الكتاب المدرسيّ في يومنا هذا
الكتاب المدرسيّ في يومنا هذا
2025/07/06
علي عز الدين | مستشار ومدرب تربوي-لبنان

يهدّد الذكاء الاصطناعيّ عددًا كبيرًا من المهن والأشياء. لكن، وعلى ما يبدو، الكتاب المدرسيّ ما زال صامدًا ويواجه التحدّيات ويتأقلم. ففي بعض المدارس تحوّل شكله الخارجيّ من ورقي الى إلكترونيّ فقط. ولكن لماذا؟

  • - وراء الكتاب المدرسيّ شركات النشر، فهو مصدر مهمّ للعيش.
  • - أولياء الأمور يرتعبون من غياب الكتاب المدرسيّ من بين أيادي أولادهم، ويطالبون به في حال قرّرت المدرسة الاستغناء عنه واستبداله.
  • - بعض المدراء أو المنسّقين أو المدرّسين يقدّسون الكتاب المدرسيّ، ويعتبرونه المنهج ويجب تدريس كلّ صفحاته، وعلى الطالب حفظها عن ظهر قلب للامتحانات.

مشاكلي مع الكتاب المدرسيّ في يومنا هذا عديدة. سأعرض بعضها، وبالطبع سنفكّر في حلّ معًا.

 

الكتب المستوردة والمعلبة

في أغلب المدارس الأجنبيّة التي يلجأ اليها أولياء الأمور، لأنّها أفضل من المدارس الحكوميّة في نظرهم، تستخدم الكتب المستوردة، والتي تحتوي على العديد من الأفكار والأمثلة والدروس التي لا تمتّ للواقع بصلة. هذه الكتب تكلفتها مرتفعة، فولي الأمر يدفع ثمنها، وثمن شحنها من الخارج، ومن ثمّ يرميها في نهاية العام الدراسيّ. لا أفهم لماذا على التلميذ الموجود في الإمارات مثلًا أن يحفظ التاريخ والجغرافيا لفرنسا أو لأمريكا، لأنّه في مدرسة فرنسيّة أو أمريكيّة؟!

الكتب المستوردة تحمل الكثير من العادات والأفكار والحقائق التي تُشكّل جيلًا، وتعلّبه في اتّجاه معيّن، ورؤية واحدةٍ قد تختلف أو تتعارض مع العادات والتقاليد والثقافة المحلّيّة.

أكرّر: الكتاب المدرسيّ يعدّ مصدرًا وليس منهجًا، ويمكن للمدرّس نشر أفكاره ومعتقداته من دون الحاجة إلى كتاب.

هيّا بنا نضرب مثالاً بسيطًا بالخنزير الذي يتواجد في - حياتنا اليوميّة - في قصص الأطفال، وفي الرسوم المتحرّكة، والذي يظهر في حصّالة النقود الشهيرة. وفجأة تتدخّل بعض المدارس لتقول إنّه محرّم ولا نستطيع التكلّم عنه، ولا نذكره، ونشطبه من الكتب لأنّنا لا نأكله. وهل عدم أكل الخنزير يعني عدم ذكره أو التكلّم عنه؟!

كثيرةٌ هي قصص الأطفال التّي تحتوي على صور قبلات بين الأمير والأميرة، أو تروّج أفكارًا بعيدة كلّ البُعد عن عاداتنا وتقاليدنا. كيف نتعامل معها؟ نحرقها؟ نحرّمها؟ نخبّئها، نتجاهلها، نزيد الرقابة أو نتكلّم عنها بوعي؟ هل المدرّس جاهز لتناول تلك المواضيع المحرّمة بحيادٍ داخل المدرسة؟ هل أولياء الأمور جاهزون للتحدّث عن تلك المواضيع مع أولادهم؟ كيف نُربّي نُقّادًا ومفكّرين لا مستهلكين وحسب؟

كيف نناقش بموضوعيّة، مواضيع مثل المقاومة والاحتلال والحرّيّة والتربيّة الجنسيّة، وتعدّد الديانات على هذا الكوكب، واحترام الآخر على رغم اختلافاته؟ وكُتُبنا تحمل الكثير من التحيّز والأحكام المسبقة والصور النمطيّة.

المشكلة ليست فقط مشكلة كتاب ومحتوى ورؤية وفكر، المشكلةُ مشكلة مجتمعٍ ومدرّس وتلميذ وطرائق تدريس وتفكير. 

