طارق محمد- معلّم مرحلة ابتدائيّة- الأردن/ قطر
طارق محمد- معلّم مرحلة ابتدائيّة- الأردن/ قطر
2023/09/07

لو كنت طالبًا اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

أحبّ أن يكون التعليم مرتكزًا إلى اهتماماتي وأهدافي الشخصيّة، ما يمكّنني من اختيار المواضيع والمجالات التي تثير اهتمامي وتعزّز مهاراتي العمليّة.

من جانب آخر، أحبّ أن تتنوّع أساليب التعلّم والتعليم ولا تنحصر بأسلوب واحد فقط. لو عاد بي الزمان وكنت طالبًا، لأحببت أن يكون تعلّمي بشكل تفاعليّ وتعاونيّ من خلال ورش العمل والمناقشة والتفاعل النشط بين التلاميذ والمعلّمين.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

من وجهة نظري، من الضروريّ في العمليّة التعلميّة الجمع في التخطيط، بين إكساب التلميذ المهارات الاجتماعيّة اللازمة وتعليم المعارف العلميّة. وإذا أحسن المعلّم التخطيط لذلك، ووضع استراتيجيّات متنوّعة وهادفة لتحسين المهارات الاجتماعيّة وحصول التلميذ على المعارف العلميّة المطلوبة، فإنّ العمليّة التعلميّة ستصبح ناجحة وذات أثر كبير. كما سيكون التعلّم ممتعًا للطالب، ومحفّزًا له على الاستمرار في التعلّم والتطوير.

ومن الطرق التي يمكن من خلالها التوفيق بين ذلك هي:

  • - توفير بيئة تفاعليّة للتلاميذ للتواصل والتفاعل، عن طريق إتاحة الفرص للمناقشات وإبداء الرأي، وتبادل المعرفة والأفكار.
  • - العروض التقديميّة التفاعليّة والمشتركة، بحيث يستطيع التلاميذ مشاركة المعارف العلميّة ونتائج الأبحاث التي توصلوا إليها مع زملائهم. وفي الوقت ذاته، يستطيع الزملاء مناقشة ما يعرض عليهم، ويبدون آراءهم وتعليقاتهم حيال ذلك.
  • - المشاريع الجماعيّة التي من خلالها يتمكّنون من تبادل الخبرات والمعارف، وتقوية المهارات التواصليّة والاجتماعيّة لديهم.

 

كيف تحدّد أهمّيّة دورك، معلّمًا، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

دور المعلم، مع جيشان ثورة الذكاء الاصطناعيّ وتقدّمها في مجالات عديدة، لا يمكن إغفاله، كما لا يمكن التقليل منه؛ ذلك أنّ التعليم ليس هو الحصول على المعارف والمعلومات فحسب، وليس إنجازًا لمشروع ما فقط، بل يتجاوز ذلك. يشمل التعليم ما يكون حاصل جوهره بناءَ الإنسان المتوازن المهتمّ صاحب المبادئ والأخلاق، والذي يسعى إلى خدمة مجتمعه والسعي نحو إصلاح العالم، وجعل الأرض مكانًا آمنًا صالحًا للحياة السعيدة. لا تقوم هذه الأمور الجليلة العظيمة إلّا من خلال التفاعل الإنسانيّ العميق مع التلاميذ، من خلال المعلّم الذي يوفّر الفرص لإيجاد هذه التوازنات في العمليّة التعليميّة.

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

الإشراف التربويّ جزء مهمّ في العمليّة التعليميّة، فلا يخلو صرح علميّ من هذا القسم. ومع ذلك، فإنّ الإشراف التربويّ يكون مفيدًا إذا قام بالدور المنوط به على أكمل وجه؛ وهو تحسين جودة التعليم، وتوفير الدعم اللازم للمعلّمين بالتدريب والمتابعة والتحفيز، وتقديم الملاحظات البنّاءة، بهدف تحسين أساليب التدريس وتوفير بيئة تعلّميّة إيجابيّة وآمنة.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

هذا سؤال مهمّ للغاية لتعلّقه بالصحّة النفسيّة للطالب بشكلٍ خاصّ، والبيئة التعليميّة بشكلٍ عامّ. وقبل عرض بعض الأساليب التي أعتبرها ناجعة في الإسهام في خلق بيئة صحّيّة وآمنة وداعمة لحلّ النزاعات بين الطلاب، تجدر الإشارة إلى أنّ استخدام هذه الأساليب لا بدّ أن يكون مستمرًّا حتّى يصبح مألوفًا بين الطلّاب، وجزءًا من روتينهم الذي يلجؤون إليه في حلّ النزاعات وإنهاء المشاكل.

