كيف نُنظِّم معارض علميّة ورقميّة تفاعليّة؟
كيف نُنظِّم معارض علميّة ورقميّة تفاعليّة؟
أمل أبو زايد | معلمة علوم- فلسطين

تُقدِّم المعارض فضاءات ممتعة للتعلّم والترويج للعلوم، بإثارتها الفضول وطرح التساؤلات والتفاعل مع المعروضات. ويُشكِّل المعرض الفعّال تحديًّا في بيئات المدرسة، لما تحتاج إليه من حسن تنظيم ودقّة تصميم وتكاليف مادّيّة وموارد بشريّة، ما يؤثِّر في جودتها في السياق التعليميّ والترويجيّ. ضاعف تحوّل التعليم إلى المسار الإلكترونيّ هذه التحدّيات، وفرض علينا تحوّلات جديدة لتطبيقها تطبيقًا فعّالًا، أو دمجها في أنماط المعارض السابقة، للخروج بمعارض تفاعليّة تواكب التطوّر وتسهم في استدامة تنفيذها.   

يعرض هذا المقال بعض النماذج التي طُبِّقت في إحدى المدارس الحكوميّة في قطاع غزّة، حول كيفيّة تصميم معارض تفاعليّة مدرسيّة، أو معارض رقميّة يمكن توظيفها في بيئات التعلّم المدرسيّ أو الإلكترونيّ. تتّسم هذه المعارض بسياق محدّد ضمن بؤرة علميّة واضحة، وفي رحلات معرفيّة تسهم في كسر الجمود وتوسيع أفق الطلاب.

 

حول المعارض العلميّة التفاعليّة

تطوّرت أساليب تعليم العلوم تطوّرًا متزايدًا في الدول المتقدِّمة، ضمن نهج يتمركز حول الطالب، ويوفِّر له مسارات عمليّة مختلفة تُمكِّنه من اكتساب طريقة التفكير العلميّ ومهارات التعلّم. يشير سعادة وآخرون (2011) إلى أنّ بيئة التعلّم النشط تشجِّع الطلبة على الاشتراك في بناء النماذج العقليّة الخاصّة بهم، انطلاقًا من معلومات يحصّلونها ويختبرونها، وفي بيئة يكون الطالب محورها والمعلّم ميسِّرًا عملية التعلّم فيها، ومشجِّعًا الطلّاب على العمل.

يتطلّب تعليم العلوم تعليمًا فعّالًا تصميمَ بيئات تعلّم تدعم ذلك، مثل المختبر العلميّ والمساحات الزراعيّة والمعارض التعليميّة. تُمثِّل هذه المساحات، ولا سيّما المعارض العلميّة، تحديًّا حقيقيًّا في تصميمها، وتوفير الموارد الماليّة اللازمة لها، بما يتناسب مع ظروف التعليم في الدول النامية. لذلك، يُعدّ التفكير في الاستراتيجيّات منخفضة التكلفة مسألةً ذات أولويّة بالنسبة إلى أهداف التنمية المستدامة، والتي يجب تحقيقها، خصوصًا بعد جائحة كوفيد 19، حيث يستعدّ العالم لتأثيرات واسعة النطاق (UN, 2020).

وعليه، فمن الأهمّيّة بمكان تصميم هذه المعارض تصميمًا يتناسب مع ظروف محدوديّة الموارد المادّيّة، وبطريقة تفاعليّة توفِّر التعلّم الفعّال، وتنمّي قدرات الطلبة في الترويج للعلوم في المجتمع المحليّ، بالتفاعل اليدويّ، أو طرح تساؤلات حول المعروضات العلميّة في سياقات ثقافيّة وحياتيّة. 

