات أسرهم.    لماذا الروتين مهمّ في حياة الأطفال؟  في عالم لا يزال غامضًا ومعقّدًا بالنسبة إلى الأطفال، يلعب الروتين دور البوصلة التي تهديهم وتمنحهم شعورًا بالثبات والأمان. يعيش الأطفال في طور مستمرّ من الاكتشاف والتعلّم، ويخطون خطواتهم الأولى نحو فهم العالم من حولهم. لكن على عكس البالغين، فإدراكهم للزمن لا يزال في مراحله الأولى، ما يجعل غياب الروتين عن يومهم سببًا في شعورهم بالارتباك وعدم الأمان. هذا الشعور قد يظهر على هيئة قلق أو مقاومة، أو حتّى سلوكيّات غير مرغوبة.  هنا يأتي دور الروتين اليوميّ بوصفه إطارًا داعمًا ومنظّمًا يوفّر للأطفال:  - إحساسًا بالسيطرة: عندما يعرف الطفل ما الذي سيحدث بعد قليل، يقلّ لديه القلق، ويزداد شعوره بالثقة والاطمئنان في بيئته.  - قدرة على التنبّؤ: تُقلل الروتينات الثابتة من الصراعات ونوبات الغضب، لأنّها تضع حدودًا واضحة وتوقّعات ثابتة.  - تنظيمًا للوقت: بوضع روتين محدّد، تُمنح الأنشطة المهمّة، مثل الوجبات والدراسة واللعب والنوم، مساحتها المناسبة ضمن اليوم، ما يُعزّز التوازن والانتظام.    فوائد الروتين في نموّ الطفل:  الأمان والاستقرار العاطفيّ  من أولى احتياجات الطفل النفسيّة أن يشعر بأنّ عالمه مستقرّ ويمكن الوثوق به. الروتين اليوميّ يُعزّز هذا الشعور، لا سيّما في فترات التغيير، مثل الانتقال إلى منزل جديد أو بداية المدرسة. فحين يعرف الطفل تسلسل يومه، يتولّد لديه شعور بالثبات والاستقرار، وهو أمر حاسم، خصوصًا أثناء الفترات الانتقاليّة، مثل دخول المدرسة أو استقبال مولود جديد في الأسرة.  فعلى سبيل المثال، عندما يتكرّر كلّ مساء التسلسل نفسه: عشاء، استحمام، قراءة قصّة، يبدأ دماغ الطفل بربط هذه الخطوات بالراحة والاستعداد للنوم، ما يساعده في الاسترخاء والنوم بسلام.    تعزيز الاستقلاليّة والثقة بالنفس  يسعى الأطفال مع تقدّمهم في العمر للاعتماد على أنفسهم. يمنحهم الروتين فرصة مثاليّة لممارسة الاستقلال ضمن إطار آمن ومشجّع. فعندما يعرف الطفل ما الذي يجب عليه فعله في الصباح – من تنظيف الأسنان إلى ارتداء الملابس – يبدأ بتحمّل المسؤوليّة عن مهامّه اليوميّة. هذا الشعور بالقدرة الذاتيّة يُنمّي ثقته بنفسه، ويُعزّز مهاراته الحياتيّة.   وحتّى الأطفال الأصغر سنًّا يمكنهم المشاركة باستخدام جداول مرئيّة بسيطة، تُرشدهم أثناء خطوات اليوم.    دعم السلوك الإيجابيّ  الكثير من المشكلات السلوكيّة لدى الأطفال تعود إلى الشعور بعدم الوضوح أو الفوضى في البيئة من حولهم. الروتين يُقلّل من هذا الغموض، ويُقدّم إطارًا واضحًا لما هو متوقَّع.  على سبيل المثال، إذا كان وقت مشاهدة الشاشة محدّدًا بوضوح بعد أداء الواجبات، ولفترة زمنيّة معلومة، فلن يكون هناك مجال كبير للنقاش أو الجدال. تتّضح القواعد وتُصبح غير قابلة للتفاوض، ما يُخفّف من الصراعات ويُعزّز الانضباط الذاتيّ.    تعزيز العادات الصحّيّة  يُمهّد الروتين الطريق لتبنّي عادات صحّيّة بشكل طبيعيّ ومنتظم، مثل تناول وجبات متوازنة، والحفاظ على النظافة الشخصيّة، والنشاط البدنيّ، والنوم الكافي.  على سبيل المثال، اتّباع جدول نوم ثابت يُساعد في تنظيم الساعة البيولوجيّة للطفل، ويُحسّن من جودة نومه واستقراره خلال الليل. كما أنّ إدخال أوقات محدّدة للنشاط الحركيّ يُسهم في تحسين المزاج، وزيادة التركيز، ودعم الصحّة البدنيّة والعقليّة.    تنمية مهارات إدارة الوقت والتنظيم  بالتكرار اليوميّ، يبدأ الطفل بتكوين وعي داخليّ بالوقت، وفهم لكيفيّة تقسيمه وتنظيمه. يتعلّم كم من الوقت تستغرقه المهامّ، وكيفيّة ترتيب أولويّاته، والاستعداد للأنشطة القادمة.  