ندوة: التقويم ودوره في عمليّة التعلّم
ندوة: التقويم ودوره في عمليّة التعلّم

عقدت منهجيّات ندوتها الشهريّة في 23 شباط 2022، تحت عنوان "التقويم ودوره في عمليّة التعلّم"، وركّزت الندوة على محاور ثلاثة، هي:

  1. مفهوم التقويم.
  2. السياسات ودورها في تغيير ثقافة التقويم.
  3. طرق التقييم وأدواته التي تساهم في تطوير العمليّة التعلّميّة.

وشاركَ في النّدوة كلّ من: أليس عبّود، مديرة مدرسة الأهليّة والمُطران- الأردن، وأسامة الميمي، مدير وحدة الإبداع في التعلّم في جامعة بيرزيت- فلسطين، ولور الأعور، رئيسة قسم اللغة العربيّة في مدرسة المنار الحديثة- لبنان. وأدار النّدوة الأستاذ محمود عمرة، مدير عام الأكاديميّة العربيّة الدوليّة في قطر، وعضو الهيئة التأسيسيّة لمنهجيّات.

 

مفهوم التقويم

استهلّ الميمي الحديث بتساؤلات مُختلفة تحضر بحضور مفهوم التقويم، على غرار: ماذا نُقيّم ولماذا؟ وكيف يكون التقويم جزءًا من عمليّة تصميم التعلّم؟ وهل هو تقييم التعلّم أم تقييم من أجل التعلّم؟ وأشارَ إلى أهمّيّة تأمّل هذه الأسئلة، إذ طرح سيناريوهات مُتخيّلة لأهداف تعليميّة، وطرح أقسامًا وأسئلة مُختلفة للهدف، في طريقهِ إلى توضيح عدم ربط أنواع التقييم بالواقع الفعليّ للهدف التعليميّ، وإظهار أنّ أساس عمليّة التقويم في واقع مدارس العالم العربيّ غير واضح وغير منهجيّ.

ووضّح الميمي في مداخلتهِ أهمّيّة وجود أسئلة جذريّة لعمليّة التقويم، بمعنى أن التساؤلات الأساسيّة، مثل سبب وجود المدارس والجامعات، والتأمّل بها، تمثّل أساسًا لعمليّة تقويميّة قويمة ومنهجيّة. وركّز على فكرة أنّ تصميم التعلّم عليه أن يُبنى على إنتاجيّة المعرفة والمهارات الحياتيّة، في إشارتهِ لأنّ تقويم التعلّم عليه أن يُبنى، كذلك، على ذات المفاهيم.

 

وانتقدت عبّود، في سياق حديثها، آليّات واقع التقويم اليوم المُتمثّل بإطلاق حُكم على المتعلّم، من خلال عمليّة فرز وترتيب للمتعلّمين. وأشارت إلى أنّهُ في الوقت الذي نُطوّر فيه، نظريًّا، أشكال تقويم تربويّة مُعاصرة، مثل التقويم التكويني، فإنّنا ما نزال، حسب قولها، ننظر إلى التقويم من منطلق وضعيّ تتمثّل بأنّ الحقيقة موجودة خارج الإنسان باستقلاليّة، يستطيع الباحث أو المعلّم قياسها بموضوعيّة وبدون تحيّز وشخصنة.

وعرضت عبّود نظريّات عرّفت مفهوم التقويم، مثل السّلوكيّة والإدراكيّة والبنائيّة، وذكرت أنّ هذه النظريات تمايزت في تفسير عمليّتيّ التعليم والتقويم وفي تحديد دور المتعلّم، ولكنّها أبقت المعلّم في دور قيادة التقييم؛ فهو يخطّط، ويحدّد الاستراتيجيّات، وينفّذ، وثم يقيّم. وأكملت حديثها بأنّ التقويم، بهذا، يبقى خاضعًا لسيطرة المعلّم، فهو مَن يقرّر ما إذا كانت الإجابات صحيحة أم لا. وطرحت، ضمن السّياق ذاته، سؤالًا هو: هل نستطيع الاستغناء عن عمليّة التقويم؟

