التعليم في لبنان خلال جائحة كورونا: نظرة نقديّة
التعليم في لبنان خلال جائحة كورونا: نظرة نقديّة
علي محمد عيسى | استاذ رياضيات-لبنان

مع بداية القفزة التكنولوجيّة الهائلة، ظهرت الحاجة إلى ابتكار طرائق تعليم حديثة تواكبها. لذلك، نودي إلى تفعيل التعليم الإلكترونيّ الذي أجمع التربويّون أنّه أصبح من متطلّبات القرن الحادي والعشرين، إذ أضحى استخدام الحاسوب، والإنترنت، والوسائط المتعدّدة، وآليّات البحث وغيرها في الفصل الدراسيّ يتزايد بصورة مقبولة. كلّ ذلك بهدف إيصال المعلومة للطالب بأقصر وقت، وأبسط صورة، وأقلّ جهد، وأعلى فائدة. تحاول هذه المقالة عرض خطّة وزارة التربية والتعليم اللبنانيّة، وقراءتها بصورة ناقدة، والإشارة إلى أبرز التحدّيات التي تواجه العام الدراسيّ الجديد في ظلّ الجائحة.

 

الاستجابة الأوّليّة

أدّت الجائحة إلى قصور المدارس والثانويّات عن متابعة التعليم في صفوفها، في سبيل المحافظة على التلاميذ من تفشّي الجائحة بينهم. واضطرّت المدارس إلى تطبيق التباعد الجسديّ مستعيضةً عن التعليم التقليديّ اليوميّ (الحضوريّ)، بما أطلق عليه "التعلّم عن بعد في ظل الظروف الصحيّة الاستثنائيّة التي يمرّ بها لبنان بسبب فيروس كورونا" وفق ثلاثة مسارات (التعميم رقم 15، 2020)، طرحتها وزارة التربية والتعليم في لبنان، وهي:

 

البثّ التلفزيونيّ: وهدفه إيصال المحتوى التعليميّ لأكبر عدد ممكن من المتعلّمين، خصوصًا من لم يتوفّر لديهم الإنترنت، وقد اقتصر فيما بعد على صفوف الشهادتين المتوسّطة والثانويّة.

المنصّات الإلكترونيّة: هدف هذا المسار تأمين التواصل التفاعليّ بين المعلّم والمتعلّم، وقد حُددّ له منصّة Microsoft teams في حال تحصّل دخول مجانيّ إليها، واستعيض عنها في كثير من المدراس بتطبيق "واتساب" لتوفّره مع الأهل كلّهم، وذلك بإرسال المحتوى التعليميّ بملفّات بصيغة pdf، بالإضافة إلى تسجيلات صوتيّة ومرئيّة "فيديو".

التواصل عبر الوسائل التقليديّة: هدف هذا المسار إيصال نسخة من المحتوى التعليميّ ورقيًّا، ولم يُعمل بهذا المسار.

 

كان المطلوب بعد انتهاء العام الدراسيّ 2019-2020 أن تُدرَس التجربة ويقيّم ومدى فاعليّتها، ويُبحث عن الثغرات فيها، وكان هذا واجب الطاقم التعليميّ كلّه؛ من وزارة، ومدارس، وثانويّات، وهيئات إداريّة وتعليميّة، ليصار إلى وضع خطط واستراتيجيّات للانطلاق في العام الدراسيّ القادم 2020-2021 بصورة سلسة متناسقة تضمن تعليمًا ذا جودة يجعل الطالب متمكّنًا متفاعلًا.

 

أسئلة للعام التالي

رغم تسارع التكنولوجيا وكثرة طرق التعليم، ما نزال نمارس التعليم وفق المناهج الأولى، وطرق التدريس التي وضعت سنة 1964 في لبنان، أو مع بعض التطوير الذي طال المناهج سنة 1998. ومع أنّ هدف التطوير كان مواكبة أساليب التدريس الحديثة، إلّا أنّ آمال التطوير وخططه حُبست في أدراج الهيئات والروابط.

هنا، تبرز أسئلة ملحّة لا بدّ من طرحها، لينطلق العام الدراسيّ 2020 -2021 بصورة سليمة سلسة، وهي:

  1. كيف ستكون صورة الفصول الدراسيّة؟
  2. هل لدينا خطّة واضحة لتحقيق الموازنة بين سهولة استعمالنا للتكنولوجيا، والمنهاج المدرسيّ؟
  3. هل من الممكن أن تكون الأدوات الرقميّة خيارًا متاحًا دومًا؟

 

