ندوة: مبادرة التشبيك بين مدارس تجمّع تمام في الأردن.. شراكة مهنيّة لتطوير تعليم اللغة العربيّة
ندوة: مبادرة التشبيك بين مدارس تجمّع تمام في الأردن.. شراكة مهنيّة لتطوير تعليم اللغة العربيّة

عقدت منهجيّات ندوتها لشهر نيسان/ أبريل 2024، بعنوان "مبادرة التشبيك بين مدارس تجمّع تمام في الأردن: شراكة مهنيّة لتطوير تعليم اللغة العربيّة". وركّزت على محاور مختلفة، هي:

1. مبادرة التشبيك: انطلاقتها، الآليّة التي اتُّبعت والعوامل المرافقة.

2. تفعيل الأدوار لتحقّق عناصر مبادرة التشبيك.

3. نتائج أوليّة من مبادرة التشبيك.

 

استضافت الندوة مجموعة من المتحدّثين، هُمّ: أ. رولا عبد الحميد، المديرة الأكاديميّة لمدرسة البيان في الأردن؛ أ. ديانا قموة، عضو مؤسّس لتجمّع تمام في الأردن ومنسّقة هذا التجمّع، وعضو في لجنة تمام الاستشاريّة، ومستشارة أكاديميّة لمدارس العصريّة؛ أ. فاتن الزيادات؛ عضو في فريق تمام القياديّ، وعضو في تجمّع تمام في الأردن، ومُستشارة تربويّة؛ أ. يسري الأمير، رئيس تحرير مجلّة منهجيّات ومستشار تربويّ من لبنان.

أدارت الندوة أ. رولا القاطرجي، المنسّقة العامّة لمشروع تمام، ومصمّمة لبرامجه، ومدرّبة استشاريّة وعضو في الفريق الموجّه لمشروع تمام، لبنان. وافتتحت الندوة بتقديم منهجيّات وهي مجلّة تربويّة إلكترونيّة دوريّة، موجهة لكل العاملين في القطاع التربوي في السياق المجتمعي. تعمل المجلة على نشر المساهمات العربية والعالمية المثرية والملهمة دوريّا، وبأشكال تعبير مختلفة ووسائط متعددة، وتتابع المستجدات في الحقل، وتشجع الحوار الذي يثري التجربة التربوية في العالم العربي، ويجعل منها مصدرًا إنسانيّا ومعرفيّا قيّمًا للأفراد والمؤسسات. ودعت جمهور الندوة بمتابعتها والمُشاركة في أقسامها.

وعرّفت بشبكة تمام المهنيّة؛ شبكة يقودها باحثون إجرائيّون بالشراكة مع تربويّين على المستويات المُختلفة، من مُمارسين في المدارس، وباحثين، وصانعي سياسات من أكثر من تسعة بلدان عربيّة. والرؤية التي تجمع هؤلاء المُمارسين هي التطوير والتحسين لتناول قضايا تربويّة ليسَ فقط على مستوى المدارس، إنّما على مستوى النظام التربويّ ككلّ.

وأشارت أ. القاطرجي إلى أنّ هذه الندوة نُظّمت بين منهجيّات ومشروع تمام، التطوير المُستند إلى المدرسة، في كلّيّة التربية في الجامعة الأمريكيّة في بيروت، لتسليط الضوء على مبادرة فريدة من نوعها في العالم العربيّ، وهي مبادرة تشبيك طوعية بين خمس مدارس منتمية إلى تجمّع تمام في الأردن كجزء من شبكة تمام المهنيّة. كما ذكرت أنّه مع بداية المبادرة سنة 2019، انخرط فيها أكثر من 120 تربويًّا وباحثًا إجرائيًّا، واستهدفت أكثر من 1700 طالب في صفوف المدارس المُشاركة.

