تعلُّم الطلّاب عبر مُمارستهم التدريس
تعلُّم الطلّاب عبر مُمارستهم التدريس

جايسون إبرِل

حين يُقدّم طلّاب المدارس الثانويّة درسًا، فإنّهم ينخرطون بنشاط في التعلّم، ويُطوّرون مهارات البحث والتنظيم والمُحادثة. 

 

بعد مرحلة الجُهد والحماس في الأشهر الأولى من ارتياد الطلّاب المدرسة، يحمل فصلا الخريف والشتاء، كما يحدث كلّ سنة دراسيّة، تحدّي الحفاظ على مثابرة الطلّاب على الانخراط في الدرس. هذه المرحلة الدقيقة من العام الدراسيّ توفّر للمدرّسين فرصةً للإبقاء على التزام الطلّاب الأساسيّ من خلال "التعلّم بالمشروع"* الذي يُعزّز لديهم التعاونَ والاختيار.

في مقالة له بعنوان "بحثٌ جديدٌ يجعلُ التعلّم بالمشروع فعّالًا"، نُشرت على موقع (Edutopia)، نقلَ إلينا يُوكي تيرادا (Youki Terada) ببلاغةٍ قِيمَةَ التعلّم بالمشروع، عندما كتب أنّ التعلّم بالمشروع "يُعزّز لدى المتعلّمين الصغار الشعور بالهدف الذي يَصْبُون إلى تحقيقه، ويدفعُهم إلى التفكير الناقد، ويهيّئهم لمهنٍ تُقدّرُ مهاراتٍ مثلَ التعاونِ وحلّ المشكلاتِ والإبداع".

يعرف المعلّمون أنّ التعلّم سلسلة لا تنتهي، لذلك نحنُ ندرك تمام الإدراك أنّ المعلّمين يدخلون حياتنا باستمرار ويغادرونها. وقد نقضي ساعات في ندوات التطوير المهنيّ التي يُدرّسها خبراء، ولكن، في بعض الأحيان، يكون أفضلُ مُدرّسينا موجودًا في فصولنا الدراسيّة. نعلم جميعًا، أيضًا، أنّ أحدَ أفضل مظاهر إتقان مهارة مُعيّنة هو تعليم شخص آخر إتقان تلك المهارة.

 

درِّسْ لتتعلّم

يُعتبر قلب الأدوار في الفصل الدراسيّ واحدًا مِن أكثر الاستراتيجيّات نجاحًا لتعزيز انخراط الطلّاب في الدرس، والذي يمكن أن يُعتمد في أيّ وقت؛ حيث يقومُ المعلّمون بإسناد مهمّة التدريس إلى طلّابهم. يشكّل الدرس التعليميّ الفعّال في نظري، القائم على المشروع والمُتمركز حول الطالب، نوعًا خاصًّا من المشاريع التعاونيّة: إنّه محاضرةٌ يُلقيها الطالب. عزّزتْ هذه الاستراتيجيّة في صفوفي انخراط الطلّاب في التعلّم، ولا سيّما في نهاية فصل، أو نهاية العام الدراسيّ.

عايشتُ تجربتي الأولى مع محاضرات الطلّاب في الكلّيّة عندما كلّفني أستاذ الأدب بإعداد مشروع محاضرة تعاونيّ. كان المجال مفتوحًا أمام مجموعتي لاختيار موضوع المحاضرة وتقديمها لزملائنا، وتعليمهم درسًا اجتهدنا في إعداده. أتذكّر جيّدًا هذه التجربة بعد انصرام عقود من الزمن: لقد كانت تجربة تعليميّة قويّة، ترَكتْ في نفسي أثرًا لا يُمحى حتّى يومنا هذا. واليوم، هدفي أن يحصُل طلّاب المدرسة الثانويّة على فرصة مثيلة لا تُنسى.

 

يتميّز أسلوبي الخاصّ في تكليفِ الطلّاب بإعداد محاضراتٍ بأنّه بسيطٌ ومباشر: في مجموعات صغيرة من ثلاثة أو أربعة طلّاب، أحدّدهم أنا أو هم، يبحث الطلّاب في موضوع يهمّهم، ويعدّون محاضرة، ثمّ يقومون بتعليم درسٍ حضّروه بعناية للفصل بأكمله (ولي أيضًا). هنا يصبح الطلّاب مُدرّسين، وبالتالي خُبراء في موضوع بحثهم. وتكون لدى الطلّاب مجموعة متنوّعة من الاهتمامات للاختيار منها: إلقاءُ محاضرات حول تحليل الزمن والذكرى في الشعر الرومانسيّ، أو عناصر السيرة الذاتيّة في مقالات فرجينيا وولف، أو الاستراتيجيّات الخطابيّة لرؤساء الولايات المتّحدة أو قادة العالم.

