روزين رزق- معلّمة ومنسّقة مادّة اللغة العربيّة- لبنان/ قطر
روزين رزق- معلّمة ومنسّقة مادّة اللغة العربيّة- لبنان/ قطر
2023/06/15

برأيكِ، ما هو دور سياسات المدرسة وإدارتها في خلق الجوّ الملائم لتكامل العمليّة التعليميّة؟

لا بدّ لأيّ سياسة توضع في المدرسة من إشراك المجتمع المدرسيّ في صياغتها، وأن يكون لكلّ واحد منهم صوت. على سبيل المثال، لا يمكن كتابة سياسة السلوك من دون العودة إلى الطاقم التدريسيّ والأهل والمتعلّمين، لأنّهم جزء أساس منها. كما أنّ تحديث أيّ سياسة في المدرسة أو التّعديل عليها يستوجب الأخذ بآراء الجميع وتأمّلاتهم، وبالتّالي سيكون أعضاء المجتمع المدرسيّ على دراية بتلك السياسات، ما سيؤثّر في خلق جوّ إيجابيّ في المدرسة كونهم ساهموا في بناء تلك السياسات، ولم تعد حصرًا على الهيئة الإداريّة فقط، وبالتالي سيشعر كلّ عضو من أعضاء المجتمع المدرسيّ بانتمائه إلى المدرسة، ما سيعزّز تكامل العمليّة التعليميّة، كون الجميع شركاء فيها.

 

بالعودة إلى التعليم الوجاهيّ، ما الممارسات والتقنيّات التي استعملتها في التعليم من بُعد وأبقيتِ عليها الآن؟

كحال السواد الأعظم من المعلّمين، بعد العودة إلى التعلّم الوجاهيّ ازداد توظيف التكنولوجيا ودمجها بشكل فعّال في الحصص الدراسيّة، وباتت ركنًا أساسيًّا من أركان الصفّ. خلال التعلّم عن بُعد، كانت التغذية الراجعة تُثبَت لكلّ تلميذ على عمله، سواء ملاحظة صوتيّة أو مكتوبة، فمع العودة إلى التعلّم الوجاهيّ كان لا بدّ من الاستمرار في تزويد المتعلّمين بالتغذية الراجعة الفرديّة، لما لها من أثر في أداء المتعلّم. هذا فضلًا عن تعزيز المهارات البحثيّة، واعتماد الألعاب التعليميّة، مثل "كاهوت" و"بلوكت" و"ورد ول" وغيرها.

 

كيف تخاطِبين الاهتمامات المتعدّدة للمتعلّمين، لا سيّما الشغوفون منهم بالفنّ والموسيقى والرياضة؟

ذات مرّة، قرأت مقالًا حول معلّم طلب إلى تلامذته بأن يكتبوا على ورقة "ماذا يريدون أن يصبحوا في المستقبل؟" ليحلّ المشاكل السلوكيّة في الفصل الدراسيّ. وبناء على إجاباتهم، قسّم المعلّم الصفّ مجموعات، ووزّع كلّ تلميذ على المجموعة التي تحمل اسم مهنته، فكان الطبيب، والمهندس، والرسّام، والرياضيّ، والمعلّم، والموسيقيّ، والجنديّ وغيرها من المهن، وفي كلّ مرّة كان يُنادي كلّ واحد منهم باسم مهنته المستقبليّة، وهذا خير دليل على أنّ لكلّ متعلّم توجّهه الخاصّ، وشغفه المميّز.  هذه التّجربة حاولت تطبيقها في صفّي لكن بمنحى مختلف، من خلال الكتابات الحرّة حول المواضيع التي يحبّونها، وإرفاقها برسومات تعبّر عنها، والعروض الشفهيّة، وحرّيّة تقديم المشاريع بالطريقة المناسبة لهم. وبما أنّني في مدرسة تتّبع برنامج السنوات الابتدائيّة، فالمعرض يعطي أولويّة للمتعلّمين لاختيار مواضيعهم وفق ميولهم وشغفهم، هذا بالإضافة إلى إعطائهم الفرصة للمشاركة في الاحتفالات المدرسيّة والمسابقات الرياضيّة على مستوى المدرسة ومدارس أخرى.

