عقدت منهجيّات ندوتها لشهر نيسان/ أبريل 2025، بعنوان "مدير المدرسة في مواجهة التحدّيات: استراتيجيّة التأقلم والتطوير".
وركّزت على محاور مختلفة، هي:
- المحور الأوّل: الموارد الماليّة ووضع المدرسة وبنيتها.
- المحور الثاني: ظروف العمل مع العنصر البشريّ (الأهل والطلّاب والموظّفين)
- المحور الثالث: ظروف العمل مع السلطة والاستجابة للمتغيّرات والسياسات التعليميّة ،من منهاج أو تغيير توجّه في التعليم وغير ذلك.
استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثات، هنّ: أ. عصمت لمعي، رئيسة مجلس إدارة مجموعة مدارس أوازيس الدوليّة، مصر؛ د. أليس عبود، مديرة مدرسة الأهليّة والمطران - الأردن؛ أ. سلافة كركلّا، مديرة ثانويّة بعلبك الرسميّة للبنات- لبنان.
أدار الندوة أ. محمود عمرة، مدير عام الأكاديميّة العربيّة الدوليّة في قطر. واستهلّ الندوة بالتعريف بمنهجيّات مجلّةً تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجّهة لكلّ العاملين في القطاع التربويّ في السياق المجتمعيّ. تعمل المجلّة على نشر المساهمات العربيّة والعالميّة المثريّة والملهمة دوريًّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعدّدة، وتتابع المستجدّات في الحقل، وتشجّع الحوار الذي يثري التجربة التربويّة في العالم العربيّ، ويجعل منها مصدرًا إنسانيًّا ومعرفيًّا قيّمًا للأفراد والمؤسّسات. ودعا جمهور الندوة إلى متابعتها والمُشاركة في أقسامها.
المحور الأوّل: الموارد الماليّة ووضع المدرسة وبنيتها.
استهلّ أ. محمود بالقول إنّ من أبرز التحدّيات التي تواجه المدارس، هو التوفيق بين محدوديّة الموارد الماليّة وتغطية النفقات المتعدّدة، مثل الصيانة، والبنية التحتيّة، وتوفير الموارد التعليميّة وغيرها. وانطلاقًا من هذا الواقع، طرح سؤالًا محوريًّا:
كيف يمكن التعامل مع تحدّيات الموارد الماليّة وترشيد الإنفاق؟
في هذا الإطار، شاركت أ. أليس عبود تجربة مدرسة الأهليّة والمطران في الأردن، حيث تُعدّ الأقساط المصدر الرئيس لتمويل المدرسة، ما يشكّل تحدّيًا في ظلّ المنافسة مع المدارس الخاصّة الربحيّة، ولا سيّما في ما يخصّ استقطاب المعلّمين. كما تواجه المدرسة صعوبات تتعلّق بالموقع والبنية التحتيّة، إذ تقع في منطقة تشهد ازدحامًا مروريًّا في مدخل عمّان الغربيّ، ما يصعّب الوصول إليها ويحدّ من إمكانيّة التوسعة. وأضافت أنّ المدرسة تعاني أيضًا قِدمَ بعض مرافقها، وحاجتها إلى بنية تكنولوجيّة متطورّة.
وعن استراتيجيّات مواجهة هذه التحدّيات، أوضحت أ. عبود أنّ المدرسة تعتمد خطّة إنفاق مدروسة ومبنيّة على ترتيب الأولويّات لتعزيز الكفاءة التشغيليّة. فعلى سبيل المثال، تُحدَّث الملاعب بشكل تدريجيّ وفقًا لخطّة الإنفاق. كما حرصت الإدارة على بناء علاقات قويّة مع مؤسّسات المجتمع المدنيّ، واستثمار موقع المدرسة لتعزيز الشراكات مع جهات قريبة، مثل المعهد الوطنيّ للموسيقى، ومسرح البلد، والمتاحف، وغيرها. كما سعت المدرسة لتجديد مرافقها بطرق ذكيّة، وبناء بنية تحتيّة تكنولوجيّة قويّة، مع إدماج تدريجيّ وآمن لبرامج الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّّة.
