في عصر الأجهزة اللوحيّة والتلفزيون وكثرة المحتوى المعروض، قد يبدو من المستغرب أن يشعر الأطفال بالملل. وعلى الرغم من كلّ الأدوات وخيارات الترفيه المتاحة أمامهم، فإنّ واحدة من أكثر الجمل التي يسمعها الآباء من أبنائهم: "لقد مللت!" ولأنّ الأطفال يشعرون بالملل بشكل متكرّر، يجد الآباء أنفسهم في كلّ مرّة في حيرة من أمرهم بشأن كيفيّة إبقاء أطفالهم مشغولين وسعداء ومندمجين في فعل ما، بطريقة مثمرة.
من الجدير ذكره أنّ الملل لا يعدّ مشكلة أو شيئًا سيّئًا في حدّ ذاته. في الواقع، يزعم خبراء نموّ الطفل أنّ الملل يمكن أن يكون مفيدًا، بل يعدّ جزءًا مهمًّا من نموّه - فهو يشجّع الإبداع وحلّ المشكلات واللعب الموجّه ذاتيًّا. وفقًا لعلماء نفس الأطفال، يمكن أن يعمل الملل "محفّزًا" للإبداع، وأن يساعد الأطفال في تطوير شعور بالدافع الذاتيّ. لذا، في حين قد يكون الأمر غير مريح لكلّ من الأطفال والآباء في حينه، فإنّ السماح للطفل بالجلوس مع ملله قليلًا يمكن أن يكون تجربة صحّيّة ومنتجة.
كيف تستجيب عندما يتجوّل طفلك في المنزل ويشكو من شعوره بالملل، من دون أن تسمح له باستخدام الشاشة مباشرة؟ دعنا نستكشف بعض الطرق العمليّة والإبداعيّة الممتعة لإشراك الأطفال وتعليمهم الاعتماد على الذات، لكي يتسنّى لك الاستمتاع ببعض اللحظات الهادئة لنفسك.
ما أسباب الملل عند الأطفال؟
لا يقتصر شعور الأطفال بالملل على أنّهم لا يجدون شيئًا مسلّيًا يفعلونه، بل له أسباب عديدة. في الآتي بعض العوامل الشائعة التي تسهم في الشعور بالملل:
- - حالة التنبّه المستمرّة: يجعل استخدام الشاشات الطفل متنبّهًا أو نشطًا بشكل مفرط، لذلك عندما تُترك لهم لحظة من الهدوء أو الوقت بعيدًا عن الشاشات، يشعرون مباشرة بالانزعاج، ما يدفعهم إلى تفسير الافتقار إلى ما يلفت انتباههم على أنّه ملل.
- - مهارات حلّ المشكلات المحدودة: بالنسبة إلى الأطفال الصغار، تأتي بعض العوامل المسبّبة للملل من كونهم لم يتعلّموا بعد إيجاد حلول لأبسط مشكلاتهم؛ فهم يعتمدون على آبائهم تمامًا لملء وقتهم، من دون أن يدركوا أنّ لديهم القدرة على خلق الترفيه بمفردهم.
- - عدم وجود اهتمامات خاصّة: في بعض الأحيان، قد لا يجد الأطفال هوايات أو اهتمامات تجذبهم. لذلك عندما يكون لديهم وقت فراغ يشعرون بالضياع والضجر، لأنّهم غير متأكّدين ممّا يجب عليهم فعله أو ممارسته.
- - البحث عن الاهتمام: في بعض الأحيان تكون عبارة "أنا أشعر بالملل" إشارة إلى "أريد انتباهك". قد يقول الأطفال إنّهم يشعرون بالملل وسيلة لتشجيع الآباء على مشاركتهم نشاطًا أو بعض الوقت.
كيفيّة التخلّص من الملل عند الأطفال
استغلال الملل باعتباره فرصة تعليميّة
الخطوة الأولى في التعامل مع الطفل المتململ تغيير عقليّتك تجاه الملل. بمعنى: بدلًا من النظر إلى الملل باعتباره مشكلة تحتاج إلى حلّ، حاول النظر إليه باعتباره فرصة. يمكن أن يكون الملل حافزًا للإبداع، وفرصة تسمح للأطفال باستكشاف اهتماماتهم الخاصّة، والتوصّل إلى أفكار إبداعيّة بأنفسهم. شجّع طفلك على النظر إلى الملل باعتباره لوحة فارغة. اطرح أسئلة مثل: "ماذا تريد أن تبتكر؟" أو "كيف يمكنك جعل هذا اليوم أكثر إثارة؟" تعليم الأطفال أنّهم مسؤولون عن ترفيههم مهارة حياتيّة مهمّة، ستفيدهم مع نموّهم.
اصنع "صندوق الملل" مع أفكار للأنشطة الممتعة
أحد الحلول العمليّة التي يفضّلها العديد من الآباء "صندوق الملل"؛ وهو طريقة بسيطة ولكن فعّالة، يمكنك أنت وطفلك صنعها معًا. ابحث عن وعاء (أو صندوق)، وزيّنه بأشكال مبهجة، واملأه بقصاصات من الورق بحيث تحتوي كلّ ورقة على نشاط ممتع ومناسب لعمر طفلك. إليك بعض الأفكار:
- - الأنشطة الفنّيّة: "ارسم قصّة قصيرة"، أو "ارسم صورة لمنزل أحلامك"، أو "ابتكر شكلًا من ورق الألمنيوم".
