كيف درّست خلال الجائحة؟ تعليم النشاط العلميّ لطلبة الصفّ الأوّل الابتدائيّ
كيف درّست خلال الجائحة؟ تعليم النشاط العلميّ لطلبة الصفّ الأوّل الابتدائيّ
مولاي حسن الإدريسي | أستاذ المرحلة الابتدائيّة - المغرب

التعليم عن بعد من الأشكال الحديثة للتعليم، التي واكبت التطوّر التكنولوجيّ، وهو العمليّة التعليميّة التي يكون فيها المتعلّم بعيدًا عن المدرّس. جاءت الجائحة لتعطي هذا النوع من التعليم فرصةً لنقل التعليم من النمط التقليديّ المبنيّ على حضور المتعلّمين في الفصل الدراسيّ، إلى نمط حديث مبنيّ على اعتماد تكنولوجيا الاتّصال.

أمام الوضع الاستثنائيّ الناتج عن تفشّي فيروس كورونا المستجدّ، بادرت وزارة التربية الوطنيّة المغربيّة بالإسراع في محاولة إيجاد حلّ لتعطّل المدارس عبر تقديم تعليم عن بعد باستخدام مختلف قنوات التواصل، سواءً التلفاز أو موقع (TILMIDTICE). وقد ساعد على ذلك توفر بنية تحتيّة للتواصل عن بعد، والعديد من الهواتف الذكيّة والأجهزة اللوحيّة.

لكلّ معلّم تجربته خلال هذه الظروف، وسأتحدّث هنا بوصفي مدرّسًا للصفّ الأوّل من المستوى الابتدائيّ، أعلّم مادّة النشاط العلميّ، عن تفاصيل تجربتي في التعامل مع هذه المرحلة.

 

قصّتي مع الأدوات

في البداية استعنت بتطبيقات التواصل الاجتماعيّ كحلٍّ أوّليّ في هذه المرحلة المفاجئة. ولمّا كنت عضوًا في فريق إنتاج الموارد الرقميّة على مستوى المؤسّسة تحت إشراف مؤطّر تربويّ، اضطررت إلى وسائل جديدة، فقد كلّف كلّ عضو من الأعضاء الثمانية للفريق بمهمّة محدّدة لتسهيل العمل، ولإنتاج أكبر قدر من الموارد الرقميّة؛ منهم من تكلّف بالأسناد أي الوسائل التعليمية من صور ومشاهد وغيرها، والبحث عن المعلومات التي سنحتاجها لإنجاز درس من الدروس المقرّرة، ومنهم من تكلّف بالجانب التقنيّ لتحويل الدرس إلى فيديو (تعليق صوتيّ، تحرير أفلام...). في النهاية يُرسَل المنتج إلى المشرف التربويّ الذي يؤشّر عليه، لاعتماده وعرضه على شاشة التلفاز، وعلى الموقع، كي يتمكن أكبر عدد من المتعلّمين من متابعته. فضلًا عن ذلك، قمنا بمعيّة الفريق التربويّ للمدرسة بإنشاء قناة خاصّة على (YouTube) لتسهيل متابعة الدروس لمن فاته تتبّعها في المصادر الأخرى.

إذًا، بدأ الأمر باستخدام تقنيّة بسيطة بدافع الحاجة، ثمّ تطوّر عملي فاستخدمت وسائل تقنيّة أكثر تعقيدًا، بدافع مواكبة العمل الجماعيّ. 

 

نظرة إلى الطريقة المعتمدة

حفاظًا على صحّة المتعلّمين، ومحاولةً لتجنيبهم الجلوس إلى أجهزتهم مدّةً طويلةً، كنت أتواصل معهم كلّ يوم في وقت متّفق عليه، لا يتجاوز مداه ثلاث ساعات. وقد لجأت إلى تنويع أساليب التواصل معهم؛ فتارةً أرسل لهم الدرس على صورة فيديو تكون مدّته من 5 إلى 10 دقائق، وتارةً أخرى أشرح لهم الدرس عن طريق الصوت فقط، ومن ثمّ أحيلهم إلى صفحة الكتاب من أجل إنجاز بعض التطبيقات الواردة فيه بوصفها تقويمًا.

