استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة في عمليّة التقييم عن بعد
استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة في عمليّة التقييم عن بعد
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

مقدّمة

شكّل التقييم في عمليّة التعليم عن بعد تحدّيًا رئيسًا أمام المعلّمين، فالغياب العينيّ للطلّاب حدّ من فاعليّة التقييم، فأدّى إلى تشكيك المعلّمين في جدواه ومصداقيّته من جهة، ودفع المشتغلين في القطّاع التربويّ والتعليميّ إلى ابتكار طرائق جديدة له من جهة أخرى، لا سيّما أنّ معظم الأنظمة التعليميّة لجأت إلى التعليم عن بعد، وصرّحتْ بعدم التخلّي عن التجربة حتى بعد انتهاء الجائحة. من هنا، ظهرت الحاجة إلى البحث عن طرائق جديدة لعمليّة التقييم عن بعد، ووضع آليّات واضحة وتصوّر دقيق لها، ذلك أنّ التقييم مقياس تحقّق جميع عناصر العمليّة التعليميّة، انطلاقًا من التخطيط ووصولًا إلى نتائج التعلّم.

نعرض في هذا المقال استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة كأداة يمكن استخدامها لإجراء التقييم بنوعيه، التكوينيّ والتحصيليّ، وذلك في التعليم عن بعد والتعليم الوجاهيّ على حدّ سواء، لمعرفة مدى تحقّق الفهم لدى الطالب، ثمّ نتطرّق إلى كيفيّة توظيف الاستراتيجيّة في تقييم تعلّم الطلّاب تعلّمًا فعّالًا، مقدّمين أنموذج تجربة، لنختم بتسليط الضوء على التحدّيات التي يمكن أن تواجه المعلّم أثناء تطبيقها في عمليّة التعليم عن بعد، والإجراءات التي ينبغي اتّخاذها.

 

حول استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة

 

ماذا نريد من التقييم؟

أدوات التقييم عن بعد يجب أن تتناسب مع ظروف التعلّم، وأن تراعي الشفافيّة والدقّة، وأن يكون وقت استخدامها ملائمًا للمرحلة الدراسيّة التي يتعلّم فيها الطالب، فأدوات التقييم الختاميّ تختلف عن أدوات التقويم البنائيّ، وطريقة تنفيذ التقييم في الصفوف الدنيا تختلف عن آليّة تطبيقه في الصفوف العليا، فضلًا عن أنّ اهتمام المعلّم بالتقييم بشكل عامّ، سواءً في التعليم الوجاهيّ أم في التعليم عن بعد، يرتكز على التأكّد من مدى فهم الطلّاب للمحتوى المعرفيّ المقدّم لهم، أكثر من وضع درجة محدّدة أو نتيجة تحصيليّة.

أشار قازي وشميس (2020) في تقرير للبنك الدوليّ إلى الأسباب التي دفعت بعض الأنظمة التعليميّة إلى تطوير أدوات التقييم في تجربة التعليم عن بعد، والتي تتمثّل في الآثار الناتجة عن انقطاع الطلّاب عن الدراسة المباشرة، ومحدوديّة نموّهم، وعدم تجاوبهم مع المعلّمين، وتعثّرهم في الإجابة على أسئلة المعلّمين، بالإضافة إلى أنّ بعض أدوات التقييم المُتّبعَة قد لا تعطي نتيجة دقيقة، لأنّ الطالب غير موجود أمام المعلّم، وبغياب المراقبة لا يمكن التأكّد من مصداقيّة إنجازه المهمّات بمفرده.

هذه الحالة من الانفصال بين المعلّم والطالب وعدم تواجدهما في بيئة ماديّة واحدة، تؤرّق كثيرًا من المعلّمين، وذلك عائد، باعتقادي، إلى إمكانيّة استعانة الطالب، عند تقديمه الامتحان، بأفراد أسرته، بل قد يصل الأمر إلى تكليف مختصّ يقدّم الامتحان نيابة عنه. الأمر الذي يدفع المعلّم إلى البحث عن توفير أدوات تقييم دقيقة وقابلة للتطبيق، تُقدّم للطالب ولولي أمره وللإدارة تقييمًا يمثّل مستواه الحقيقيّ تمثيلًا أكثر دقّة، ونعتقد أنّ استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة واحدة من الأدوات التقييميّة التي تعين المعلّم على تحقيق ذلك.

