التواصل في الفصول الدراسيّة: الصعوبات والحلول
التواصل في الفصول الدراسيّة: الصعوبات والحلول
2025/11/12

معالجة المشكل المعقّدة تحمل عدّة تحدّيات، نلخّصها في الآتي:

  1. 1.متى نسمح بالكلام والصمت؟
  2. 2.متى نكون صارمين؟
  3. 3.ما اللغة المستعملة في التواصل؟
  4. 4.ما الكفاءة المناسبة في التواصل؟
  • - التواصل قوّة دافعة وأداة، يتدخّل في جميع أنواع الحياة الاجتماعيّة والمهنيّة والمدنيّة والشخصيّة.
  • - مهارات الاتّصال يمكن تطويرها لأنّها جزء أساس داخل المدرسة وفي الأماكن الأخرى؛ إنّها ثقافة.

والسؤال المطروح حاليًّا: ما التقنيّات التي يستعملها المعلّمون في التواصل مع التلاميذ؟ وهل تتطابق مع متطلبات العصر؟

الحقيقة أنّ أسلوب التواصل داخل المدارس أسلوب تقليديّ يحرّكه الموروث الثقافيّ للمجتمع المبنيّ على الأحاديّة في الاتّصال، بمعنى أنّه عموديّ يعتمد على التلقين وفرض السلطة.

كيف يفكّر المعلّمون؟

ما أدوات التواصل التي يمارسونها مع التلاميذ؟ هل ترك الحريّة في التواصل يثير الفوضى ويقضي على شخصيّة المعلّم ويؤثّر في الانضباط وتحصيل التلاميذ؟

ممارسة التواصل مسألة معقّدة، تخضع لمجموعة من المعايير نوجزها في:

أوّلًا : مسألة فرض السلطة داخل الفصل الدراسيّ 

عادة ما يبرّر المعلّمون صعوبة السيطرة على النظام داخل القسم بحجج، نوجز أهمّها في ما يأتي:

  1. 1.بعض التلاميذ كثيرو الحركة وعنيدون.
  2. 2.بعض التلاميذ ليست لديهم القدرة على الاستماع لأكثر من خمس دقائق. والبعض الآخر يفتقد الثقة بالنفس، والتعبير عن نفسه.

كلّ هذه الملاحظات عن صعوبة التواصل، تعبّر عن الوضع السلبيّ لهذه السلوكيّات والمواقف: والحقيقة أنّ هناك خلطًا لدى المعلّمين بين الكفاءة والقدرة على الكلام والاستماع والتجادل والتقدير واحترام الآخر وتقبّل صمته.

يوجد فرق بين كفاءة الاتّصال هدفًا تدريبيًّا والقدرة على الامتثال للمعايير داخل القسم، وبين الرغبة في التواصل (الاستماع أو التعبير عن الذات، والمشاركة في التبادل واحترام أشكال الاتّصال(، وفرض السلطة داخل القسم. وكذلك يوجد اختلاف بين تقديم طريقة تقديم الدرس وطريقة الاستماع، والمشاركة، وفرض احترام الكلّ.

إذًا، يمكن الحُكم على طريقة المعلّم والمتعلّم في التواصل، بناءً على شخصيّة كلّ واحد منهما، من خلال الموروث الثقافيّ والأخلاق والدوافع.  لهذا السبب يجب التمييز بين التواصل طريقةً بيداغوجيّة تخضع لمعايير، وبين سلوكيّات التلاميذ وتنظيم العلاقة بينهما.

فالتحكّم في التواصل أمر حتميّ لتحسين جودة التعليم؛ فمن الضروريّ فهم كيف ينظر المعلّم أوّلًا إلى نفسه داخل القسم، وحتميّة إنجاز الدرس مع احترام الوقت والبرنامج والتحكّم في التلاميذ.

عندما يبدأ المعلّم درسه، يجب أن يكون منهجه منظّمًا بشكل صارم، بحيث يعرف من الدقيقة الأولى إلى الأخيرة، ما سيفعله. إذا انتهى الدرس قبل خمس دقائق من نهاية الساعة، فيمكن دائمًا شغل التلاميذ بطريقة ممتعة حتّى اللحظة الأخيرة، لأنّه إذا لم ينشغلوا حتّى نهاية الساعة، فسوف يعاني الفوضى. إذ لا يمكن أن يظلّ التلاميذ هادئين طول الساعة.  

الكثير من المعلّمين يعانون الإرهاق الشديد نتيجة المعاناة داخل الصفّ في فرض النظام. وعادة ما تكون علاقتهم مع التلاميذ مضطربة ومبنيّة على استعمال العنف، ورفع الصوت من أجل إسكاتهم وإلزامهم بالمتابعة من أجل الوصول الى فهم الدرس. ولمّا تسألهم عن سلوكهم هذا، يجيبون بأنّهم خائفون من فقدان مصداقيّتهم ومكانتهم وسلطتهم. وهذا يؤثّر في التواصل.