- - الأنشطة الخارجيّة: "اصطد مجموعة منوّعة من الحشرات من حديقة المنزل"، أو "اجمع الصخور والأوراق المميّزة من أرجاء الحيّ".
- - الأنشطة التعليميّة: "اكتب رسالة إلى صديق أو أحد أفراد الأسرة"، أو "ابحث عن 5 حقائق ممتعة حول حيوان تحبّه"، أو "تعلّم كيفيّة قول مرحبًا بخمس لغات".
شجّع اللعب الخياليّ
اللعب الخياليّ أحد أقوى الطرق التي يمكن للأطفال تسلية أنفسهم بواسطتها. يتمتّع الأطفال بموهبة طبيعيّة في سرد القصص واللعب التظاهريّ، لكنّهم يحتاجون أحيانًا إلى دفعة صغيرة للبدء. في الآتي بعض الأفكار لإثارة خيالهم:
- مغامرة شخص مسافر عبر الزمن: اطلب من طفلك أن يتخيّل أنّه يسافر إلى فترة زمنيّة مختلفة. يمكن أن يكون مصريًّا قديمًا، أو فارسًا من العصور الوسطى، أو رائد فضاء في المستقبل البعيد. اطلب منه أن يصنع زيًّا من العناصر الموجودة في المنزل، ويخترع قصّة حول ما يحدث في رحلته.
- لعب دور المطعم أو المتجر: يحبّ الأطفال التظاهر بإدارة أعمالهم الخاصّة. يمكنهم فتح "مطعم" في غرفة المعيشة، مع قائمة طعام وهميّ، أو إنشاء "متجر" بألعابهم. يمكن أن يبقيهم لعب دور العميل أو الخادم أو صاحب المتجر مستمتعين لساعات.
- يوم الأبطال الخارقين: دعهم يخلقون شخصيّة خارقة، مع اسم وقوى خارقة وزيّ. يمكنهم ابتكار مهامّ وإنقاذ ألعابهم من أخطار وهميّة وإنقاذ العالم - كلّ ذلك داخل حدود منزلك الآمنة.
أشركهم في المهامّ المنزليّة
غالبًا ما يستمتع الأطفال بالمساعدة في المهامّ المنزليّة - خصوصًا عندما يكونون أصغر سنًّا، إذ يمكن أن تكون المهامّ التي تبدو عاديّة للبالغين نشاطًا ممتعًا للأطفال. كما أنّ إشراكهم في الأنشطة المنزليّة فرصة لتمنحهم شعورًا بالمسؤوليّة، مع إبقائهم مشغولين في الوقت ذاته. ولتجعل الأمر أكثر متعة، ضمّن بعض هذه الأفكار:
- مساعدو المطبخ: دع طفلك يساعد في مهامّ الطهو أو الخبز البسيطة، مثل خلط العجين أو قياس المكوّنات أو تزيين البسكويت. هذا يمكنه أن يبقيهم منشغلين وفخورين. بالإضافة إلى ذلك، يعدّ الطبخ معًا طريقة رائعة لتعليمهم مهارات الرياضيّات الأساسيّة، مثل الكسور والقياسات.
- متعة البستنة: إذا كانت لديك حديقة أو مكان مخصّص لزرع بعض النباتات، دَع طفلك يساعدك في سقيها، أو إزالة الأعشاب الضارّة، أو حتّى زراعة بذوره الخاصّة. يمكن أن تصبح مشاهدة النباتات وهي تنمو بمرور الوقت مشروعًا مستمرًّا يستثمر فيه، ما يعلّم طفلك الصبر والعناية بالكائنات الحيّة.
- مسابقات التنظيف: حوّل التنظيف إلى لعبة عن طريق التحدّيات، مثل معرفة من يمكنه ترتيب مساحته بشكل أسرع، واضبط المؤقّت لمزيد من المتعة. أو أعطهم "مهامًّا" مثل العثور على جميع العناصر المفقودة في الغرفة وجمعها. مع القليل من الخيال، يمكن أن تبدو حتّى الأعمال المنزليّة مغامرة.
شجّع القراءة ورواية القصص
القراءة من أكثر الأنشطة المفيدة التي يمكن للطفل أن يمارسها، والملل يوفّر الفرصة المثاليّة للتعمّق في قراءة كتاب. فإذا كان طفلك صغيرًا جدًّا بحيث لا يستطيع القراءة بمفرده، خصّص وقتًا للقراءة معًا، واختر له الكتب التي تتوافق مع اهتماماته، سواء كانت مغامرات أو خيال أو فكاهة. أمّا إذا كان كبيرًا بما يكفي للقراءة بمفرده، فدعه يختار كتابًا، واتّفق معه مثلًا أن يقرأ فصلين ويخبرك عن الكتاب.
***
في النهاية، تذكّر أنّك لست مضطرًّا إلى أن تلعب دور المقدّم الترفيهيّ في كلّ مرّة يصرخ فيها طفلك قائلًا "أنا أشعر بالملل". في بعض الأحيان، يكون أفضل ما يمكنك فعله هو توفير الأدوات والأفكار والمساحة، ثمّ ترك طفلك يتولّى الأمر من هناك لتسلية نفسه. إذا اتّبعت الخطوات المذكورة في المقال، ستحوّل الملل من كونه مشكلة إلى كونه أحد أكثر اللحظات إبداعًا وإثراءً في حياة طفلك.
المراجع
https://www.1000hoursoutside.com/blog/the-very-best-way-to-deal-with-childhood-boredom
https://www.bbc.co.uk/tiny-happy-people/articles/zdbbsk7
https://www.todaysparent.com/family/little-kid-boredom-busters/