محمّد حمّور- معلّم صفّ- قطر
محمّد حمّور- معلّم صفّ- قطر
2023/11/30

لو كنت طالبًا اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

في الغالب، أجدُني متحمّسًا لتعلّم ما قد اخترت تعلّمه بنفسي.  ولذلك، بالعودة إلى مقاعد الدراسة، أحبّ أن أرى تعليمًا يتّسم بالمرونة الكافية لأقود فيه عمليّة التعلّم الخاصّة بي، حيث يكون لي دور فعّال في اختيار ما أودُّ تعلّمه، مستفيدًا من إرشاد المعلّمين وتوجيههم، ممّا يوقظ فيَّ رغبة البحث والاستقصاء والتفكير.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

تعتمد إجابة هذا السؤال على طبيعة متطلّبات المنهاج في النسق التربويّ الذي يعيش فيه السائل. كلّما اتّسمت المناهج والبرامج بالمرونة، وشكّلت أطرًا قابلة للتشخيص (personalization)، فُتحت للمجتمع المدرسيّ فرص للتوفيق بين المهارات والمعارف.

ولكنّنا يمكن أن نقول، بصورة عامّة، إنَّه من الممكن تضمين تعليم المهارات الاجتماعيّة في الحصص المتنوّعة؛ أي أنَّ التجارب التعليميّة التي يحضّرها المعلّمون، يمكن أن تتيح فرصًا للطلّاب بتطوير هذه المهارات بشكل ضمنيّ مقصود، كما يمكن الاستفادة من التأمّلات الذاتيّة التي تتيح للمتعلّمين التفكير بتطوّر هذه المهارات عندهم والتخطيط لها.

 

كيف تحدّد أهمّيّة دورك، معلّمًا، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

التعليم ليس نقلًا للمعلومات والمعارف فقط. التعليم، في لُبِّه وجوهره، مبنيٌّ على العلاقات الإنسانيّة. في كثيرٍ من الأحيان، يكون الأثر الذي نتركه في نفوس المتعلّمين مرتكزًا على صدق العلاقة بين الطرفين، بحيث تتحوّل إلى علاقة تعاطف ودعم واحترام متبادلين. هنا يكمن دور المعلّم الذي لا يفترض أن يدركه الذكاء الاصطناعيّ، أن يبني جسور علاقات مع المتعلّمين، تزرع في نفوسهم أنَّ هناك من يهتمّ بأمرهم.

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

هناك ثنائيّة أعتبرها أساسيّة في المشرف التربويّ ليكون محفّزًا للمعلّم وعمليّة التعليم، أوّل الأركان أن تكون بين المشرف والمعلّم علاقة مفتوحة. بتعبير آخر، أن يستطيع الطرفان مشاركة التحدّيات والخبرات بينهما بدون خوف أو تردّد. سياسة الباب المفتوح ترفع من حسن حال المعلّمين والمشرفين على حدّ سواء، ما يسهم في رفع جودة العمليّة التعليميّة.

أخيرًا، من الأدوار المهمّة للمشرف التربويّ، أن يكون ملمًّا بالمصادر والمعايير التي ترتبط بما يعلّمه المعلّم من موادّ وصفوف. لذلك يقدّم لفريقه مصادر منقّحة، تسهم في تيسير عمليّة التصميم والتعليم لدى المعلّمين.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

لا يمكننا حصر الإجابة بمجموعة أساليب واحدة؛ لأنَّ حلّ النزاعات مرتبط بشكل رئيس بالسياق الذي حصلت فيه هذه النزاعات؛ أيّ طبيعة الطلّاب أنفسهم، وبيئة الصفّ، وسياسات المدرسة، وثقافة المجتمع، وغيرها من المتغيّرات. ولكن في الحالة العامّة، قد يرتكز حلّ النزاعات على القيم الآتية:

  • - الوضوح. ينبغي أن تكون أحداث النزاع واضحة بين جميع الأركان. لن يفيد النقاش في ما سيأتي إلّا إذا اتّفق الجميع على حيثيّات النزاع نفسه، وأعطي كلّ طرف الوقت الكافي لشرح وجهة نظره من الحادثة.
  • - التعاطف. حتّى يتحوّل حلّ النزاع من لحظة آنيّة إلى تغيير إيجابيّ في شخصيّات المتعلّمين، ينبغي أن يفهم المتنازعون طبيعة عواطف الأطراف الأخرى، وكيف أثّرت فيهم.
  • - الإصلاح. ينتقل النقاش إلى خطوة الإصلاح، ما الذي يجب فعله لإصلاح الضرر الذي حصل بسبب النزاع؟ هُنا للنقاش دور عمليّ، فهو يركّز على ما يمكن أن يقوم به المتنازعون لإصلاح الضرر. غالبًا ما يتبادر الاعتذار إلى الذهن، ولكنّ الإصلاح قد يأخذ شكلًا أوسع.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

تستطيع هذه الأدوات التقنيّة أن تقوم بما يعجز عنه المعلّم. تقدّم إلينا خيارات عديدة من مصادر ومناهج، وأدوات تيسّر العمليّة التعليميّة للجميع. بشكلٍ خاصّ، تفيد التكنولوجيا في تيسير تجارب تعليميّة عميقة ومؤثّرة، تسهم في بناء فهم عميق للموادّ الدراسيّة، وتفتح المجال للمتعلّمين باكتشاف المعارف، وتطوير المهارات بشكل غير مسبوق.