 

ماذا نقصد بالأسئلة المفتوحة؟

هي الأسئلة التي يطرحها المعلّم على الطالب لتقييم أدائه وقياس درجة إتقانه المهمّات المكلّف بها، والتي تتطلّب من الطالب إجابة كاملة يوظّف فيها معرفته الخاصّة وتحليله الذاتيّ وتفكيره الناقد، وعادة ما تبدأ الأسئلة المفتوحة بصيغة: لماذا، أو كيف، أو ماذا، أو اشرح أكثر عن...، ما رأيك بـ... (خضر، 2003). ولا ينحصر طرح الأسئلة المفتوحة في عمليّة التعليم عن بعد، بل تعدّ استراتيجيّة مهمّة أيضًا في التعليم الوجاهيّ، يستخدمها المعلّم في نهايات الوحدات الدراسيّة، ليكتشف عمق فهم الطلّاب لموضوع الوحدة بشكل عامّ، ومدى ترسّخ المعارف في أذهانهم. 

وقد ذكر خضر (2003) أهمّ السمات التي تميّز الأسئلة المفتوحة، والتي تتمثّل بالآتي: 

- الحاجة إلى فهم السؤال، والتفكير به تفكيرًا عميقًا، والتروّي في الإجابة عليه. 

- تعبير الطلّاب في إجاباتهم عن رأيهم وفكرهم وشعورهم.  

- تبادل الأفكار بين الطالب والمعلّم ومناقشتها وعقد الحوار حولها.

- البحث عن المعارف في مصادر مختلفة واكتسابها وإيجاد روابط بينها، بدلًا من الاكتفاء بحفظها وتذكّرها. 

- عرض الطلّاب المعلومات بأسلوبهم الشخصيّ، الأمر الذي يجعلهم بارعين في مهارة التلخيص، ويخلّصهم من الرهبة التي يمكن أن تصيبهم أثناء الامتحان، ومن القلق بشأنه.   

- الفهم العميق للحقائق والنظريّات، وعرض الاستنتاجات الذاتيّة التي من شأنها أن تجعل الطالب بارعًا في التعلّم الذاتيّ.  

 

كيف نطبّق الاستراتيجيّة؟ 

يلجأ المعلّمون عادةً إلى استخدام استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة في التقييم الختاميّ، نظرًا لما تقتضيه من استحضار الأفكار التي كوّنها الطالب حول موضوع الوحدة الدراسيّة، وصياغتها في جمل وفقرات تعكس فهمه لموضوعاتها، فيكون على المعلّم إخبار طلّابه في نهاية كلّ وحدة دراسيّة بما سيطرحه عليهم من أسئلة مفتوحة، يقيس بها مستوى تفكيرهم ومدى فهمهم واستيعابهم لما دُرِس. ولا يعني غلبة تطبيقها في التقييم الختاميّ انحصارها به فقط، بل يمكن تطبيقها أيضًا في التقييم التكوينيّ، ولكن تختلف طبيعة الأسئلة بين التقييمين، إذ تكون شاملة في الختاميّ، ومختصرة في التكوينيّ، كما يمكن الإجابة عليها شفويًّا في هذا الأخير.

تحدّد طبيعة الأسئلة نوع التقييم، إذ يكتب الطالب إجابته وفقًا لمستوى عمق السؤال والاستجابة التي يريدها المعلّم منه وفق معايير محدّدة. ففي تقييم تكوينيّ في مادّة اللغة العربيّة مثلًا، قد يسأل المعلّم طلّابه عن رأيهم في تصرّف الشخصيّة الرئيسة في القصّة، وعن كيفيّة تصرّفهم لو كانوا مكانها، ويكتفي بالاستماع إلى إجاباتهم. أمّا في التقييم الختاميّ فقد يسألهم عن النواحي الاجتماعيّة في حياتنا الواقعيّة التي أراد كاتب القصّة معالجتها، أو لفْتَ نظر القرّاء إليها، فيكتب الطالب إجابته وفق المعايير اللازمة، ووفق الطريقة التي تضمن حصوله على الدرجة المحدّدة للسؤال، فتجعل المعلّم يتأكد أنّ الطالب كتبها بنفسه دون مساعدة أحد.

