غدير الربضي- معلّمة لغة عربيّة- الأردن
غدير الربضي- معلّمة لغة عربيّة- الأردن
2023/10/19

لو كنت طالبةً اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟

لا يستطيع أحد أن ينكر فضل معلّميه، أو فضل مدرسته مهما كانت طبيعة الخدمة التعليميّة التي قدّمت إليه، ولا سيّما حين أتحدّث عن نفسي عندما بدأت رحلة تعلّمي مع بداية الثّمانينات من القرن الماضي؛ أيّ مع بداية النهضة التعليميّة في الأردن. حينذاك، كانت الهيئة التدريسيّة والإداريّة في مجملها من أبناء مدينتي وبناتها، ولربّما من الأقارب أيضًا، لنشعر أنّنا ننتقل في كلّ صباح من بيتنا محلّ سكننا، إلى بيتنا محلّ تعلّمنا. من هنا، كانت الأخطاء ممنوعة، والتعلّم لا يحتمل المحاولة أو التّجريب أو الاستكشاف. كنت أشعر بالمسؤوليّة الكبيرة، وأرى التعلّم مهمّة عليّ إنجازها وتنفيذها لأحظى بفرص أفضل في الحياة. وكانت الأحلام بالنسبة إليّ قابعة هناك بين صفحات الروايات العربيّة أو المترجمة، أحظى بالتمتّع بها وقت خلوتي الخاصّة، لتبقى حبيسة مشاعري وأفكاري. كنت أتمنّى أن تحدث المعجزات ليتغيّر نهج مدارسنا وتفكيرها وأسلوبها، فيحصل أبنائي على تعلّم يحفّز التفكير ويصقل الشخصية، وينقل الأحلام لتصبح حقيقة تناقش وتطبّق داخل الغرف الصّفيّة وخارجها. فتنتقل الموادّ الدراسيّة من حيّز النظريّات إلى حيّز التّطبيق العمليّ والحياة، وبذلك تكون الفرص متاحة أمام المتعلّم ليصقل مهاراته الحياتيّة والاجتماعيّة العاطفيّة، ويستمتع بتعلّمه القائم على تطبيق الاستراتيجيّات المواكبة لحاجته. وهذا يلخّص باختصار شكل التّعليم الأحبّ إلى قلبي.

 

إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟

جاءت البرامج التعليميّة الحديثة لتواكب الحاجة الملحّة إلى مواكبة تطوّر حياة الأفراد على جميع الأصعدة، ولتكون الجسر الذي يعبر بأبنائنا الطلبة من التعلّم القائم على رغبة المعلّمين، إلى التّعلّم المبني على حاجاتهم. فلم تعدّ العمليّة التّعليميّة التّعلّميّة مقتصرة على تعليم المعارف العلميّة، بل أصبحت الحاجة إلى تدعيم هذه المعارف بتعليم مهارات حياتيّة واجتماعيّة تدعم وترفد هذه العمليّة. وكانت البرامج التعليميّة الحديثة هي الوسيلة إلى ذلك، لتجعل من متعلّم اليوم متعلّمًا للحياة.

 

كيف تحدّدين أهمّيّة دورك، معلّمةً، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟

نشهد اليوم ثورة تكنولوجيّة كبيرة، وأهمّها ثورة الذّكاء الاصطناعيّ، والذي طرق جميع أبواب الحياة. وظهرت معه معالم جديدة في حياة الأفراد، لتبدأ معه عمليّات الاستبدال والاستغناء، خصوصًا أنّها تحاكي "الحاجة" المتغيّرة فينا. وبما أنّنا نتحدّث عن حاجاتنا، فإنّ ما نعيشه في ظلّ هذه التطوّرات السريعة تلبّي حاجات متنوّعة، إلّا أنّها ستبقى عاجزة عن تلبية حاجاتنا الإنسانيّة والعاطفيّة والاجتماعيّة، ما يضمن لي كمعلّم مكانة من الصّعب استبدالها أو إلغاء وجودها، بل إنّها تضمن لي تطويع كلّ ما هو جديد لتطوير العمليّة التعليميّة التعلّميّة.  

 

متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟

تحتاج الممارسة التعليميّة بين الحين والآخر إلى تقييم هادف، يدفع ويدعم تطوّر الجوهر التعليميّ: الطّالب، والمعلّم، والمحتوى. ويعتبر الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة عندما يأخذ دور إبراز نقاط القوّة لدى المعلّم، ومعالجة نقاط الضّعف إن وجدت، من خلال النقاشات الموضوعيّة والدلالات الواضحة، ويكون بمثابة وقفة تأمّل لتقديم تغذية راجعة قائمة على بناء خطّة تطويريّة تدعم العمليّة التعليميّة.