أمّا عن حدود استخدامها، فيمكن القول إنَّ الأبحاث التربويّة غالبًا ما تحدّد لنا المهارات التي ينبغي للمتعلّمين اكتسابها بدون استخدام التكنولوجيا، كالكتابة في صفوف السنوات المبكّرة، إذا كان المعلّم أو المشرف مطّلعًا على هذه الهوامش، فإنّه بإمكاننا دمج التكنولوجيا بممارساتنا التعليميّة، بحيث نستفيد منها من دون الوقوع في مخاطرها المعتبرة.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

للإجابة الدقيقة على هذا السؤال، ينبغي تعريف التدخّل المقصود، فالتدخّل قد يعني تطفّلًا مزعجًا، أو اهتمامًا زائدًا، وقد يعني تشاركًا صحّيًّا في العمليّة التعليميّة. يتحوّل التدخّل العائليّ إلى تدخّلٍ سلبيّ عندما ينوب الأهل عن المتعلّم في صناعة القرار، بحيث يصبح المتعلّم منفّذًا لطلبات أولياء الأمور فقط من دون تكوين شخصيّةٍ علميّة مستقلّة. من الأمثلة على ذلك، أن يقرّر الأهل آليّة الدراسة المنزليّة وتوقيتها وحجمها، أو أهمّيّة موادّ دراسيّة على أخرى، أو التدقيق المفصّل في سير الصفوف في المدرسة.

على الجهة الأخرى، فإنَّ أولياء الأمور أوَّل المربّين الذين يرتكز عليهم نجاح العمليّة التعليميّة في كثير من الحالات. لذلك، فإنَّ تشاركهم مع المدرسة في دعم عمليّة التعلّم أمرٌ ضروريّ، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بالتنسيق مع معلّمي الأولاد، وبالتوافق مع سياسات مدرستهم.

 

هل تجد أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

للكتاب قيمة علميّة تربويّة في ذاته، بالإضافة إلى قيمته التراثيّة والذاتيّة عند كثير من القرّاء. كما أسلفنا في شقِّ التكنولوجيا، لا بدّ من استمرار الممارسات التعليميّة التي أثبتت نجاحها أجيالًا بعد أجيال، ما لم يتّضح لنا عكس ذلك. ولذلك، أرى أنَّ الكتاب ما يزال يشكّل ركيزة مهمّة في العمليّة التعليميّة، بحيث ينبغي للمتعلّم الاستفادة من نموذجيّ الكتاب، الورقيّ والإلكترونيّ.

قد يغيّر التطوّر التكنولوجيّ السريع هذا الرأي يومًا ما، ولكنّي أسعد بتواجد الكتاب الورقيّ جنبًا إلى جنب مع التقنيّات الحديثة في مسيرة التعلّم.

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

يعتمد هذا أيضًا على السياق العام للبلاد، فما ينفع في دول ومجتمعات قد لا ينفع في أخرى، ولكنَّ الفائدة تتحقّق عندما يكون هناك استثمارٌ فعليٌّ لأوقات الدوام المدرسيّ، بدلًا من حشوه بالحصص التي غالبًا ما تكون تلقينيّة بحتة. كما أرى أن يُضاف إلى الدوام أوقات استكشاف حرّة للمتعلّمين؛ ليتمكّنوا من البحث والاستقصاء حول ما يعنيهم من المواضيع والقضايا.

 

صِف لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمًا عنوان رواية لذلك، وأخبرنا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

أذكر رواية "The Midnight Library" اليابانيّة التي تتحدّث عن مكتبة خياليّة، كلّ الكتب في هذه المكتبة تقودك إلى رحلة في معايشة حياة شخصيّات هذه الأقصوصة، ولكن عليك الرجوع قبل منتصف الليل أو ستصبح هذه الحياة حياتك فعلًا.

التعلّم والتعليم في المدرسة قائمٌ على البحث والتقصّي، مما يعني أنَّ المعارف والمعلومات مفتوحة للمتعلّمين للاستكشاف والاطلاع الحرّ. وبذلك، يتسنّى للمتعلّمين تجربة العديد من المعايشات التي توسّع من أفقهم، وتنمّي وعيهم حول أنفسهم والعالم حولهم.