تقومُ المجموعات، أيضًا، بإعداد تقييماتٍ واختباراتٍ لتقديمها إلى طلّاب الفصل الدراسيّ. وتجيب عن مجموعة متنوّعة من الأسئلة لاختبار معرفة أعضائها بالموضوع المُختار. وغالبًا ما يقوم الطلّاب بتكليف زملائهم بإنجاز واجبات منزليّة. أخيرًا، يتأمّل كلّ طالبٍ ذاتيًّا تجربةَ التعلّم هذه. وتكون هذه اللحظة مناسَبَةً للكشف عن الأعمال الداخليّة المرتبطة بحركيّة المجموعة، مثلَ ما الذي نجحَ أو لم ينجح، ومَن قام بكلّ العمل، وما إلى ذلك.

والنقطة الأهمّ في العمليّة، أنّ الطلّاب لا يقتصر تعلّمهم من المحاضرات التي يُلقونها، على المهارات الأساسيّة مثل البحث، والاستيعاب القرائيّ، والعرض الشفهيّ، والتفكير؛ بل إنّها تُوفّر لهم إحساسًا بامتلاك التعلّم، ما يُشجّع فضولهم الجماعيّ. إنّ محاضرات الطلّاب تُعلّم المُحتوى، ومجموعةً متنوّعةً من المعارف المشتركة بين المناهج الدراسيّة.

 

أمّا بالنسبة إلى المعلّم، فثمّة مُقابلٌ مُجزٍ، هو غبطته، يتمثّل في رؤية مجموعة من طلّابه وهُم يُحاضرون أمام طلّاب آخرين، بل رؤيتهم يُصبحون مُعلّمين مُتعلّمين للآخرين. ولا ينبغي أن يقتصر الجمهور على زملاء الطلّاب؛ فقد قمتُ عدّة مرّات بدعوة زملائي من مُعلّمي اللغة الإنجليزيّة، ومُعلّمي الدراسات الاجتماعيّة، ومديري المدارس، وغيرهم من الإداريّين، ليكونوا "الطلّاب" عند طلّابي المُحاضِرين.

أثناء إلقاء أحدِ الطلّاب محاضرةً حول الربط بين الأفكار الرئيسة لدى جون كيتس وف. سكوت فيتزجيرالد، استجوب مُدرّس اللغة الإنجليزيّة طلّابي بسلسلة من الأسئلة الصّعبة، أجاب عنها المُحاضِرون بثقة وثبات. إذا كنّا نأمُل في غرس محبّة التعلّم مدى الحياة في طلّابنا، ألن يكون من الجيّد غرس محبّة التدريس في نفوسهم أيضًا؟

 

يُمكن توظيفُ محاضرات الطلّاب بأساليب مُدهشة. في مدرستي، خَصّصَ قسم الدراسات الاجتماعيّة مشروع محاضرة يمتدّ على مدار العام. تُحدِّدُ المجموعة قضيّةً يُواجهها مجتمعنا، محلّيًّة أو وطنيّة أو عالميّة، ثمّ تبحث في الحلُول المُحتملة لهذه المشكلة. تعقِدُ المجموعات المُقابلات، وتجمع المعلومات، وتُحدّد خطّة التصميم، وتستعدّ لإلقاء المحاضرات. في نهاية العام الدراسيّ، نعقدُ ندوةً مسائيّة تُحاضر فيها كلّ مجموعة أمام زملائهم والمعلّمين وأعضاء من المجتمع. يُوفّر نشاطُ إلقاءِ المحاضرة هذا، والذي يستمرّ مدّة عام، تجربة تعليميّة دائمة الأثر، تجمعُ بين الإلمام بالمحتوى والمهارات العمليّة الواقعيّة.

توفّر المحاضرات التي يُلقيها الطلّاب أمام المعلّمين مُنتجًا يعكس تتويجًا لتعلّم الطلّاب، ما يسمحُ لنا بدمج العديد من المهارات المهمّة في مشروع جامعٍ واحد. وربّما الأهمّ من ذلك، أنّ محاضرات الطلّاب تُعلّم إلى جانب المهارات الخاصّة بالمحتوى، مهاراتٍ واقعيّةً ملموسةً مثل التعاون، وحلّ المُشكلات، وحلّ النزاعات، والتواصُل، والبحث. وهي مهارات ستبقى راسخة لدى طلّابنا في المستقبل.

 

 

رابط المقال: The Benefits of Having High School Students Learn by Teaching | Edutopia

 

* للاطلاع على مفهوم التعلّم بالمشروع هنا (منهجيّات).