 

الكتب المعرّبة

قد تلجأ بعض المدارس في البلدان العربيّة إلى استخدام كتب معرّبة، استُبدلَت فيها صور الشخصيّات والأماكن الأجنبيّة بصور محلّيّة وأطفالٍ يلبسون الملابس التقليديّة. لنتفاجأ بأنّ محتوى الدّرس الذي عُرّب لا يمتّ للواقع بصلة. ففي كتاب الرياضيّات قد تجد درسًا عن الفِلس لتدريس مفهوم الأموال، ولا أعرف أيّ الدول العربيّة تستخدم في يومنا هذا الفلس؟ وهل هو متوفّر بين أيدي الأطفال؟ قد تجد في كتاب العلوم صورة لنبتة توجد في الصحراء، وجميع النباتات الأخرى لم نسمع بها أو نشاهدها. أمّا القصص باللغة الأجنبيّة، فقد تستبدل أسماء الأبطال بأسماء عربيّة، وتظلّ القصّة بعيدة كلّ البعد عن المجتمع المحليّ واهتماماته. أو قد يلجأ بعض مدرّسي اللغة العربيّة لترجمة بعض القصص الأجنبيّة، للعمل مع مدرسة اللغة الإنكليزيّة. وهنا مجدّدًا نعطي الأطفال رسالة تفيد بأن الإنتاج المحليّ أو الإبداع العربيّ غير متوفر، لذا نترجم.

 

الكتب المحليّة

نعرف جميعًا أنّ هذه الكتب تحمل الكثير من الأفكار المرتبطة بفترة زمنيّة معيّنة، وتحت حكم معيّن أو نظام معيّن. وفجأة، وبعد انهيار النظام السياسيّ تتغيّر هذه الكتب المدرسيّة وتُستبدل. وفي بعض البلدان العربيّة حيث الحروب والمشكلات الاقتصاديّة، كتب التاريخ والجغرافيا تختلف حسب منظور من يكتب الكتاب.

 

الحلول

1. اعتماد قاعدة الكتاب المدرسيّ مصدرًا لا منهجًا. وعلى كل مدرّس التمكّن من المنهج، واختيار المصادر المناسبة لجعل التلميذ باحثًا وناقدًا.

2. تدريب أولياء الأمور على أهمّيّة أساليب التعلّم والتعليم الحديثة، والتي تركّز على علم الدماغ، وعلى جعل المتعلّم محور عمليّة التعلّم.

3. استخدام أدب الأطفال في تدريس القراءة والكتابة، وعدم الاكتفاء بنصوص الكتاب المدرسيّ التي - في معظم الأحيان - تحتوي على نصوص مرّ عليها الزمن، وبعيدة كلّ البُعد عن واقع الطفل العربيّ ومشاكله.

4. الحفاظ على الهويّة والثقافة مرتبط بأمورٍ صغيرةٍ جدًّا وبأفكار سهلة. سأعطي مثالًا عن تجربة قامت بها مدرسة ابنتي، حيث دُعِي مغنٍّ فرنسيّ. أمضى مع الأطفال أسبوعين، تعلّموا معه كتابة الأغاني والتأليف والتلحين، واستخدموا أخبارًا من المجلّات لاختيار المواضيع. لم يستخدم المدرّس كتابًا، ولكنّه زرع حبّ اللغة الفرنسيّة في الأطفال من تلك التجارب. لقد غنّوا مع مغنٍّ مشهور على المسرح. ذكرى لن ينساها الأطفال أبدًا. لكن، بالطبع سينسون الإملاء المحضّر، والإملاء غير المحضّر، والإملاء الذاتيّ من الكتاب المدرسيّ.

5. تخيّل معي كاتبًا للأطفال يمضي أسبوعين مع تلاميذ صفٍّ يقرؤون كُتبه. يؤلّفون معه. ومن ثمّ ينشرون الكتاب ويشاركونه مع الآخرين. تجربة مع مدرّس اللغة لن تُنسى بالطبع. وهنا لن نحتاج إلى الكتاب التقليديّ، بل إلى فكر المعلّم وإبداعه الذّي قرّر أن يطبّق المعايير المطلوبة منه، وربطها بمشروع له معنى ومغزى.

 

أتمنّى أن يُصبح الكتاب المدرسيّ مجموعةً من المشاريع، كالتأليف والكتابة والإبداع، وليس فقط تمارين نقوم بحلّها لننجح في الامتحان. من الممكن أن يتحوّل الكتاب المدرسيّ الى قوالب ونماذج، تحدّد الخطوط العريضة والمعايير أو نواتج التعلّم، وعلى المدرّس أن يتشارك مع التلميذ لتحقيق هذه النواتج بمشاريع يتّفقون على تنفيذها معًا.