 

أما الأعور، فبدأت بفكرة أنّ فقدان التقويم هو بمثابة فقدان الهدف من عمليّة التعليم، وداخلت حول التفريق الضروريّ بين عمليّتي التقويم والتقييم، فالتقويم يشمل التقييم بالإضافة لعمليّة الإصلاح، وأشارت لأهمّيّة عمليّة التقويم لكلّ عناصر العمليّة التربويّة، لما تفتح من مساحات تغذية ونقد للطالب والمعلّم على حدٍّ سواء، فيطوّر الطالب وسائل إنتاج المعرفة، ويطوّر المعلّم من أساليبه التربويّة.

وأشارت الأعور إلى تغيّرات مفهوم التقييم، فبعد ما كان يعني التصنيف بات يُستخدم من أجل خدمة التعلّم، وبعد ما كان يُستخدم لقياس المعرفة فقط بات يُستخدم من أجل التعلّم، وهي الطريقة المرنة السّاعية إلى التركيز على اندماج الطلبة والمعلّمين في عمليّة تعليميّة متناغمة، فيصبح التقييم عمليّة يوميّة داعمة للتعلّم لا عمليّة فصليّة تقوم على تصنيف من يعرف ومن لا يعرف.

 

السياسات ودورها في تغيير ثقافة التقويم

أكّد عمرة على تغيّر مفهوم التقويم، الذي انتقل من تقييم التعلّم إلى التقييم من أجل التعلّم، وطرح سؤال المحور الثاني وهو: مع تطوّر مفهوم التقويم، هل تتطوّر السياسات التربويّة، سواء على مستوى وزارات أو مدارس أو جامعات، بما يتوافق مع تطوّر المفهوم؟ وأشار إلى أنّنا إن نظرنا إلى الغالبيّة العظمى من مدارس العالم العربيّ، نلاحظ أنّ أدوات التقييم التقليديّة هي السائدة، وطرح سؤالًا آخر هو: إلى أي مدى هذه السياسات تُيسّر أو تُعيق تطبيق مفهوم التقويم؟

استهلّت عبّود حديثها، ضمن هذا المحور، بفكرة أنّ نظام قبول الجامعات، المُرتكز بالأساس إلى نظام العلامات ونتائج الامتحانات النهائيّة، يُقيّد حركة المدارس، ويجبرها في بعض الأحيان إلى الالتصاق بالتقييم التقليديّ. من هُنا أشارت عبّود إلى دور السياسات الهامّ في تغيير نظام قبول الجامعات، وذكرت إلى أنّ انعدام التغيير في هذه السياسات سيفرض صعوبة بالغة في تغيير عمليّة التقييم في المراحل الثانويّة على الأقلّ.

رأى الميمي في حديثه أنّ نظام القبول المُشار إليهِ مُضرّ بعمليّة التعلّم، ويُفقدها عناصر أساسيّة فيها. وهُنا دعا إلى دمج بين الطرق التقليديّة والطرق الحديثة وبالتالي طرق التقويم كحلّ آنيّ واقعيّ، وتابع أنّ لا بدّ للجامعات من تغيير سياساتها من مُنطلق مُراجعة أهدافها ومراجعة طُرق التقويم فيها. وأشار إلى الحاجة لثورة تدريجيّة في المرحلة الحاليّة على مستوى المدارس والجامعات.

أمّا الأعور فتحدّثت حول اعتمادها آليّة للتحايل على الواقع، وهي التركيز مع الطلّاب على فكرة الفهم المُعمّق للمعلومة، والحوار مع الطلبة على قاعدة أنّ هدف التعلّم ليس العلامة إنّما توظيف هذه المعارف المُختلفة في الحياة اليوميّة، وأنّنا بحاجة في الحياة لمهارات كثيرة وقيم، بعيدًا عن المادّة والعلامة، لتكوين حافز داخليّ للتعليم يتمثّل بالتعليم من أجل الثقافة.

