واحدة من أكثر الجمل التي نسمعها في ما يخصّ الأطفال أنّهم مثل الإسفنجة، يمتصّون كلّ ما يرونه ويسمعونه ويختبرونه، خصوصًا في السنين الأولى من عمرهم. وبصفتنا آباء وأمّهات وموجّهين، فإنّنا نعتبر قدوة أولى وأكثر تأثيرًا في أطفالنا. إنّ الطريقة التي نتحدّث ونتصرّف ونتعامل بها مع التحدّيات، تشكّل قيمهم وسلوكيّاتهم ونظرتهم للعالم.
لكن، أن تكون قدوة جيّدة لطفلك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يعني السعي لتقديم مثال إيجابيّ بأفعالك وكلماتك وخياراتك. يتعلّم الأطفال أكثر بكثير ممّا تفعله أمامهم، مقارنة بما تقوله لهم. وإذا أردنا أن يكبر أطفالنا ليصبحوا أفرادًا طيّبين ومسؤولين ومرنين، فيجب أن نظهر هذه الصفات بأنفسنا، فالطفل مرآة أبويه.
يستكشف هذا المقال أهمّيّة أن تكون قدوة جيّدة، ويقدّم طرقًا عمليّة للقيادة بالقدوة، بطريقة تؤثّر بشكل إيجابيّ في نموّ طفلك وتطوّره.
لماذا من المهمّ أن تكون قدوة جيّدة؟
تُظهر الدراسات أنّ الأطفال يقلّدون سلوكيّات من حولهم، وخصوصًا آباءهم. ووفقًا لبحث نُشر في علم النفس التنمويّ، يبدأ الأطفال في سنّ ١٤ شهرًا في تقليد سلوك البالغين، سواء كان ذلك في كيفيّة تفاعلهم مع الآخرين، أو حلّ المشكلات، أو حتّى ردّ فعلهم تجاه التوتّر.
هذا يعني أنّه إذا رأى الطفل اللطف والصدق والمثابرة والاحترام الذي يُظهره والداه باستمرار، فمن المرجّح أن يتبنّى هذه السلوكيّات. وعلى العكس من ذلك، إذا شهد الغضب أو الخداع أو العادات غير الصحّيّة، فسيصبح انعكاسًا لوالديه في ممارستها.
من هنا تظهر أهمّيّة الانتباه إلى أفعالنا في مساعدة تشكيل شخصيّة سليمة لأطفالنا، وبناء ثقتهم ورفاهيّتهم بشكل عامّ.
كيف تصبح قدوة حسنة لطفلك؟
مارس ما تنصح به
يلاحظ الأطفال بسرعة وجود فجوة بين ما نقوله وما نفعله. إذا أخبرت طفلك بأهمّيّة الصدق، ولكنّه رأى أنّك تكذب للتهرّب من التزام ما، فسوف يتعلّم أنّ عدم الصدق أمر مقبول في مواقف معيّنة.
لكي تكون قدوة فعّالة:
- - التزم بالوعود. إذا قلت لطفلك: "سألعب معك بعد العمل"، فتأكّد أنّك فعلًا ستقوم بذلك وتلعب معه.
- - اعترف بالأخطاء. إذا فقدت أعصابك أو ارتكبت خطأ، فاعترف بذلك. قل: "ما كان ينبغي لي أن أرفع صوتي. أنا آسف".
- - عش وفقًا للقيم التي تُعلّمها. إذا شجّعت اللطف والكرم، فأظهر هذه السمات في حياتك اليوميّة.
عندما يرى الأطفال الاتّساق بين أقوالنا وأفعالنا، يتعلّمون أنّ النزاهة والمسؤوليّة أمران مهمّان، وستصبحان من خصالهم مع مرور الوقت.
أظهر الاحترام واللطف
يتعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع الآخرين بملاحظة كيفيّة تفاعلنا مع الأشخاص من حولنا؛ سواء كانوا أفراد الأسرة أو المعلّمين أو الغرباء أو عمّال الخدمة.
لتعليم الاحترام واللطف:
- - تحدّث بأدب مع الآخرين، بما في ذلك طفلك. بدلًا من الصراخ، استخدم لغة هادئة ومحترمة.
- - أظهر التعاطف والرحمة. إذا رأى طفلك أنّك تساعد جارًا، أو تُظهر الصبر تجاه شخص يعاني، فسوف يستوعب هذه السلوكيّات ويخزّنها في دماغه.
- - تجنّب التحدّث بشكل سلبيّ عن الآخرين، وخصوصًا أمام طفلك. إذا سمع ثرثرة أو علامات على غيبة ونميمة، فقد يتبنّى السلوك نفسه.
إدارة التوتّر والعواطف بطريقة صحّيّة
الحياة مليئة بالتوتّر، وكيفيّة تعاملنا معها تعلّم الأطفال كيفيّة التعامل مع تحدّياتهم الخاصّة. إذا رأونا نتفاعل بالغضب أو الإحباط أو التجنّب في المواقف الصعبة، فقد يطوّرون استجابات مماثلة.
بدلاً من ذلك، قدّم نموذجًا للتنظيم العاطفيّ الصحّيّ:
- - خذ أنفاسًا عميقة، وتمهّل قليلًا قبل الردّ في المواقف الصعبة. أظهر لطفلك أنّ المشاعر طبيعيّة، ولكن يمكننا التحكّم في كيفيّة التعبير عنها.
- - تحدّث عن مشاعرك بطريقة بنّاءة. إنّ قول "لقد مررت بيوم صعب في العمل، ولكنّني سأذهب في تمشية لتهدئتي قليلًا"، يعلّمهم أنّه من الجيّد الاعتراف بالعواطف، وإيجاد طرق إيجابيّة للتعامل معها.