وأوضحت أ. القاطرجي أنّ المُبادرة تُسمّى ضمن الأدبيّات العالميّة بالتعاون بين المدارس، أو بـِ "Interschool collaboration"، بما يدلّ على التشبيك والتعاون على مستوى مؤسّساتيّ بين المدارس. وذكرت أنّ أعضاء فرق قياديّة في المدارس الخمس قرّروا، في بداية سنة 2019، وبعد عدّة جلسات عصف ذهنيّ واجتماعات، التعاون طوعيًّا على مشروع تطوير مرتبط بقضيّة وجدوها محوريّة، هي تحسين تعليم اللغة العربيّة. واتّفقوا على أنّ هذه القضيّة التربويّة ما زالت تعاني ضعفًا بحسب تقارير ودراسات حديثة، وبالتالي تحتاج إلى تضافر الجهود لإيجاد حلول عمليّة وعميقة لها. وأشارت إلى أنّ الفريق الموجّه في تمام، وبناءً على هذا الحماس في النقاش وجدّيّة المتطوّعات، رأى أنّه من الضروريّ الدخول في هذه التجربة، لمرافقة المتطوّعات وتقديم الدعم اللازم، كما رفد التجربة بالدراسات والبحوث اللازمة.

 

المحور الأوّل: مبادرة التشبيك: انطلاقتها، الآليّة التي اتُّبعت والعوامل المرافقة

كيف انطلقت مبادرة التشبيك؟ وما الدوافع الرئيسة لهذه الانطلاقة؟

أجابت أ. قموة على هذا السؤال، بسرد قصّة انخراط المدرسة العصريّة في مشروع تمام سنة 2008، إذ بدأ في حينه مشروعًا لتعزيز البحث الإجرائيّ، للتأكّد من نجاح عمل كوادر المدارس التربويّة مع الطلبة. ومن مشروع للبحث الإجرائيّ، أصبح مشروع تمام وسيلة رئيسة لعمليّة التطوير في أيّ مؤسّسة تربويّة تتبنّى مقاربة المشروع. وفي ملتقيات تمام السابقة، كانت هناك جلسات تُناقش كيفيّة نقل التجربة والخبرة إلى أقسام ومدارس خارج مدرستنا، من أجل مدّ الأثر بمشروع تطويريّ يستندُ إلى المدرسة، وبالتالي تشجيع المعلّمين ليكونوا قادة التغيير، وتوفير الأدوات والوسائل لتمكينهم.

وأضافت أ. قموة أنّه من هُنا، عُمّمت الفكرة على مجموعة مدارس صديقة، ولاقت ترحيبًا، وهكذا كانت البداية. وتجلّت بالتقاء الفريق الموجّه لتمام في الأردن بإشراف د. ريما كرامي عكّاري، مديرة مشروع تمام وباحثته الرئيسة، كانت فكرة هذا اللقاء الأساسيّة، هي: كيف نصنع التشبيك؟ فاجتمعت المدارس ووضعت نظامًا داخليًّا بسيطًا، شكّل أساسًا لهذا التجمّع الذي انضمّت إليه مدارس عديدة، ولكنّه استمرّ بخمس مدارس فاعلة.

 

ما الآليّة التي اتُّبعت ضمن مبادرة التشبيك للعمل على هذا المشروع التطويريّ؟

داخلت أ. الزيادات أنّه خلال عمليّة التشبيك، قرّرت المدارس أنّ تتبنّى رحلة تمام في الأردن، واعتماد هذه المحطّات كآليّة للمشروع، ومن ثمّ العمل على الحاجات التطويريّة، والتي انبثقت منها حاجة تطويريّة مُشتركة، مُعتمدين في تحديد ذلك على الاستقصاء، ودورات البحث الإجرائيّة. وأشارت أ. الزيادات إلى أنّ فريق التشبيك خلال رحلته، تدرّب وأتقن الكثير من كفايات تمام، كالاستقصاء المُرتبط بالبحث الإجرائيّ، والقرارات المُستندة إلى البيانات والأدلّة، والقرارات المبنيّة على الحاجات، والحوار والمُمارسة التفكّريّة، وتعديل التخطيط أثناء التنفيذ بناءً على المتابعة، والقيادة التشاركيّة للتطوير المستمرّ، والتعاون المهنيّ، والممارسة المنفتحة، والتعلّم بالتجريب ومن صُلب الممارسة، والرعاية المهنيّة، وتوثيق كلّ هذه الممارسات.

