نظام الثانويّة العامّة: معيار للعدالة أم سبب للضغوط النفسيّة؟
نظام الثانويّة العامّة: معيار للعدالة أم سبب للضغوط النفسيّة؟
2025/07/13
مروان أحمد حسن | عضو هيّئة التحرير في منهجيّات- مصر

في رحلة التعليم، تمثّل السنة الأخيرة من المدرسة الثانويّة نقطة فاصلة، تحمل معها أحلامًا وتحدّيات لا تنتهي. النظام الذي يعتمد على امتحان واحد لتحديد مستقبل الطالب يبدو في ظاهره معيارًا للعدالة؛ حيث يخضع الجميع للاختبار نفسه في ظروف موحّدة. لكن، هل يعكس هذا النظام المساواةَ حقيقةً؟ 

قد ينجح البعض في اجتياز هذا الاختبار، لكنّ آخرين، ممّن يملكون مواهب وقدرات لا تُقاس بالأرقام، يجدون أنفسهم خارج دائرة التقييم المنصف. وهنا يظهر التساؤل: هل يمكن لاختبار واحد أن يختزل كلّ الإمكانات؟ أم إنّ الفوارق في الإمكانيّات الماديّة والدعم النفسيّ والاجتماعيّ، تجعل البعض أكثر استعدادًا من غيره؟ 

النظام الحاليّ وتحدّيات العدالة 

يعتمد النظام التقليديّ على امتحان نهائيّ موحّد، يُحدَّد مصير الطالب بناءً عليه. وهو ما يجعله مرجعًا أساسيًّا في تحديد الفرص الجامعيّة والمهنيّة. وعلى رغم أنّ هذا النظام يهدف إلى تحقيق المساواة بين الطلّاب؛ إلّا إنّه في الواقع يكرّس الفوارق الاجتماعيّة والاقتصاديّة. 

الطلّاب القادمون من بيئات ميسورة لديهم إمكانيّة الحصول على دروس خصوصيّة ومصادر تعليميّة إضافيّة، بينما يعاني آخرون غياب هذه المزايا. بالإضافة إلى ذلك، يفتقر النظام إلى مراعاة الفروق الفرديّة بين الطلّاب، سواء من حيث القدرات أو أساليب التعلّم. 

التأثير النفسيّ في الطلّاب 

قد يولّد الاعتماد الكامل على امتحان واحد ضغوطًا نفسيّة هائلة على الطلّاب. يتعرّض الكثير منهم إلى التوتّر والقلق المستمرّين طوال السنة الدراسيّة. الأمر الذي يؤثّر في صحّتهم النفسيّة والجسديّة. كما يعاني بعض الطلّاب رهبة الامتحانات التي قد تؤدّي إلى فقدانهم القدرة على الأداء الجيّد، بعيدًا عن مستوى تحصيلهم الدراسيّ الحقيقيّ. 

بالإضافة إلى ذلك، يؤثر النظام في علاقة الطالب بالتعليم، حيث يصبح الهدف الأساس تحقيق درجات عالية، بدلًا من اكتساب المعرفة وتطوير المهارات. هذه الضغوط لا تؤثّر في الطلّاب فحسب، بل تمتدّ إلى أولياء الأمور الذين يتحمّلون عبء التكاليف المرتفعة للدروس والدعم النفسيّ. 

الفجوة بين التعليم النظريّ والتطبيق العمليّ 

يركّز النظام الحاليّ على الحفظ والاستظهار، ما يجعل الطلّاب يفتقرون إلى المهارات العمليّة التي يحتاجون إليها في سوق العمل. هذا التوجّه النظريّ يسهم في توسيع الفجوة بين التعليم ومتطلّبات الحياة العمليّة، فتضعف فرص الخرّيجين في المنافسة على الوظائف. 

بدائل التقييم الشموليّة 

لمعالجة هذه الإشكاليّات، يجب البحث عن بدائل أكثر شموليّة تحقّق التوازن بين العدالة وتقليل الضغوط النفسيّة. ومن بين هذه البدائل: 

التقييم المستمرّ: يمكن اعتماد نظام تقييم يعتمد على الأداء المستمرّ للطلّاب طوال العام الدراسيّ، من خلال تقديم مشروعات وبحوث وعروض تقديميّة. هذا الأسلوب يتيح للطلّاب فرصة التعبير عن قدراتهم بشكل أوسع وأكثر تنوّعًا. 

الاختبارات المتعدّدة: بدلًا من الاعتماد على اختبار واحد، يمكن تقسيم التقييم إلى عدّة اختبارات أصغر تُجرى على مدار العام. هذا يقلّل من الضغوط النفسيّة ويعطي الطلّاب فرصًا متعدّدة لتحسين أدائهم. 

المشروعات العمليّة والتطبيقيّة: دمج المشروعات التطبيقيّة ضمن التقييم يساعد في تعزيز المهارات العمليّة لدى الطلّاب، وربط التعليم باحتياجات سوق العمل. يمكن أن تشمل هذه المشروعات تدريبًا عمليًّا في مجالات مختلفة، ما يمنح الطلّاب تجربة واقعيّة ويعزّز من فرصهم الوظيفيّة. 

التقييم الذاتيّ والتقييم من قِبل الأقران: يمكن تشجيع الطلّاب على تقييم أنفسهم وأقرانهم، ما يعزّز من مهارات التفكير النقديّ والمسؤوليّة الشخصيّة. 

دمج التكنولوجيا في التقييم: استخدام التكنولوجيا لتقديم اختبارات تفاعليّة ومتنوّعة يمكن أن يساعد في تقييم مهارات مختلفة، مثل: التفكيرين النقديّ والإبداعيّ، بدلًا من الاعتماد على الحفظ فقط. 

لتنفيذ هذه البدائل، يجب أن تؤدّي المؤسّسات التعليميّة دورًا في تدريب المعلّمين على أساليب التقييم الحديثة. كما يجب توفير بيئة تعليميّة تدعم الإبداع والتفكير النقديّ. ولكن، وعلى رغم أنّ التوجه نحو نظام تقييم أكثر شموليّة يبدو ضروريًّا، ثمّة بعض التحدّيات قد تعوق تحقيقه. فالتغيير في أيّ نظام تعليميّ يحتاج إلى قبول مجتمعيّ، وهو ما قد يتطلّب وقتًا وجهودًا كبيرة لإقناع الطلّاب وأولياء الأمور بأهمّيّة التغيير. كما يتطلّب تطبيق أنظمة تقييم حديثة توفيرَ بنية تحتيّة مناسبة، تشمل تكنولوجيا حديثة وقاعات دراسيّة مجهّزة. وأخيرًا، يجب تدريب المعلّمين على استخدام أساليب التقييم الجديدة، ما يتطلّب استثمارات في التطوير المهنيّ. 

*** 

لا تتحقّق العدالة في التعليم بمجرد وضع جميع الطلّاب في القاعة نفسها، وتقديم الامتحان ذاته. العدالة الحقيقيّة تكمُن في الاعتراف بتنوّع الطلّاب، وتوفير فرص متكافئة للجميع للتعبير عن قدراتهم. التوجّه نحو نظام تقييم أكثر شموليّة وإنصافًا ليس رفاهيّة، بل ضرورة تفرضها متطلّبات العصر وسوق العمل. ومن الضروريّ أن يكون النظام التعليميّ قادرًا على اكتشاف مواهب الطلّاب وتنميتها، وليس حصرهم في قوالب ضيّقة تحدّ من إمكاناتهم. فهل نحن مستعدون لاتّخاذ هذه الخطوة الجريئة نحو مستقبل تعليميّ أفضل؟