أمّا عن الأساليب، فهذا بعض منها:

  • - مشاركة سياسة السلوك المدرسيّة مع جميع أفراد المجتمع المدرسيّ عند بداية العام الدراسيّ. وعقد اجتماع يضمّ أولياء الأمور لمشاركتهم هذه السياسة، فلأولياء الأمور دور رئيس في تقويم سلوك الطالب، وتعزيز الالتزام بقوانين المدرسة.
  • - دور المعلّم كبير وعظيم داخل الغرفة الصفّيّة، إذ هو الوسيط الذي ينظّم العمليّة التعليميّة داخل الصف، وهو الذي يدير الصفّ، ويهيّئ الأجواء الإيجابيّة المبنيّة على الاحترام المتبادل بين الطلّاب، ويعزّز الحوار والتواصل بينهم.
  • - من بداية العام الأكاديميّ، ينبغي على المعلّم وضع اتفاقيّة صفّيّة (قواعد السلوك في الصفّ)، يشارك الطلّاب بوضعها ويظهرون اتفاقهم التامّ على الالتزام دائمًا.
  • - استخدام استراتيجيّات متنوّعة لحلّ المشكلات وتفادي النزاع، مثل تدريب الطلّاب على استخدام (عجلة الاختيار) في حلّ النزاع، وكذلك إتاحة المجال للطلّاب للتعبير عن أنفسهم، والتأمّل في تصرّفاتهم وأفعالهم.
  • - التأكّد من تطبيق مبدأ العدل والمساواة من أهمّ الأساليب في حلّ النزاعات وإحلال السلام.
  • - عقد ورش عمل تطبيقيّة من قبل قسم الإرشاد التربويّ، لتعزيز التصرفات السليمة ونبذ التصرفات السلبيّة.

أمّا في ما يتعلق بالشقّ الثاني من السؤال، فعلى جميع أفراد المجتمع المدرسيّ أن يكونوا طرفًا في عمليّة تطبيق سياسة السلوك المدرسيّ، والتوعية بالالتزام بالأخلاق الحميدة، والتعامل القائم على الاحترام بين الجميع. وفي ما يخصّ الأطراف المشاركة عند حدوث النزاع، فإنّ ذلك يعتمد على طبيعة المشكلة من حيث حجمها ومدى تأثيرها، فمن الخلافات ما يمكن حلّها بين الطلّاب أنفسهم، ومنها ما يكون مع معلّمهم، ومنها ما يتطلّب تدخل الإدارة وحضور أولياء الأمور.

أؤكّد ختامًا على أنّ حلّ النزاعات بشكل فعّال داخل الغرفة الصفّيّة، يعزّز الأجواء الإيجابيّة للتعلّم، ويقلّل من نسبة المشاكل، ويسهم في بناء مجتمع مدرسيّ صحّيّ وسليم.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ وذو فائدة كبيرة، ولكن ليس دائمًا. الاستفادة من الأدوات التكنولوجيّة في التعليم تعتمد على طريقة استخدامها والهدف المرجو منها. لا شكّ في أنّ التكنولوجيا تعزّز التفاعل والتشارك بين الطلّاب، كما تحفّز على التعلّم، لما فيها من وسائل ووسائط محبّبة للطالب. ومن جهة أخرى، فإنّ استخدام الأدوات التكنولوجيّة يساعدنا في التقييم وتحليل النتائج. ومع ذلك، ينبغي استخدام هذه الأدوات مع الطلّاب بشكل متوازن مراعاة الهدف من الاستخدام وتقييمه، وكذلك مراعاة الاستخدام الآمن لهذه الأدوات لتجنّب التأثيرات السلبيّة المحتملة.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

الأهل عنصر مهم وفاعل في المجتمع المدرسيّ، ولا تكتمل عمليّة تعلّم الطالب بدونهم. يعتبر تدخل الأهل مصدرًا قويًّا لدعم الأبناء، فهم حريصون كلّ الحرص على أن يتلقّى الأبناء أفضل تعليم وأحسن توجيه، إلا أنّ تدخّل الأهل ليس ضروريًّا أو فعّالًا دائمًا. ولهذا فلا بدّ للأهل من مراعاة هذا التدخّل والأوقات المناسبة له.

