تمارين وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة
تمارين وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة

الذاكرة مهارة معرفيّة أساسيّة، لها دور حاسم في التعلّم الشامل وتطوّر الأطفال. تساعد الذاكرة القويّة في تفوّق الأطفال أكاديميًّا، وبناء مهارات الحياة الأساسيّة، والاحتفاظ بالمعلومات التي تسهم في نموّهم. ومع ذلك، قد يواجه بعض الأطفال تحدّيات في الاحتفاظ بالذاكرة، والتي يمكن أن تؤثّر في قدرتهم على التعلّم وأداء المهامّ اليوميّة. إنّ فهم الأسباب وراء ضعف الذاكرة لدى الأطفال، وتنفيذ التمارين والأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، يمكن أن يعزّز قدراتهم المعرفيّة بشكل كبير. 

إنّ الحاجة إلى ذاكرة نشطة لدى الأطفال في سنّ المدرسة أكبر كثيرًا من حاجة البالغين. فباعتبارنا بالغين، نكون قد اكتسبنا بالفعل قدرًا كبيرًا من المعرفة والمهارات التي نحتاج إليها لأداء وظائفنا اليوميّة. وعلى رغم أنّ قاعدة المعرفة في بعض المجالات مثل التكنولوجيا تتغيّر بسرعة، فإنّ المعلومات الجديدة تكون عمومًا محدّدة للغاية وتعتمد على المعرفة الموجودة أصلًا. ومن ناحية أخرى، يتعرّض أطفال المدارس باستمرار إلى كمّ كبير من المعرفة الجديدة في مجالات موضوعيّة متعدّدة قد يهتمّون أو لا يهتمّون بها. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقّع منهم أن يتعلّموا ويُختبروا في هذه المعرفة على أساس أسبوعيّ. وبالتالي، فإنّ الذاكرة الفعّالة والنشطة تشكّل أهمّيّة بالغة للنجاح في المدرسة. 

يعاني العديد من الأطفال في سنّ المدرسة مشاكل في الذاكرة؛ فالأطفال الذين يعانون من عجز في تسجيل المعلومات في الذاكرة قصيرة المدى، غالبًا ما يجدون صعوبة في تذكّر التعليمات أو التوجيهات التي أُعطيت إليهم للتوّ، وما قيل للتوّ أثناء المحادثات والمحاضرات والمناقشات الصفّيّة. والطلّاب الذين يعانون صعوبة في الذاكرة العاملة غالبًا ما ينسون ما يفعلونه أثناء القيام به. 

على سبيل المثال، قد يفهمون التوجيهات المكوّنة من ثلاث خطوات، لكنّهم ينسون الخطوتين الثانية والثالثة أثناء تنفيذ الخطوة الأولى. إذا كانوا يحاولون حلّ مسألة رياضيّة تتكوّن من عدّة خطوات، فقد ينسون الخطوات أثناء محاولتهم حلّ المسألة. وعندما يقرؤون فقرة، قد ينسون ما كان في بداية الفقرة بحلول الوقت الذي يصلون فيه إلى نهاية الفقرة. سيبدو هؤلاء الطلّاب وكأنّهم يواجهون صعوبة في فهم القراءة. في الواقع، هذا صحيح؛ لكنّ مشكلة الفهم ترجع إلى فشل نظام الذاكرة وليس نظام اللغة. 

تستكشف هذه المقالة استراتيجيّات وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة لدى الأطفال وتعزيزها، بالإضافة إلى مناقشة بعض الأسباب المحتملة لضعف الذاكرة. 

 

الأسباب الشائعة لضعف الذاكرة لدى الأطفال 

قبل الخوض في التمارين والأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، من الضروريّ فهم العوامل التي قد تسهم في ضعف الذاكرة لدى الأطفال. تشمل بعض الأسباب الشائعة: 