كما أشارت أ. الزيادات إلى أنّ المُشاركين انخرطوا في تدريبات عديدة، إمّا عن طريق زووم أو بلقاءات مُباشرة، لوضع رؤية عامّة للحاجة التطويريّة، وتمكّنوا بعد ذلك من التخطيط التعاونيّ المشترك والتوفيق والتآلف بين الآراء، محاولين الاستفادة من التجارب والخبرات في كلّ مدرسة، ومأسستها داخلها. وأشارت إلى أهمّ ما كان يميّز هذه التجربة، إلى أنّ الباحثين الإجرائيّين كانوا يرافقوننا ويقدّمون الدعم عند الحاجة. وبعد الوصول إلى الغاية التطويريّة، قمنا بوضع الخطط العمليّة مُحدّدين الإجراءات والبُعد الزمنيّ ومواعيد اللقاءات وملامح متعلّم اللغة العربيّة، مع وعي بالاهتمام بالتجارب الناجحة في كلّ مدرسة، بحيث تحافظ على خصوصيّتها، مع الانفتاح على تجارب المدارس الأُخرى، وهو ما نسمّيه في تمام بالمُجتمع المهنيّ.

وهُنا، داخلت أ. القاطرجي أنّ رحلة تمام وكفاياتها، شكّلت بوصلة العمل للمدارس وللفرق القياديّة خلال التشبيك، وتحسين تعليم اللغة العربيّة. والحقيقة أنّ الرحلة والكفايات جزء من برنامج تمام لبناء القدرات القياديّة، إذ نعمل بهِ مع كلّ مدرسة على حدةٍ، ولكنّ المميّز في تجمّع تمام في الأردن أنّ المدارس جميعها عملت على هذه الرحلة. كما أشارت إلى دور الفريق الموجّه في تمام، والذي كان مهمًّا وضروريًّا في هذه الرحلة، خصوصًا وفاقًا للأدبيّات التي تطرح أنّه من الضروريّ مرافقة ميسّرين خارجيّين للتجربة، ولكنّ المميّز في تجربة تجمّع الأردن هو وضوح دور الميسّر، والذي كان دورًا خلّاقًا وفريدًا من نوعه وغير مذكور ضمن الأدبيّات.

 

ما مكوّنات مشروع اللغة العربيّة؟ وما التصميم المُعتمَد خلال السنوات الثلاث التي عملت بها مع قادة اللغة العربيّة ومعلّميها؟

وضّح أ. الأمير المشروع بتقسيمهِ إلى طبقتين: التشبيك، وهو أمر هامّ وفريد، موجّهًا التهنئة للمدارس التي خاضت تجربة مميّزة حبّذا لو تنتشر. والطبقة الثانية هي مشروع اللغة العربيّة: اجتمعت المدارس على حاجة تطويريّة في اللغة العربيّة، وكانت مقاربة الموضوع فريدة: إيجاد متعلّم شغوف بتعليم اللغة العربيّة، ما فتح الباب على مجموعة من الأفكار، منها ما يتعلّق بمفهوم المتعلّم الشغوف، ومنها ما يتعلّق إلى كيفيّة الوصول إلى متعلّم شغوف ضمن مادّة يعاني معلّمو العربيّة فيها.

وأضاف أ. الأمير أنّ الأمر استلزم مقاربات جديدة لهدف نوعيّ مختلف، فكانت المخيّمات الصيفيّة، والتي اجتمع فيها قادة فرق ومعلّمون من المدارس، وأدارت هذه اللقاءات د. هنادي ديّة، حيث عملوا معًا على تحديد الحاجة وكيفيّة الوصول إليها، وهم أنتجوا السلاسل المتّصلة لقياس كفاءة المتعلّم في اللغة العربيّة ضمن مجالات ثلاثة: القراءة بشقّيها الصوتيّ والفهم، والكتابة مع ما يلحق بها من مهارات نحويّة وإملائيّة، والتعبير بشقّيه الاستماع والتخاطب. وأشار إلى أنّ الملامح المذكورة في السلاسل، انطلقت من ملامح المتعلّم الذي لا يعرف العربيّة، ويتطوّر بها، وهذا غيّر الكثير من الرؤيا في الصفوف إلى كيفيّة مقاربة أوضاع المتعلّمين المُختلفة.

