ما الذي غيّرته الحروب والأزمات المُختلفة في العالم العربيّ، في نظرتك إلى التعليم؟
التعليم جزء من الحياة، وفقدانه يعني فقدان الحياة. الحروب أنهكت المعلّم والمتعلّم على حـــدّ سواء، قتلت حسّه الذي وجب علينا بوصفنا مربّين أن نعيد تجديده وإحياءه من جديد. الحــــــــروب والأزمات المختلفة في وطننا العربيّ جعلتني أكثر إصرارًا على المضيّ قدمًا بالعمليّة الــــتعليميّة نحو القمّة. هناك أطفال ينتظروننا، يريدون التعلّم، يحتاجون أحضاننا وعواطفنا. هناك عـــائلات لاتريد منّا شيئًا سوى "نهل العلم"، فالعلم جزء من النجاح، وجزء من التطوّر.
ما الذي تتمنّى لو يعرفهُ صنّاع القرار عن واقع المعلّمين اليوم؟ لماذا؟
باختصار، واقع المعلّم في الوطن العربيّ يحتاج من صنّاع القرار فهم حِسّه وشعوره وهــو يؤدّي تلك الأمانة التعليميّة بجدّ واجتهاد، بالرغم من وجود عقبات تصادفه أثناء أداء مهــــامّه، لأنّ إحساس المعلّم مثل القلب في الجسم، ضياعهُ يعني ضياع عمليّة التلقين والأخذ. يجـــبُ أن نفهم المعلّم، ونتضامن معه، ونشعره أنّه أساس العمليّة التعليميّة. يجب أن نوفّر له الأجـــــــــواء المريحة من أجل القيام بالرسالة المنوطة به.
هل ما زال الكتاب المدرسيّ مصدرًا أساسيًّا للتعليم في صفّك؟
بالطبع، لأنّ الكتاب جليس المعلّم والمتعلّم على حدٍّ سواء، بالرغم من دخولنا عصر التقنيّـة والرقميّة، خصوصًا مع ظهور ما يسمّى بتطبيقات الذكاء الاصطناعـــــــــــــيّ "Artificial intelligence" التي وجب علينا استغلالها في العمليّة التلقينيّة التعليميّة، وكذا أخلَقَتهــــــا وتقنينها، بمعنى توظيفها بحذر شديد مع المرافقة والتوجيه والبحث، بصدد القيام بدراســـــــــــة حول توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ في العمليّة التعليميّة تحت إشراف وزارة التربيــــــــة الوطنيّة في الجزائر.
هل سبق وفكّرت بالاستقالة من المهنة؟ ما الذي جعلك تبقى؟
طبعًا لم أفكر البتّة في الاستقالة بالرغم من الصعوبات والعوائق التي صادفتها، لأنّني أشعــــر دائمًا أنّني الأيقونة والعجلة الدافعة لعمليّة تعليم المتعلّم وتلقينه. لا يمكن فقدان الأمل فـــــــــي المضيّ قُدمًا نحو الأمام، فالمعلّم لديه رسالة يجب ألّا يُفرِّط فيها ويتركها حتّى ينهيهــــــــــا.
ما هي أهمّ المهارات التي يجب أن نُدرّب المتعلّم عليها في عصر الذكاء الاصطناعيّ؟
بدايةً دعونا ننطلق من التواصل اللغويّ وتوظيفه بمختلف لغات العالم، خصوصًا الإنجليزيّة، وكذا التفكير النقديّ القائم على التحقّق من الحقائق الواردة، والإيجابيّة والتفاؤل فـــــــــي توظيف تقنيّات الذكاء الاصطناعيّ (Ai)، والمهارات التقنيّة للتوظيف، من لغات برمجة وغيرهـا، وخوارزميّات التعلّم الآليّ والذكيّ، وكذا التعلّم الدائم والمستمرّ لإيجاد القرارات الملائمـة والفعّالة، وتصوّر البيانات وهندستها، والتعلّم العميق والشبكات العصبيّة وغيرها. بصفة عامّة، يجبُ أن نأخذ هذه المهارات من منطلق استخدام تقنيّة (Ai) للتفوّق والفهم البشريّ الــــذي يمثّل الأساس، وليس الذكاء الآليّ الخالي من العواطف والأحاسيس.
