التقييم أثناء الأزمات.. إبقاء الوضع على حاله ليس خيارًا
التقييم أثناء الأزمات.. إبقاء الوضع على حاله ليس خيارًا
زهراء حمدان | منسقة برنامج للصعوبات التعلّميّة- لبنان

مقدّمة

شهد العالم، في السنتين الماضيتين، انقطاعًا قسريًّا عن التعليم في جميع الدول، ما أثّر، بحسب اليونيسيف (2020)، في 94% من المتعلّمين، وأدّى إلى بروز العديد من المشكلات، مثل مشكلة الوصول غير المتكافئ إلى الموارد التعليميّة الرقميّة، التي أسهمت بدورها في عدم تحقّق العديد من المخرجات التعلّميّة، والتي دفعت بعض الدول إلى تعديلها لتتلاءم مع متطلّبات المرحلة. وهذا ما يوجّه الأنظار إلى دور الدول والمدارس في تهيئة فرص الانتقال الآمن عبر الصفوف وفق ما يضمن تحقّق المخرجات التعلّميّة الأساسيّة، إذ لا شكّ أنّ من دور الدولة نفسها ووزارة التربية أن تؤمّن أسس انتقال النظم التعليميّة من شكلها القديم الى شكلها الجديد، وتؤمّن الموارد اللّازمة لذلك، ومن ثمّ العمل على وضع خطط ترميميّة وتعزيزيّة لمعالجة الثغرات الأكاديميّة التي نتجت.

يهدف هذا المقال إلى التعريف بنوع من التقييمات التي يمكن اعتمادها في التقييم الشامل لجميع المتعلّمين، في سبيل تحديد خطوات التدخّل والمعالجة في جميع الظروف، ولا سيّما في الظروف الاستثنائيّة الحاليّة. وعليه، نبدأ بتنويه إلى أهميّة التقييم ودور المدرسة فيه، ثمّ نبيّن مفهوم التقييم المبنيّ على المنهج وكيفيّة توظيفه في العمليّة التعليميّة، لنعرض بعد ذلك تجربة أنموذجيّة حوله، ونختم بمناقشتها واستخلاص النتائج منها.

 

 واقع التقييم في الظروف الاستثنائيّة

يعدُّ التقييم أحد أسس العمليّة التعليميّة التعلّميّة، فهو عمليّة مستمرّة تضمن وصول المتعلّمين إلى الأهداف المرجوّة. يعرّف السرطاوي (2012) التقييم بأنّه عمليّة جمع معلومات باستخدام عدّة أدوات وأساليب، منها: المقابلات، والملاحظات، والاختبارات، وغيرها. أمّا عواضة (2018) فيعرّف التقييم بأنّه عمليّة جمع معلومات تتّسم بالصدق والثقة، بهدف مقارنة النتائج مع المعايير المنشودة، واتخاذ القرار المناسب وفقها.   

أمّا ما يخصّ عمليّة التقييم في ظلّ المرحلة الاستثنائيّة وما اقتضته من انقطاع عن التعلّم والانتقال إلى التعلّم عن بُعد، فلا بدّ أن تفي بغرضها مع مراعاة الظرف الاستثنائيّ الذي تواجهه المدرسة في عصرنا الحاليّ، حيث الانتقال بالنظام التعليميّ عامّةً لا بدّ أن يشمل طرق التقييم. وهنا يأتي السّؤال، ما دور المدرسة والمعلّمين في تحديد أولويّات العمل والخطّة المقبلة؟ كيف يمكن للتقييم أن يساعد أثناء هذه المرحلة؟  

إنّ ما تحتاجه المدرسة حاليًّا تقييم شامل يساعد على تحديد مدى تحقّق مجموعة من الأهداف الأساسيّة والمهارات التعلّميّة لدى المتعلّمين، وبناءً على المستوى المحدّد، يتمّ وضع الأهداف اللّاحقة ضمن خطّة ترميميّة وتعزيزيّة، ولكن كيف يمكن القيام بهذه الخطوة؟ هناك العديد من الأدوات المقترحة لإجراء التقييم الشامل، والتي يمكن اعتمادها خلال هذه الخطوة، غير أنّ التقييم الأبرز لهذه الخطوة والأكثر ملاءمة لوقتها، هو التقييم المبنيّ على المنهج.   