وتمّت مقاربة الموضوع، بعد المخيّمات الصيفيّة، وتحديد الحاجات، وإنتاج السلاسل، من خلال وضع خطط للسنوات الأولى والثانية والثالثة. في السنة الأولى كان الهمّ هو العمل المُباشر مع المعلّمات وقادة الفرق، وتدريبهم على استعمال السلاسل، ومناقشة كيفيّة النظر إلى هذه السلاسل ومواءمتها مع العمل في الصفوف والمناهج، إذ كان العمل على بدايات ثلاث مراحل: الصفّ الأوّل والرابع والسادس. وفي السنة الثانية، استمرّ العمل مع القادة والمعلّمات، وكان العمل مع صفوف الثاني والخامس والسابع، وفي هذه المرحلة التي تُشبه سابقتها، باتت المعلّمات أكثر راحةً في استعمال السلاسل؛ يعني إجراء تقييمات في بداية العامّ، ورصد ملامح المتعلّمين، وتحديد موقع كلّ متعلّم في كفاءته، بغضّ النظر عمّا يجري في الصفّ من تدريس لمهارات متعدّدة. وبعد ذلك، وضع خطط تطويريّة، لرفع مستوى الكفاءة. أمّا في السنة الثالثة، ونحنُ في خضمّها الآن، كان تسليم الأمر لقادة الفرق في المدارس. بعد سنتين من العمل المشترك على تدريب المعلّمين، ومراجعة العقبات، ومراجعة الخطط، فصارت الاجتماعات بيني وبين قادة المدارس، والذين باتوا يديرون الاجتماعات مع المعلّمين، وكنتُ استشاريًّا مُستمعًا مُشبّكًا أكثر بينهم وبين الزملاء، وهُم الآن يتولّون الأمر، فكانت سنة الانسحاب التدريجيّ.

ما العوامل المؤسّساتيّة والثقافيّة التي توفّرت في المدارس بشكلٍ عامّ لاستمراريّة هذه المبادرة؟

هُنا أجابت أ. عبد الحميد أنّ المدرسة مُنخرطة من زمن في الرحلة التماميّة، وممارسات مهمّة، مثل الرعاية المهنيّة والقرارات المبنيّة على الأدلّة، وعندما جاءت فكرة تمام للتشبيك، كانت هُناك أرضيّة لهذا التشبيك، إذ كانت العلاقة بين المدارس قبل هذا قويّة ومتعاونة، ما ساعد على سرعة الاستجابة للمبادرة، خصوصًا وأنّ المدارس قد استفادت من تجربة تمام، وتُدرك أنّ هذه التجارب مُفيدة، أخذًا بعين الاعتبار أنّ المدارس التماميّة في الأردنّ متطوّرة ومُتجدّدة ذاتيًّا، وتؤمنُ بالتطوّر من القاعدة إلى قمّة الهرم، ما انعكسَ في الاهتمام بالمشروع.

وأشارت أ. عبد الحميد إلى أنّ نجاح التشبيك في مدارس الأردن، ارتبط بشكلٍ واضح بانفتاح المدارس، فالكلّ كان لديه هدف تطويريّ يريد تحقيقه، ما أدّى إلى نجاح المشروع وتميّزه، والحقيقة أنّ الفكر التماميّ عزّز فكرة العمل المُشترك من أجل التطوير لا المُنافسة، وهذا دليل على أنّ المدارس مُشبّعة بالكفايات التماميّة.

وأضافت أ. القاطرجي أنّ المبادئ المهنيّة المغروسة في المدارس ساعدت على التشبيك واستمراريّته، وأنّ أي نقص سيشكّل عوائق، وقد كانت موجودة، لكن وبالحوار بين الفريق الموجّه والفريق القياديّ، ذُلّلت الصعوبات.

 

المحور الثاني: تفعيل الأدوار لتحقّق عناصر مبادرة التشبيك.

