ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟
ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟

تربية الأطفال رحلة مليئة بالحبّ والضحك، ولكنّها بالطبع لا تخلو من الصعوبات، بدءًا من ليالي السهر مع المولود الجديد، إلى مواجهة تقلّبات المراهقة العاطفيّة. كلّ مرحلة من مراحل الأبوّة والأمومة تأتي بتجاربها الخاصّة ونجاحاتها المتفرّدة. ولكن، يبقى السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الأهل منذ اللحظة التي يعرفون فيها أنّهم سيرزقون بمولود، ألا وهو: ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟ 

الإجابة عن هذا السؤال ليست بسيطة كما تبدو، فغالبًا ما يظنّ الأهل أنّ المراهقة أصعب مرحلة. لكنّ هذا الأمر متفاوت أيضًا، إذ يجد بعض الأهل أنّ مراحل معيّنة أصعب من غيرها، حسب عوامل مثل طبع الطفل، وديناميكيّة الأسرة، والظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ومع ذلك، يتّفق الكثير من الأهل وخبراء تنمية الطفل على أنّ هناك مراحل معيّنة تفرض تحدّيات خاصّة. في هذه المقالة، سنستعرض بعضًا من هذه المراحل، موضّحين لماذا تُعتبر صعبة، مع تقديم بعض النصائح لمساعدة الآباء والأمّهات في تجاوز كلّ منها. 

 

مرحلة الطفولة المبكّرة: مرحلة الإرهاق الجسديّ 

تعتبر الأشهر الأولى من حياة الطفل من الأكثر إرهاقًا للوالدين جسديًّا؛ ففي هذه المرحلة يحتاج الأطفال إلى اهتمام ورعاية مستمرّين، فهم يستيقظون عدّة مرّات في الليل، ويحتاجون إلى التغذية كلّ بضع ساعات، ولا يستطيعون التعبير بوضوح عن احتياجاتهم، ما يجعل الأمور تعتمد على التخمين أحيانًا، وكثيرًا ما ستنتهي محاولات فهم الطفل إلى الشعور بالإحباط. 

بالإضافة إلى الإرهاق الجسديّ، تصطحب هذه المرحلة معها العديد من الصعوبات العاطفيّة. فالانتقال إلى دور الوالديّة قد يثير مشاعر معقّدة، مثل الفرح الممزوج بالقلق، والرضا المقرون بالشكّ الذاتيّ؛ إذ يشعر الكثير من الأهل بمسؤوليّة كبيرة، ويخشون عدم قدرتهم على تلبية احتياجات أطفالهم. وتزداد صعوبة هذه المرحلة بالنسبة للأهل الذين لا يتمتّعون بدعم كافٍ، سواء من شريك، أو من عائلتهم الكبيرة، أو من مجتمع داعم. 

ومع ذلك، وعلى رغم صعوبة هذه المرحلة جسديًّا، فإنّه يُنظر إليها عادةً على أنّها مرحلة بسيطة من حيث فهم احتياجات الطفل، إذ تكون التحدّيات في هذه المرحلة لوجستيّة وجسديّة في الغالب؛ فالأطفال الرضّع يحتاجون إلى النوم والغذاء والحبّ، وليس لديهم بعدُ التعقيد العاطفيّ الذي يؤدّي إلى مشكلات سلوكيّة أو نفسيّة. 

 

مرحلة الطفولة: مرحلة الصراع على الاستقلال 

بمجرّد أن يصل الأطفال إلى مرحلة الطفولة – تقريبًا بين عمر سنة وثلاث سنوات – تبدأ شخصيّاتهم في الظهور، مع اكتشافهم الشعور بالاستقلاليّة. فمن جهة، تتميّز هذه المرحلة بلحظات اكتشاف وتطوّر رائعة، لكن من جهة أخرى، تغلب عليها نوبات الغضب والتصرّفات التي قد تبدو غير منطقيّة. ففي هذا العمر، يبدأ الأطفال بفهم مشاعرهم واستكشاف حدودهم، ما يؤدّي إلى صراعات على السلطة تتعلّق بكلّ شيء، من مواعيد النوم إلى أوقات الطعام. 

يواجه الأطفال الصغار تحدّيًا في التعبير عن رغباتهم واحتياجاتهم بالكلمات، ما يؤدّي إلى الشعور بالإحباط من كلا الجانبين. بالنسبة إلى الأهل، تصبح الأمور أشبه بعمليّة توازن دقيقة، إذ يحاولون الموازنة بين فرض الحدود وتشجيع استقلاليّة الطفل. ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه المرحلة تتطلّب صبرًا واستمراريّة، إذ يميل الأطفال إلى التمرّد على القواعد، واختبار الحدود باستمرار. 

