كيف تشكِّل نبرة الصوت ثقافة الفصل الدراسيّ؟
كيف تشكِّل نبرة الصوت ثقافة الفصل الدراسيّ؟

تبيّن الأبحاث أنّ المهمّة ليست سهلة، ولكنّ تطوير نبرة صوتك يمكن أن يُرسي الثقة، ويحدّ من الصراع، ويمهّد الطريق إلى مزيد من التعلّم في فصلك الدراسيّ. 

بقلم: يوكي تيرادا 

يعدّ استخدام صوتك، لإدارة فصلك الدراسيّ، من أقوى الوسائل التي يمكنك اعتمادها. يتحدّث المعلّمون بصوت عالٍ لإيصال المعلومات بتعليمات مباشرة، وقياس مستوى فهم الطلّاب بطرح الأسئلة، وتيسير الانتقال بين الأنشطة، فضلًا عن إدارة السلوك بإعادة توجيه الطلّاب المشاكسين، وإصدار التوجيهات عند الضرورة. هي وسيلة معقَّدة للغاية ومتعدّدة الأوجه، وتتطلّب تعديلًا مستمرًّا لتُواكب ظروف الفصول الدراسيّة المتغيِّرة. وقد يستغرق صقلُ مهارات الطلّاب في استخدام صوتهم سنواتٍ. 

في دراسة أجريت سنة 2022، شرع الباحثون في اكتشاف الفروق الدقيقة في النبرة، ولا سيّما في ما يتعلّق بطريقة تشكيل ثقافة الفصل الدراسيّ بنبرة صوت المعلّم. حلّل باحثون من جامعة إسيكس (University of Essex) وجامعة ريدينغ (University of Reading) كيفيّة تفاعل طلّاب المرحلة الابتدائيّة مع التعليمات الاعتياديّة التي يتلقّونها في فصلهم الدراسيّ- على سبيل المثال: "حان الوقت لنهدأ" أو "اجلسوا في مقاعدكم، سنبدأ الدرس" - والتي قُدّمَت بنبرات تتفاوت بين التحكّم والمحايدة والدعم، مع استخدام الكلمات ذاتها. أثّرت تحوّلات النبرة تأثيرًا مدهشًا وفق أبعاد الفصل الدراسيّ المتعدّدة، بما في ذلك شعور الطلّاب بالانتماء والاستقلاليّة والتمتّع بوجودهم في الفصل، فضلًا عن زيادة احتمال تصديقهم معلومات معلّميهم الشخصيّة، مثل اهتماماتهم أو كفاحهم الأكاديميّ. 

خلص الباحثون إلى أنّ نبرات التحكّم تُضعِف شعور الطلّاب بالكفاءة، في حين أنّ النبرات الداعمة تعزِّز شعورهم بالتواصل مع المعلّمين. ويمكن للتصرّف الاستبداديّ أن يُقيم الحواجز، حيث يردع التحكّمُ في الأصوات، كما قال الباحثون، الأطفالَ عن نيّتهم مشاركة الأسرار مع معلّميهم، والتي قد تشمل تعرّضهم إلى التنمّر، أو معاناتهم صعوبات، أو فخرهم بأنفسهم لإتمامهم العمل، الأمر الذي يُسهِم في تقويض روابط الثقة اللازمة في بيئة التعلّم الاجتماعيّة في الفصل الدراسيّ. 

برغم ذلك، لا يزال إتقان النبرة صعبًا، والأصعب أن تحافظ عليها في بيئة الفصل الدراسيّ الفوضويّة. لذلك، من المفيد أن تضع في اعتبارك كيف يمكن لنبرة الصوت أو تنغيمه أو علوّه أو سرعته أن تؤثّر في السلوك؟ وكيف يمكن توظيف هذه الصفات الصوتيّة بحصافة على نحو يُتوقَّع أن يُعزّز التعلّم؟

 

طائر الكناري في منجم الفحم 

يمكن للتغييرات الطفيفة في نبرة صوت المعلّم أن تدلّ على حدوث خطب ما في مجريات الفصل الدراسيّ. قد تشير ملاحظة الذعر التي تظهر في التعليمات اللفظيّة، أو ارتفاع الصوت، أو وابل مفاجئ من التعليمات المتكرّرة والموجَّهة إلى الطلّاب، إلى أنّ الأمور بدأت تخرج عن السيطرة وتؤدّي، في الفصل الدراسيّ، إلى استجابة الكرّ والفرّ، ما يزيد من حدّة القلق ويثير الهيجان.