ما كان دورك أ. قموة في مبادرة التشبيك؟ وما النقطة التي تودّين تسليط الضوء عليها في ذلك لإفادة مدارس أُخرى تسعى إلى تنفيذ مبادرة شبيهة؟

ذكرت أ. قموة أنّ كلّ مدرسة في المشروع حافظت على خصوصيّتها، وعلى انفتاحها في الوقت ذاته، وأنّ فكرة الإيجابيّة التي كانت موجودة بين الفرق والإدارات شكّلت أساسًا لهذه المبادرة. ورأت أنّ الأمر الإيجابيّ كان الانفتاح إلى جانب العلاقات الإيجابيّة والأهداف المُشتركة، هذه العناصر شكّلت مصلحة مُشتركة للتطوير والتحسين، مع وضع الطلّاب نُصب أعيننا.

وهُنا، أشارت أ. القاطرجي إلى أنّ دور المناضل، والذي قامت بهِ أ. قموة، غير موجود في الأدبيّات، لأنّ المبادرات التي نفّذت في أوروبا أو أمريكا الشماليّة، كانت على مستوى الحكومات أو الوزارات، بالتالي من مستويات أعلى. أمّا مبادرة التشبيك، والتي خرجت طوعيًّا من مدارس خاصّة لا يجمعها إطار، فكان لا بدّ من وجود دور مناضل مثّلته أ. قموة.

 

كمديرة، ما الدور الذي أدّيته في المدرسة من أجل استمراريّة مبادرة التشبيك؟

تحدّثت أ. عبد الحميد عن الرحلة التماميّة التي خيضت من أجل الوصول إلى الهدف التطويريّ، وهو اللغة العربيّة. وأشارت إلى ضرورة اطّلاع رئيسة القسم المسؤولة على فكرة المشروع، والتي كانت تتحلّى ببعض الكفايات المهمّة لتنفيذ المشروع، وتشكّل لديها شغف من أجل المُشاركة بمشروع يجمع أقسام اللغة العربيّة في المدارس. وأشارت أيضًا إلى أنّ الفريق الموجّه خلال المخيّمات الصيفيّة، أسهم بتعزيز فاعليّة المعلّمات والمعلّمين، بالتالي شَعَرَ المعلّمون بالانتماء إلى هذا المشروع.

وأضافت أ. عبد الحميد أنّه وفي مرحلة اللقاءات مع أ. الأمير، بدأ المعلّمون بمرحلة جديدة احتاجت إلى تدخّلات، ولا سيّما مع اللقاءات بعد ساعات التدريس. ومن هُنا، تمثّل دوري بتعديل جدول الحصص، وتخفيف دوامهم، وفي الوقت نفسه، ضمان أنّ أيّام الاجتماعات تكون غير مُرهقة للمعلّمين في المدرسة، كما نسّقت يومًا للاجتماع بينهم. وكإدارة، كنّا نجتمع معهم لمتابعة المشروع، ما أعطى المعلّم شعورًا بأهمّيّة المشروع، وكذلك حافزًا للاستمرار فيه. وكنتُ أسمع معلّمو العربيّة يقولون: "بعد هذه المبادرة، اكتشفنا أنّ همّنا واحد"، ما جعل المعلّمين يمتلكون نظرة أكثر شموليّة حول الموضوع، وحول تحدّياته. ومن جديد، شكّل تكاتف الإدارة مع المعلّم، وتشبيك المعلّم مع معلّم من مدرسة أُخرى، حوافز للمعلّمين المشاركين من أجل الاستمرار والتغلّب على الصعوبات، وتحقيق هدف المشروع.