وفي السياق نفسه، أضافت أ. عصمت لمعي أنّ مدرسة أوازيس، خلال السنوات العشر المنصرمة، وقّعت اتّفاقيات مع وزارة التربية والتعليم ومنظّمة البكالوريا الدوليّة (IB)، تهدف إلى إدماج برامج البكالوريا الدوليّة في المدارس الحكوميّة. وقد تبنّت المدرسة مدرسة حكوميّة لضمان التعاون بين القطاعين العامّ والخاصّ، من خلال مشاركة الدورات التدريبيّة، واعتماد برنامج "التربية الإيجابيّة" منهجًا تربويًّا موجّهًا إلى الطلبة وأولياء الأمور والإداريين. وقد أثبت هذا التعاون أنّ المدارس الحكوميّة قادرة على تحقيق أهداف المدارس الخاصّة نفسها، بل ونقل التجربة الناجحة إلى مدارس حكوميّة أخرى. وأسهم القرب الجغرافيّ بين المدرستين في تسهيل التعاون، ما عزّز تطوّر العلاقة بين الطرفين، وأنتج فوائد متبادلة لكليهما.
ماذا عن التحدّي في الجانب المالي والتعامل مع السلطات التعليمية؟
أجابت أ. كركلّا أنّ الرسوم المفروضة من المدرسة تقتصر على رسوم التسجيل فقط، مع توفير الموارد الأساسيّة من قبل الجهات الرسميّة. ويتمثّل التحدّي الرئيس في قدرة مدير المدرسة على تحديد الأولويّات الماليّة وترشيد النفقات، وذلك بالاعتماد على صندوق الأهل وصندوق الثانويّة، واللذَين يُستخدمان لتغطية خدمات متعدّدة، مثل النظافة والخدمات الإلكترونيّة ووسائل التدفئة والتجهيزات الأخرى. ويتمّ ذلك من خلال وضع خطط ماليّة دقيقة، وتقديم موازنات واضحة لوزارة التربية والتعليم مع بداية كلّ عام دراسيّ، لتوفير الاحتياجات الأساسيّة، مع إمكانيّة التقدّم بطلبات إضافيّة خلال العام الدراسيّ في حال ظهور نفقات طارئة.
المحور الثاني: ظروف العمل مع العنصر البشريّ (الأهل والطلّاب والموظّفين)
ما التحدّيات المرتبطة بالعنصر البشريّ في المدرسة، وكيف تمّ التعامل معها؟
أشارت أ. عصمت لمعي إلى أنّ التحدّي الأكبر يتمثّل في التغيّرات المجتمعيّة السريعة الناتجة عن التفكّك الأسريّ، والثورة الرقميّة، الأزمات العالميّة، والتغيّر المناخيّ، والتي أثّرت بشكل مباشر في الصحّة النفسيّة للطلّاب. وأوضحت أنّ الدراسات أثبتت تدهور الصحّة النفسيّة بسبب هذه العوامل، حيث أشارت تقارير منظّمة الصحّة العالميّة (أكتوبر 2024) إلى أنّ واحدًا من كلّ سبعة أفراد، بين سنّ 10 و19، يعاني اضطرابات نفسيّة تمثّل نحو 15% من عبء الأمراض في هذه الفئة. ويُعدّ الاكتئاب والقلق من أبرز أسباب المرض والإعاقة، بالإضافة إلى أنّ الانتحار ثالث سبب رئيس للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.
وفي مواجهة هذه التحدّيات، قدّمت المدرسة برنامج "التربية الإيجابيّة"، وهو برنامج يهدف إلى معالجة جذور المشكلات السلوكيّة والنفسيّة، من خلال فهم أسباب الأخطاء بدلًا من الاعتماد على العقاب. وقد شارك الطلاب في فيديو عبّروا فيه عن تأثير البرنامج في حياتهم الدراسيّة، حيث تعلّموا السيطرة على الغضب، وازدادت مشاركتهم الفعّالة في المدرسة. كما شمل البرنامج أولياء الأمور والمعلّمين، ما ساعد في جعل العمليّة التعليميّة أكثر جذبًا وانفتاحًا، حيث يُمنح الطالب حرية اختيار الطريقة التي تناسبه في إنجاز مهامه، الأمر الذي أسهم في تنمية مهارات التواصل الاجتماعيّ لديهم، وجعل المدرسة بيئة تعليميّة مفتوحة.
ما التحدّيات التي تواجهها المدرسة مع المعلّمين؟
أشارت د. أليس عبود إلى أنّ التحوّلات السياسيّة والاقتصاديّة والتكنولوجيّة المتسارعة، إلى جانب تراجع القيم الإنسانيّة، أثرت سلبًا في جميع مكوّنات المجتمع المدرسيّ، من طلبة ومعلّمين وأهالي. وأكدّت أنّ دور مدير المدرسة يتجاوز الإدارة التقليديّة، ليشمل القيادة المجتمعيّة وصناعة ثقافة تربويّة.