  • - قلّة النوم: للنوم دور حيويّ في تعزيز الذاكرة. يمكن أن يؤدّي النوم المضطرب أو عدم النوم لساعات كافية يوميًّا إلى تعطيل قدرة الدماغ على معالجة المعلومات وتخزينها، ما يؤدّي إلى صعوبات في الاحتفاظ بالذاكرة. 
  • - سوء التغذية: يُعدّ النظام الغذائيّ المتوازن الغنيّ بالعناصر الغذائيّة الأساسيّة، مثل أحماض أوميغا 3 الدهنيّة والفيتامينات والمعادن، أمرًا بالغ الأهمّيّة لصحّة الدماغ، فنقص التغذية السليمة قد يضعف الوظائف الإدراكيّة بما فيها الذاكرة. 
  • - الإجهاد والقلق: يمكن أن يؤثّر الإجهاد المفرط أو القلق سلبًا في قدرة الطفل على التركيز والاحتفاظ بالمعلومات، فالصحّة العاطفيّة والنفسيّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأداء الذاكرة وفعّاليّتها. 
  • - عدم الانتباه والتشتّت: قد يجد الأطفال الذين يعانون صعوبات في الانتباه، أو ممّن يتشتّت انتباههم سريعًا صعوبة في تمييز المعلومات وتذكّرها. كما يمكن أن تعيق عوامل التشتيت البيئيّة والرقميّة عمليّات الذاكرة. 
  • - اضطرابات التعلّم: يمكن أن تؤثّر حالات مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط وعسر القراءة في الذاكرة والتعلّم، فهذه الاضطرابات تصعّب على الأطفال معالجة المعلومات وتذكّرها بشكل فعّال.  
  • - قلّة النشاط البدنيّ: ثبت أنّ ممارسة الرياضة البدنيّة المنتظمة تعزّز الوظائف الإدراكيّة، بما في ذلك الذاكرة؛ لذا فقد تسهم أنماط الحياة الخالية من أيّ نشاطات بدنيّة أو أيّ نوع من أنواع الرياضات في إضعاف مهارات الذاكرة.  

 

تمارين وأدوات فعّالة لتقوية الذاكرة 

لمساعدة الأطفال في تطوير ذاكرة قويّة، يمكن للآباء والمعلّمين دمج مجموعة متنوّعة من التمارين والأدوات التي تشرك جوانب مختلفة من الذاكرة. في الآتي بعض الطرق العمليّة التي يمكن أخذها في الاعتبار: 

ألعاب الذاكرة والألغاز 

تُعدّ ألعاب الذاكرة مثل مطابقة البطاقات والألغاز وألعاب الطاولة، أدوات ممتازة لتعزيز الذاكرة لدى الأطفال. تتحدّى هذه الأنشطة الدماغ لتذكّر الأنماط والتسلسلات والتفاصيل المرئيّة، ما قد يحسّن الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى. مثال على ألعاب الذاكرة: لعبة بطاقات التركيز، والتي تتضمّن مطابقة أزواج البطاقات المقلوبة. يحاول الأطفال في هذه اللعبة تذكّر موضع كلّ بطاقة للعثور على الأزواج المتشابهة، وهذا يعزّز الذاكرة البصريّة والانتباه إلى التفاصيل. 

تقنيّات رسم الخرائط الذهنيّة والتصوّر، تُعدّ الخرائط الذهنيّة أداة قويّة تشجّع الأطفال على تنظيم المعلومات بصريًّا. بإنشاء الخرائط الذهنيّة، يمكن للأطفال ربط المفاهيم ذات الصلة، ما يسهّل عليهم تذكّر المعلومات لاحقًا. 

كيفيّة استخدام الخرائط الذهنيّة: ابدأ بفكرة أو موضوع مركزيّ، ثمّ تفرّع منه إلى مفاهيم ذات صلة باستخدام الصور والألوان والكلمات الرئيسة. يساعد هذا التمثيل المرئيّ الأطفال في فهم المعلومات المعقّدة وتذكّرها بشكل أفضل. 

تساعد تقنيّات التصوّر أيضًا في تنشيط الذاكرة، بتشجيع الأطفال على إنشاء صور ذهنيّة لما يحتاجون إلى تذكّره. على سبيل المثال، إذا كان الطفل يحاول حفظ قصّة، فيمكنه تخيّل المشاهد كما لو كان يشاهد فيلمًا في ذهنه. 

أدوات التذكّر 

أدوات التذكّر أحد أفضل الأدوات الفعّالة لتقوية الذاكرة، والتي تستخدم الأنماط أو الاختصارات أو القوافي أو الارتباطات للمساعدة في تذكّر المعلومات؛ وهي مفيدة بشكل خاصّ لحفظ القوائم أو التسلسلات أو المعلومات المعقّدة. 

أمثلة على أدوات التذكّر: 

  • - الاختصارات: مثل استخدام الاختصار "ROYGBIV" لتذكّر ألوان قوس قزح (الأحمر والبرتقاليّ والأصفر والأخضر والأزرق والنيليّ والبنفسجيّ). 
  • -  القوافي: إنشاء قافية أو أغنية بنمط معيّن، لتذكّر ترتيب الكواكب أو أيّام الأسبوع. 