 

ماذا كان دورك كاختصاصيّ وكيف استطعت التوليف بين معلّمين يدرّسون مناهج مُختلفة من مدارس مُختلفة؟

أشار أ. الأمير إلى أنّ الخطّة كانت مخيفة نوعًا ما، إذ كانت هناك ثلاثة اجتماعات أسبوعيًّا بعد الدوام المدرسيّ تستمرّ على مدار السنة، اجتماع لكلّ حلقة. وكانت هناك عوامل مختلفة لكيفيّة التعاطي مع معلّمين من مدارس مُختلفة: 1. التغلّب على النزعات التنافسيّة. 2. التغلّب على النزعات الشخصيّة، على غرار سؤال: لماذا أنا كمعلّمة سأجلس ساعتين بعد المدرسة؟ 3. إدراك المعلّمات لكون المشكلة ليست خاصّة بمعلّم أو مدرسة. كان التركيز في الاجتماعات على مفهوم العائلة، وبالتالي كان دوري ميسّرًا للمشروع أكثر من مدرّب له - فالمشروع جديد - إلى جانب أنّ المعلّمين كانوا من متميّزين، والجهد المبذول من قِبل المدارس عليهم مذهل. كان عليّ التقاط الخبرات وتشبيكها معًا، من أجل نتاج ومقاربة جديدين، وهو ما لم يكن سهلًا، خصوصًا في البداية إذ احتجنا إلى تفكيك بعض المُمارسات المعتادة في صفوف العربيّة، ومن ثمّ التأمّل في التجارب التعليميّة بانفتاح أمام الحاضرين/ العائلة، ما خلق تشبيكًا حقيقيًّا، ووحّد لغة المعلّمات، مع الحفاظ على صوت كلّ منهنّ.  وأضاف أ. الأمير، أنّه بعد كلّ هذا، ولتعزيز الممارسة التأمّليّة، عملنا على الإجابة المستمرّة عن سؤالين: لماذا؟ وكيف؟ فمع إجابات هذين السؤالين، نصل إلى أهداف، وبالتالي آليّة تحقيقها. في الختام، تشكّلت مقاربة جديدة تُنتج قادة جددًا ينتجون بدورهم قادة جددًا، فالأساس هو الاستمراريّة في هذا الأسلوب من العمل والتدريب المستمرّ، وأعتقد أنّنا حقّقنا أمرًا مُمتازًا.

 

ماذا كان دورك أ. الزيادات والذي أدّى إلى استمراريّة العمل بين المدارس ودعمه؟

تحدّثت أ. الزيادات عن شغفها الداخليّ بالقضيّة المُشتركة، وهي إيجاد متعلّم شغوف. ومن هُنا، قامت أ. الزيادات في البحث عن معلّمات لديهنّ شغف شبيه بشغفها، واستقطبت المجموعة ووعّتها بالمشروع، ما أدّى إلى غيرة مهنيّة كانت مهمّة لإعلام الزميلات في المدرسة بالمشروع، إلى درجة وصلت بها كلّ معلّمة إلى أن تكون قائدة حقيقيّة، فاستمرّ العمل بطريقة مُمتازة. وإضافةً إلى كوني عضوةً في تمام، فأنا أفهم مستلزمات التغيير التي تماشت ومستلزمات التغيير في مدرستي. والحقيقة أنّ الغموض كان موجودًا في البدايات، وما لبث أن زال شيئًا فشيئًا بمساعدة الفريق الموجّه في تمام، ما جعلنا أكثر ثقةً وإصرارًا على تحقيق الأهداف. وأضافت أ. الزيادات أنّ هُناك دورًا مهمًّا تمثّل بتخفيف العبء على المعلّمات المُشاركات في المشروع، وإعادة جدولة برنامج الحصص من أجل تقديم الدعم إليهنّ، ومتابعة المشروع والخطط مع المدرّبين، كلّ ذلك مصحوبًا بالمرونة في التعامل مع الإدارة المدرسيّة وإدارة تمام وفريق المعلّمات.

 

المحور الثالث: نتائج أوليّة من مبادرة التشبيك.