- - اعتذر عند الضرورة. إذا كنت قد تصرّفت بشكل سيّئ في موقف ما أمامهم، فاعترف بذلك. هذا يعلّم الأطفال أنّ ارتكاب الأخطاء أمر طبيعيّ، ولكنّ تحمّل المسؤوليّة أمر مهمّ أيضًا.
هذه الطريقة في التعامل مع المواقف العاطفيّة بنضج، تزوّد الأطفال بالأدوات التي يحتاجون إليها للتعامل مع عواطفهم بطريقة صحّيّة.
تعزيز أخلاقيّات العمل القويّة والمثابرة
يحتاج الأطفال إلى رؤية أنّ الجهد والصبر والمثابرة تؤدّي إلى النجاح. إذا لاحظوا أنّك تعمل بجدّ، وتلتزم بأهدافك، وتتعامل مع النكسات بمرونة، فمن المرجّح أن يطوّروا أخلاقيّات عمل قويّة.
طرق تطبيق المثابرة:
- - شارك تحدّياتك وجهودك: إذا كنت تعمل على مشروع أو تتعلّم مهارة جديدة، فتحدّث إلى طفلك عن الجهد المبذول.
- - شجّع حلّ المشكلات: بدلًا من الاستسلام عندما تصبح الأمور صعبة، كن قدوة في التعامل مع الموقف الذي يتلخّص في "دعنا نكتشف ذلك".
- - ركّز على مدح الجهد لا النتائج: وبدلًا من الاحتفال بالإنجازات فقط، اعترف بالعمل الجادّ الذي أدّى إلى النجاح.
إنّ الأطفال الذين يرون المثابرة في العمل، أكثر عرضة لتطوير عقليّة تحتضن التحدّيات بدلًا من تجنّبها.
إعطاء الأولويّة للصحّة والرفاهيّة
تتشكّل مواقف الأطفال تجاه الطعام والتمارين الرياضيّة والعناية الذاتيّة إلى حدّ كبير بما يرونه في المنزل. إذا أردنا منهم تطوير عادات صحّيّة، فيجب أن نظهرها بأنفسنا.
- - تناولوا الأطعمة المغذّية معًا؛ وأظهر لهم أنّ الاستمتاع بالوجبات الصحّيّة جزء طبيعيّ من الحياة.
- - حافظ على نشاطك، سواء كان ذلك بالذهاب في نزهة أو ممارسة الرياضة أو الرقص. يكفي أن تدعهم يرون أنّ النشاط البدنيّ ممتع ومفيد.
- - حدّ من وقت الشاشة، وأعطِ الأولويّة للأنشطة ذات المغزى. بدلًا من إمضاء الوقت في تصفّح مواقع التواصل الاجتماعيّ بلا تفكير على هاتفك، شارك مع أطفالك القراءة أو الهوايات أو المحادثات.
عندما يرى الأطفال أنّ الصحّة تشكّل أولويّة في منزلهم، فمن المرجّح أن يطوّروا عادات صحّيّة مدى الحياة تدعم رفاهيّتهم البدنيّة.
إظهار المسؤوليّة والمساءلة
يتعلّم الأطفال المسؤوليّة بمراقبة كيفيّة تعاملنا مع الالتزامات والتعهّدات والأخطاء.
لتعليم المسؤوليّة:
- - أكمل المهامّ في الوقت المحدّد، سواء كانت أعمالًا منزليّة أو مسؤوليّات عمل. أظهر أنّه يجب احترام الالتزامات.
- - تحمّل مسؤوليّة الأخطاء. إذا نسيت شيئًا أو اتّخذت قرارًا خاطئًا، قُل: "كان يجب أن أتعامل مع ذلك بشكل مختلف. سأفعل أفضل في المرّة القادمة".
- - شجّع المساءلة في الحياة اليوميّة. عندما يحدث خطأ ما، بدلًا من إلقاء اللوم على الآخرين، أظهر حلّ المشكلات والمسؤوليّة الشخصيّة.
يساعد هذا النهج الأطفال في تطوير الشعور بالواجب، والمساءلة تجاه أفعالهم.
تشجيع التعلّم والفضول
الأطفال الذين يرون والديهم يقدّرون التعليم والفضول، أكثر عرضة لتطوير حبّ التعلّم.
طرق لتشجيع عقليّة التعلّم:
- - اقرأ بانتظام: دع طفلك يراك تستمتع بالكتب، وتستكشف معلومات جديدة.
- - اطرح الأسئلة مع طفلك، واستكشفا الإجابات معًا: إذا طرح طفلك سؤالًا لا تعرف إجابته، فابحث معه عنها.
- - جرّب أشياء جديدة: أظهر لهم أنّ التعلّم لا يتوقّف بعد المدرسة؛ إنّه رحلة تستمرّ مدى الحياة.
***
كونك قدوة جيّدة لأطفالك لا يعني أن تكون مثاليًّا، بل يتعلّق بأن تكون متعمّدًا في أفعالك وكلماتك ومواقفك. إنّ الطريقة التي تتعامل بها مع التحدّيات، وتعامل بها الآخرين، وتسير بها في الحياة، تعلّم أطفالك أكثر ممّا يمكن أن تعلّمه أيّ محاضرة على الإطلاق.
وتذكّر أنّه في النهاية قد لا يستمع الأطفال دائمًا إلى ما تقوله، لكنّهم يراقبون دائمًا ما تفعله. كن الشخص الذي تريد أن يصبحوا عليه، وستترك أثرًا إيجابيًّا دائمًا في حياتهم.