محمّد جمال محمّد- عضو هيئة تدريس في كلّيّة التربية- مصر
محمّد جمال محمّد- عضو هيئة تدريس في كلّيّة التربية- مصر
2025/12/17

ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟

لقد عمّقت الحروب والأزمات المختلفة في العالم العربيّ نظرتي للتعليم، محوّلة إيّاه من مجرّد وسيلة لاكتساب المعرفة، إلى حصن للمرونة والتعافي الاجتماعيّ. أدركتُ أنّ التعليم ينبغي أن يكون أداةً لدعم الصحّة النفسيّة والاجتماعيّة، وتنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلّاب، ليتمكّنوا من تحليل المعلومات المغلوطة المنتشرة، وبناء القدرة على الصمود في وجه التحدّيات. بات حتميًّا التركيز عليه قوّةً دافعةً لإعادة بناء المجتمعات وتعزيز تماسكها، خصوصًا مع موجات النزوح واللجوء التي تتطلّب نماذج تعليميّة مرنة وشاملة.

 

ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟

أتمنّى لو يدرك صُنّاع القرار اليوم حجم العبء المزدوج الذي يحمله المعلّمون. فلم تعد وظيفتهم إلهام المتعلّمين للوصول إلى المعرفة، بل غالبًا ما يصبحون مربّين ومعالجين نفسيّين، خصوصًا مع تزايد التحدّيات المجتمعيّة. يعاني المعلّمون ضغوط المناهج الكثيفة، ونقص الموارد، والحاجة المستمرّة إلى التطوير المهنيّ لمواكبة التغيّرات السريعة، إضافةً إلى توقّعات مجتمعيّة عالية لا تتناسب دومًا مع الدعم المتاح. لو أدركوا ذلك، لركّزوا على تحسين ظروف العمل، وتوفير برامج دعم نفسيّ، وتقديم تدريب فعّال ومستمرّ، ما سينعكس إيجابًا على جودة التعليم.

 

هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟

لا، لم يعد الكتاب المدرسيّ المصدر الأساسيّ الوحيد للتعليم في صفّي. في سياق التعليم الجامعيّ، يُعد بالنسبة إليّ نقطة انطلاق ومرجعًا مهمًّا، لكنّه يتكامل مع مصادر أخرى متعدّدة. تشمل هذه المصادر المقالات البحثيّة الحديثة، والدراسات الأكاديميّة، وقواعد البيانات الإلكترونيّة، والموادّ السمعيّة البصريّة. هذا التنوّع ضروريّ لتمكين الطلّاب من أحدث المعارف، وتنمية مهارات البحث والتحليل النقديّ، ومواكبة التطوّرات المتسارعة في المناهج وطرق التدريس.

 

هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟

نعم، في لحظات الضغط والتحدّيات الكبيرة، راودتني فكرة الاستقالة، نتيجة لضغوط تعرّضت إليها عند القيد لدرجة الماجستير. ما جعلني أبقى إيماني الراسخ بأهمّيّة دوري أستاذًا جامعيًّا في إعداد أجيال من المعلّمين القادرين على إحداث فرق حقيقيّ في حياة الطلّاب والمجتمع. وشغفي بالبحث والتطوير في المناهج وطرق التدريس، ورؤية التأثير الإيجابيّ الذي يمكن أن يحدثه التعليم المبتكر، هو الدافع الحقيقيّ الذي يبقيني مستمرًّا على الرغم من أيّ صعوبات.

 

ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟

في عصر الذكاء الاصطناعيّ، يجب أن نُدرّب المتعلّم على مهارات عديدة، مثل التفكير النقديّ والإبداعيّ، والقدرة على حلّ المشكلات المعقّدة، والتعلّم الذاتيّ المستمرّ والمرونة المعرفيّة، والذكاء العاطفيّ والتعاون البشريّ الذي لا يمكن للآلة تقليده، ومحو الأمّيّة الرقميّة، بما في ذلك فهم كيفيّة عمل الذكاء الاصطناعيّ وحدوده وأخلاقيّاته. هذه المهارات تمكّنهم من التكيّف مع التغيّرات السريعة، واستخدام الذكاء الاصطناعيّ أداةً لا بديلًا عن قدراتهم البشريّة الفريدة.