ما الأثر الأوّليّ أو النتائج الأوّليّة التي بدأت تظهر من المشروع؟

أجابت أ. قموة أنّ الأثر انعكس في بُعدين: بناء لغة مشتركة بين المعلّمين، وتوصيف دقيق من المعلّمين لمستويات الطلّاب في مهارات اللغة العربيّة. أما بالنسبة إلى الطالب، فبات يعرف أين هو وأين سيكون، وبالتالي بات الطالب شريكًا فعليًّا في عمليّة تعلّمهِ، وأيضًا صارت خطط التطوير وخطط التدخّل واضحة لدى قادة اللغة العربيّة ومعلّماتها. وأمر إيجابيّ آخر، هو أثر المبادرة في المعلّمين الآخرين، والذين باتوا يريدون أن يكونوا جزءًا من عمليّة التطوير والتغيير، وتجربة تمام.

أضافت أ. الزيادات أنّه من خلال ملاحظاتها، تكوّن، نتيجةً لهذه المبادرة، مجتمع مهنيّ بين معلّمات اللغة العربيّة: يجلسن في غرفة الفريق، ويتحدّثن بمصطلحات على مستوى عالٍ من المهنيّة، ويتبادلن الخبرات بحرص، ويدعمن بعضهنّ بعضًا، شغوفات وحريصات على التطوير، ما رفع من صورتهنّ أمام ذواتهنّ وأمام زميلاتهنّ وزملائهنّ، خصوصًا بعد ما اكتسبن من مهارات التأمّل في التجارب الصفّيّة وإعادة التعديل والتطوير كاستراتيجيّة مستمرّة. كما أشارت أ. الزيادات إلى نقطة مهمّة، هي سؤالها للمعلّمات: أيّهما أسهل أن نضع علامةً للطالب أو وصفًا له؟ وكانت الإجابة أنّ العلامة مجرّد رقم يُمكن تغييره، أمّا الوصف فيحتاج إلى معرفة عميقة دقيقة بالطالب ومن غير السهل تغييره. واختتمت حديثها بأنّ المشروع قام بعمليّة "زعزعة" لكلّ المسلّمات لدى المعلّمات، وساعدنا وجود الفريق والأدوات الموثّقة على تخفيف هذه الزعزعة، والتي تحوّلت إلى معلّم واثق باحث، يجمع البيانات ويضع الخطط مُرفقة بأدلّة على تطوّر المتعلّم.

وأشارت إلى أنّه على صعيد المتعلّمين، زادت لديهم الرغبة بالتوجّه إلى استخدام اللغة العربيّة، وأصبح استمتاعهم بتقديم عروض بالعربيّة أعلى، وتوجّههم إلى المشاركة بها صارَ أعلى، بجانب مسابقات القراءة، ما لفت انتباه الإدارة أيضًا إلى أهمّيّة هذه المشاريع، والتي دعمت تجديد المشروع في كلّ سنة، إذ رأت الأثر في المعلّم والمتعلّم. كما زاد هذا المشروع من ثقة الأهل بمعلّم اللغة العربيّة.

أمّا أ. عبد الحميد فداخلت حول الأثر في المعلّم، إذ كان هناك تغيير جذريّ في أداء قسم اللغة العربيّة. بداية كانوا مطبّقين لمشروع مفروض عليهم، أمّا في السنة الثانية، فكانت هناك قفزة مُختلفة، ولغة مُختلفة، وباتوا يطالبون بأن يكون قسم اللغة العربيّة له مكتب موحّد من أجل التخطيط، حيث يعملون كخليّة نحل بحماس جميل. وأشارت إلى أنّ معلّم اللغة العربيّة، ومن جوانب مُختلفة، تطوّر شغفه، وتطوّرت معرفته. ولا شكّ أنّ السلاسل قد أسهمت في تغيير طريقة المعلّم في التعامل مع الطالب، وتطوير أدائه، ليكون في مكانٍ آخر أكثر شغفًا، وهو في الحقيقة أثّر بشكلٍ عامّ في سلوك الطلبة حتّى في الموادّ الأُخرى، فمن الواضح تطوّر مهارات الطلبة في الحوار والاستماع والحديث والعرض بالعربيّة.