 

 التقييم المبنيّ على المنهج وكيفيّة تطبيقه

 

مفهوم التقييم المبنيّ على المنهج

يعرّف Deno (2003) التقييم المبنيّ على المنهج بأنّه استراتيجيّة في التقييم تهدف إلى قياس التقدّم الأكاديميّ للمتعلّمين، وتكمن أهمّيّته في تقديمه معلومات مباشرة عن أداء المتعلّمين في مجالات القراءة والإملاء والحساب. يرتبط هذا النوع من التقييم بالمنهج، إذ يُستمَد محتوى التقييم من المنهج، كما يتّصف بالكفاية، أي أنّه يتمتّع بدرجات صدق وثبات معروفة، وتكون إجراءات تطبيقه وتصحيحه موحّدة. يمكن للتقييم المبنيّ على المنهج مراقبة معدّل التقدّم في عمليّة التعلّم واتخاذ القرارات الملائمة بشأنه، نظرًا لقياسه ما يتمّ تدريسه للمتعلّمين. ولعلّ أهمّ ما يميّز هذه الاستراتيجيّة مدى فعّاليّتها وسهولة تنفيذها وسرعة تطبيقها واستخلاص بياناتها، ما ينعكس بالفائدة على عمليّة التعلّم لما في ذلك من سرعة تدخّل ودقّة، حيث يُخصَّص وقت للتدخّل أكثر من التقييم.

يُستخدَم التقييم المبنيّ على المنهج اليوم في العديد من دول العالم، ويهدف إلى تفعيل نظام جمع المعلومات لإمكانيّة اعتماده في الرصد المستمر، وفي توجيه عمليّة أخذ القرار (هوسب وآخرون، 2013). فيوجّه التقييم المبنيّ على المنهج عمليّة اتخاذ القرارات التي تتمّ بالتعاون بين الإدارة والمعلّم، ومع الفريق المتابع لعمليّة التقييم، ويمكن هنا توضيح أربعة أنواع من القرارات التي يمكن اتخاذها:

1. قرارات الفرز، حيث يتمّ تحديد المتعلّمين الذين يحتاجون إلى مساعدة والمعرّضين لخطر الإخفاق الدراسيّ.   

2. قرارات مراقبة تقدّم الأداء، لتحديد المتعلّمين الذين يحقّقون الأهداف ويمكنهم الانتقال إلى أهداف جديدة.  

3. القرارات التشخيصيّة، لتحديد نوع المساعدة التي يحتاجها المتعلّم.  

4. قرارات متعلّقة بمخرجات التعلّم، لتحديد الوقت الذي يمكن فيه التوقّف عن تقديم خدمات المساعدة، أو خدمات التربية المتخصّصة.

 

كيفيّة تطبيق التقييم المبنيّ على المنهج

بعد التدريب اللّازم على إجراءات التقييم والتصحيح، يمكن لمعلّمي التعليم العامّ، ومعلّمي التربية المختصّة، ومساعدي المعلّمين، واختصاصيّ القراءة، واختصاصيّ علم النفس المدرسيّ، تطبيق التقييم المبنيّ على المنهج بهدف الفرز أو التقييم الشامل، ثلاث مرّات سنويًّا، في بداية العام الدراسيّ، وفي منتصفه، وفي نهايته، كما يمكن التقييم وفق الفصول، أي في الخريف والشتاء، والربيع (Hosp, et al., 2007). وهو غالبًا ما يحتاج إلى حصّة أو حصّتين لتقييم جميع المتعلّمين، إذ يستغرق كلّ تقييم حوالي 5 دقائق لإنجازه. ولكن، كيف يمكن الحصول على نماذج من التقييم؟

إنّ التقييم المبنيّ على المنهج هو تقييم أجنبيّ مؤلّف من مجموعة اختبارات، كلّ اختبار يتناول مهارة محدّدة، يُجرَى تصحيحه بشكل موحّد وثابت، والجدير بالذكر أنّه من الممكن تكييفه وتعديله ليلائم المنهج المعتمد. فعلى سبيل المثال، يعدّ تمكّن المتعلّم من قراءة كلمات رباعيّة (من أربعة حروف)، من الأهداف الأساسيّة لتعليم اللغة العربيّة في الصف الأوّل الأساسيّ، حيث يمكن تعديل الاختبار المتعلّق بقراءة الكلمات، من قراءة كلمات ثلاثيّة إلى قراءة كلمات رباعيّة، كما يمكن تصميم نموذج خاصّ من التقييم بالاعتماد على أسس إعداده وإجراءاته، فضلًا عن إمكانيّة الرجوع إلى النماذج المعدّة سابقًا والمتوفّرة مجّانًا، والتي أجري عليها العديد من الدراسات للتأكّد من صحّة نتائجها وثباتها. وفي ما يلي تصوّر لمهارات المواد الأساسيّة في الصفوف الأولى، وفق ما عرضها هوسب وآخرون (2003)، وهي مهارات قد تكون متشابهة، وقد تختلف بحسب المنهج المعتمد وتراتبيّته: 

