مها أبو منشار- معلّمة جغرافيا- فلسطين
مها أبو منشار- معلّمة جغرافيا- فلسطين
2022/06/17

كيف تتخيّلين شكل التّعليم لو لم تكن هُناك مدارس؟ وكيف ترين مستقبل المدرسة كمكانٍ؟

لا نستطيع الاستغناء عن المدرسة في العمليّة التعليميّة، لكنّنا بحاجة إلى إعادة قولبتها من خلال استخدام التعليم البديل أو المدمج، الذي يتيح للطالب الدراسة بنظام مفتوح خارج الجدران الأربعة للفصول الدراسيّة.

من هُنا، لا بدّ من القيام بإجراءات منظّمة ومتسلسلة لمواكبة التوجّه العالميّ، الذي يتمثّل في إعداد طالب قادر على التعلّم الذاتيّ، والبحث عن المعلومة تحت إشراف المعلّم، ليصلوا معًا إلى مرحلة التعلُّم اللّامدرسيّ الفعّال، والأهمّ، تعزيز وجدان الطالب تجاه هذا النوع من التعليم، بذلك نستطيع تحويل الصفوف إلى غرف نقاش وعصف ذهنيّ يتحوّل به الطالب من متلقّن إلى مشارك في إيجاد الحلول، ما يساهم في رفع المخرجات التعليميّة التي نسعى إلى تحقيقها، فنحوّل بذلك المدرسة إلى أكاديميّة تعليميّة توجّه الطالب بشكلٍ مرنٍ ليكون فعّالًا في مجتمعه. كلّ هذا بحاجة إلى جهد ووقت لتغيير نمط التدريس والمناهج ولتغيير فكر الطلاب للإقبال على هذا النوع من التعليم، فكلّ هذه المعطيات تصعّب علينا تغيير دور ونمط المدرسة في حياة الطالب.

 

كيف تصفين تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟

كانت تجربة التعليم عن بُعد مثمرة ذاخرة بعدّة تجارب ساهمت في تعزيز فكرة البحث الذاتيّ، وتغيير فكرة أن التعليم يقتصرُ على زمان ومكان محدّدين مسبقًا، لكن لم تكن كافية، في الوقت ذاته، لتعزيز دافعيّة الطالب نحو التعليم، خاصّة أننا غير معتادين على هذا التحوّل الجذريّ، ولكنه عزّز لدينا الشعور بأهمّيّة وجودنا مع طلّابنا في المكان نفسه لنستشعر احتياجاتهم ومشاعرهم، ونلمس التغيُّرات الحاصلة معهم على مدى الفصل الدراسيّ.

إلّا أنّنا فقدنا في التعليم عن بُعد القدرة على التواصل غير اللفظيّ مع الطلّاب، الذين بحاجة لأن يشعروا بمعلّمهم، وأن يشاهدوا ابتسامته وإيماءات وجهه وحركاته، وهذا نوع من التواصل لا يمكن أن يتحقّق إلّا بوجود المعلّم والطالب في مكانٍ واحدسٍ، فوجودنا الآن بين طلّابنا رسّخ علاقتنا بهم، وأشعرنا بأهمّيّة التواصل الوجاهيّ معهم.

 

اختاري شيئًا واحدًا تودّين تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟

سأغيّر طرق التدريس لتتماشى مع تطوّرات الحياة الرهيبة، فطرق التدريس الاعتياديّة أصبحت غير كافية لتوصيل المعلومة إلى الطالب. ومع وجود الإنترنت، أصبح الطالب قادرًا على الوصول إلى المعلومة بسهولة، وبذلك استغنى الطالب عن المعلّم وأصبحت المدرسة تحصيل حاصل في حياته، فالأساليب المتّبعة في التدريس، والتي يفرضها المنهج ونوعيّة الطالب، تفرض على المعلّم أن يبقى ضمن الأهداف المعرفيّة الدنيا، ولا يرتقي إلى الأهداف العُليا كالتركيب والتحليل والتقويم، خصوصًا أنّ الطالب غير معتاد على التفكير في أساليب خارجة عن النمط المتعارف عليه، وفي حال خروج المعلّم عن النمط المتعارف عليه، يصبح غير قادر على التوفيق بين ختم المنهج، واتباع الأساليب الحديثة في التدريس.

 

برأيكِ، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟

العلاقة بين المعلّم والطالب علاقة عظيمة تتعدّى مرحلة طرح المعلومات إلى التفنّن بطريقة هذا الطرح. المعلم الذي يمتلك مهارة فنّيّة يمكنه إدخالها في كلّ تفاصيل التدريس، سواء عبر أنشطة منهجيّة أو غير منهجيّة.

وعلى سبيل المثال، استطعتُ توظيف الفنون من خلال التفنّن في إعداد وسائل تعليميّة مكّنتني، من خلالها، على إيصال المعارف للطلّاب بسهولة ومتعة، كما قمت بتحويل حصّة الفنّ إلى عدّة مبادرات ترفع من قدرات الطلّاب، مثل مبادرة فنّ إدارة الوقت، التي صنعت من خلالها مخطّط لتنظيم وقت الطالبات، وقد تفنّنت الطالبات في إعداد دفاتر لتنظيم وقتهنّ، كما قمن بإعداد لفحة من الصوف باستخدام الكرتون. ولم يقتصر استخدام أو توظيف الفنون على الأشغال اليدويّة، بل تعدّى ذلك إلى تدريب الطالبات على استخدام تطبيقات رقميّة لمونتاج الفيديو، وتصميم منشورات بطرق فنّيّة تحاكي احتياجاتهنّ وترفع من الذوق المهنيّ لديهنّ، وهو ما ساعدني، في واقع الأمر، من التقرّب منهنّ أكثر.  

