مريم نهار- معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين/ قطر
مريم نهار- معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين/ قطر
2025/07/03

ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟

أعتقد أن أنجح استراتيجيّة تدريسيّة استخدمتها في صفي كانت التعلّم القائم على الاستقصاء. طبّقتها باستخدام روتينات التفكير المرئيّ بانتظام، بدمج روتينات مثل "أرى - أفكّر - أتساءل"، "اتّصل - توسّع - تحدَّ"، "جسر 3-2-1"، وغيرها بشكل دوريّ ومتكرّر. تمكّنت من خلق بيئة تعليميّة تحفّز الطلّاب على تنمية مهارات التفكير التأمليّ والنقديّ، وتُغيّر من طريقة تفاعلهم مع المفاهيم الجديدة.

 

كيف توازنين بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟

أرى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ أدوات قويّة تدعم التدريس، لكنّها لا تحلّ محلّه. بعض الطرق التي أستخدم فيها الذكاء الاصطناعيّ تتضمّن تبسيط عمليّة التخطيط والمهامّ الإداريّة، ما يوفّر وقتًا أكبر للتركيز على تفاعليّ مع الطلّاب. كما أراجع وأخصّص المحتوى الذي يولّده الذكاء الاصطناعيّ ليتناسب مع احتياجات الطلّاب وسياق الصفّ الخاصّ بي.

داخل الفصل، أختار التكنولوجيا التي تشجّع على التعاون بين الطلّاب بدلًا من العزلة، مثل المنصّات التصميميّة للعمل الجماعيّ والمحاكاة التفاعليّة التي تساعد على تبسيط المفاهيم المجرّدة والمعلومات النظريّة. في الوقت نفسه، أحرص على تخصيص فترات لا نعتمد فيها على التكنولوجيا، ما يتيح مساحة أكبر للنقاشات المباشرة والأنشطة العمليّة، حيث يمارس الطلّاب مهارات اجتماعيّة أساسيّة مثل الاستماع الفعّال والتعاطف وغيره.

 

في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟

في بداية مسيرتي التدريسيّة، كنت أرتكب خطأ نابعًا من حسن النيّة، أثّر في تفاعل الطلّاب داخل الفصل الدراسيّ. بسبب حماسي للحفاظ على سير الدروس بسلاسة: لم أُخصص وقت انتظار كافيًا بعد طرح الأسئلة على الطلّاب. في كثير من الأحيان، كنت أجيب عن السؤال بنفسي أو أختار الطالب الذي يرفع يده بسرعة. لم أدرك أنّ هذه الممارسة تفضّل الطلّاب الأكثر ثقة، وتستثني الآخرين الذين يحتاجون إلى مزيد من الوقت للتفكير. تعلّمت مع مرور الوقت أنّ زيادة وقت الانتظار من ثانية إلى ثلاث ثوانٍ أو خمس، من الممكن أن تحسّن بشكل كبير من جودة الإجابات التي أتلقاها من الطلّاب وعددها. وعندما بدأت بتطبيق هذه الاستراتيجيّة بوعي، كانت النتائج مذهلة. بدأ الطلّاب الذين نادرًا ما يشاركون، بمشاركة أفكارهم، وارتفعت جودة الإجابات بشكل ملحوظ لأنّهم بدأوا بالحصول على وقت أكبر لتجميع أفكارهم. بتجنّب ملء الصمت بصوتي، أصبحت المناقشات في الصفّ أغنى وأكثر تفاعلًا من الطلّاب.

 

افترضي أنّك تقومين بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعرين بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟

سأقدّم ورشة استراتيجيّات عمليّة لتصميم تجارب تعليميّة تُثير الفضول الحقيقيّ وتشجّع على التفكير العميق. سيتعلّم المعلّمون تقنيّات لصياغة أسئلة وسيناريوهات محفّزة على التفكير، ترتبط بحياة الطلّاب واهتماماتهم. سنناقش أيضًا طرقًا لتعزيز التأمّل العميق لدى الطالب طوال رحلة التعلّم، ما يساعد الطلّاب على تطوير مهارات التفكير الناقد لديهم. كما ستتضمّن الورشة حوارًا حول تحقيق التوازن بين توجيه المعلّم واستقلاليّة الطالب، لضمان حصول المتعلّمين على الدعم الكافي وتحدّيهم فكريًّا في الوقت ذاته.

 

هل ترين أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترحين مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟

نعم، أؤمن بأن بناء شبكات الحوار بين المعلّمين في العالم العربيّ أمر ضروريّ. القضايا المعقّدة التي نواجهها بشكل مستمرّ، تتطلّب منّا تبادل التجارب والإنجازات، بدلًا من مواجهة هذه التحدّيات بشكل منفرد ومنعزل. لذلك، أقترح إنشاء منصّة تجمع المعلّمين العرب من خلال مجتمع إلكترونيّ فعّال، أو عقد ملتقى دوريّ يجمعهم، حيث يمكنهم تبادل الأفكار، التواصل مع المرشدين، والتعاون على إيجاد حلول للتحديّات المشتركة في الفصول الدراسيّة، مهما كان مكان عملهم. ستعزّز هذه المبادرة التنوّع الثقافيّ، وتبنّي مجتمع مهنيّ يضمن مشاركة الجميع. من خلال التعلّم من بعضنا البعض، يمكننا تطوير أساليب تدريس تحترم تراثنا العربيّ الغنيّ، وفي الوقت ذاته تزود طلّابنا بالمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح في المستقبل.