هذه المهارات تزداد أهمّيّة مع دخول الطفل المدرسة، حيث تُطلب إليه موازنة واجباته الدراسيّة، وأنشطته الخارجيّة، والتزاماته الاجتماعيّة. الطفل الذي يترعرع في بيئة منظّمة، غالبًا ما يُصبح بالغًا منظّمًا، واعيًا بوقته، وأكثر قدرة على التخطيط وإدارة حياته بثقة واستقلال.    نصائح ذكيّة لبناء روتين يوميّ فعّال لطفلك  إنشاء روتين ناجح لا يعني فرض جدول صارم، بل هو عمليّة تدريجيّة تُبنى بمحبّة ووعي، تهدف إلى خلق بيئة متّزنة تُعزّز نموّ الطفل النفسيّ والسلوكيّ. إليك مجموعة من النصائح العمليّة التي تساعدك في تصميم روتين يناسب أسرتك ويواكب احتياجاتها:  - ابدأ بخطوات بسيطة وثابتة: ليست هناك حاجة لإعادة تشكيل يومك بالكامل دفعة واحدة. ابدأ بالمحطّات الأساسيّة التي تمنح الطفل شعورًا بالاستقرار، مثل وقت النوم ووجبات الطعام، ثمّ أضف الأنشطة الأخرى تدريجيًّا مع مرور الوقت. التدرّج سرّ النجاح.  - دع طفلك يكون جزءًا من الخطّة: كلّما شارك الطفل في وضع الروتين، زاد التزامه به. يمكنك، حسب عمره، أن تسأله عن رأيه في ترتيب الأنشطة، أو تتيح له اختيار بعض التفاصيل. عندما يفهم "لماذا" وراء كلّ خطوة، يتعامل معها بوعي ومسؤوليّة.  - اجعل الروتين مرنًا وليس صارمًا: الروتين الجيّد الذي يوجّه، لا الذي يُقيّد. ستأتي أيّام تتطلّب التغيير، سواء كانت عطلات، أو حالات مرضيّة، أو مناسبات خاصّة. لا بأس بكسر القاعدة حين يستدعي الأمر، الأهمّ هو العودة بسلاسة إلى الإيقاع المعتاد بعد ذلك.  - استخدم الوسائل البصريّة لإشراك الأطفال الصغار: الصور والجداول المرئيّة أدوات رائعة لجعل الروتين أكثر وضوحًا وجاذبيّة. يمكن أن تصنع مع طفلك لوحة أنشطة برسومات مُلوّنة، تعزّز استقلاله وتشجّعه على اتّباع النظام بطريقة ممتعة ومحفّزة.  - الاستمراريّة المفتاح: الاتّساق يمثّل العمود الفقريّ لأيّ روتين ناجح. قد يكون من المرهق أحيانًا الالتزام بالجدول، خصوصًا في نهاية يوم طويل، لكنّ كلّ لحظة من الالتزام تُعزّز لدى الطفل شعورًا بالأمان، وتُرسّخ العادات الإيجابيّة في سلوكه على المدى البعيد.    ***  الروتين سرّ الطمأنينة والنموّ السليم  تزدهر الطفولة بالخيال والعفويّة، إلّا أنّ الروتين اليوميّ المتوازن يُشكّل الإطار الذي يحتاج إليه الأطفال لينموا بثقة واستقرار. إنّه أكثر من مجرّد جدول؛ إنّه لغة غير منطوقة تقول للطفل: "أنت في أمان، عالمك مفهوم، مكانك محفوظ".  لسنا بحاجة إلى أن نُصمّم أيّامًا مثاليّة، أو أن نملأ كلّ لحظة بالأنشطة؛ يكفي أن نُقدّم إلى أطفالنا الاتّساق، ذلك الخيط الذهبيّ الذي يربط تفاصيل يومهم، ويمنحهم الشعور بالانتماء واليقين. ومن هذا اليقين، ينطلقون بثقة نحو العالم، يكتشفونه بخطى واثقة، ويكبرون ليُصبحوا نُسخًا قويّة ومُتّزنة من أنفسهم.    المراجع https://zerotothrive.org/routines-for-kids/  https://www.rawahel.org/public/articles/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%AA%D9%87-%D9%88%D9%83%D9%8A%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82%D9%87-120  https://etallem.com/%D8%A3%D9%81%D8%B6%D9%84-%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B1%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B7%D9%81%D8%A7%D9%84/  https://www.kinderpedia.co/en/school-and-nurseries-resources/blog/early-childhood-education/daily-routine-children