منذ اللحظة الأولى التي يدخل فيها الطفل إلى هذا العالم، تصبح حواسّه الخمس - البصر والسمع واللمس والشمّ والتذوّق - بمثابة مساعده الشخصيّ وأدواته الأساسيّة التي تساعده في فهم بيئته والتفاعل معها. ستشكّل هذه الحواسّ في ما بعد الأساس للنموّ المعرفيّ والتطوّر الحركيّ والتفاعل الاجتماعيّ والتنظيم العاطفيّ. ومع صعوبة تنمية المهارات الحسّيّة لدى الأطفال، فالخبر السارّ أنّ رعاية هذه المهارات لا تتطلّب أدوات باهظة الثمن أو أنشطة معقّدة؛ بل كلّ ما تتطلّبه هو الإبداع والجاهزيّة والاستعداد لمراقبة فضول الطفل الطبيعيّ والاستجابة له.
في هذا المقال، سنناقش أهمّيّة التطوّر الحسّيّ لدى الطفل، والطرق العمليّة لدعمه في المنزل أو الفصل المدرسيّ، ونصائح للتعرّف إلى متى قد تكون هناك حاجة إلى دعم إضافيّ من مختصّين.
ما المهارات الحسّيّة؟
المهارات الحسّيّة تعني قدرة الطفل على استقبال المعلومات وتحليلها وتفسيرها والاستجابة لها عن طريق حواسّه. ترتبط المهارات الحسّيّة بالحواسّ الجسديّة، وأكثرها شيوعًا الحواسّ الخمس؛ البصر والسمع واللمس والتذوّق والشمّ، لكنّ الحواسّ الجسديّة تشمل أيضًا الجهاز الدهليزيّ؛ وهو جزء من الجهاز السمعيّ المسؤول عن الحركة والتوازن، بالإضافة إلى الحسّ العميق؛ وهو الإدراك اللاشعوريّ للحركة وللتوجّه الحيّزيّ الناشئ عن المحفّزات داخل الجسم. تعمل هذه المهارات معًا لمساعدة الأطفال في فهم بيئتهم ومكانهم داخلها. على سبيل المثال، تسمح المهارات البصريّة للأطفال بمعالجة الألوان والأشكال، في حين تساعدهم المهارات السمعيّة في التعرّف إلى الأصوات والاستجابة لها، وتمكّنهم المهارات اللمسيّة من إدراك القوام ودرجات الحرارة باللمس. في الوقت نفسه، تضمن الحواسّ الدهليزيّة والحسّ العميق قدرة الطفل على تحريك جسده بكفاءة، والحفاظ على التوازن، والتنقّل في المساحات المادّيّة بثقة. تؤدّي المهارات الحسّيّة دورًا حاسمًا في نموّ الطفولة المبكّرة، وتشكّل الأساس للتعلّم وتنسيق الحركة والتفاعل الاجتماعيّ والتنظيم العاطفيّ.
لماذا المهارات الحسّيّة مهمّة؟
تساعد المهارات الحسّيّة التي ذكرناها سابقًا الأطفال في الشعور بمساحتهم الجسديّة، والقدرة على التحكّم بتحرّكاتهم وتنسيقها.
كما تدعم المهارات الحسّيّة القويّة المهارات التالية:
- • التطوّر المعرفيّ: تساعد التجارب الحسّيّة الأطفال في التعرّف إلى السبب والنتيجة، واستنتاج الروابط، وبناء مهارات حلّ المشكلات. على سبيل المثال، فالشعور بملمس الرمل أثناء سكبه من حاوية إلى أخرى، يجعل الطفل يستنتج مفاهيم مثل الحجم والوزن والملمس.
- • المهارات الحركيّة: ترتبط المهارات الحركيّة الدقيقة (مثل التقاط الأشياء الصغيرة) والمهارات الحركيّة الإجماليّة (مثل الجري والقفز)، ارتباطًا وثيقًا بالمدخلات الحسّيّة. يعتمد الطفل الذي يتعلّم ركل الكرة على مهارات التفكير العميق المرتبط بالحواسّ، لقياس موضع الكرة والقوّة اللازمة لتحريكها.