بيّن الباحثون في دراسة أجريت سنة 2021، أنّ العواطف تنتقل بسرعة من شخص إلى آخر. وعندما يُظهِر المعلّمون مشاعر الدفء ويعبّرون عن اهتمامهم بموضوع ما، فمن المرجّح أن يظلّ الطلّاب منخرطين، ويتجنّبوا افتعال المشكلات. على العكس من ذلك، يمكن للمعلّمين الذين يبالغون في ردّ فعلهم تجاه ما يُحدثه الطلّاب من فوضى، أو الذين لا يتفاعلون عاطفيًّا مع الطلّاب، أن يخلقوا، عن غير قصد، جوًّا قتاليًّا أو غير ودّيّ. يصنع الشغفُ بالموضوع المعجزات. قال الباحثون: "إنّ المعلّمين الذين يستمتعون بوجودهم في الفصل الدراسيّ حافظوا على مواقف إيجابيّة عندما عانى الطلّاب مشكلات، وقضوا مزيدًا من الوقت في التعليم". 

في الوقت نفسه، يتطلّب تطوير سلوك ثابت وهادئ في إعداد الفصل الدراسيّ الديناميكيّ وقتًا وممارسة، ولا سيّما عندما يعرف الطلّاب كيف يثيرون غضبك. تعامل مع الأمور بهدوء، واتّخذ التعاطف والرحمة سبيلًا. تتمثّل إحدى طرق استعدادك لاختبارات صبرك في تخيّلك الاحتمالات في ذهنك أو مشاركتها بالكلام مع أحدهم. تقترح عليك إميلي تيرويليجر (Emily Terwilliger)، معلّمة في المدرسة الثانويّة ومدرّبة تعليميّة: "قبل بداية العام، فكّر في السيناريوهات التي قد تحدث في فصلك، وكيف تريد لاستجابتك أن تكون، حيث تجعل العمليّات الأولى لإعادة التوجيه والتدخّل، الوضع أقلّ تهديدًا". 

يعدّ التركيز على العلاقات أوّلًا، كما هو الحال دائمًا، مبدأً أساسيًّا: "أنفق وقتًا مع الطلّاب وتعرّف إليهم عن قرب، إذ يساعدك ذلك في تقليل حدّة الصراع في المستقبل. ومن المهمّ، أخيرًا، أن تتوقّف عن المواجهة وتبدأ من جديد؛ من السهل المبالغة في ردّ الفعل إذا استمرّ الطالب في إثارة غضبك. حاول أن تفتح كلّ يوم صفحة جديدة. 

 

العثور على الدفء في "مطلبك الدافئ" 

تحتاج إدارة فصلك الدراسيّ، باستخدام صوتك، إلى مهارة استخدام نبرة صارمة جدًّا ومتكلَّفة. أكدّت الأبحاث على مدى عقود: يقرأ الطلّاب ذلك، ولا سيّما الأكبر سنًّا، على أنّه تحدٍّ وتمرّد. في المقابل، كن لطيفًا جدًّا مع الطلّاب، وسيقضون الكثير من وقتهم وهم يختبرون الحدود التي يمكنهم تخطّيها. 

تقول معلّمة المدرسة الإعداديّة كريستين نابر (Kristine Napper) إنّ النبرة المثاليّة مزيج من كلا النهجين. فـ"لا التوقّعات العالية ولا القلوب الطيّبة يمكنها إنجاز المهمّة بمفردها". وهذا ما كتبته نابر (Napper) وهي توصي بتبنّي نبرة مطالب دافئة تركِّز أوّلًا على "بناء علاقات قويّة مع الطلّاب"، وبعدها "تعتمد على مصدر الثقة لرفعهم إلى مستوى معايير الارتباط العميق مع محتوى الدرس". 

عندما يسيء الطلّاب التصرّف في أحد فصول نينا باريش (Nina Parrish) الدراسيّة، ترى أنّها فرصة لطرح أسئلة عميقة والبحث عن نماذج. هل أثار شيء ما الاضطراب؟ وهل يحاول الطلّاب جذب انتباه أصدقائهم، أم أنّهم يشعرون بالملل؟ تشرح قائلة: "تساعد السلوكات الطلّاب ليحصلوا على شيء يرغبون فيه، أو يتجنّبوا شيئًا لا يرغبون فيه". لذلك، بدلًا من مطالبتهم بالامتثال كخطوة أولى، قابل طلّابك في منتصف الطريق: حدّد توقّعات عالية، ولكن اقضِ بعض الوقت وأنت تحاول فهم ما يثير حماسهم. 

تحتاج أحيانًا، بلا شكّ، إلى رفع صوتك أو التحدّث بحدّة إلى أحد الطلّاب، ولكن يجب استخدام هذا التكتيك باعتدال. تقول ليندا دارلينج هاموند (Linda Darling-Hammond)، رئيسة معهد سياسة التعلّم ومديرته التنفيذيّة: "إنّ تطوير صوت هادئ ومحايد وحازم جزء من التنظيم الذاتيّ للمعلّم، والذي يسمح له بمساعدة الطلّاب على أن يكونوا منظَّمين ذاتيًّا، ومطمئنّين بمعرفتهم بتجاوب المعلّم معهم".