خطّة الوزارة

في 8 حزيران 2020 نشرت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانيّة خطّةً للعودة إلى المدرسة للعام الدراسيّ 2020 -2021. وفي 15 تموز 2020 عرضت الخطّة من قبل مدير عام التربية أمام الشركاء (اليونيسيف، ومفوضيّة الأمم المتحدّة لشؤون اللاجئين، والبنك الدوليّ، واليونيسكو في بيروت، ووزارة التنمية الدوليّة في المملكة المتحدّة، ومشروع كتابي، ومنظّمة الصحّة العالميّة) وتضمنت الخطّة ثلاثة تحدّياتٍ رئيسةً: تداعيات الأزمة الاقتصاديّة وأثرها لناحية زيادة الطلب على التعليم الرسميّ، وتدارك ومعالجة تأثير الجائحة على انتظام العام الدراسيّ 2021-2020، وفتح المدارس بطرق آمنة ضمن بيئة صحيّة سليمة. وثلاثةَ سيناريوهات، هي: فتح المدراس بصورة طبيعيّة مع توفير مقاعد للطلبة جميعهم وضمان الوضع الصحيّ الآمن، والتعلّم عن بعد حصرًا طوال العام الدراسيّ، و فتح المدارس جزئيًّا وتطبيق التعلّم عن بعد/ التعليم المدمج. ولغرض التعامل مع هذه التحدّيات والسيناريوهات جرى تشكيل ستّ فرق عمل بإشراف ومتابعة من وحدات الوزارة المركزيّة والمناطق التربويّة والمدارس. توزّعت وفق الانشغالات التالية: العودة إلى المدارس، التعليم والتعلّم، توفير الموارد البشريّة، القدرة الاستيعابيّة والبنى التحتيّة، المحافظة على صحّة الطلّاب، التواصل والإعلام.

 

تحدّيات تواجه الخطّة

بالرغم من تضمّن الخطّة لتحدّيات ثلاثة كبرى، إلّا أنّ فكر كلّ مهتمّ بتعليم الناشئة يضجّ بالكثير من التحدّيات اليوميّة الخاصّة والعامّة التي ستواجهه. منها على سبيل المثال، لا الحصر:

تحدٍّ تخطيطيّ يرتبط باستراتيجيّة الوزارة، أو مركز الإرشاد والتوجيه والمركز التربويّ لإيجاد رؤية عمليّة للرجوع إلى المدرسة بصورة سلسة.

تحدٍّ تنظيميّ يبحث في دور الهيئة الإداريّة في عمليّة التعليم عن بعد، أو التعلّم المدمج.

تحدٍّ تعليميّ تكنولوجيّ يرتبط بمفهوم التعلّم والتعليم بصورتهما المدمجة، ومدى استعداد الهيئة التعليميّة له، فالتعليم المدمج يحتاج تخطيطًا أوسع، وتوزيعًا للمقرّر بصورة أسلس، وتحضير الموادّ الرقميّة ورفعها.

تحدٍّ طبيّ لوجستيّ يتعلّق باستعداد الهيئتين الإداريّة والتعليميّة في حال ظهور حالات كورونا في المدرسة.

تحدٍّ نفسيّ يوميّ يرتبط بالمعلّم والموظّف، إذ إنّ الإحصائيّات أفادت أن الجائحة تطال الكبار أكثر من الصغار، أي المتعلّمين.

تحدٍّ مكانيّ تنظيميّ لتأمين التباعد بين الطلّاب في الممرّات الضيّقة، والملعب، وعند شراء الطعام.

تحدٍّ معرفيّ يهدف إلى التأكيد على وضع مخطّط قصير الأمد لتعويض الكفايات المعرفيّة التي يحتاجها المتعلّم في بداية العام الدراسيّ.

تحدٍّ أسريّ قد يحدث بامتناع بعض الأسر عن إرسال أولادها إلى المدرسة بذريعة الخوف، أو ضعف المناعة. وقد يكون الخوف سبب خسارتهم عامهم الدراسيّ ما لم توضع خطّة للتعويض العلميّ من المدارس لهذه الحالات.

 

ومع كثرة التحدّيات، ثمة تعويل مستمرّ على قدرة المعلّمين والمعلّمات على إيجاد حلول لمواجهتها، انطلاقًا من القناعة بأنّ التحدّي الحقيقيّ الموجود دومًا هو في رفع سويّة التفكير للتطوير والإبداع.

 

عام دراسيّ ضبابيّ

وفق النشرة الإحصائيّة للعام الدراسيّ 2019 -2020 التي نشرها المركز التربويّ للبحوث والإنماء بلغ عدد التلاميذ  1069826 توزّعوا وفق الجدول الآتي في قطاعات التعليم في لبنان:

 

التعليم في لبنان

 

بعد أن صرّحت وزارة التربية أنها ستعتمد منصّة Microsoft teams، أصبح لكلّ معلّم ومتعلّم رقم خاص يعمل كاسم مستخدم Username وكلمة مرور Password، خضع معلّمو المدارس الرسميّة فقط في أراضي الجمهوريّة اللبنانيّة كافّة لدورة واحدة مقدارها حصّة واحدة. وقد استمرّ التدريب بين 20 آذار و20 نيسان من 2020 بتقسيم المعلّمين إلى مجموعات. وتضمّنت حصّة التدريب كيفيّة استخدام المنصّة. هذه الحصّة لم تكن كافية لبعض المعلّمين لجعل المنصّة مسارًا معتمدًا في التعليم، إذ إنّ بعض المعلّمين يعاني من ضعف في استخدام الوسائل التكنولوجيّة. كذلك، لاقت المدراس الرسميّة للمرحلة الأساسيّة صعوبةً في تدريب المتعلّمين على التفاعل مع المعلّمين، فأغلبهم لا يملك أجهزة حاسوب أو أجهزة رقميّة تمكّنهم من التعلّم والتواصل.