بعد إنجاز كلّ تلميذ للواجب المطلوب منه أفسح للجميع المجال ليرسلوا لي إنتاجاتهم برسائل خاصّة احترامًا للشفافيّة، وتجنّبًا للغشّ. أخصّص لهذه الإنتاجات وقتًا لتصحيحها، ثمّ أعيد إرسالها إليهم بقصد تعريفهم أخطاءهم وتصحيحها، ومحاولة تجنّبها مستقبلًا. في هذا الإطار، أشير إلى الإنتاجات الجيّدة وأشجّعها، وأحفّز من يحتاجون جهدًا مضاعفًا لتحسين مستواهم.

لما سبق بُعْد نظريّ، إذ من المعلوم أنّ التعليم عن بعد ينقسم إلى نوعين رئيسين: النوع الأوّل هو المتزامن، وهو مبنيّ على التواصل، والتفاعل في الوقت نفسه بين الأستاذ والمتعلّم. أمّا النوع الثاني فهو غير المتزامن، إذ يقوم المدرّس على توفير المادّة الدراسيّة بواسطة الفيديو أو أيّ وسيلة أخرى، ويتلقّى التفاعلات في وقت لاحق. وقد اعتمدت النوع الثاني، آخذًا بعين الاعتبار الجانب الاجتماعيّ والمادّيّ للمتعلّمين، لأنّ أغلبهم ينتمي إلى أسر فقيرة يصعب عليها مسايرة التكلفة الباهظة لشبكة الإنترنت، وكنت أقلّص حجم الفيديو كي يتمكّن الجميع من تتبّعه دون استنفاد رصيدهم من الإنترنت، ثمّ أرسله إليهم على أن أتلقّى التفاعلات في وقت لاحق.

 

نموذج التقصّي

في إطار التعليم غير المتزامن عن بعد، درّست طلّاب الصفّ الأوّل ابتدائيّ في مادّة العلوم حول موضوع "الماء في حياتي". كان الهدف الأوّل أن يتعرّف المتعلّمون إلى المصادر الطبيعيّة للماء، وإلى مصادر أخرى له من صنع الإنسان، وكان الهدف الثاني توعيتهم بضرورة الحفاظ على الماء.

وبما أنّها مادّة علميّة تقتضي اتباع منهج علميّ معيّن، فقد استعنت بمنهج التقصّي من أجل الوصول بالمتعلّم إلى مرحلة استيعاب الهدفين من الدرس، متبّعًا الخطوات المُبيّنة أدناه المرتبة حسب الهدف:

 

نحو الهدف الأوّل

1- اختيار وضعيّة تفضي إلى سؤال التقصّي، إذ قدّمت للمتعلّمين مشهدًا لسدٍّ يحتوي على ماء.

Photo 1

2- طرح سؤال التقصّي: من أين يأتي الماء الموجود في السدّ؟

3- صياغة فرضيّات الطلبة: بملاحظة المشهد واستخدام المعرفة السابقة، أجاب الطلّاب: الأمطار، النهر، البحر... وقد أخذت هذه الإجابات بمثابة فرضيّات سيتمّ تمحيصها، والتأكّد منها خلال المراحل القادمة من الدرس.

4- التقصّي: من المعلوم أنّ التقصّي يكون عن طريق التجربة أو الملاحظة أو البحث في وثائق. وبما أنّ هذا الدرس هو درس عن بعد، فقد اعتمدت على مشاهد مختلفة قدّمتها للمتعلّمين عن طريق الفيديو لتحقيق الهدف الأوّل.

 

 نحو الهدف الثاني

1- الاستعانة بمجموعة من المشاهد في فيديو الدرس بقصد تحديد السلوك السليم والسلوك الخاطئ للحفاظ على الماء بوصفه مادّة أساسيّة للحياة. وفي هذا الإطار قدّمت للمتعلمين عبر الفيديو نشاطًا تعلّميًّا يتضمّن مشاهد، وطلبت منهم أن يضعوا كلمة "نعم" على السلوك السليم، وكلمة "لا" على السلوك الخطأ.