 

إضافة غير لفظيّة 

من السهل أن تنسى أنّه لا يُعبَّر عن النبرة بالصوت فقط، بل يمكن التعبير عنها كذلك بتعابير الوجه وإيماءات اليد ولغة الجسد، والتي "تساعد في التوجيه نحو تيسير تعلّم الطلّاب"، كما تقول ليزا جورلي (Lisa Gurley) الأستاذة في جامعة سامفورد (Samford University)، وفق دراسة أُجريَت سنة 2018. وغالبًا ما يتبنّى المعلّمون سلوكًا رسميًّا في الفصل الدراسيّ، حيث يجسّدون سلوكًا يعكس البيئة المهنيّة. ومع ذلك، يكمن الفرق بين التحكّم والإفراط فيه في أنّ التحكّم، بدرجة كافية، لا يعتمد على ما يُقال، بل على الإشارات غير اللفظيّة المصاحبة له، والتي يمكن لها أن تلطّف التصوّرات.

هل تبدو، عن غير قصد، عابسًا أو مستاءً عندما تتحدّث مع أحد الطلّاب؟ وهل تبدو رافضًا له؟ تشير الأبحاث الحديثة لرصد العين إلى ميل المعلّمين إلى التواصل بالعين مع الطلّاب الذين يحتلّون مقاعد الصفّ الأماميّ والقسم الأوسط. لذلك، ضع في اعتبارك التنقّل في غرفتك الصفّيّة، وابذل جهدًا لتُشعِر أولئك الذين يجلسون في الخلف وعلى الأطراف بوجودك.

يمكنك أن تكون رسميًّا بطبيعتك وكلامك، وتحافظ على تواصلك. فوفقَ أحدث الأبحاث، يمكن للطلّاب اكتشاف أصالة التعليم وتقديره بطرق متعدّدة. تقول أمبر ديكنسون (Amber Dickinson)، أستاذة العلوم السياسيّة في جامعة ولاية أوكلاهوما، في دراسة أعدّتها سنة 2017: "يستجيب الطلّاب في العادة استجابةً إيجابيّة للمعلّمين الذين يحترمونهم ويظهرون لهم الودّ، حتّى لو كانوا رسميّين في حديثهم وسلوكهم"، معتبرةً أنّ الاعتراف بالطلّاب بنظرات العين والإيماءات يمكن أن "يُقلّص المسافة النفسيّة"، ويساعد في بناء الثقة، من دون النطق بكلمة واحدة. 

 

حالة الصوت المنفصل عن إيماءات الجسد 

النطق ليس الطريقة الوحيدة للتعبير عن النبرة؛ فتأثير صوتنا يستمرّ حتّى في غيابنا الجسديّ. عند تقديم ملاحظات حول مهمّة ما، أو كتابة رسائل إلكترونيّة، أو إجراء مناقشة عبر الإنترنت، قد يكون من الصعب تحديد النبرة الصحيحة - لكنّها تظلّ بالغة الأهمّية - عند التواصل مع الطلّاب. 

تقول ديكنسون (Dickinson): "قد يقدّم معلّم في فصل دراسيّ تعليمات موجزة يفهمها الطلّاب ويقدّرونها، ولكن قد توصَف رسالة إلكترونيّة قصيرة أرسلها المعلّم، بأنّها باردة أو غير مكترثة". اكتشفَتْ ديكنسون في دراستها أنّ محاولات تحقيق الفعّاليّة بالتواصل بطريقة دقيقة - مثل إصدار تعليمات واضحة حول كيفيّة رفع واجب مدرسيّ على الإنترنت- فسّرها طلّابها غالبًا بأنّها صارمة. فبعد تجريدها من الإشارات غير اللفظيّة التي تصاحب عادةً محادثة وجاهيّة، أصبحت شخصيّتها، عبر الإنترنت، صارمة وغير وديّة، ولاحظت، نتيجة ذلك، تراجع تفاعل طلّابها. 

تقترح ديكنسون (Dickinson) أن تتأكّد عند كتابتك رسائل إلى طلّابك، أنّك ضمّنتَها اللمسات الشخصيّة. لن يكون ذلك مصدر راحة لهم فحسب، بل يمكن أيضًا أن يخلق ثقافة صفّيّة أكثر إيجابيّة، ويشجّع الطلّاب على التواصل لطلب المساعدة: "على سبيل المثال، ضمّنتُ محتوى لتقديم التشجيع العامّ بقول أشياء مثل "لا تستسلم، أوشك الفصل الدراسيّ على نهايته، وسوف يُؤتى عملك الجادّ أكُله"، أو أُخبِر الطلّاب بأنّي سعيدة بمساعدتهم بمختلف الطرق.

 

رابط المقال: How Tone of Voice Shapes Your Classroom Culture How Teacher Tone of Voice Shapes Classroom Culture | Edutopia