 

هل متابعة مستجدات علوم التربية شرط وحيد للمعلّم الناجح؟ لماذا؟

يعدّ الاطلاع على آخر مستجدّات علوم التّربية عنصرًا من عناصر النّجاح، لكنّه بالتّأكيد ليس الشّرط الوحيد للنّجاح. يوجد العديد من المعلّمين الّذين يحضرون باستمرار ورش عمل، ويطّلعون على آخر الممارسات التّعليميّة والأبحاث، لكن هذه المعرفة للأسف تبقى في إطارها النظريّ. فبالإضافة إلى التسلّح بالمعرفة والاطّلاع على كلّ ما هو جديد، توجد معطيات عدّة تسهم في نجاح المعلّم، منها: التواصل الإيجابيّ مع المجتمع المدرسيّ، التأثير الإيجابيّ والفعّال في المتعلّمين، الاتّصاف بالمرونة، والتأمّل المستمرّ بهدف التحسين والتطوير. 

 

ما التغيّرات التي لحظتها عند الطلبة بعد تجربة التعليم عن بعد؟ وكيف تستثمرين هذا التغيّر في تجديد مقاربتك التعليميّة؟

لا شكّ في أنّ التعليم عن بعد قد أحدث تغييرات في المعلّمين والأهل، فما بالكم في المتعلّمين؟ أصبح المتعلّمون قادرين على توظيف التكنولوجيا بشكل أفضل وبطريقة تدعم تعلّمهم، وبخاصّة عبر التطبيقات التي اعتُمدت خلال الجائحة. كما امتلكوا القدرة على الطباعة باللغة العربيّة، بالإضافة إلى توظيف مهاراتهم البحثيّة. في المقابل، فقد المتعلّمون العلاقات الاجتماعيّة المتينة في ما بينهم، لكن سرعان ما تعافَوا بعد عودتهم إلى التّعليم الوجاهيّ. لكن، ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه التّجربة قد أحدثت فارقًا في ممارساتي التعليميّة، ولا سيّما اعتماد التكنولوجيا ركنًا أساسيًّا في الصفّ، من تطبيقات وألعاب تعليميّة وغيرها.

 

من هو الطالب الشغوف بالتعلّم؟ وكيف توظّفين هذا الشغف في مادّتك أو الحصّة الدراسيّة؟

الطالب الشغوف هو الطالب المتسائل والفضوليّ؛ الذي يطرح أسئلة تدلّ على عمق في التّفكير.  الطالب الشغوف ليس بالضرورة أن يكون شغوفًا في كلّ الموادّ، فهناك الطالب الشغوف بالموادّ الأدبيّة، وآخر بالموادّ العلميّة، وثالث بالموسيقى وهكذا. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه ليس كلّ ناجح أو متفوّق يمكن أن يكون شغوفًا؛ فعندما أتحدّث عن الشّغف، يحضرني على وجه السّرعة طالب لديه شغف واضح في الكتابة. أذكر مرّة أنّي قلت لتلاميذي إنّنا اليوم سنكتب فقرة عن موضوع ما، فسمعته يقول "هذه لعبتي" والفرح يتلألأ في عينيه. وطلب أن يكتب نصًّا بدلًا من فقرة، ولم يكتفِ بنصّ، بل كتب صفحات من دون تعب أو كلل، وأصرّ على قراءة ما كتب لزملائه. الطّالب الشّغوف هو الطّالب الّذي يحوّل التّحدّي إلى متعة، والعمل إلى إبداع.