مهمّة المعلّم ليست فرض الانضباط داخل القسم فحسب، إذ لا بدّ أن يحسّن إدارة صفّه، مع الحفاظ على طريقة الحوار والتواصل والتناغم من دون عناء وقمع، لأنّه يحتاج الى تعاون التلاميذ من أجل الوصول الى الأثر التعلّميّ. المسألة صعبة، لكنّها تحتاج الى تدريب مكثّف ومرافقة بيداغوجيّة.

ثانيًا: معالجة التعقيد 

لا بدّ أن ندرّب التلاميذ باستمرار في الفصل، على طلب الإذن أثناء الإجابة، ولا يسمح بأيّ تجاوز. وفرض هذه القاعدة لا يتمّ عن طريق العقاب، إنّما عن طريق تجاهل التلميذ الذي يكسر هذه القاعدة.

نعلّم التلاميذ الحكمة القائلة: إذا كان الكلام من فضّة فالسكوت من ذهب وندعوهم الى الإصغاء ونعزّز هذا السلوك كثيرًا. وبعض المعلّمين يفرض على التلاميذ الصمت التامّ، ويقول لهم :لا أريد سماع صوت الذبابة. وفي الوقت نفسه يطلب مشاركتهم لأنّه لم يعد يتحمّل صمتهم، وهذا تناقض. إذا أساء المعلّم استخدام هذا الأمر، فسوف يجعل تلامذته غير مهتمّين بالدرس، ولا يُترك لهم مجالًا للمبادرة والمشاركة والاستمتاع بالدرس، ويضيع البناء التعلميّ.

كيف يمكن التحكّم في الكلام من دون تعطيل التواصل، وقتل العفويّة والمتعة داخل القسم؟

من حقّ التلميذ المشاركة، وطلب التدخّل في المناقشة وإبداء رأيه من دون خوف، بتوجيه من المعلّم، وهذا يعزّز من ثقة الطالب بنفسه. إنّ كبت ذلك يؤثّر لا محالة في الهدف التربويّ من الكفاءة المراد تنميتها لدى المتعلّم، لأنّه محور العمليّة التعلّميّة.

يجب أن لا نخشى مشاركة التلاميذ بحجّة أنّها تؤدّي الى تحويل الفصل الى فوضى، لكن أن نحوّلها الى فوضى خلّاقة مبدعة، بفرض قواعد الحوار والتواصل؛ فالقمع يولّد ردّ فعل عنيف أشدّ.

الأكيد أنّ ثقافتنا التربويّة لا تؤمن بحريّة الحوار وتقبّل الرأي، وهذا موروث قديم. لكن، مع تطوّر طرق التواصل العلميّة، أصبح من الضروريّ ترسيخ هذه الثقافة في مدارسنا.

تشجيع العمل بالأفواج وبالمشاريع داخل القسم، وترك الفرصة للتلاميذ من أجل التباري في بناء المعارف، يقوّي القدرة على الاستيعاب ويكسبهم الثقة بأنفسهم ويشجّع مواهبهم.

وضع التلاميذ في مشكلة ودعوتهم الى إيجاد الحلول لها، يؤهّلهم الى مواجهة المشاكل اليوميّة التي تُقابلهم، مثل تعاطي المخدرات أو الانحراف أو الصراع داخل الأسرة، أو التأثّر بوسائل التواصل الاجتماعيّ، وذلك من دون خوف وقلق، بما يقوّي شخصيّاتهم.

كسب ثقة التلميذ في الحوار والتواصل ضروريّ؛ إذ يجب التحدّث عن المشاكل اليوميّة من دون خجل. فهذا لا يُنقص من قيمة التعليم ولا المعلّم، ولا يكسر الحاجز الفاصل بين شخصيّته وشخصيّة المتعلّم. وفي بعض الأحيان، يستفيد المعلّم من المتعلّم لتصحيح مساره التعلميّ وتعديل طريقة التدريس. لكن يجب أن نترك دائمًا مسافة الأمان ليقول المعلّم كلمته الأخيرة، حينها ينصت التلاميذ إلى نداء الحكمة.

هناك مشكلة تعانيها المدرسة، وهي: كيف يمكن للمدرسة أن تنفتح على الشارع والأسرة؟ لا بدّ أن يؤخذ هذا الإشكال على محمل الجدّ، لأنّ المدرسة تتأثر بالشارع والأسرة ولا تؤثر فيهما، فأين الخلل؟ يأتي التلاميذ الى المدرسة وهم يفتقدون الرغبة في التعلّم، ويتذمرون من كلّ شيء، كأن المكان تحوّل الى مؤسّسة عقابيّة، والتعلّم عقوبة يجب أن يؤديها التلميذ مُكرهًا.

الوضع محرج وقاس.