المادّة

الصفّ الأوّل

الصفّ الثاني

الصفّ الثالث

لغة عربيّة

  • طلاقة تحديد الصوت الأوّل
  • طلاقة تحديد الصوت الأخير
  • الطلاقة في قراءة أسماء الحروف
  • الطلاقة في قراءة أصوات الحروف
  • الطلاقة في قراءة الكلمات الكلّيّة
  • الطلاقة في قراءة الكلمات الكلّيّة
  • الطلاقة في القراءة الجهريّة
  • طلاقة كتابة الكلمات (إملاء)
  • الطلاقة في القراءة الجهريّة
  • إعادة السرد وملء الفراغ (فهم المقروء)
  • طلاقة كتابة الكلمات (إملاء)
  • طلاقة التعبير الكتابيّ

رياضيّات 

  • طلاقة معرفة الأعداد حتّى 99 
  • طلاقة تحديد العدد المفقود حتّى 99  
  • طلاقة طرح الأعداد حتّى 99 
  • طلاقة جمع الأعداد حتّى 99 

 

  • طلاقة معرفة الأعداد حتّى 999 
  • طلاقة تحديد العدد المفقود حتّى 999  
  • طلاقة طرح الأعداد حتّى 999 
  • طلاقة جمع الأعداد حتّى 999 

 

  • طلاقة معرفة الأعداد حتّى 9999 
  • طلاقة تحديد العدد المفقود حتّى 9999  
  • طلاقة طرح الأعداد حتّى 9999 
  • طلاقة جمع الأعداد حتّى 9999 
  • طلاقة ضرب الأعداد من رقم محدّد

 

أنموذج تجربة في التقييم المبنيّ على المنهج

قد يسأل بعضنا عن مدى حاجتنا إلى مثل هذه الاستراتيجيّة أثناء الظروف الاستثنائيّة، كما حصل في السنتين الأخيرتين من إقفال تامّ بسبب جائحة كورونا، ولعلّ الإجابة تكمن في السؤال نفسه، إذ إنّ مرورنا في هذه الظروف الاستثنائيّة، وانقطاع المتعلّمين عن الصفوف التعليميّة الاعتياديّة، وتحوّل نظام التعليم إلى نظام تعلُّم إلكترونيّ، وانتقال جزء من مهمّة المتابعة والتعليم إلى الأهل، فسح أمام التربويّين فرصة البحث عن بديل ناجع للكشف عن مستوى المتعلّمين، وتحديد نقاط الضعف مقارنةً بالسنوات السابقة، ووضع الخطط التربويّة والتعليميّة وفق بيانات رقميّة محدّدة وواضحة، ومن ثمّ إجراء التقييم بشكلٍ مستمر ومقارنة النتائج. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ عدم إجراء هذا الكشف، ولا سيّما في مثل هذه الظروف الاستثنائيّة، يؤثّر في وضع خطط تناسب المرحلة، ويحدّ من تطوّر بعض أنواع الصعوبات التعلّميّة التي قد تتشابه مع أنواع الاضطرابات عند تشخيصها إذا لم يتمّ إجراء التدخّل الملائم.  

أُجريتُ مجموعة من الدراسات حول تأثير إغلاق المدارس إثر جائحة كورونا في مستوى المتعلّمين، وقد اعتمدتْ هذه الدراسات على مقارنة نتائج التقييم الشامل، حيث أدّى اعتماد التقييم إلى وجود بيانات رقميّة يمكن مقارنتها واستخلاص النتائج منها لتحديد المستويات، ولتحديد خطّة العمل وفقها. ففي دراسة أجراها Bielinski et al. (2021)، تمّت مقارنة نتائج التقييم الشامل الذي أجري في خريف عام 2019، بنتائج التقييم الشّامل لعام 2020، فتبيّن تراجع التحصيل الأكاديميّ بشكل عامّ، وتراجع في مهارة القراءة بمعدّل شهر واحد في الصفوف الأولى، وبمعدّل ثلاثة أشهر في الصفوف الابتدائيّة المتأخّرة، وقد اعتبر الباحثون في هذه الدراسة أنّهم تمكّنوا، من خلال هذه النتائج، من تحديد أثر الإغلاق العامّ في المستوى التعليميّ.

أَجريتُ في الفصل الأخير من العام الدراسيّ الماضي 2020-2021، في فترة التعليم عن بعد، تقييمًا لمهارة القراءة لطلّاب الصفّ الثاني الأساسيّ، هدفتُ فيه إلى تحديد حجم الفاقد التعليميّ في مهارة القراءة، وقد مرّت عمليّة التقييم بثلاث مراحل:  

- مرحلة التهيئة: تمّ فيها تحديد الأهداف المبتغاة (قراءة كلمات ثلاثيّة وقراءة نصّ)، ثمّ توفير الموارد اللازمة.   