يقتضي تنفيذ الاستراتيجيّة تنفيذًا مثمرًا وبنّاءً إدراج الأسئلة المفتوحة في خطّة الدرس، حيث ينبغي على المعلّم كتابة أسئلة مناسبة للتقييم التكوينيّ، وأسئلة مناسبة للتقييم الختاميّ، فالسؤال عن رأي الطالب في النصّ، أو عن جوانب القوّة فيه، يناسب الختاميّ، بينما السؤال عن الفكرة الرئيسة، أو عن النتيجة التي وصل إليها الحوار، أو عن توقّع أجزاء قادمة من النصّ، فيناسب التقييم التكوينيّ. وبالتالي، فالأسئلة التي يطرحها المعلّمون كثيرًا في حصصهم تبيّن مدى الفهم الذي حقّقه طلّابهم، ولذا، يعتبر المعلّمون الأسئلة وسيلة ضروريّة لتحديد مستويات الطلّاب وفق ما يقدّمونه من إجابات، فالطالب الذي يقدّم إجابة تامّة يحقّق فهمًا أعلى من الطالب الذي يقدّم إجابة ناقصة أو يعجز عن الإجابة. 

وعليه، لا يوجد وقت محدّد لطرح الأسئلة المفتوحة في الحصص الدراسيّة، ولكن، يقتضي تحقيقُ الهدف منها طرحَها بعد نهاية كلّ درس في حالة التقييم التكوينيّ، أو بعد نهاية كلّ وحدة دراسيّة في حالة التقييم الختاميّ، ويستطيع الطالب الإجابة على الأسئلة المفتوحة شفويًّا وكتابيًّا باستخدام تطبيقات تكنولوجيّة تتيح له التسجيل الصوتيّ، أو تتيح له كتابة التعليقات، مثل تطبيق "بادلت".

 

حول تجربة الاستراتيجيّة وتحدّيّاتها

 

أنموذج تجربة وأثرها التعليميّ

في إحدى الورشات التدريبيّة التي قدّمتُها للزملاء حول التقييم عن بعد، خصّصنا وقتًا لعرض تجارب حقيقيّة في الميدان التربويّ، وقد لفت انتباهي تجربة عرضَتْها إحدى المعلّمات، حيث اتفقتْ مع طالباتها في الصفّ الثامن أن تقدّم لهنّ في نهاية كلّ وحدة دراسيّة في مادّة اللغة العربيّة ثلاثة أسئلة مفتوحة، لمعرفة المستوى الذي وصلنَ إليه في فهم المعارف الأساسيّة في كلّ وحدة، فإذا كان النصّ شعريًّا، طلبتْ إليهنّ تحويل بعض الصور الفنيّة إلى صور حسّيّة، أو العثور على قصيدة للشاعر نفسه في موضوع آخر وتحديد السمات الفنيّة لشعره، أو تحديد قصيدة أخرى لشاعر معاصر آخر وإجراء مقارنة بين القصيدتين وتبيان أيّهما أفضل برأيهنّ.

دفعتْ هذه التجربة معلّمات من تخصّصات أخرى إلى اتباع الطريقة ذاتها وفق ما يلائم الموادّ التي يُدرِّسْنَها، وتمّ الاتفاق بينهنّ على أن تبدأ الأسئلة المفتوحة بعبارات تدعو إلى التأمّل والتفكير، مثل: ماذا سيحدث لو لم...؟ لو كنت مكان كاتب النصّ ما الذي ستضيفه إليه؟ هل تعتقد أنّ هذه الأسباب كافية للانتصار في المعركة؟ ما برهانك على صحّة ما قدّمه زميلك؟ ... على أن تمنح كلّ معلّمة طالباتها يومًا واحدًا بعد انتهاء الوحدة الدراسيّة، ليتمكَّنَّ من مراجعة الوحدة، وإذا بقيت أمور غير مفهومة لديهنّ، يكون على المعلّمة الإجابة عليها في مجموعة تعلّميّة خصّصت لهذه الغاية في تطبيق "واتس أب".