السبب في هذا التحوّل هو أنّ المدرسة لم تعد جذّابة مُستقطبة، بل أصبحت مفرّغة من كلّ ما يدعو الى الشعور بالراحة والمتعة. ولا توجد فيها نشاطات لا صفّيّة موازية تستهوي التلاميذ. ولم تعد كذلك، تدعو أولياء الأمور إلى المساهمة في تأطير أبنائهم، أو تقدّم إليهم دورات تدريبيّة عن كيفيّة توجيه سلوكيّات الأبناء.

ثالثًا: الثقة

لا بدّ من خلق جو من الثقة بين المعلّم والمتعلّم. هذا يصحح صورة المعلّم في ذهن المتعلّم بدل أن ينظر اليه كأنّه عدو ومنافس له. يجب أن يشعر المتعلّم أنّه كائن مستقلّ بشخصيّته، وليس امتدادًا للمعلّم. ويتمّ هذا بورشات الحوار، وبعرض مسائل تتعلّق بالحياة اليوميّة يذكر فيها المتعلّم جانبًا من حياته داخل الأسرة والشارع، وعلاقته بأفراد عائلته وبأصدقائه. تعزيز الثقة يسهم في بناء شخصيّة متّزنة، ويقلّل من التوتّر والقلق، ويشجّع على استيعاب المهارات والمعارف.

رابعًا: العنف اللفظيّ والبدنيّ

الأمر الرهيب الذي يدمرّ التواصل في القسم والحياة المدرسيّة، ويجعله عقيمًا، استعمال العنف بشكليه اللفظيّ والبدنيّ. حيث يكسر الثقة بين المعلّم والمتعلّم، ويولّد النفور والتذمّر من الدروس. كما يستفزّ المتعلّم لممارسة العدوانيّة تجاه أقرانه ومحاولة الانتقام عن طريق التخريب. إضافة إلى أنّه يؤدّي في بعض الاحيان الى الانطواء.

خامسًا: التواصل السليم وبناء المهارات

التواصل السليم المقصود به هو التقنيّة التي يستعملها المعلّم من أجل بناء المهارات، فهو قائد الفرقة الموسيقيّة، يضبط كلّ عنصر فيها من دون خلل.

 الأداء البيداغوجيّ لا يعتمد على تلقين المعارف، لأنّ التلقين يزول أثره بمجرّد انتهاء الدرس. لكنّ البناء يتطلّب استعمال مجموعة من الأدوات، مثل دمج المعارف وربطها ببعضها من أجل وضع المتعلّم في مشكلة لاستثارة تفكيره، وتعويده على النقد وعدم تقبّل أيّ شيء بلا سؤال. وهذا يتطلّب تدريبًا مستمرًّا للمعلّمين حول تقنيّات التدريس بالكفاءات والمهارات، فالهدف ليس المعلومات التي يتلقّاها المتعلّم في الدروس، وإنّما كيف سيوظّفها في حياته ويستفيد منها.

التواصل السليم يتطلّب تعزيز الثقة، والاعتراف بشخصيّة المتعلّم المستقلّة، وعدم التعسّف في استعمال السُلطة بحجّة أنّ ذلك يؤدّي الى احترام النظام.

سادسًا: البرامج التعليميّة

كثيرًا ما يشتكي المعلّمون من كثافة البرنامج التعليميّ، وأنّه لا يخدم الغايات الحقيقيّة للتدريس، ما يولّد ارهاقًا للمعلّم والمتعلّم. كذلك يجد المدرّسون أنفسهم في تسابق مع الزمن من أجل إنهاء البرنامج، وفي الوقت ذاته تكييف محتوى البرنامج مع مستوى المتعلّمين، من دون الخروج عن المقاصد واحترام الزمن المحدّد. وهنا تظهر مشكلة عويصة أخرى، وهي كيفيّة جعل الحقائق العلميّة والتاريخيّة التي تدرّس، تنسجم مع ثقافة المتعلّم ومعتقداته، من دون الوقوع في صراع يؤدّي الى تغليب طرف على آخر.

***

يجب أن نسأل أنفسنا دائمًا بوصفنا مربّين: إلى أين تتّجه المدرسة؟ ما الهدف من كلّ هذا التعب في تلقين الدروس من دون أن نلمس أي أثر لدى الطلّاب في تحسين مستوى التعليم لديهم؟

هل الخلل في البرامج والمنظومة مجموعةً، أم الخلل فينا؟

الحقيقة تجب إعادة النظر في كلّ شيء، البرامج والحجم الساعي، واكتظاظ الأقسام، والتكوين الجادّ والمستمرّ للمعلّمين  والمؤطّرين، والمرافقة البيداغوجيّة، وإعادة الاعتبار إلى المربّي والمدرسة، من أجل رفع التحدّي وتحقيق قفزة نوعيّة للتعليم، لمواجهة تيّار العولمة الجارف.