- • المهارات الاجتماعيّة والعاطفيّة: يمكن أن تساعد التجارب الحسّيّة الأطفال في تنظيم عواطفهم والتواصل مع الآخرين. على سبيل المثال، يوفّر العناق الدافئ مدخلات لمسيّة تمدّ الطفل بمشاعر الأمان والحبّ.
- • اللغة والتواصل: يمكن للبيئات المحيطة بالطفل والغنيّة بالحواسّ أن تثير الفضول والمحادثة. يوفّر وصف رائحة البسكويت المخبوز أو لون الأوراق في الخريف، فرصًا لتوسيع مفردات الطفل وفهمه.
عندما يتمّ تجاهل التطوّر الحسّيّ أو تأخيره، قد يواجه الأطفال تحدّيات في مجالات مثل التركيز أو التنسيق أو التنظيم العاطفيّ. وهذا يؤكّد على أهمّيّة خلق بيئة حسّيّة غنيّة تشجّع على الاستكشاف والنموّ.
استراتيجيّات تنمية المهارات الحسّيّة لدى الطفل
وكما ذكرنا في بداية المقال، إنّ استراتيجيّات تنمية المهارات الحسّيّة لدى الطفل ليست معقّدة ولا تتطلّب ميزانيّة كبيرة، بالتالي، إليك بعض الأنشطة الممتعة منخفضة التكلفة، لتحفيز كلّ من الحواسّ المسؤولة عن المهارات الحسّيّة:
البصر (التحفيز البصريّ):
- - الرضّع والأطفال الصغار: استخدم صورًا عالية التباين، أي يسهل تمييز ألوانها (مثل أنماط بالأبيض والأسود) لجذب انتباههم. تعدّ كتب الصور ذات الألوان والأشكال الواضحة والمحدّدة أداة ممتازة تساعد في تحفيز حاسّة البصر عند الأطفال.
- - أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة: شجّع التتبّع البصريّ، باللعب بالكرة خفيفة الوزن أو استخدام الإضاءة المنزليّة، لتلاعب ابنك ألعاب الظلّ على الحائط.
- - الأطفال الأكبر سنًّا: حفّز الإبداع والمعالجة البصريّة بتقديم الألغاز أو الأحجيات أو الفرص للرسم والتلوين.
السمع (التحفيز السمعيّ):
- الأطفال الرضّع: تحدّث بنبرة مهدّئة، أو غنِّ لطفلك تراتيل هادئة، أو حتّى يمكنك أن تجذب تركيزه عن طريق خشخيشات الأطفال التي تصدر أصواتًا لطيفة.
- الأطفال الصغار: قدّم إليهم الآلات الموسيقيّة، مثل الطبول أو الدفوف أو آلة الماراكاس لتعزيز الاستكشاف السمعيّ.
- الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة وما بعد ذلك: العب "ألعاب الاستماع"، مثل التعرّف إلى أصوات الحيوانات المختلفة أو أنماط التصفيق التي يمكنهم تقليدها. كما إنّ الاستماع إلى القصص أو الكتب الصوتيّة يشحذ المهارات السمعيّة.
اللمس (التحفيز اللمسيّ):
- - الأطفال الرضّع: يمكن للبطّانيّات الناعمة والألعاب ذات الملمس الناعم والتدليك اللطيف على بشرتهم، أن يوفّر إحساسًا بالراحة وربط بعض المشاعر بالملمس.
- - الأطفال الصغار ومرحلة ما قبل المدرسة: تسمح الصناديق الحسّيّة المليئة بموادّ مثل الأرزّ أو الرمل أو حبّات الماء للأطفال باستكشاف الملمس. يمكنك أيضًا تشجيع اللعب في الهواء الطلق بالطين أو على العشب أو بالماء، للحصول على تجارب لمسيّة طبيعيّة.
- - الأطفال الأكبر سنًّا: توفّر المشاريع الفنّيّة باستخدام الطين أو الوحل أو دهانات الأصابع أو السلايم أو معجون الصلصال، فرصًا عمليّة لبناء المهارات الحركيّة الدقيقة والإبداع.