يعتبر الدعم العاطفيّ من الأهل أمرًا مهمًّا حتّى يشعر الأبناء بالتحفيز والتشجيع المستمرّ. كما أنّ الإشراف والتوجيه من الأهل يكمل دور المدرسة في تحسين مستوى الأداء للطالب. وكلّما كان التعاون بين الأهل والمدرسة إيجابيًّا قائمًا على الفهم المشترك، كان التدخّل ناجعًا مثمرًا. ومن جهة أخرى، فإن توقيت التدخّل المناسب للأهل يعتمد على الحالة الفرديّة للطفل، فقد يكون التدخّل فعّالًا عندما يكون الطفل في حاجة إلى مساعدة إضافية في موضوع محدّد، أو عندما يواجه صعوبات في المدرسة. كلّ هذا مع الأخذ بعين الاعتبار احترام استقلاليّة الطفل، وتعزيز ثقته في قدراته واختياراته، ولهذا لا بدّ من إشراك الطالب نفسه في صنع القرارات المتعلّق بتعلّمهم، وتشجيعهم على تطوير مهارات التفكير، والمشاركة في عمليّة التعلّم.

 

هل تجد أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

أرى أنّه لا يجب التخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل، لأنّ واضعيه على درجة كبيرة من الخبرة في المجال التربويّ والتعليميّ، وفي الكتاب فوائد كثيرة. ومع ذلك يجدر التنبّه إلى ضرورة التخلّي عن اتّخاذ الكتاب المدرسيّ مصدرًا وحيدًا في التعليم. نعلم أنّ مناهج التعليم، سواء الوطنية منها أو الدوليّة، تطوّرت تطوّرًا كبيرًا، واتفقت جميعها على ضرورة تعدّد المصادر في التعليم، وبات المعلّمون في عمليّة التعليم يتجاوزون الكتاب المدرسيّ، بل ويتداخلون مع موادّ أخرى باستخدام الروابط والاندماج التي تدور مع المفاهيم والأهداف الموضوعة. إلا أنّه لا بد من مراقبة الأداء والتأكّد المستمرّ من تنوّع المصادر أثناء التخطيط والتنفيذ.

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

ذلك يعتمد على المرحلة العمريّة، فالتلاميذ الصغار في مرحلة الروضة يكون دوامهم اليومي أقصر من دوام طلبة المرحلة الابتدائيّة الذي يتراوح بين خمس إلى ستّ ساعات، في حين يكون دوام طلبة المرحلة الإعداديّة أكثر بقليل. إلّا أنّ تقييم مدّة الدوام التي تلبّي احتياجات الطلّاب التعليميّة، وتفسح أمامهم المجال لممارسة نشاطاتهم المختلفة، والاستماع إلى مختلف أصحاب المصلحة، هو العامل الأكبر في تحديد مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ.

 

صِف لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمًا عنوان رواية لذلك، وأخبرنا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

دار في خلدي رواية "قمر على سمرقند" للروائي محمّد المنسي قنديل، إذ هي رحلة للبحث عن الذات والهويّة والمصير الإنسانيّ؛ رحلة فيها ربط للماضي بالحاضر، واستكشاف لجوانب النفس الإنسانيّة ودوافعها.

وهذه الرواية تعكس مسار التعليم في مدرستي من عدّة جوانب، أهمّها:

  • - تعكس رسالة المدرسة، التي تتلخّص في تهيئة تلاميذ مستكشفين لذواتهم، متحلّين بصفات تؤهّلهم ليكونوا قادة المستقبل.
  • - الاعتزاز بالهويّة والتراث.
  • - الواقعيّة التي تتضمّن في ثناياها توفير فرص التعلّم الحياتيّة، والتعلّم من النجاح والفشل.