تبرز صعوبة هذه المرحلة بشكل خاصّ لدى الأهل الذين اعتادوا على المزيد من السيطرة على حياتهم اليوميّة، لكنّ أساس تجاوزها بطريقة سليمة هو إدراك أنّ سلوكيّات الأطفال أثناءها مؤشّرات طبيعيّة على تطوّرهم، إذ يحتاجون إلى مساحة للاستكشاف، والوقوع في الأخطاء، وتحدّي القواعد من حين إلى آخر، فكلّ هذه الأمور مهمّة لنموّهم. 

 

الطفولة المبكّرة: مرحلة "لماذا؟" 

في سنّ 4 إلى 6 سنوات، يدخل الأطفال في مرحلة فضول كبير، ويبدؤون بطرح أسئلة لا حصر لها، تبدأ غالبًا بكلمة "لماذا؟". تُعتبر الطفولة المبكّرة مرحلة تطوّر سريع على الصعيدين المعرفيّ والاجتماعيّ، إذ يبدأ الأطفال في التساؤل عن العالم من حولهم. وعلى الرغم من أنّ فضولهم محبّب، إلّا أنّه قد يكون مرهقًا للأهل الذين يجدون أنفسهم مضطرّين إلى الإجابة عن كلّ سؤال تارةً، وتجنّب الأسئلة المحرجة تارةً أخرى. 

في هذه المرحلة، يبدأ الأطفال بتكوين صداقات، وتطوير حسّ التعاطف، وتعلّم أساسيّات التعاون وحلّ النزاعات. يصبح الأطفال في هذه المرحلة أكثر اهتمامًا بالديناميكيّات الاجتماعيّة، وقد يواجهون أولى تجارب الرفض أو التنمّر، ما قد تكون مشاهدته مؤلمة للأهل. كما يبدأ الأطفال في هذه المرحلة فهم القواعد والأخلاق، ما يعني أنّها مرحلة حسّاسة للأهل، وتفرض عليهم الاستمراريّة في توجيه أطفالهم وتعليمهم. 

يواجه الأهل في هذه المرحلة تحدّيًا في تحقيق التوازن بين التأديب والحريّة، إذ يرغبون في أن يستكشف أطفالهم ويتعلّموا الأشياء من حولهم، ويختبروا قدرتهم على التعامل مع مختلف المواقف الحياتيّة، ولكن عليهم أيضًا فرض الحدود وتعليمهم المسؤوليّة. يكمن التحدّي في دعم فضول الطفل واستقلاليّته، من دون أن يفقدهم ذلك شعورهم الطبيعيّ بالدهشة والحبّ للاكتشاف. 

 

الطفولة المتوسّطة: مرحلة قلق الأقران 

بين سنّ 6 و12 سنة، يدخل الأطفال ما يُعتبر غالبًا مرحلة "الهدوء قبل العاصفة"، أي مرحلة المراهقة. لكنّ الهدوء أثناءها لا يعني أنّها ستكون سهلة تمامًا. مع دخول الأطفال إلى المدرسة، يصبحون أكثر تأثّرًا بأقرانهم، وتصبح الحاجة إلى القبول الاجتماعيّ جزءًا مهمًّا من حياتهم؛ فتتعمّق الصداقات، ويبدأ الأطفال في تطوير هويّتهم الخاصّة خارج نطاق الأسرة. 

في هذه المرحلة، قد يواجه الأهل قلقًا بشأن تأثير الأقران، والثقة بالنفس، والأداء الأكاديميّ لأطفالهم. قد يصارع الأطفال للاندماج في مجتمعهم الصغير في المدرسة، أو يواجهون التنمّر، أو يمرّون بضغط للتفوّق في المدرسة أو الأنشطة اللاصفّيّة. كما تبدأ المقارنات بين الذات والآخرين، ما قد يؤثّر في ثقتهم بأنفسهم. 

يواجه الأهل مهمّة صعبة في تقديم التوجيه من دون فرض سيطرة مفرطة. يحتاج الأطفال إلى مساحة لاتّخاذ قراراتهم الخاصّة، حتّى لو كانت تلك القرارات تؤدّي أحيانًا إلى خيبات أمل صغيرة. التحدّي في هذه المرحلة يكمن في دعمهم وتشجيعهم بينما يتعلّمون كيفيّة التنقّل بين تعقيدات الصداقات والمنافسة واكتشاف الذات. 