 

طرق التقويم وأدواته التي تساهم في تطوير العمليّة التعلّميّة

استهلّت الأعور هذا المحور بالحديث حول الطّريقة التي اعتمدتها للتقييم في مادّة اللّغة العربيّة خلال فترة الجائحة، ذلك لتحقيق عدالة أكثر ضمن هذه العمليّة ولتحقيق دقّة أعلى في التقييم ولمراعاة الفروق الفرديّة، وهي: التخطيط من أجل الفهم، وأضافت أنّ هذه الاستراتيجيّة تعتمد، بالأساس، على مراحل ثلاثة في وضع خطّة الدرس، تتمثّل هذه المراحل بـِ: تحديد للنتائج والأهداف المرجوّة أولًا، وثانيًا تحديد الأدلّة التي تُشير إلى أنّ الطلبة قد حقّقوا الأهداف، وثالثًا خطّة التعلّم والتقييم. وأشارت الأعور إلى أنّها استطاعت تحقيق استراتيجيّة تعلّم وتقييم مرنة تعتمد على التشاركيّة والحوار والتفكير النّاقد، وتُنتج فهمًا عميقًا للمفهوم التعليميّ، وتمرينًا مُمتازًا للمهارات الحياتيّة.

 

وعرضت عبّود نموذج تقييم هو المشروع الشخصيّ في برنامج السنوات المتوسّطة، وهو برنامج يوفّر فرصة للطلبة لإجراء استكشاف مستقلّ وملائم عمريًّا في أحد مجالات اهتماماتهم الشخصيّة، وعبر عمليّة البحث والاستقصاء والعمل والتأمّل، يشجّع الطلاب على عرض مهاراتهم في أساليب التعلّم وتقوية تلك المهارات. وأضافت عبّود بانّ هذا المشروع ذات طبيعة شخصيّة مهمّة، فهو يتيح للطلّاب استكشاف مجال يحفّزهم ويثير اهتماماتهم، من خلال اختيار الطلبة ما يودّون التركيز عليه، الأمر الذي قد يكون مجالًا قائمًا أو اهتمامًا جديدًا، ويختارون الطريقة التي ستوصلهم إلى تحقيق الهدف، ويضعون معايير نجاحهم في المنتج. وأشارت إلى أنّ هذا المشروع يوفّر فرصة ممتازة للطلاب لإنتاج عمل شخصيّ ومنتَج إبداعيّ وإظهار دمج تعلّمهم.

 

وضمن السّياق ذاته، قدّم الميمي مثالًا من قصّة من المنهاج الفلسطينيّ للصفّ الثالث حول تكامل عمليّة التعلّم مع عمليّة التقويم، وهو التعلّم من خلال الدّرس والبحث، ومن خلال دمج قضايا الدروس بأخلاقيّات مُستقاة من الواقع، وتعزّز العمليّة بمصفوفة تقييم تعمل على رصد متكامل للمهارات وتعطي المعلّم ملاحظات وإشارات حول فهم الطلبة وامتلاكهم للأدوات وتحقيق المعلّم، بالتّالي، لأهدافه. وأشار إلى أنّ التعليم بهذا يُصبح جزءًا من عمليّة التعلّم، وفكرة داعمة لأهداف المعلّم ومهارات الطلبة.

 

وفي خِتام الندوة ذكّر عمرة بأنّ عمليّة التقويم هي جزء من عمليّة التعلّم، وبالتّالي فإنّه من غير الممكن تطوير جزء من هذه العمليّة دون أن ننظر للصّورة بشكلٍ شاملٍ، وأشار إلى ضرورة التنسيق بين جهات عديدة والتواصل بينها، مثل الجامعات والمدارس، وأضاف، إلى حين حدوث التغيير المأمول، فإنّهُ من غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي، فلا بدّ أن يكون هُنالك مبادرات وفعل سواء من المعلّمين أو التربويّين أو الإدارات، لأخذ خطوات تهدف لتقليص الفجوة بين واقع التقويم ومفاهيمه المُعاصرة، وذلك لتقريبنا أكثر من أهدافنا المرجوّة.