أطفال اليوم... هل يحتاجون إلى مناهج الأمس؟
أطفال اليوم... هل يحتاجون إلى مناهج الأمس؟
2025/09/17
ياسمين حسن | مستشارة تعليميّة ومدرّبة في التخطيط الاستراتيجيّ وإدارة الأزمات- مصر

في كلّ صباح، يدخل ملايين الأطفال حول العالم إلى مدارسهم يحملون حقائبهم المليئة بالكتب، ليجلسوا في فصول شبيهة بتلك التي جلس فيها آباؤهم وأجدادهم. يفتحون كتبًا تحتوي على الدروس نفسها التي تعلّمها آباؤهم منذ عقود. يتّبعون جداول صارمة، ويخضعون لاختبارات تقيس مدى قدرتهم على تذكّر المعلومات. ولكن، هل هذا هو التعليم الذي يحتاج إليه أطفال اليوم في عصر الذكاء الاصطناعيّ، والتكنولوجيا المتسارعة، والثورة الرقميّة؟ 

 

عصر جديد... بعقليّة قديمة

أطفال اليوم ليسوا كأطفال الماضي، فقد وُلدوا في عالم متّصل بشبكة الإنترنت، يتفاعلون مع الأجهزة الذكيّة منذ نعومة أظفارهم، ويكتسبون المهارات بسرعة تفوق الأجيال السابقة. ومع ذلك، فإنّ المناهج الدراسيّة في معظم البلدان ما تزال تعتمد على حفظ المعلومات بدلًا من تنمية التفكير النقديّ والإبداعيّ.

قبل عقود، كان الهدف من التعليم إعداد الطلّاب لوظائف تعتمد على الحفظ والانضباط، حيث كانت المعرفة محفوظة في الكتب، ولا يمكن الوصول إليها بسهولة. أمّا اليوم، فالمعلومات أصبحت متاحة بضغطة زرّ، فلماذا ما تزال المدارس تُلزم الطلّاب بحفظها بدلًا من تدريبهم على تحلّيلها، والاستفادة منها؟ 

 

إلامَ يحتاج أطفال اليوم؟

أطفال اليوم يحتاجون إلى مهارات تتماشى مع متطلّبات المستقبل، وليس مع نماذج تعليميّة صُمّمت في الماضي. فإذا نظرنا إلى السوق الوظيفيّ الحاليّة، سنجد أنّ الوظائف التقليديّة تتلاشى بسرعة؛ بينما تزدهر وظائف جديدة تعتمد على البرمجة، وتحلّيل البيانات، والذكاء الاصطناعيّ، والتفكير الإبداعيّ.

لكن، كم مدرسة تُدرّس البرمجة للأطفال؟ كم منهجًا يعلّم الطلّاب كيفيّة التعامل مع التغيّرات السريعة؟ كم حصّة دراسيّة تُخصص لتعليم الذكاء العاطفيّ، وإدارة الوقت، والتفكير النقديّ؟ الإجابة في معظم الأحيان: لا شيء يُذكر.

 

المدرسة التي نحتاج إليها

إذا كنّا نريد تعليمًا حقيقيًّا يلبّي احتياجات المستقبل، فعلينا إعادة التفكير في طريقة التدريس، والمناهج التي نقدّمها إلى الطلّاب. إليكم بعض الأفكار حول كيف يمكن أن يبدو التعليم المثاليّ في القرن الحادي والعشرين.

- التعليم القائم على المشروعات

بدلًا من حفظ الحقائق، يمكن للطلّاب أن يتعلّموا بمشروعات عمليّة تحاكي الحياة الواقعيّة. فمثلًا، يمكن لطلّاب الفيزياء تصميم نماذج لمدن ذكيّة، أو يمكن لطلّاب اللغة الإنجليزيّة إنتاج أفلام قصيرة تعكس مهاراتهم في الكتابة والتواصل.

- استخدام التكنولوجيا بفعّاليّة

قد تُدمج التكنولوجيا في العمليّة التعليميّة بدلًا من منع الطلّاب من استخدام هواتفهم، كاستخدام الواقع الافتراضيّ لاستكشاف الفضاء، أو الذكاء الاصطناعيّ لإنشاء تجارب تعليميّة تفاعليّة مخصّصة لكلّ طالب.

- تعليم المهارات الحياتيّة

تمكن إضافة موادّ تعلّم الأطفال مهارات إدارة الوقت، والعمل الجماعيّ، والذكاء العاطفيّ، والتعامل مع الأزمات، بدلًا من التركيز فقط على العلوم التقليديّة.  

- إلغاء أسلوب التلقين، والاختبارات التقليديّة

لماذا يُقيَّم الطلّاب بناءً على قدرتهم على حفظ الإجابات الصحيحة، وليس على مدى فهمهم الحقيقيّ للموضوع؟ يمكن استبدال الاختبارات التقليديّة بتقييمات تعتمد على التفكير النقديّ، والإبداع، وحلّ المشكلّات.

التغيير ليس مستحيلًا

قد يبدو تغيير النظام التعليميّ أمرًا صعبًا، لكنّه ليس مستحيلًا. هناك بالفعل دول بدأت في إعادة تصميم التعليم؛ مثل فنلندا التي تعتمد على التعلّم القائم على المشروعات، وسنغافورة التي تركّز على التفكير النقديّ والإبداعيّ.

أطفال اليوم يحتاجون إلى تعليم يُعدّهم لمستقبل غير متوقّع، وليس لتاريخ قد انتهى. فإذا كنّا نريد أجيالًا قادرة على الإبداع، والابتكار، والتكيّف مع المتغيّرات، فعلينا أن نبدأ الآن في تطوير مناهج تناسب عقولهم، لا عقول الماضي.

فهل نحن مستعدّون لهذا التحدّي؟