 

المراهقة: مرحلة الاستقلال 

اسأل معظم الأهل، وستجد أنّ الكثير منهم يعتبرون المراهقة، من سنّ 13 إلى 18 سنة، المرحلة الأكثر تحدّيًا في تربية الأطفال. تتميّز هذه المرحلة بتغيّرات سريعة على المستوى الجسديّ والعاطفيّ والمعرفيّ. يسعى المراهقون للاستقلال، وغالبًا ما يتمرّدون على السلطة الأبويّة أثناء محاولتهم تأسيس هويّتهم الخاصّة. قد تكون النزاعات التي تنشأ في هذه المرحلة قويّة ومشحونة عاطفيًّا. 

تأتي المراهقة مع مجموعة من التحدّيات الجديدة، بما في ذلك الضغط الأكاديميّ، وصراعات الصحّة النفسيّة، وتأثير الأقران، وفي بعض الحالات التجارب التي قد تكون خطرة. يشعر الأهل في هذه المرحلة أنّ القرارات التي يتّخذها أبناؤهم قد تؤثّر بشكل كبير في مستقبلهم، ما يجعل الصراع على الحريّة وحدود السلطة أكثر تعقيدًا من المراحل السابقة. 

 

مرحلة البلوغ الناشئ: مرحلة التخلّي والاعتماد على الذات 

لا تنتهي تحدّيات الأبوّة والأمومة عند بلوغ الطفل سنّ الثامنة عشرة. في الواقع ستندهش من هذا، ولكن قد تكون مرحلة الانتقال إلى البلوغ – من عمر 18 إلى 25 سنة – من أصعب المراحل. في هذه المرحلة، يستمرّ الأبناء في اكتشاف أنفسهم، ويبحثون عن مكانهم في الحياة، وبالنسبة إلى الكثير من الأهل، يُعدّ التخلّي عن دورهم باعتبارهم أصحاب السلطة إلى دور داعم أكثر التحدّيات صعوبة. 

 

إذًا، ما أصعب مرحلة في تربية الأطفال؟ 

في النهاية، تعتمد الإجابة عن هذا السؤال على الوالدين والطفل وظروفهم الفريدة. قد يجد بعض الأهل أنّ المتطلّبات الجسديّة للطفولة هي الأكثر إرهاقًا، بينما يعاني آخرون التعقيدات العاطفيّة لمرحلة المراهقة. كلّ مرحلة ترتبط بها مجموعة خاصّة من التجارب، وما قد يكون سهلًا بالنسبة إلى عائلة، قد يكون صعبًا للغاية بالنسبة إلى أخرى.  

وإن كنت تتساءل عن أيّهما أصعب: تربية الولد أم البنت، فإنّه من الصعب تحديد ذلك، لأنّ التحدّيات التي يواجهها الأهل تختلف باختلاف شخصيّة الطفل، والمرحلة العمريّة، وظروف الأسرة. لكن تقليديًّا، يعتقد البعض أنّ تربية الأولاد قد تكون أصعب في مرحلة الطفولة، بسبب نشاطهم الزائد وتحدّيهم للقواعد، بينما تعتبر تربية البنات أكثر تعقيدًا في مرحلة المراهقة، إذ تنشأ قضايا الثقة بالنفس والضغوط الاجتماعيّة. ومع ذلك، فإنّ كلًّا من الأولاد والبنات يواجه صعوبات فريدة تتطلّب اهتمامًا وتفهّمًا من الأهل، وبالتالي فإنّ الصعوبة تعتمد على كيفيّة تفاعل الأهل مع احتياجات طفلهم الفرديّة، بغضّ النظر عن جنسه. 

 

*** 

تُعدّ الأمومة والأبوّة رحلة متطوّرة، وكلّ مرحلة من مراحلها تجلب نوعًا مختلفًا من المصاعب والمكافآت، لكن تذكّر أنّ الأساس هو تقبّل التحدّيات واعتبارها فرصًا للنموّ - لكلّ من الوالدين والطفل. وفي حين أنّه لا توجد مرحلة "سهلة"، فإنّ الحبّ والتعلّم والمرونة المكتسبة على طول الطريق تجعل الرحلة تستحقّ العناء. 

 

المراجع

 

https://blog.takalm.com/%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84/#:~:text=%D8%A3%D8%B5%D8%B9%D8%A8%20%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9%20%D9%81%D9%8A%20%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84%20%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84,-%E2%80%8F%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%8A%D8%AF&text=%D9%88%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%AF%20%D8%B9%D8%AF%D8%AF%20%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%A1,%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%B4%D9%87%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%AA%D9%84%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9

https://mcaresforkids.com/parenting-hardest-stages/#:~:text=The%20parenting%20hardest%20stages%20are,stage%20of%20their%20child's%20development

https://madamenoire.com/1137107/the-hardest-stages-of-parenting-ranked/