 

إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟

سأختار استراتيجيّة التعلّم بالمشروع بكلّ تأكيد، فهذه الاستراتيجيّة ساعدتني على اكتشاف إبداعات الطالبات، ومهاراتهنّ وذكاءاتهنّ المتعدّدة، ومدى قدرتهنّ على التفكير خارج الصندوق، مُكتشفة بذلك مكنونات الذات لدى الطالبات، فاستطعت، مثلًا، أن أُميّز الطالبة التي تمتلك صوتًا إذاعيًّا، والطالبة التي لديها القدرة على إعداد محتوى تعليميّ قيّم، والطالبة التي لديها القدرة على منتجة الفيديوهات بطرق إبداعيّة، وكما نعلم، فإنّ المنهاج يعجز عن إظهار مثل هذه الإبداعات، وبذلك أستطيع أن أقيّم طالباتي بشكل منصف وعادل، مراعية بذلك الفروق الفرديّة بينهم.

 

كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟

لا شكّ أنه من أهمّ قواعد نظريّات التعليم والتعلّم الناجحة هي ربط الطالب بمحيطهِ الخارجيّ وعدم فصله عن بيئته. وبما أنني أدرس مادّتيّ الجغرافيا والتاريخ، واللتان تندرجان تحت مسمّى العلوم الاجتماعيّة، يتحرّى بي استخدام هذه القاعدة ضمن كافّة تفاصيل التدريس. وقد قمت بتطبيقها من خلال استخدام استراتيجيتيّ حلّ المشكلات والعصف الذهنيّ مع الطلّاب، من خلال تقسيمهم لمجموعات، وعرض بعض القضايا الحياتيّة عليهم، ومن خلال المشاركة الجماعيّة يتم اقتراح حلول لهذه المشكلات، كما أنّ استخدام استراتيجيّة العمل بالمشروع تساهم بشكلٍ كبيرٍ في ربط الطالب في البيئة المحيطة.

ويُسعدني هُنا مُشاركة تجربة شخصيّة، فقد قمت بإطلاق مبادرة باسم "القضيّة بعيون أهالينا"، استطعت من خلالها توثيق قصص حصلت مع الأهل خلال الأحداث التي مرّت بها فلسطين، من أيّام النَّكبة إلى يومنا هذا. واستطعت، بذلك، أن أُحوّل حروف الكتاب الصامتة إلى حروف مليئة بالمشاعر تترسّخ في ذاكرة الطلّاب ووجدانهم، مُعزّزة بذلك قيمة الانتماء إلى الوطن، كما أنني أُخصّص حصصًا للحديث عن عدّة قيم، كالاحترام والامتنان والشكر، وجعلها جزءًا لا يتجزّأ من حياة الطالب.

 

ما هو التعبير الذي تُحبّين رؤيته على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّين أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟

الابتسامة هو التعبير الموجز الذي أستطيع، من خلاله، معرفة مدى استمتاع الطلبة في الحصّة التعليميّة وإقبالهم عليها. ووجوه الطلبة يشكّل، بالنسبة لي، معيارًا أعتمدُ عليه في تقييم نفسي داخل وجدانهم، فالطالب المبتسم والطالب الذي يتحدّث بكلّ أريحيّة داخل الحصّة الصفّيّة، هو دليل على مدى قدرة المعلّم على الدخول إلى قلوبهم، وبالتالي ينعكس ذلك إيجابيًّا على إقبالهم على دراسة المادّة التعليميّة، بشكلٍ خاصّ، وعلى المدرسة بشكلٍ عامّ.

ففي صباح كلّ يوم، عندما أجد الابتسامة رفيقة وجه الطالبات وهنّ يتحدثن معي، أتأكّد بأن دوري تعدّى دور المعلّمة إلى الصديقة التي يبتسمن لها ويُقبِلنَ عليها بكلِّ حُبّ.

 

من هو الطالب المُلهم؟

هو الطالب الذي يحمل معنى الإنسانيّة في قلبه، والذي يستشعر احتياجات أصدقاءه من حوله والداعم لزملائه في الصفّ. ومن خلال سنوات عملي كمُدرِّسة، أجد أن الطالب الإنسان هو ذاته الطالب الذي يسعى لإلهام ودعم غيره من الطلّاب ليرتقي بهم، ويساعدهم كلّما احتاج الأمر إلى ذلك، لذا أسعى دومًا إلى تعزيز هذه القيمة في وجدان طالباتي لأنتج طلبة يحملون معنى الإنسانية في قلوبهم، والتي بدورها ستنير طريق الإبداع داخلهم وأمامهم.

 

كصديقةٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟

العطاء. لأنّه سرّ سعادة الإنسان، فمع العطاء يحيا الإنسان وتتجدّد بداخله روح البقاء وتستمرّ به الحياة، فكلّ منّا يمرّ في مرحلة يحتاج فيها إلى من يسانده، من يدعمه، من يستشعر احتياجه النفسيّ قبل المادّيّ، وعندما يجد من يعطيه، يرتقي لمرحلة أن يعطي لغيره، وهكذا تستمرّ دائرة الحياة بأجواء يملؤها الإخاء والمساندة لنرتقي بجيلٍ واعٍ معطاءٍ ومُحِبّ.

 

إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختارين؟

سأختار مدينة القدس وقبّتها الذهبيّة وأزقّتها القديمة، لما تحويه من حضارة وتاريخ وحروب عبر التاريخ، فأغلب الطلّاب يرونها عبر الصور، ولم تتسنى لهم الظروف السياسيّة زيارتها، فهذه الرحلة ستمثّل تحوّلًا تاريخيًّا في حياتهم، وستكون وجهة مليئة بالمشاعر والحبّ والانتماء والفرحة في قلوب الطلّاب.