ما أهمّ استراتيجيّاتك في شدّ انتباه المتعلّمين؟
بصفتي معلّمًا ومهتمًّا بالشأن التربويّ، أُحبّذُ تنويع الوسائل التعليميّة التلقينيّة داخل الصــــــــفّ، مثل طرح أسئلة عفويّة تتماشى مع سياق الدرس وموضوعه والهدف المنشود من ورائه، وتغــــيير طريقة الطرح والكلام والنبرات الصوتيّة داخل الصفّ، لإشعار المتعلّمين بجديد يطرأ عليهــم ويدغدغ أفكارهم وتعلّماتهم أثناء العمليّة التلقينيّة، واستخدام الصور والقصص الهادفـــة، واعتماد عامل الضحك والمدح العفويّ الخُلقيّ لإعطاء التعليم مستوى من التشويق والدافعيّة لإنجاح العمليّــــة التلقينيّة.
هل ما زال تعبير "ضبط الصفّ" مناسبًا برأيك؟
طبعًا قد تكون مصطلحات مثل "ضبط" أكثر المصطلحات تعقيدًا في العمليّة التعليميّة داخـــــــل الصفّ، وأكثرها نسْفًا للعلاقة التواصليّة بين المعلّم والمتعلّم. قد أسمّيها عمليّة "تهيئة الصفّ" أو "إدارة الصفّ" أو "إرشاد الصفّ وتوجيهه"، من منطلق عمليّة جذب المتعلّمين بطريقــــة تواصليّة تحتضن سلوكهم وأهدافهم وابتكاراتهم التعليميّة، وتُحقّق لهم الاستفادة القصـــــوى بالتعلّم والاجتهاد.
ما الذي يجعلك تضحك في المدرسة على الرغم من الضغوط؟ لماذا؟
طبعًا علاقتي في الصفّ مع طلّابي مثل علاقتي بأبنائي داخل البيت، أغضبُ ثُمّ يلينُ قلبي لسبب واحــــــــد، وهو أنّني ذلك الأب الحنون الذي لا ينبغي أن يواجه العمليّة التعليميّة التلقينيّة لأبنائه بمزاج يُفسدها ويُؤثّر فيها مستقبلًا. أضحكُ دائمًا لهم لأنّهم أساسُ العمليّة التعليميّة وعطرُها، أتقاســـــــمُ معهم أفراحهم وأحزانهم لكونهم الشعلة أو الشمعة التي تجعل المعلّم لا ينطفئ.
أكثر مقال تربويّ أعجبك قرأته في صفحات مجلّة منهجيّات أو غيرها، ولماذا أعجبك؟
العديد، وأُقرُّ أنّني لستُ مجحفًا في حقّ الأقلام الرائعة التي كتبت في مجلّتكم العلميّة الــبحثيّة الراقية رقيّ أفكاركم. ولكن هناك مقالة رائعة للأستاذ محمّد المستـاري الذي وضع الإصبع على موضع الجرح، ليعدّد لنا أنماط الشراكة بين المدرسة وأولياء الأمــــور أو الأهل بدعوته إلى ضرورة تعزيز العلاقة بينهما، ومقاسمة الأدوار التربويّة كلٌّ حســب مسؤوليّاته. وكذلك مقال محكم للدكتورة نورا مرعي موسوم بـ "الذكاء الاصطناعـــــيّ: فوائدٌ وهواجسٌ"، يضعُنا بين المعرفة الحقّة لهذا المصطلح وكيفيّة تعاملنا معـه بإيجابيّة، وأن نضع الخوف جانبًا بالسعي وراء أخلقَة مضامينه وتقنينها.
إذا كتبت يومًا كِتابًا عن تجربتك في التعليم، ماذا سيكون عنوانه؟ لماذا؟
سأظلُّ وفيًّا لمبدأ الرسالة المنوطة بي، سأكتبُ كتابًا معنونًا بـ "رسالة من قلب معلّم"، لأنّه نابع من إحساس المعلّم العطوف الذي بالرغم من العوائق التي تصادفه، إلّا أنّه يضعُ مشاكلـــــه جانبًا ليُبحر في قلب أطفاله أو طلبته، ويسعى دائمًا وجاهدًا لإسعادهم ونجاحهم.