 

معرض "إحياء ابن الهيثم"

يحتوي منهاج العلوم الفلسطينيّ للصف التاسع، على وحدة فيزيائيّة تتناول موضوع الضوء في حياتنا. ومنها خصائص الضوء ومساراته ومجالات تطبيقه في الحياة العامّة، ومسيرة العلماء في اكتشاف ماهيّة الضوء، ولا سيّما العالِم الحسن ابن الهيثم. وبالاستناد إلى تساؤلات طُرِحت في الحصّة المدرسيّة، ومسارات بحثيّة حول إنجازات ابن الهيثم، توصّلت الطالبات مع المعلّمات إلى فكرة تنظيم معرض علميّ بعنوان "إحياء ابن الهيثم"، يوظِّف سياقًا تاريخيًّا لعلم الضوء توظيفًا تفاعليًّا وعمليًّا، يمتدّ من زمن ابن الهيثم إلى زمننا هذا. وُظِّفت في المعرض موارد مادّيّة منخفضة التكلفة، مثل الكرتون والورق وأدوات صناعيّة بسيطة، وبعض الأدوات والأجهزة والهواتف المحمولة لدى الطالبات، وموارد بشريّة تمثّلت في طالبات النادي العلميّ (سفيرات العلوم) ومعلّمات مبحث العلوم، ومواقع إلكترونيّة مفتوحة المصدر، مثل مكتبة الشرق الأوسط الرقميّة التي استُخرِجَت الوثائق التاريخيّة منها، مثل مخطوطة "كتاب المناظر" لابن الهيثم.

في مرحلة التخطيط للمعرض، أُخِذت بعين الاعتبار طرق التفاعل الثلاثة، كما وصفها Wagensberg (2001)، وهي: التفاعل اليدويّ أو العاطفة الاستفزازيّة (Hands on)، والتفاعل العقليّ أو العاطفة الواضحة (Minds on)، والتفاعل الثقافيّ أو العاطفة الثقافيّة (Heart on). تكوّن المعرض من: 

  1. معروضات التفاعل اليدويّ، مثل آلة التصوير ذات الثقب، وبيت الأشعّة. صُنعِت هذه المعروضات بما يتناسب مع قدرتها على تحمّل التداول اليدويّ من الجمهور الزائر. 
  2. معروضات التفاعل العقليّ، مثل معروضة العين والرؤية، ومعروضة النفق السحريّ، ونشاط قراءة الجملة المعكوسة، ونشاط "ماذا ترى تحت المجهر والهولوغرام؟" تشكّل التفاعل العقليّ مع المعروضات بطرح الأسئلة والتفاعل مع سفيرات العلوم، حيث خُصِّص لكلّ نشاط سفيرة علوم بهدف تنمية التواصل الفعّال في المعرض. بالإضافة إلى تنفيذ بعض المعروضات الشارحة وبعض التجارب التي تبسِّط المبدأ العلميّ الخاصّ بكلّ معروضة. 
  3. سياق تاريخيّ ثقافيّ تمثّل في تصميم معظم المعروضات من مخطوطات ابن الهيثم الخاصّة بالضوء، مثل معروضة العين والرؤية التي صُمِّمَت من مخطوطة تشريحيّة للعين، ومخطوطة أخرى تُبيِّن آليّة الإبصار بالعين. كما صُمِّم بيت الأشعّة (الصندوق الضوئيّ) الذي يدرس مسارات الضوء في المرايا المقعَّرة والمحدَّبة دراسةً تُبرِز خطوط الضوء على سطح ثنائيّ الأبعاد. فضلًا عن مخطوطات ابن الهيثم الرياضيّة التي تدرس المسارات الضوئيّة، فعُرِضَت كلّ مخطوطة مصاحبة للمعروضة بهدف الربط الثقافيّ. بالإضافة إلى البوسترات التعريفيّة بالعالِم وإنجازاته في التأسيس لمنهج البحث العلميّ، ومن هنا كانت فكرة استلهام عنوان المعرض. 