تجعل هذه التقنيّات التعلّم أكثر جاذبيّة، ويمكن أن تحسّن بشكل كبير من عمليّة الاحتفاظ بالمعلومات. 

تقسيم المعلومات 

تتضمّن هذه الطريقة تقسيم قطع كبيرة من المعلومات إلى وحدات أصغر وأكثر سلاسة في تعامل الطفل معها. هذه الطريقة فعّالة بشكل خاصّ لحفظ الأرقام أو القوائم أو الخطوات في عمليّة ما. 

كيفيّة التدرب على التقسيم: على سبيل المثال، بدلًا من محاولة تذكّر سلسلة طويلة من الأرقام، يمكن للأطفال تجميعها في أجزاء أصغر، مثل تذكّر رقم هاتف على هيئة ثلاث مجموعات من الأرقام (123-456-7890) بدلًا من سلسلة واحدة مكوّنة من عشرة أرقام. 

التكرار والتعلّم المتباعد 

يسمح التكرار للأطفال بمراجعة المعلومات عدّة مرّات، وهذا يعزّز تنشيط الذاكرة. أمّا التعلّم المتباعد فهو الذي يتضمّن مراجعة الموادّ على مدار فترات زمنيّة معيّنة، وهو بدوره أيضًا يساعد في تعزيز الذاكرة، بخاصّة الذاكرة طويلة المدى. 

كيفيّة تنفيذ التعلّم المتباعد: شجّع الأطفال على مراجعة موادّ دراستهم مباشرة بعد تعلّمها لأوّل مرّة، ثمّ بعد يوم، وأسبوع، وشهر. هذا النهج يقوّي الروابط العصبيّة المتعلّقة بالموادّ التي تمّ تعلّمها. 

التمارين البدنيّة وفترات الراحة للدماغ 

تعمل التمارين المنتظمة على زيادة تدفّق الدم إلى الدماغ؛ ما يعزّز الوظائف الإدراكيّة، بما في ذلك الذاكرة. كما يُنصح بالقيام ببعض الأنشطة البدنيّة، مثل القفز أو تمارين التمدّد أو المشي السريع أثناء جلسات الدراسة؛ فإراحة الدماغ بين الحين والآخر أثناء الدراسة يساعد في تنشيط الدماغ وتحسين التركيز والاحتفاظ بالذاكرة. 

عادات نمط الحياة الصحّيّة 

يعدّ تعزيز نمط الحياة الصحّيّ أمرًا بالغ الأهمّيّة لوظيفة الدماغ المثلى. وهذا يشمل: 

  • - النظام الغذائيّ المتوازن: الأطعمة الغنيّة بمضادّات الأكسدة والدهون الصحّيّة والعناصر الغذائيّة الأساسيّة تدعم صحّة الدماغ. أدرج أطعمة مثل الأسماك والمكسّرات والتوت والخضروات الورقيّة في النظام الغذائيّ لطفلك. 
  • - النوم الكافي: إنّ ضمان حصول الأطفال على قسط كافٍ من النوم (9-11 ساعة للأطفال في سنّ المدرسة) عامل مهمّ لتقوية الذاكرة. 
  • - اليقظة والاسترخاء: يمكن للأنشطة مثل التنفّس العميق أو التأمّل أو اليوغا أن تقلّل من التوتّر، وتحسّن التركيز والذاكرة.   

 

*** 

تقوية الذاكرة عند الأطفال عمليّة متعدّدة الأوجه، تتضمّن إشراك مهاراتهم المعرفيّة باستخدام الألعاب والتمارين واختيار أنماط حياة صحّيّة. كما إنّ فهم الأسباب الكامنة وراء ضعف الذاكرة يمكن أن يساعد في تصميم التدخّلات التي تعالج احتياجات كلّ طفل على وجه التحديد، وباتّباع هذه التمارين والأدوات الفعّالة، يمكن للآباء والمعلّمين خلق بيئة داعمة تغذّي التطوّر المعرفيّ، وتمكّن الأطفال من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. لا تتعلّق الذاكرة بالاحتفاظ بالمعلومات فقط؛ بل هي مهارة يمكن تطويرها وصقلها بالنهج الصحيح لتعزيز رحلة التعلّم لدى الطفل. 

 

المراجع

https://www.readingrockets.org/topics/brain-and-learning/articles/10-strategies-enhance-students-memory 

https://www.oxfordlearning.com/11-ways-to-improve-memory-for-kids/ 

https://www.webteb.com/articles/%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AC%D9%84-%D8%AA%D9%82%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%D9%83%D8%B1%D8%A9_13323 

https://www.understood.org/en/articles/8-working-memory-boosters