 

ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟

أعتمد على عدّة استراتيجيّات لشدّ انتباه المتعلّمين، منها الربط بالواقع وتطبيقات المفاهيم، وإثارة أسئلة محفّزة، ودمج التقنيّات التفاعليّة، مثل المحاكاة والذكاء الاصطناعيّ التكيّفيّ. علاوة على ذلك، أنوّع الأساليب بين المحاضرات والمناقشات والتعلّم القائم على المشاريع. وأحاول توفير بيئة إيجابيّة تُشجع على الفضول والمشاركة الفعّالة، مع التركيز على التعلّم المخصّص ومساراته المتنوّعة. أؤمن بأنّ المزج بين التحدّي والمتعة مفتاح جذب الانتباه الدائم.

 

هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟

أعتقد أنّ تعبير "ضبط الصفّ" لم يعد مناسبًا بالكامل في سياق التعليم الحديث. أفضّل استخدام "إدارة بيئة التعلّم" أو "تيسير بيئة التعلّم"، فهذا التعبير يعكس رؤية أشمل تركّز على خلق جوّ من الاحترام المتبادل، والمشاركة الفعّالة، والمسؤولية الذاتيّة لدى الطلّاب، بدلًا من التركيز على السيطرة والسلطة التقليديّة. الهدف بيئة تُشجّع على النموّ الأكاديميّ والاجتماعيّ.

 

ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟

على الرغم من ضغوط العمل، تمنحني المواقف العفويّة وأسئلة الطلّاب البريئة وغير المتوقّعة، أو تعليقاتهم الذكيّة التي تكشف عن فرادة تفكيرهم، لحظات من الضحك الصادق. هذه اللحظات تذكّرني دومًا بالجانب الإنسانيّ الممتع لمهنتي، وتؤكّد أنّ كلّ جهد يستحق عندما أرى شرارة الفضول أو الفهم تضيء في أعينهم. إنّها لمحات من البهجة الخالصة تُعيد شحن طاقتي وتجدّد شغفي بالتعليم.

 

أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟

أكثر مقال تربويّ أعجبني مؤخّرًا نُشر في العدد (20) ربيع 2025 من مجلّة منهجيّات كان بعنوان: "مجالس الآباء" في مصر: صوت الأسرة المؤثّر في قلب المدرسة (مدارس التعليم العامّ نموذجًا). أعجبتني رؤية المقال لـمجالس الآباء جسرًا حيويًّا لتعزيز الشراكة بين الأسرة والمدرسة، وكيف يمكن لهذه المجالس أن تُمثّل صوتًا مؤثّرًا للأهالي في قلب العمليّة التعليميّة. بيّن المقال بوضوح دور هذه المجالس في تحسين جودة التعليم، ودعم الأنشطة المدرسيّة، ومعالجة التحدّيات التعليميّة والسلوكيّة التي يواجهها الطلّاب. الأهمّ من ذلك، أنّه لم يتجاهل التحدّيات التي تواجهها، مثل ضعف المشاركة والتمويل، بل قدّم حلولًا وتطلّعات مستقبليّة لتمكينها. هذا الطرح الشامل والمستنير يعكس فهمًا عميقًا لواقع التعليم المصريّ وسبل تطويره، عن طريق تفعيل دور المجتمع المدنيّ.

 

إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟

إذا كتبت يومًا كتابًا عن تجربتي في التعليم، فسيكون عنوانه "بين النظريّة والممارسة: رحلة أستاذ في زمن التحوّلات". اخترت هذا العنوان لأنّه يعكس جوهر تخصّصي في المناهج وطرق التدريس، والذي يجمع بين البحث الأكاديميّ والتطبيق العمليّ في الفصول الدراسيّة. كما أنّه يُجسّد التحدّيات والفرص التي واجهتها معلّمًا وأكاديميًّا في فترة تشهد تحوّلات تعليميّة وتقنيّة غير مسبوقة، وكيف أنّ المواءمة بين المبادئ النظريّة والواقع المتغيّر تمثّل مفتاح التطوّر في مهنة التعليم.