 

تحدّيّات محتملة وإجراءات مواجهتها

لا بدّ لأيّ معلّم يرغب في تطبيق استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة أن يحذر من اتخاذها أداة لاصطياد الطلّاب، فهي لا تتحقّق بمجرّد طرح الأسئلة طرحًا عشوائيًّا، أو بتحذير الطلّاب وتخويفهم ومعاقبتهم، بل هي عمليّة مخطّط لها ومقصودة لهدف محدّد، تُتّخذ، بناءً على نتائجه، إجراءاتٌ تُطوِّر أداءَ الطلّاب وتحسّن عمليّة التعلّم. وبالتالي، يكون للمعلّم دور محوريّ وجوهريّ في تطبيق هذه الاستراتيجيّة، يتمثّل في التخطيط الجيّد والهادف عند صياغة أسئلته المفتوحة، تفاديًا لإرباك الطلّاب، أو إعاقة تحقّق نتاجات التعلّم، كيلا يدفع بهم إلى دوّامة تتداخل فيها المعلومات، ويعجزون فيها عن العثور على تنظيم بينها.

يتطلّب تطبيق الاستراتيجيّة بعض الإجراءات المحدّدة التي تضمن تحصيل النتائج الدقيقة في ما يتعلّق بحقيقة مستوى الطلّاب. وأوّل هذه الإجراءات الضامنة تحقيق أهداف الأسئلة المفتوحة توعية عميقة وتدريبات مركّزة للطلّاب وأهلهم حول أهميّة التقييم، وضرورة الابتعاد عن الغشّ، والإجابة بموضوعيّة، والاعتماد على النفس، نظرًا لأنّ بعض الأهل لا يتوانون عن تقديم أيّ مساعدة، حتّى لو كانت ممنوعة، لرفع درجة أبنائهم. ومن هنا يتشكّل عندنا الإجراء الثاني الذي يكمن في تحديد معايير محدّدة للإجابة، يُخصَّص لكلّ منها جزء من العلامة، ثمّ يتمّ تدريب الطلّاب عليها، ويُحصَر تنفيذها في وقت محدّد. أمّا الإجراء الثالث فيتمثّل في حرص المعلّم على أن يصل بطلّابه إلى مرحلة من بناء الثقة، تجعلهم يدركون أنّ الهدف النهائيّ لهذه الأسئلة تحقيق نتاجات التعلّم كما يجب.  

إذا لم تحقّق هذه الإجراءات المصداقيّة التي يقتنع بها المعلّم، فعليه أن يُجري تعديلًا في آليّة تنفيذ استراتيجيّة الأسئلة المفتوحة مع طلّابه. فعندما يشعر أنّ الإجابة المقدّمة لا تلائم مستوى الطالب الذي قدّمها، يتوجّب إجراء مقابلة بالصوت والصورة باستخدام أحد التطبيقات، فيجري مع الطالب نقاشًا مُعمّقًا حول إجابته، أو يقوم باختيار الطلّاب عشوائيًّا. وهذا الأمر يكون متفقًا عليه بين المعلّم والطالب كيلا يخرج عن مقصده النبيل، ويكشف غشّه أمام زملائه، وأنّه تلقّى مساعدة خارجيّة، فيعرّضه بذلك إلى الإحراج، فقد يجري المعلّم، تفاديًا لذلك، مثل هذه المقابلات مع بقيّة الطلّاب، ليبرهن إمكانيّة تعرّض أيّ طالب للإجراء المُتَّخذ.

 

خاتمة

بناءً على ما تقدّم، نجد أنّ عمليّة تقييم الطلّاب عن بعد تحتاج دومًا إلى اختيار الأدوات والاستراتيجيّات المناسبة التي تحقّق هدف التعلّم، وتعكس الصورة الحقيقيّة لمستوى كلّ طالب، وتكشف عن مدى فهمه المعارف المكتسبة، وذلك يفرض بعض التحدّيات التي ينبغي على المعلّم الحذر منها واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تجاوزها.

 

المراجع

خضر، فخري رشيد. (2003). الاختبارات والمقاييس في التربية وعلم النفس. دار القلم.

قازي، كاليوبي، وشميس تيغران. (2020). إدارة تأثير فيروس كورونا المستجد على الأنظمة التعليميّة في أنحاء العالم. مدوّنات البنك الدوليّ.