واجه المعلّمون أنفسهم صعوبات، منها: إنتاج موارد رقميّة وغير رقميّة، فهذه الإنتاجات تحتاج قدرًا من الاختصاص، وإن استخدام موارد رقميّة من الإنترنت يحتاج بدايةً أن تكون متضمّنة لمحتوًى تفاعليّ مرتبط بالمنهج اللّبناني، وهذا شرط أساسيّ لنجاح التعلّم عن بعد وفعاليّته. أمّا في المرحلة الثانويّة، فقد اختلف الأمر بين معلّم وآخر في الثانويّة نفسها، فالمنصّة لم تكن مفعّلة بالكامل للهيئة التعليميّة كلّها.

 

لانطلاقة سليمة

ولكي ينطلق العام الدراسيّ 2020-2021 بصورة سليمة وفق صيغة التعليم المدمج (البديل الأكثر ترجيحًا)، يحتاج المتعلّمون والمعلّمون إلى متابعة من الدولة اللبنانيّة عبر وزارة التربية والوزارات المعنيّة بالتعليم، من خلال العمل على مرحلتين، تتضمّن أولاهما:

 

  • تأمين مجانيّة الإنترنت التعليميّ السريع عبر التواصل مع وزارة الاتصالات والهيئات المرتبطة، وتنفيذ مرسوم الإنترنت المجانيّ.
  • تأمين التيّار الكهربائيّ (يعاني لبنان من أزمة مزمنة في هذا الشأن، ولا حلول جديّة من جهة وزارة الطاقة)
  • دعم السلّة التربويّة (قرطاسيّة وكتب وقصص وحقيبة وتوابعها في حال كان بالإمكان بدء التعليم الحضوريّ)، وتحديد المواضيع/ الكفايات المستمرّة بين الصفوف.
  •  تقليص استثنائيّ للمنهاج ينطلق من مراجعة مدروسة لمحتوياته وتحديد الأولويّات. وبقليل من الاستفاضة هنا، لا بدّ من طرح فكرة تطوير المناهج على نار حامية، وهي التي لم تتعرّض لتغيير جوهريّ منذ 1998، حيث إنّ التخمة في الموادّ التدريسيّة لم تعد مجديةً، مثلًا من الممكن تعويض كتاب التاريخ بوثائقيّات يصاحبها تقييم من خلال بحث فرديّ أو تشاركيّ، كما يمكن إحلال مخابر تعمل بالمحاكاة الرقميّة مكان بعض جزئيّات المخابر الصفيّة الماديّة، وكذلك تطوير تعليم اللغات الأجنبية بطرق تختلف عمّا هو متّبع الآن، على الأقلّ في المدراس الرسميّة؛ لأنّه وبالرغم من مشاطرتها للغة العربيّة عدد حصص التعليم الأسبوعيّة، لم تسهم بجعل المتعلّم ناطقًا بها بصورة فاعلة، أو قادرًا على فهم الموادّ العلميّة (تدرّس الموادّ العلميّة بإحدى اللغتين الفرنسيّة أو الإنجليزيّة).
  • تدريب المعلّمين والمتعلّمين والأهل وغيرهم من المعنيّين على المقاربة الجديدة بكامل أبعادها.

أما المرحلة الثانية فتتضمّن:

  • تعزيز التعلّم الرقميّ، وشراء موارد تربويّة رقميّة أو إنتاجها.
  • تأمين الكتاب المدرسيّ الوطنيّ بصيغ رقميّة للمعلّمين والطلّاب.
  • تأمين التجهيزات اللازمة (حاسوب، هاتف ذكيّ أو غيرهما). يشار هنا إلى أنّ وزارة التربية والتعليم في لبنان باشرت بتأمين أجهزة حاسوبيّة لمعلّمي المدارس الرسميّة، وتطمح إلى تأمين ما يكفي للتلاميذ عبر جهات عدّة، لكن يحول الواقع الاقتصاديّ المتأزّم دون تأمينها، أو دون تأمينها في الوقت اللازم.

 

خاتمة وفاتحة أمل

إنّ الأزمة التي تسبّبت بها جائحة كورونا تشكّل فرصةً لتطوير التعليم، الذي يشمل مثلًا تطوير المناهج وطرق التدريس، انطلاقًا من الاهتمام بالطالب في المقام الأوّل، عبر دمج الحاسوب (المعلوماتيّة) ومنهاج المهارات الحياتيّة، ومنهاج المهارات المهنيّة مع المنهاج العامّ، بالإضافة إلى تنمية مهاراتِ التفكير الناقد والتواصل والإبداع.