التذوّق (التحفيز التذوّقيّ):
- - الأطفال الصغار: قدّم مجموعة متنوّعة من الأطعمة الآمنة والمناسبة لعمر الطفل، على أن تكون ذات مذاق وملمس مختلفين. وشجّعهم كذلك على وصف طعم ما يأكلونه: هل هو حلو؟ حامض؟ مقرمش؟
- - الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة والأطفال الأكبر سنًّا: اجعل الطبخ نشاطًا عائليًّا. دع الأطفال يساعدون في تحضير الوجبات، وتذوّق المكوّنات الجديدة، والتحدّث عن النكهات التي يختبرونها.
الشمّ (التحفيز الشمّيّ):
- - الأطفال الرضّع الصغار: استخدم مع طفلك أشياء معطّرة، مثل الزهور أو المستحضرات الآمنة للأطفال أثناء اللعب أو روتين وقت النوم. على سبيل المثال؛ إن استخدمت رائحة عطريّة طبيعيّة معيّنة أثناء وقت النوم، سيربط طفلك مع الوقت بين هذه الرائحة وبين النوم، فستجده تلقائيًّا يستعدّ للنوم كلّما اشتمَّها.
- - أطفال مرحلة ما قبل المدرسة والأطفال الأكبر سنًّا: اصنع مع طفلك شمعًا مستخدمًا الروائح التي تأتي من مصادر طبيعيّة، مثل أعواد القرفة أو قشور البرتقال أو اللافندر، لتشجيع الفضول بشأن الروائح ومزجها. أو مثلًا اخبزوا البسكويت لتعليم كيفيّة تأثير الرائحة في التذوّق.
الحواس الدهليزيّة والحسّيّة العميقة:
- - الأطفال الرضّع: تساعد حركات التأرجح الخفيفة، مثل تلك الموجودة في أرجوحة الطفل أو هزّ الطفل بشكل لطيف أثناء وقت النوم على البطن، في تطوير التوازن.
- - الأطفال الصغار والأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة: تعزّز الأنشطة مثل التسلّق أو القفز أو ركوب الدراجات ثلاثيّة العجلات، شعورهم بالتوازن والوعي الجسديّ.
- - الأطفال الأكبر سنًّا: تعدّ الرياضة أو الرقص أو اليوغا أو حتّى الأنشطة البسيطة، طرقًا ممتازة لتحدّي هذه الحواس.
متى تطلب دعم المختصّين
على الرغم من أنّ المهارات لكلّ طفل تتطوّر وفقًا لسرعته الخاصّة، إلّا أنّه قد يواجه بعض الأطفال تحدّيات في معالجة المدخلات الحسّيّة، خصوصًا في سنواتهم الأولى. على سبيل المثال، قد يشعرون بالتوتّر من ملمس بعض الأشياء أو الأصوات، وفي حالات أخرى، قد ترتبط صعوبات المعالجة الحسّيّة بحالات مثل اضطراب طيف التوحّد (ASD) أو اضطراب المعالجة الحسّيّة (SPD).
إذا لاحظت علامات مثل الانهيارات العصبيّة المتكرّرة الناجمة عن المدخلات الحسّيّة، أو تأخّر المهارات الحركيّة، أو صعوبة الانخراط في الأنشطة الحسّيّة، ففكّر في استشارة طبيب أطفال أو معالج مهنيّ. يمكن أن يحدث التدخّل المبكّر فرقًا كبيرًا في مساعدة الأطفال على التعامل مع احتياجاتهم الحسّيّة.
***
إنّ رحلة تعلّم المهارات الحسّيّة وتطويرها طويلة، لكنّها ممتعة ومهمّة. فإذا استطاع الآباء والمعلّمون إشراك الأطفال في تجارب غنيّة بالحواس وتوفير البيئة المناسبة، سيساعدون أطفالهم في بناء المهارات التي يحتاجون إليها لمواجهة العالم بثقة.
المراجع
https://mybrightwheel.com/blog/sensory-development
https://abilitypath.org/ap-resources/how-your-childs-sensory-system-develops/