 

ما رأيك في ارتداء الطلّاب الزيّ الموحّد؟

الزيّ الموحّد في أيّ مؤسّسة سواء كانت تعليميّة أم لا، هو جزء من هويّتها. الزيّ الموحّد ينمّي لدى المتعلّمين الالتزام، كما أنّ ارتداءه يجنّب ظهور الفروق الاجتماعيّة والطبقيّة بين المتعلّمين، والّتي يمكن أن تؤدّي إلى زيادة التّنمّر، والعنصريّة، والحكم على الآخرين من خلال الشّكل الخارجيّ. كما أنّه يوجد العديد من المدارس الدوليّة الّتي يكون متعلّموها من جنسيّات متعدّدة وثقافات متنوّعة، فإذا تمّ إطلاق العنان للمتعلّمين بأن يرتدوا ما يشاؤون، فلكم أن تتخيّلوا المشهد. لكن، لا يمنع من وجود أيّام يُسمح فيها للمتعلّمين بارتداء ما يحلو لهم خلال الاحتفالات في المناسبات الوطنيّة، أو أنشطة مدرسيّة مرتبطة بالوحدات، أو حفل خيريّ للتّبرّع للمحتاجين، وغيرها.

 

ما مُمارساتك اليوميّة التي توظّفينها لتحقيق الرفاه المدرسيّ؟

كما تسعى المدرسة إلى إقامة بعض التجمّعات للمعلّمين لتوطيد العلاقات الاجتماعيّة وتحقيق رفاههم، فكذلك يفعل المعلّم مع تلاميذه. أنا من الأشخاص المؤيّدين لمقولة "معلّم سعيد، صفّ سعيد". تعدّ أنشطة كسر الجليد من الأنشطة المحبّبة لدى المتعلّمين، فهي أنشطة سريعة، ومرحة، وتضفي الحيويّة والحركة على جوّ الصّفّ. كما أنّ نشاط "اعرض وتحدّث" يتيح الفرصة أمام المتعلّمين للتحدّث عن أغراضهم المحبّبة، كذلك الاحتفال بالإنجازات الّتي بذل المتعلّمون خلالها مجهودًا عظيمًا، كما الحال في معرض السنوات الابتدائيّة، أو نهاية الوحدة البحثيّة. هذه الأنشطة تساعد في كسر الروتين، وتخلق جوًّا من الألفة بين المعلّم ومتعلّميه. هذا فضلًا عن وجود بيئة صفّيّة آمنة، والاستماع إلى آراء المتعلّمين، والأخذ بمقترحاتهم، وتزويدهم بالمصادر المناسبة وغيرها.

 

ما مجالات التطوير المهنيّ التي تطمحين إلى أن تشاركي بها؟ لماذا؟ 

إنّ غالبيّة ورش العمل التي تختصّ باللغة العربيّة، للأسف، أقرب إلى النّظريّات والمفاهيم منها إلى الممارسة والتّطبيق. على سبيل المثال، لا الحصر، بدلًا من أن نكتفي بتعريف القراءة الموجّهة والاستراتيجيّات المعتمدة لتطبيقها، يمكن تصوير حصص صفّيّة تدعم هذه الورشة، أو تنمذج طريقة تطبيقها خلال تقديم الورشة. كم من أحد حاول البحث عن فيديو لحصص باللّغة العربيّة تدعم إستراتيجيّات أو نظريّات أو... للأسف، معظم المحاولات باءت بالفشل. كلّ ورشة عمل لا تتضمّن الجانب العمليّ أو التّطبيقيّ تكون قد أخفقت في إيصال المحتوى. ما نرغب به كمعلّمين هو اقتران المفهوم بالممارسة في أيّ ورشة تقدّم، كي تكون ذات جدوى.   

 

بماذا تنصحين شخصًا يريد أن يصبح معلّمًا؟ 

أن تكون معلّمًا ناجحًا هذا يعني أن تتّصف بالمرونة والقدرة على التأقلم والتكيّف مع المستجدّات، وأن تكون على اطلاع مستمرّ على الممارسات التعليميّة الحديثة والأبحاث. أصبحنا في عصر كلّ شيء فيه سريع، والمعلّم الذي يقف عند معلوماته سيقع في فخّ التقليد، وسيفوته قطار التجديد.