كما عبّرت عن رؤية مدرسة الأهليّة والمطران التي تهدف إلى تمكين الطلبة من القيَم الإنسانيّة، للتعامل مع تحدّيات القرن الحادي والعشرين، مع التركيز على ربط التعليم بالحياة الواقعيّة. واستشهدت بتقارير اليونسكو لسنة 2021، والتي تسلّط الضوء على الضغوطات النفسيّة والتنظيميّة، والتحوّل الرقميّ المفاجئ، التفاوت الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وضعف التمويل، وتراجع القيم التربويّة، وهي تحدّيات تواجه معظم المدارس.
أمّا على مستوى المدرسة تحديدًا، فكان من أبرز التحدّيات عزوف الجيل الجديد عن مهنة التعليم، ما أدّى إلى عدم الاستقرار في الكادر التدريسيّ، وصعوبة تحقيق الأهداف التعليميّة نتيجة الانتقال المتكرّر للمعلّمين بين المدارس. كما أنّ العلاقة المتباينة بين الأهل والمدرسة، والانفتاح على التنوّع الثقافيّ، فرضا الحاجة إلى إعادة تعريف الهويّة المدرسيّة.
وللتعامل مع هذه التحدّيات، طوّرت المدرسة رؤية تربويّة متجدّدة، تقوم على ترسيخ قيم العدالة والانتماء والانفتاح، وتهيئة بيئة عمل جاذبة للمعلّمين بفهم التحدّيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي يواجهونها. كما عُزّزت العلاقة مع الأهل من خلال خلق ثقافة حواريّة، وتصميم برامج شاملة للعافية النفسيّة والاجتماعيّة، ترتكز على فلسفة تربويّة إنسانيّة تقبل التنوّع والاختلاف.
كيف تمّت مواجهة تحدّيات العنصر البشريّ في المدارس الحكوميّة؟
من جانبها، أوضحت أ. كركلّا أنّ الرؤية والرسالة التي تتبناهما المدارس الحكوميّة ترتكزان على توجيهات وزارة التربية والتعليم. وأشارت إلى أنّ التحدّي الأساس في هذه المدارس يتمثّل بتطبيق القوانين الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي. لذا، ينبغي على المدير أن يكون ملمًّا بهذه القوانين ويلتزم بها، إلى جانب دوره في متابعة المدرسة والإشراف التربويّ، نظرًا إلى أثرها المباشر في المجتمع وفي سير العمليّة التعليميّة.
كما بيّنت أنّ كلًّا من وزارة التربية والتعليم ومجالس الأهالي يضطلع بدور مهم في هذا الجانب، حيث تُشكَّل مجلس الأهل بدعوة تُرسل إلى أولياء الأمور الذين لديهم الرغبة والمقدرة على المشاركة. ولفتت إلى وجود صندوق خاصّ يُعنى بدعم المدرسة، ويقوم على مبدأ التعاون مع أولياء الأمور، ويُستخدم لتمويل مشاريع ومبادرات لمواجهة التحدّيات، مثل تقديم مساعدات مادّية توفّر العديد من الاحتياطات والمستلزمات، منها: الألواح البيضاء، أنظمة الصوت داخل الصفوف، شاشات العرض، التدفئة وغيرها من الموارد التشغيليّة، ما يسهم في توفير بيئة سليمة تُساعد على التعلّم.
أما بالنسبة إلى الطلبة، فيُدعمون أيضًا بالتعاون مع الجهات المختصّة بالصحّة النفسيّة والاجتماعيّة، وتقديم محاضرات توعويّة في مجالات متنوّعة مثل الدين والأسرة والسلوك والوقاية من الأمراض وغيرها، بالتعاون مع جهات مثل البلديّة.
المحور الثالث: ظروف العمل مع السلطة التعليميّة والاستجابة للمتغيّرات والسياسات التعليميّة
كيف هي ظروف العمل مع السلطة التعليميّة؟ وما أبرز التحدّيات؟
أوضحت د. أليس عبود أنّ التحدّيات تتركّز في الجوانب التنظيميّة ومقاومة التغيير والابتكار، بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع تعدّد الجهات التي تضع المناهج، مثل الوزارات ومنظّمة البكالوريا الدوليّة. وللتعامل مع هذه التحدّيات، تبنّت المدرسة مبدأ "الشراكة لا التنافس"، مؤكّدة أهمّيّة التعاون مع الجهات الرسميّة بطريقة تحفظ استقلاليّة المدرسة وتحترم رسالتها التربويّة.