2- تبادل النتائج ومناقشتها، وذلك بفتح نقاش مع المتعلّمين، واستحضار الفرضيّات التي أشاروا إليها في بداية الدرس. وفي هذه المرحلة دحضنا الفرضيّات الخطأ، وتبنّينا الفرضيّات الصحيحة.

3- تنظيم المعارف الجديدة، واستيعابها خلال مرحلة "أستخلص"، التي يبيّنها فيديو الدرس، حيث تُكتب النتائج على السبّورة الإلكترونيّة من أجل تمكين المتعلّمين من نقلها إلى دفاترهم في وقت لاحق.

4- استثمار المعارف، إضافة بعد إجرائيّ لها خلال مرحلة "أُطبّق"، وهي مرحلة تقويميّة نتأكّد خلالها من استيعاب المتعلّمين للمعارف الجديدة المقدّمة. وقد طالبت الطلّاب أيضًا بتمييز الماء الذي نشربه عن الماء الذي لا نشربه، بكتابة "أشربه" أو "لا أشربه" تحت المشاهد المقدّمة، علمًا بأنّ هذه المشاهد متوفّرة لدى الطلّاب في كرّاساتهم.

 

المخرجات

 رغم قلّة الإمكانات، انخرط أغلب المتعلّمين في التعلّم، وتحقّق لديهم فهم الدروس في الأقسام الافتراضيّة الجديدة، لكن مع اقتراب السنة الدراسيّة من نهايتها، أصبح تفاعلهم ضعيفًا، ولم يصل إلى المستوى المنشود، نظرًا لمجموعة من الأسباب، منها:

1- عدم توفّر الأجهزة الذكيّة لدى بعض المتعلّمين بسبب الحالة المادّيّة لأسرهم، وهو ما حال دون متابعة الدروس.

2- غياب شبكة الإنترنت، أو ضعفها لدى أغلب المتعلّمين نظرًا لتكلفتها المرتفعة. هنا لا بدّ للمدرّس أن يشخّص أوضاع المتعلّمين، ليختار الطرائق المناسبة. مثلًا: إذا كانت المشكلة تتعلّق بعدم توفّر حزم كافية لدى المتعلّمين يمكن تحضير الموادّ بأحجام صغيرة أو متوسّطة. ويبقى الإشكال في كون بعض المدرّسين لم يتلقّوا تدريبًا أو تكوينًا يساعدهم على التعامل مع الأدوات الإلكترونيّة.

3- الأمّيّة لدى بعض الآباء، خاصّةً في المناطق القرويّة، التي تحول دون قدرتهم على مساعدة المتعلّمين في مواكبة الدروس.

 

آخر المطاف، أصبح استخدام أدوات التعليم عن بعد ضرورةً لا بديل لها، شئنا أم أبينا، من أجل استمرار العمليّة التعليميّة، وليس أمامنا سوى الانخراط في التعليم الإلكترونيّ، وتطويره من أجل تحقيق أهداف التعلّم.

كانت التجربة غنيّةً ولها نجاحاتها، لكنّ التحدّيات أيضًا كانت حاضرةً، وأثارت لدينا أسئلةً حملناها معنا في رحلة الإجابة عنها، استعدادًا لمواجهة احتمال تكرار التجربة. ولعلّ بعض أهمّ تلك الأسئلة: هل كان تعليمنا عن بعد يحصل في بيئة آمنة للتعلّم؟ هل كانت أساليب التقييم التقليديّة ملائمةً لتقييم تعلّم الطلّاب في الأقسام الافتراضيّة؟ هل كنّا مدركين نظريًّا لحاجات المتعلّمين وشروط التعلّم؟ وهي أسئلة تحتاج إلى تضافر العلوم التي تُعنى بدراسة العوالم الافتراضيّة، وتلك التي تعنى بدراسة التعلّم.