 

كيف تتعاملين مع أولياء الأمور وتشجّعينهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟

أبني علاقات قويّة مع أولياء الأمور من خلال تواصل منتظم ومنفتح. أحرص على إبقائهم على اطّلاع دائم عبر منصّتنا المشتركة حول ما يحدث مع أطفالهم، وأسعى لتوفير مساحة للاستماع لهم عندما تكون لديهم أسئلة أو مخاوف بشأن أطفالهم. عندما يواجه الطالب تحديّات. بالإضافة إلى ذلك، أسعى قدر الإمكان لخلق فرص لأولياء الأمور لرؤية تعلّم أطفالهم بشكل مباشر، من خلال احتفالات التعلّم والمشاريع الختاميّة للوحدات.

 

كيف تُحافظين على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟

المحافظة على رفاهيتي وسط تحدّيات التدريس تبدأ بوضع حدود واضحة بين عملي وحياتي الشخصيّة، وهو شيء أعمل على تحقيقه بشكل مستمرّ. كما يشكّل وجود دائرة من الأصدقاء المعلّمين دعمًا أساسيًّا عند مواجهة الصعوبات. وعندما تصبح الأمور صعبة، أعود إلى "لماذا" بدأتُ التدريس في المقام الأوّل، فأذكّر نفسي بالشغف الذي دفعني إلى هذه المهنة. هذا يساعدني على الحفاظ على منظور متّزن خلال الفترات الصعبة. كما تعلّمتُ كيف أدير توقّعاتي، وأتقبّل الطبيعة غير المتوقّعة للتدريس، بدلًا من محاولة السيطرة على كلّ شيء، طوّرتُ مرونة تُمكّنني من التكيّف مع التغييرات والتعامل معها بسهولة أكبر. هذا التغيير في طريقة التفكير قلّل من توتري بشكل كبير، وساعدني على التعامل بإيجابيّة أكبر مع التحدّيات الحتميّة في هذه المهنة.

 

ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟

أعتمد على قوائم المهامّ المُرتبة حسب الأولويّات لأتمكّن من التركيز على ما هو مهمّ حقًا. كما علّمتني التجربة أن طلب المساعدة ليس ضعفًا، بل قوّة. في بداية مسيرتي معلّمةً، كنتُ أتردّد في طلب المساعدة، معتقدةً أنّ عليّ التعامل مع كلّ شيء بمفردي. لكن، الآن أدرك أنّ التعاون يؤدّي غالبًا إلى نتائج أفضل للطلّاب. وربما الأهمّ من ذلك، أنّني تحرّرت من السعي وراء الكمال. هذا التغيير في طريقة التفكير سمح لي بتوجيه طاقتي إلى ما يحدث فارقًا حقيقيًّا في تعلّم الطلّاب، بدلًا من الانشغال بالتفاصيل الثانويّة والمهامّ الأقلّ أهمّيّة.

 

اذكري أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.

أؤمن بأنّ التدريس قد أثّر في شخصيّتي بشكل كبير، سواء على الصعيد الشخصيّ أو المهنيّ. ساعدني هذا المجال على تطوير مهارات قيّمة مثل التكيّف مع المواقف غير المتوقّعة، والانفتاح على التغذية الراجعة. كما أصبحت شخصًا متحمّسًا للتعلّم أكثر، سواء من أجل نفسي أو من أجل طلّابي. والأهمّ من ذلك، أنّني أشعر بفخر حقيقيّ لأنّ عملي يحدث فارقًا حقيقيًّا في حياة الأطفال. ومع ذلك، فإنّ التحدّي الأكبر يكمن في الإرهاق الذي يأتي مع تقديم الكثير من نفسك يومًا بعد يوم. التدريس يمكن أن يكون مرهقًا جسديًّا وعقليًّا، والعمل يمتدّ في كثير من الأحيان إلى فترات المساء وعطلات نهاية الأسبوع. هناك أوقات أشعر فيها أنّ إيجاد التوازن صعب، على رغم أنّني أحبّ ما أفعله. إنّه مجال يتطلّب الكثير، ولكنّه أيضًا يمنحك الكثير.

 

ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟

إحدى اللحظات المضحكة التي أتذكّرها حدثت خلال درس علميّ عن الفصل اللونيّ قبل بضع سنوات. كنا نستكشف كيف تساعد هذه التقنيّة على حلّ الجرائم، وقررت تحويل الدرس إلى تمثيل دراميّ. أخذت نظارات شمسيّة، وضعت سماعة، وتحوّلت إلى شخصيّة محقّق شديد الجدّيّة، وطلبت إلى طلّابي مساعدتي في حلّ "قضيّة جريمة قتل". أضاءت وجوههم بالفضول والمرح عندما رؤوا معلّمهم في هذا الدور غير المتوقّع. ما أحبّبته أكثر لم يكن فقط ردود أفعالهم الإيجابيّة تجاه التمثيليّة، بل أيضًا كيف انخرطوا سريعًا في السيناريو. أصبحوا متحمّسين جدًا لاستخدام معرفتهم الجديدة حول فصل المخاليط لتحليل "الأدلّة". عندما أتذكّر هذه اللحظة، أفكّر كيف أن هذه اللحظات العفويّة والممتعة التي نتعلم فيها معًا، هي التي تقوّي الروابط بين المعلّم والطالب.