وعلّق أ. محمود أنّ من أهم ركائز النجاح بناء الثقة بين المدرسة والمجتمع المحليّ، وهو ما يعدّ من مسؤوليّات إدارة المدرسة، لما لهذا التعاون من أثر إيجابي في دعم المدرسة وتحقيق أهدافها التربويّة.
كيف ترسم المدرسة الحدود المناسبة في العلاقة مع أولياء الأمور؟
أجابت أ. عصمت لمعي أنّ تباين أنماط الأهل بين من يتدخّل في كلّ التفاصيل ومن يترك المسؤوليّة كاملة للمدرسة، يتطلّب وضوحًا في سياسة المدرسة. من أبرز الوسائل لتحقيق ذلك، إرسال تقارير دوريّة عن أداء الطلاب، وتنظيم جلسات حواريّة توعويّة تساعد الأهل على فهم أهميّة العلاقة الإيجابيّة مع الأبناء خارج الإطار الأكاديميّ.
كما أكّدت د. عبود على أهمّيّة بناء ثقافة حواريّة قائمة على التعاون بين المدرسة والأهل، إذ إنّ نجاح العمليّة التعليميّة يعتمد بشكل كبير على هذا التفاعل الثلاثيّ بين الطالب والأهل والمدرسة.
أضافت أ. كركلّا أن التحدّيات تكون أكثر وضوحًا في المرحلة الثانويّة، إذ تتطلّب مشاكل مثل الرسوب أو الغياب المستمرّ، تواصلاً مباشرًا ومكثّفًا مع الأهل، مؤكّدة أنّ مشاركة الأهل أمر ضروريّ لضمان مصلحة الطالب.
وأكدّت على دور المدرسة في دعم الطلبة نفسيًّا ومعنويًّا، بمشاركتها في مبادرات ومناسبات مجتمعيّة، مثل: الفوز بجائزة المدرسة العالميّة، المشاركة في مسابقة "العقول المستدامة" بالتعاون مع الجامعة الأمريكيّة، مسابقات تروّج للتعايش المسيحيّ –الإسلاميّ، والاحتفال بأيّام وطنيّة مثل يوم الاستقلال ويوم المرأة، ما ساعد على خلق بيئة تعليميّة أكثر إيجابيّة وتوازنًا.
بعد ذلك أجابت المشاركات عن بعض الأسئلة من الحضور:
هل تختلف التحدّيات بين المدارس الحكوميّة والخاصّة؟
اتّفق كلّ من أ. لمعي ود. عبود على أنّ التحدّيات متشابهة في جوهرها بين المدارس الحكوميّة والخاصّة، لكن تختلف في بعض التفاصيل مثل أعداد الطلبة، ومرونة تنظيم ورش العمل والتدريب للمعلّمين، حيث تتمتّع المدارس الخاصّة أحيانًا بمساحة أكبر من الحرّيّة في هذا الجانب.
ماذا عن التحدّيات في السياق الفلسطينيّ؟
تحدّثت د. عبود عن خصوصيّة الواقع الفلسطينيّ، مشيرة إلى أنّ التحدّيات في المدارس هناك تتجاوز كلّ ما تواجهه المدارس في الدول العربيّة الأخرى، نظرًا إلى انعدام الأمن والسلم. ورغم ذلك، يُعدّ صمود المدارس الفلسطينيّة مصدر إلهام وأمل لبقيّة العالم العربيّ في مواجهة التحدّيات مهما كانت صعبة.
في ختام الندوة، قدّم أ. عمرة تلخيصًا لأهمّ ما جاء فيها، مؤكّدًا على تنوّع التحدّيات التي يواجهها مدير المدرسة من الجوانب الماليّة والبشريّة والتنظيميّة، كما شكر المشاركات على مداخلاتهنّ القيّمة، والجمهور على تفاعله ومشاركته. كما أشار إلى أنّ أحد التحدّيات الأساسيّة الأخرى، دمج الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصّة في البيئة المدرسيّة، والعمل على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، بما يضمن شموليّة التعليم للجميع.