 

ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟

تظهر النزاعات كنتيجة لوجود سبب "مؤثّر"، ويكمن حلّها في معرفة الأسباب ومعالجتها. ومن الطرق المعروفة لحلّ هذه النّزاعات، مجموعة من المفاتيح يستعملها المعلّم داخل الغرفة الصفّيّة، تبدأ بالاستماع بتمعّن إلى الأطراف المتنازعة، وإظهار التّعاطف، والّذي من خلاله نركّز على المشاعر الكامنة بدلًا من التّركيز على موضوع الخلاف، وصولًا إلى الاعتراف بالخطأ والاعتذار، والاتّفاق على وضع الحلول. وقد تحتاج بعض النزاعات إلى تدخّلات أكبر تشمل دائرة قسم الإرشاد، وقسم شؤون الطلبة والإدارة والأهل.

 

هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟

يعتبر التنوّع في الأساليب التعليميّة وسيلة المعلّم الميسّر الذي يؤمن بالتعلّم المتمركز حول الطّالب، واستخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس واحدة من هذه الأساليب، وتعتمد إيجابيّتها على أسلوب تطبيقها وكيفيّة تيسيرها لتحقيق الأهداف، وتكمن حدودها بالنّسبة إليّ في ملاءمتها وسلامتها.

 

هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟

تتمّ العمليّة التعليميّة - التعلّميّة ضمن تضافر جهود مجتمع مدرسيّ متكامل متعدّد الأطراف: هيئة تدريسيّة وإداريّة، وأولياء أمور، في حلقة مستمرّة ومتناغمة، تحدّد خلالها المهام. فعلى الأسرة توفير بيئة بيتيّة داعمة وآمنة، ومتابعة لتعلّم الأبناء ضمن حدود واضحة وخطّة مدروسة متّفق عليها بين المدرسة وبين أولياء الأمور، شرط ألّا يتمّ تجاوز هذه الحدود. ولا ننسى ضرورة تواجد الأسرة، وانخراطها في الأنشطة المدرسيّة الدّاعمة للأبناء، لنضمن بذلك تدخّلًا إيجابيًّا داعمًا ومفيدًا.

 

هل تجدين أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟

الكتاب المدرسيّ مرجع ومصدر، كباقي المصادر الداعمة للعمليّة التعليميّة - التعلميّة، يُتناول لتحقيق الأهداف والنتاجات المطلوبة. وتتفاوت طريقة الرّجوع إليه حسب النّظام المتّبع في المدارس. وأعتبر عمليّة إنشاء وحدات دراسيّة في بعض الأنظمة، نوعًا من المقاربة في تحديد مرجع ومصدر ليس ببعيد عن وجود كتاب مقرّر. لكنّني أجزم أنّ المعلّم هو من يطوّع الكتاب بتفعيله لتنمية المهارات المطلوبة، ووجود الكتاب مرجعًا يعدّ إضافة مطلوبة.

 

كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟

يقضي الطّلبة في معظم المدارس في وقتنا الحاليّ، حوالي ثماني ساعات، خلالها يتلّقى التعليم المتنوّع الذي تتخلّله استراحات وأنشطة إثرائيّة. وهذه الفترة الزمنيّة ليست قليلة، لكنّنا نتحدّث اليوم عن التعليم القائم على تطبيق استراتيجيّات متنوّعة تجعل من وقته أكثر متعة وفائدة. لكن، علينا أن نعترف أنّه تتبع هذه السّاعات ساعاتٌ أخرى لتكملة الدراسة وحلّ الواجبات والاستعداد للتقييمات في المنزل أيضًا. لذا، حبّذا لو كانت ساعات الدوام المدرسيّ الطويلة هذه مقسّمة بين إعطاء الموادّ الدراسيّة، وإنهاء الطّالب دراسته وواجباته في المدرسة قبل عودته إلى المنزل.

 

صِفي لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمةً عنوان رواية لذلك، وأخبرينا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.

قرأت الكثير من الروايات والكتب، وجميعها ترك أثرًا في صقل شخصيّتي كمعلّمة، وتعزيز الكثير من المفاهيم لديّ، وأحببت أن أشارككم الحديث عن كتاب قرأته قبل حوالي السنتين، يحمل عنوان: "هذا الكتاب سيؤلمك"، للكاتب البريطاني آدم كاي، لما احتواه من قيم لامست مسار التعليم في مدرستي، والقائم على تنمية المهارات الحياتيّة إلى جانب الأكاديميّة. فقد دعا الكاتب القارئَ إلى التأمّل بعبارات كثيرة تعكس مواقف وقيمًا مهمّة، أذكر منها:

1. التعثّر أحيانًا يكون سببًا في النجاة.
2. تمتّع بالجديّة واللّطف في العمل، وحافظ على توازن هذا المزيج.
3. قدّم القدر المناسب من المعلومات.
4. التدقيق في التّفاصيل قد يحجب عنك متعة العمل.
5. ثقّ بنفسك.
6. فكّر خارج الصّندوق.
7. الوقفة مع الذّات وسيلتك للاستمرار.