- مرحلة التطبيق: تمّ فيها تنفيذ التقييم واختبار المتعلّمين بعقد لقاء فرديّ عن بعد بهدف جمع البيانات، فأجري كلّ اختبار من الاختبارات المحدّدة وفق ثلاثة نماذج (صور متكافئة)، وذلك للتأكّد من النتيجة. ففي اختبار قراءة النصّ، طلبت من المتعلّم أن يقرأ نصًّا لدقيقة كاملة، ليتمّ بعد ذلك احتساب عدد الكلمات التي تمكّنه من قراءتها في دقيقة واحدة في صور الاختبار الثلاثة، ثمّ احتساب المعدّل الذي يعبّر بصورة دقيقة عن مستوى أداء المتعلّم وطلاقته في مهارة القراءة.  

- مرحلة قراءة النتائج: بعد إجراء التقييمات، صحّحتُ الاختبارات، وأَفرغت البيانات ضمن جداول بيانيّة تُظهِر مستوى كلّ متعلّم في كلّ مهارة من المهارات، ومدى ملاءمة مستوى أدائه مع مستوى الأداء المنشود. وقد أظهرت النتائج أنّ نسبة المتعلّمين الذين قرأوا أقلّ من 15 كلمة في الدقيقة بلغت 52.6%، في حين أنّ 47.4% منهم قرأوا أكثر من 15 كلمة في الدقيقة. وبالتالي، تبيّن أنّ أكثر من نصف المتعلّمين يحتاجون إلى تدخّل ترميميّ في مجال القراءة عند العودة إلى المدارس في العام القادم، وذلك لتعزيز أدائهم في القراءة، وتمكينهم من الوصول إلى المستوى المطلوب في الصفّ الثالث الأساسيّ.

بناءً على ذلك، كان لا بدّ من اتخاذ قرار حاسم بشأن خطّة تعليم القراءة بعد العودة إلى المدارس، وذلك لخفض نسبة المتعلّمين الملتحقين ببرامج التربية المختصّة تحت مسمّى الصّعوبات التعلّميّة من جهة، ولرفع المستوى العامّ للمتعلّمين في أداء القراءة من جهة أخرى، بما يتناسب مع مخرجات القراءة المحدّدة لكلّ صفّ.  

 

خاتمة

لا شكّ أنّ قطاع التعليم يتأثر بالظروف الاستثنائيّة، نظرًا إلى الحاجة إلى تقديم الخدمات التعزيزيّة للمتعلّمين الذين يظهرون فشلًا متكرّرًا بعد العودة إلى المدرسة، ولأجل ذلك، حان الوقت لتغيير نظرتنا الى التقييم. لا يجب أن يهدف التقييم إلى تحديد المتعلّمين الذين يظهرون ضعفًا في المهارات الأساسيّة وتصنيفهم ضمن فئة ذوي المشكلات التعلّميّة، بل لا بدّ أن يكون الخطوة الأولى التي تساعد على اتخاذ القرار التربويّ الصحيح، ووضع خطط تعليميّة تراعي الضعف العامّ، وتؤسّس لتدخّل مكثّف، لمساعدة بعض المتعلّمين الذين لم تحسّن أداءَهم الخطّةُ العامّة المعدّلة.

 

المراجع

السرطاوي، زيدان، والسرطاوي، عبد العزيز. (2012). التقييم في التربية الخاصّة. دار الكتاب الجامعيّ.  

 اليونيسيف (2020). موجز سياساتي: التعليم أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها.   

https://www.un.org/sites/un2.un.org/files/policy_brief_-_education_during_covid-19_and_beyond_arabic.pdf

عواضة، هاشم. (2018). الجديد في تقويم التعلّم: من التقويم التقليديّ إلى التعلّم بالتقويم. مركز التأليف والنشر.

هوسب، م.، وآخرون. (2013). أبجديّات القياس المبنيّ على المنهج: دليل تطبيقيّ للقياس المبنيّ على المنهج. (ترجمة: البتّال، زيد بن محمد). جامعة الملك سعود. 

Bielinski, J., Brown, R. & Wagner, K. (2021). No Longer a Prediction: What New Data Tell Us About the Effects of 2020 Learning Disruptions. Illuminate Education. 

Deno, S. (2003). Developments in curriculum Based Measurement. The Journal of Special Education, 184-192.

Hosp, M., Hosp, J. & Howell, K. (2007). The ABCs of CBM: a practical guide to curriculum based measurement. The Guilford Press.