وداخل أ. الأمير حول ثلاثة نتائج: 1. التشبيك بحدّ ذاته على المستويات كافّة؛ التشبيك ذو جدوى، ومفيد، وهذه دعوة إلى جميع المدارس للتشبيك والتعاون. 2. النتائج الملموسة بعد ثلاث سنوات؛ مفهوم الكفاءة، المعلّمون يمتلكون مهارات، نجمعها ونُعيد إنتاجها لنظهر قيمتها ككفاءة، وهذا ما انعكس في العمل مع الطلبة، من خلال مهام تُظهر وتُبلور هذه المهارات، 3. ما يُنتج مفهوم الشغف بعد أن أصبح الطلبة يمتلكون المهارة، وعندما عمل المعلّم ووجد نتيجةً أنّ طالبه أصبح شغوفًا، بات المعلّم شغوفًا أيضًا.

أمّا أ. القاطرجي فتحدّثت عن أهمّيّة الانضمام والقيام بمبادرات شبيهة. ونحنُ كفريق موجّه رافقنا هذه التجربة، بقيادة د. ريما كرامي عكّاري، وكان لا بدّ من توثيق هذه التجربة، فقمنا ببحث كبير أفضى إلى نموذج عُرض في ملتقى تمام التربويّ الأخير، والذي أثار أسئلة كثيرة حول الأدوار المُختلفة، ونحنُ نتطلّع إلى تعميم هذا النموذج، ونسعى إلى نشره بين المدارس، وتحويله إلى برنامج للإعداد المهنيّ للمدارس التي تودّ الانضمام إلى مثل هذي المبادرات، خصوصًا وأنّ أثر هذه المبادرات ليس فقط في المعلّم والطالب، وإنّما أيضًا في المجتمع التربويّ ككلّ، والمجتمع الأوسع كذلك. وذكرت أ. القاطرجي المدارس المُشاركة، وهي المدرسة العصريّة، ومدرسة الأهليّة والمُطران، ومدرسة البكالوريا عمّان، والمدرسة المعمدانيّة، ومدرسة البيان، وتحوّلت مبادرتهم التشبيكيّة إلى حركة تربويّة تطويريّة تشكّل نموذجًا مُضيئًا وجميلًا.

كما أشارت إلى الآمال والخطط المستقبليّة من أجل الوصول إلى متعلّم شغوف، وهو ما لا يُمكن تحقيقه بسنة أو سنتين، إنّما بسنوات وجهود من العمل، ولكنّ رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ونحن سعيدون بأنّ الأثر بدأ يظهر. وهناك بعض التعليقات تقول إنّ هذه التجربة شبيهة بمجتمعات التعلّم المهنيّة، والحقيقة هي شبيهة لكنّها فريدة بأنّها على مستوى مؤسّساتيّ، على مستوى المدرسة.

 

كلمة أخيرة

قالت أ. قموة إنّ التطوير يحتاج إلى حفر، وأحيانًا قد تُدمى أصابع اليدّ، ولكنّ الزراعة تؤتي أكلها، ونتيجة هذا التعب هو الطالب الشغوف.

وقدّمت أ. الزيادات شكرًا لمنهجيّات وللأستاذ الأمير على صبره وعمله المستمرّ مع الفريق، وتحدّثت عن أملها بمشروع قريب جديد لاستمرار عمليّة التطوير، ودعت الجمهور إلى التشجّع في المُشاركة في مثل هذي المبادرات والمشاريع العربيّة الأصيلة.

أمّا أ. عبد الحميد فشاركت فكرة أنّ أيّ حُلم بفكرة حُلمٌ قابل للتحقيق، ومشروع التشبيك هذا من أجمل المشاريع، والذي كان حُلمًا وتحقّق، وأتّفق مع أ. الزيادات، إذ هو مشروع عربيّ بكلّ تفاصيله وهذا داعٍ للفخر والسعادة.

واختتم أ. الأمير الندوة بقوله إنّنا في العالم العربيّ نعرف نتائج التفرّق والوحدانيّة، وربما آن الأوان أن نُفكّر بطرق أُخرى، واليوم رأينا نموذج كيف أنّ التجمّع يُنتج شيئًا فعليًّا جميلًا، وهذا ليسَ فقط قائمًا في الأردن، إنّما قد يقوم في كلّ مكان، فهنالك نموذج الآن، وطرق تواصل لكلّ من هو مهتمّ بمبادرة.