 

مستويات التفاعل الثلاثة في معروضة واحدة

اقترن اختراع الكاميرا باسم العالم المسلم ابن الهيثم، وكان من المهمّ تسليط الضوء عليها في المعرض التفاعليّ. صُمِمَت الفعاليّة العلميّة بعنوان "آلة التصوير ذات الثقب"، المستوحاة من الغرفة المظلمة (القُمرة) التي اكتشف فيها ابن الهيثم مبدأ سير الضوء في خطوط مستقيمة، ما يؤدِّي إلى تكوِّن صور مقلوبة ومساوية للجسم في الطول. بالاستناد إلى تصميم معروضة آلة التصوير التي توصّل إليها في زمانه من دون أيّ تحسينات، طوّرنا معروضة تابعة إليها مع بعض التحسينات، حيث أضفنا العدسة المحدَّبة، والتي عملت على تركيز الصورة على الحائل في الغرفة المظلمة بكفاءة أكبر، كما توصّلنا إلى صفات الخيال وخصائصه في آلة التصوير ذات الثقب. يمثّل ذلك مستوى التفاعل اليدويّ المباشر. 

اقترحت سفيرات العلوم تصميم نموذج شارح لمبدأ عمل الكاميرا، استخدمنه في إثراء الحوار القائم مع الجمهور، بهدف تنويع قنوات التواصل. وذلك لأنّ المبدأ العلميّ لآلة التصوير ذات الثقب يتطلّب توضيحًا علميًّا ورياضيًّا سليمًا. ومثّل ذلك تفاعلًا على المستوى العقليّ. 

صُمِّمَت المعروضات المرتبطة بآلة التصوير ذات الثقب، من عناصر في البيئة الطبيعيّة، ومن علب كرتون مُنتج غذائيّ. الأمر الذي مثّل التفاعل على المستوى اليدويّ والثقافيّ، في ضرورة تدوير عناصر البيئة، والحدّ من مشكلة تراكم النفايات، وتعزيز مفاهيم الاستدامة البيئيّة. كما عُرِض بوستر لابن الهيثم مع مجموعة أناس يكتشفون الغرفة المظلمة، ومخطوطة أخرى من كتاب المناظر توضِّح العلاقة بين حجم الثقب ووضوح الصورة المتكوّنة في آلة التصوير. مثّل ذلك تفاعلًا على المستوى الثقافيّ، أبرزته الطالبات إبرازًا شيِّقًا بعرض قائم على التساؤل وتكوين المعرفة تدريجيًّا.  

 

الفئة المُستهدَفة ومهارات الترويج الفعّال للمعرض

تضمَّن المعرض فعاليّات استمرّت أسبوعين، مستهدفًا طالبات المدرسة وطلبة المدارس الأخرى، والمجتمع المحلّيّ من الأهالي. تحقّق الترويج الصحيح للمعرض عن طريق: 

  1. تصميم بوستر إلكترونيّ للدعوة. 
  2. منشورات إبداعيّة تضمن مقولات مُلهمَة ضمن هاشتاك #إحياء_ابن_الهيثم. 
  3. مقاطع فيديو تشويقيّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، مثل مقطع مشهد صورة ضوئيّة زخرفيّة تكوّنت في المعرض. 
  4. تصوير فيديو ختاميّ قصير ومُركَّز بالفعاليّات العلميّة. 
  5. عرض فيديوهات توضِّح كيفيّة تصميم معروضة العين والرؤية وبيت الأشعّة، وكيفيّة صناعة عدسة مقعَّرة مسطَّحة من خامات المختبر بطريقة سهلة، لتعميمها في الإنترنت على الراغبين من المعلّمين في تنفيذها وتوظيفها في التعلّم. 

وكان من ثمرة هذا الترويج تسهيلُ تنفيذ المعرض في مدارس أخرى، مّا أدّى إلى زيادة الفئة المستهدَفة. 

 

معرض "غازات مجهولة"

تزخر مادّة الكيمياء للصفّ العاشر الأساسيّ بالتجارب الكيميائيّة، والتي يتطلّب تدريسها طريقة الاستقصاء والتساؤل، بعيدًا عن العرض النظريّ. لذلك، كان على الطالبات امتلاك مهارة التمييز بين الغازات المتصاعدة من هذه التجارب، ليكون أساسًا يُنطلَق منه في تجارب ذات مستوى أعلى. ولمّا كان توفير المواد الكيميائيّة صعبًا في قطاع غزّة بسبب الحصار الإسرائيليّ، جاءت فكرة تصميم معرض رقميّ تفاعليّ قائم على التساؤل والبحث بطريقة سهلة يمكن تطبيقها بتكلفة منخفضة. غير أنّنا واجهنا بعض التحدّيات التي تحول دون تصميم المعرض؛ كان التحدّي الأوّل ارتفاعَ تكلفة البرمجيّات اللازمة لتصميم معارض رقميّة أو افتراضيّة. وتمثّل التحدّي الثاني في توفير البيئة الجاذبة للتفاعل. لكنّنا تغلّبنا على التحدّيين باتّباع الإجراءات الآتية:

  1. تحديد التجارب التي ستُقدَّم في المعرض العلميّ، والتي قد تكون تجارب منهجيّة أو لا منهجيّة.  
  2. كلّ تجربة ينتج عنها غاز متصاعد لا يُكشَف عن هويّته بهدف التشويق، وحثّ الطالبات على البحث عنه. 
  3. استخدام آليّة مختلفة في الكشف عن كلّ غاز، لتسهيل المقارنة العمليّة بين الغازات، وتسهيل التمييز بينها. 
  4. تنفِّذ صديقات المختبر التجربة، وتعرض المواد والأدوات من دون الكشف عن اسم الغاز الكيميائيّ. 
  5. وضع تساؤل علميّ في سياق دراميّ يُصوِّر الغاز حسب خصائصه وصفاته وعلاقته بالبيئة، أو بالتطبيقات العمليّة المصاحبة له وعلاقته بالاحتباس الحراريّ. في هذا السياق يُبلوَر الموضوع الذي يتناوله المعرض بطريقة تربط العلوم بالحياة والبيئة، وتطوِّر مفهوم الاستدامة لدى الطالب. 
  6. تصوير فيديو قصير لكلّ تجربة على حدة، بكلّ المكوّنات السابقة، ثمّ عرض التساؤلات بعد كلّ تجربة بمساعدة صديقات المختبر، وبتوظيف مهارات الطالبات في التعامل مع أدوات التصوير ومهارات الإعلام الجديد. 
  7. تنفيذ عمليّة المونتاج للفيديو، ثمّ رفعه على بيئة الصفّ الافتراضيّ (غوغل سايت). 
  8. تطّلع الطالبات على الفيديو، ثمّ تدوِّنَّ التساؤلات عن الغازات المجهولة، وتوظِّفنَ المعلومات الميسَّرة والمقدَّمة لهنّ في السياق الدراميّ، ثمّ ينطلقن في رحلة بحث عبر فضاء الإنترنت. 
  9. تُصمَّم مسابقة إلكترونيّة حول هذه الغازات المجهولة، وتتفاعل الطالبات معها ويسلّمن نتاج البحث وفقها. 
  10. رصد مكافأة علميّة للمتفاعلات من صديقات المختبر والطالبات اللاتي حقّقنَ نتائج ممتازة في عمليّة البحث، بتنظيم رحلة علميّة أو تقديم شهادات تقدير. 

* * *

التفكير المستمرّ في توفير تعلّم فعّال عبر فضاءات المعارض العلميّة المدرسيّة، أو في بيئة التعلّم الإلكترونيّ، خَلقَ آفاقًا مختلفة لتوظيف قدرات الطالبات في النشاطات العلميّة والاستقصاء وتبنّي الأدوار القياديّة والمسؤوليّة المجتمعيّة، في الترويج للعلوم وتجاوز الحدود، مكانيًّا وزمانيًّا، ضمن أجواء من الانبهار. ساعد ذلك كلّه الطالبات على تبنّي مفهوم التعلّم مدى الحياة، في ظروف استثنائيّة، على المستوى السياسيّ والعالميّ.

 

المراجع

  • سعادة، جودة، وعقل، فواز، والزامل، مجدي، وأشتيته، جميل، وأبو عرقوب، هدى (2011). التعلّم النشط بين النظريّة والتطبيق. دار الشروق للنشر والتوزيع. 

 

 

  •  Wagensberg, J. (2001). Principios Fundamentales de La Museología Científica Moderna. Cuaderno Central. 55. 22-24.

http://www.bcn.cat/publicacions/bmm/quadern_central/bmm55/5.Wagensberg.pdf